»

مترجم: فيدرالية كانتونات، مناطق ذاتية الحكم؟ فجأة الكل يتحدث عن تقسيم "إسرائيل"

10 أيار 2023
مترجم: فيدرالية كانتونات، مناطق ذاتية الحكم؟ فجأة الكل يتحدث عن تقسيم "إسرائيل"
مترجم: فيدرالية كانتونات، مناطق ذاتية الحكم؟ فجأة الكل يتحدث عن تقسيم "إسرائيل"

موقع الملتقى الفلسطيني

 

ايتاي مشياش - تقديم وترجمة غانية ملحيس/ أيار 7، 2023

 

نشرت صحيفة هآرتس الاسرائيليّة في 5/5/2023 مقالًا مهمًا لايتاي مشياش يلقي فيه الضوء على الجدل المتنامي داخل المجتمع الصهيوني، الذي يحفّزه الإحساس بالخطر الوجودي، والسّعي للحفاظ على استمراريّة الدولة الصهيونيّة وحمايتها من خطر التفكّك والاندثار، في ضوء اتّساع الفجوات بين مكوّنات المجمع الاستيطاني الصهيوني.

يشيرُ المقال إلى تنامي الوعي الصهيوني بتعذّر الإبقاء على الصيغة التي سادت في دولة "إسرائيل" خلال ال75 عامًا الماضية. خصوصًا في ضوء فشل خطة بن غوريون "بوتقة الصهر"، وتنامي الفوارق بين المكوّنات العرقيّة والطائفيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة والثقافيّة في المجمع الصهيوني. وتزايد الوزن الديموغرافي لليهود الشرقيين والمتدينين، وتنامي قوتهم السياسية. بالتوازي مع تزايد أعباء إعالتهم، بالنظر إلى محدوديّة إسهامهم في الأعمال الدنيويّة/ الاقتصاد والدفاع.

الكاتب لفت إلى تعاظم قلق اليهود الأشكناز، والعلمانيين، والمتدينين من انحسار وزنهم الديموغرافي والسياسي، وتزايد ميلهم للانفصال في كانتون يتمتع بحكم ذاتي موسّع يشمل التعليم والثقافة والأحوال الشخصية والاقتصاد والميزانيّة، ويشترك مع باقي المكونات العرقيّة والطائفيّة اليهوديّة في اتّحاد فيدرالي تقتصر مهمته على الأمن والعلاقات الخارجيّة.

اللافت في الجدل الداخلي الصهيوني السائد غياب كامل للمسألة الفلسطينيّة، والتعامل مع الشعب الفلسطيني في كامل فلسطين الانتدابية كطائفة هامشيّة وليس كشعب له حقوق وطنية وسياسية. ورغم الإشارات القليلة إلى الصراع الفلسطيني – الاسرائيلي. إلا أن الغالبيّة الصهيونيّة الساحقة لا ترى فيه خطرًا جديًا يستوجب التفكير في صيغ لحله. ويكاد يقتصر الاختلاف إزاءه بين العلمانيين والمتدينين الصهاينة على منهج حسمه. فيرى العلمانيون المدعومون من الحزب الديموقراطي الأمريكي والغرب الليبرالي جدوى التدرّج عبر "إدارة الصراع"، ومواصلة نهج الإبادة والاقتلاع والتغلغل الاستيطاني والاستحواذ على الأرض والموارد، الذي مارسته حكومات "إسرائيل" المتعاقبة. وتبنته رسميًا حكومة بنيت لابيد بالاسترشاد بنظرية ميكا غودمان "تقليص الاحتلال".

فيما يرى المتدينون المدعومون من ترامب والحزب الجمهوري الأمريكي والمسيحيين الإنجليين واليمين الأوروبي الفاشي ضرورة حسمه العاجل بالقوة "خطّة حسم الصراع" وفقًا لرؤية بتسلئيل سموتريتش، التي يتبناها أقطاب الائتلاف الصهيوني اليميني الحاكم، نتانياهو وسموتريتش وبن غفير.

من المهم إلمام الشعب الفلسطيني والشعوب العربية بالمأزق البنيوي للمشروع الصهيوني، الذي يكشفه الجدل الدائر حاليا بين قوى المعارضة الصهيونية وبين الائتلاف الديني اليميني الحاكم.

لكن الأهم فهم طبيعة المشروع الاستعماري الاستيطاني الصهيوني الاقتلاعي - الإحلالي الذي يستهدف كامل الوطن الفلسطيني وكافة مكونات الشعب الفلسطيني، وعموم المنطقة العربية. وتوظيف الوعي المعرفي بمكامن قوة العدو ومحاصرتها، ومواطن ضعفه وتعظيمها. والمسارعة فلسطينيًا في بلورة رؤية نهضوية ومشروع تحرري إنساني نقيض للمشروع الصهيوني ومؤهل لهزيمته. والثقة بأن مصير الاستعمار الاستيطاني الصهيوني هو الزوال، تمامًا كسابقه المشروع الاستيطاني الإفرنجي/ الصليبي. والإدراك بأن تسريع زواله رهن بالوعي الفلسطيني والعربي بضرورة العمل على توفير موجبات هزيمته. بتعزيز الصمود الفلسطيني المقاوم في أرض فلسطين، وتعزيز المناعة الوطنية العسكرية والسياسية والدبلوماسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتصويب البوصلة النضالية، وتوحيد القوى الوطنية ميدانيًا، وإنهاء الانقسام في النظام السياسي الفلسطيني. وإعادة بناء الحركة الوطنيّة الفلسطينيّة وتجديد شرعية منظمة التحرير الفلسطينيّة كإطار تمثيلي جامع لكافة مكوّنات الشّعب الفلسطيني، وتحديد الأهداف التحرريّة وأولويّات بلوغها بدقّة. وترجمتها إلى استراتيجيّات وخطط عمل وبرامج تنفيذية ترتبط بجداول زمنية معلومة تنفذ تباعّا. وبناء تحالفات مع قوى التحرر العربية، والإقليمية والعالمية واليهودية المعادية للصهيونية ولإمبريالية والعنصرية، والمناصرة للعدالة والسلام والمساواة.

 

مع تصاعد حركة الاحتجاج، يعتقد البعض أنه من المستحيل الاستمرار بالطّريقة السّابقة نفسها. تكثر المبادرات الجديدة لتقسيم البلاد.

يأتي ذلك في محادثات خاصّة، وهمس بين المتظاهرين في حركة الاحتجاج المناهضة للانقلاب، وهو يطفو على وسائل التواصل الاجتماعي: "حان وقت الانفصال". "إسرائيل" ويهودا وتكساس وكاليفورنيا: "نحن هنا وهم هناك".

خروج "إسرائيل" يبدو على غرار الخروج البريطاني "البريكست". يبدو أن الإحباط العام من الجمود السّياسي المتوتر يدفع أعدادا متزايدة من الإسرائيليين إلى الاعتقاد بأن الصدع بحاجة إلى أن يتحول إلى شيء حقيقي على الأرض: تقسيم البلاد.

في البداية، ربما بدا الأمر وكأنه استسلام لليأس، أو مجرد محاولة للاستفزاز. ومع ذلك، تحت السطح، تتطور بانوراما واسعة وملوّنة للمبادرات. إنهم لا يهدفون إلى تفتيت المجتمع بقدر ما يهدفون إلى إعادة تجميع أجزائه: تقسيم البلد على أساس نموذج فيدرالي، بحيث يمكن أن يظل متكاملًا. إن شئت، تقسيم من أجل الوحدة.

إن فكرة الحل الفيدرالي لـ"إسرائيل" ليست جديدة. قبل قرن من الزمان، دعا إيتامار بن آفي (الصحفي نجل الطليعي العبري الحديث إليعازر بن يهودا) إلى تبنّي النموذج السويسري: كانتونات يهوديّة إلى جانب كانتونات عربية. تم طرح أفكار مماثلة من وقت لآخر منذ ذلك الحين. ومن الأمثلة البارزة في السنوات الأخيرة اقتراح عالم النفس والفيلسوف الراحل كارلو سترينجر. في عام 2014، نشر هو والصحفي جود يديد مقالًا في صحيفة "هآرتس" يحثّان فيه على "تقسيم إسرائيل" إلى كانتونات. وكتبوا: "إن الهوة العلمانية والدينية تتعمق يومًا بعد يوم، إذ تتضاءل الأغلبية العلمانية في "إسرائيل" إلى التعددية، ويشتد زخم تدين الدولة والمجتمع". "أطلق عليه اسم تراجع تكتيكي، أو أطلق عليه اسم استسلام للواقع – الحل الوحيد هو الحل دون الوطني". وقد اتّسعت هذه الفجوة بشكل كبير منذ ذلك الحين، مما أدّى إلى ظهور موجة جديدة من الأفكار حول كيفية جسرها.

في الواقع، سيكون العدد الهائل من هذه الخطط بمثابة مفاجأة لأولئك الذين ما يزالون يفكرون داخل الصندوق الوحدوي. تظهر مفاهيم التقسيم في كل مكان، وتملأ العروض التقديمية/PowerPoint بالمخطّطات والخرائط. ويمكن حتى تنفيذ واحدة منها، أو ربما لا. لكنهم جميعًا يشهدون على الحافز القوي لكثير من الإسرائيليين لتفكيك الفوضى التي يجدون أنفسهم فيها. تركّز بعض المبادرات على الانقسام الديني - العلماني، والبعض الآخر ينبع من الصراع الإسرائيلي -الفلسطيني، وهناك من يدافع عن مقاطعات منفصلة، أو دعم الحكومات المحلية، وهناك حلول لا تهتم بالجغرافيا على الإطلاق.

ما يشترك فيه أنصار التقسيم واللامركزية، قبل كل شيء، هو أنهم أنفسهم منقسمون ولا مركزيون. خلال الأسابيع القليلة الماضية، تحدثت "هآرتس" إلى أنصار الفيدرالية من اليسار الراديكالي ومن أقصى اليمين، مع مستوطنين من الحركة الصهيونية الدينية ومع مواطنين علمانيين من تل أبيب، ومع أستاذ فلسطيني ومع حاخام حريدي. إذا كانت فكرة التقسيم في الماضي موضوعًا هامشيًا استحوذ على اهتمام قلّة من الناس، فقد بات موضوعًا ساخنًا منذ بداية الأزمة الحالية، بسبب محاولة الحكومة إصلاح النظام القضائي. تتم مناقشة الأفكار في منتديات محترمة، تمت دراستها من قبل كبار المسؤولين السابقين، بدعم من شخصيات بارزة من التيار الإسرائيلي السائد. يقول أحدهم: "لا يوجد مؤتمر اليوم لم يتم التطرق فيه للموضوع". لعبة تجربة فكرية؟ ربما، لكن لا يمكن تجاهلها بعد الآن.

ماعوز أفيف، معقل القبيلة العلمانية، كانتون تل أبيب وجزء من أي كانتون في المستقبل. الدكتور ساجي الباز، عالم سياسي ومؤسس منظمة تروج للثقافة العلمانية، ينغمس فجأة في طلبات من الناس الذين يريدون التحدث معه. تلقى كتابه الجديد باللغة العبرية "مخرج الطوارئ: من القبلية إلى الاتحاد، الطريق إلى شفاء المجتمع الإسرائيلي"، الذي نُشر في مارس، طلبات كثيرة لدرجة أن إلباز يقول إنه يفكر في كيفية ترجمة مشروع أكاديمي إلى حركة شعبية. ويقول: "عندما بدأت في تأليف الكتاب، منذ أكثر من عام، كنت أخشى أن يُنظر إليه على أنه متطرف". "ولكن بعد ذلك بدأ الواقع في جسر الفجوة".

نقطة انطلاق الكتاب هي أن "بوتقة الصهر" فشلت، وأن التعددية الثقافية كنموذج للحياة المشتركة لم تعد عملية في هذا البلد. تم تخصيص الجزء الأكبر من الكتاب لمسح أمراض المجتمع الإسرائيلي، والتي ينبع معظمها، وفقا لساجي الباز، من الصدع الديني - العلماني. ويختتم الكتاب باقتراح الاتحاد الفيدرالي كدواء لعلاج جميع أمراض النظام الحالي.

"إن طريقة منع تفكّك المجتمع الإسرائيلي هي تمكين كل مجموعة من العيش وفقا لآرائها ومعتقداتها"، يؤكد الباز "لا أعتقد أن هناك فكرة أكثر ليبراليّة ونبيلة من ذلك". ليس لديه خطّة مفصّلة حتى الآن، لكن الأساس هو تقسيم جغرافي إلى مقاطعات تتمتع بالحكم الذاتي، والتي سيكون لها سلطة ومسؤولية جباية معظم الضرائب.

في غياب المؤسسات السياسية القائمة التي تدفع بالفكرة، فإن مؤيدي التقسيم يروجون لأفكارهم من خلال أعمال مستقلة متنوعة. من خلال أعمدة الصحف – مثل تلك التي كتبها آدم يودي بريدان "حان وقت الطلاق" والصحفي بن كاسبيت "نحتاج إلى البدء في التفكير في فيدرالية المقاطعات المستقلة" والمخرج السينمائي إسحق ريبل يشوران "أصبح الانقسام لا رجوع فيه". وفي اجتماعات الصالونات في جميع أنحاء البلاد، وفي مجموعات خاصة.

الدكتور ياريف موهار – عالم اجتماع ومدير برنامج منظمة العفو الدولية في "إسرائيل"، يدير مجموعة الفيسبوك "فدرالية لإسرائيل – الحكم الذاتي للمجتمعات" يقول: "أنا من مجتمع مدني، لذا فإن فكرتي هي تحفيز الأشخاص السياسيين على المشاركة".

الدكتور نيشام روس، باحث في الفكر اليهودي الحديث في جامعة بن غوريون، يدير مجموعة صغيرة ولكنها نشطة بشكل خاص على واتساب، تتكون من 185 عضوًا تسمى "إنشاء منطقة حكم ذاتي ليبرالية وديمقراطية". يفكر المشاركون معا في كيفية نشر فكرة الفيدرالية وكيفية الترويج لها في السياسة المحلية. وبالمثل، فكر أورين توكاتلي، المحامي والاقتصادي والخبير الإعلامي، في تشكيل مجموعة للنظر في الموضوع. يقول: "إنها قضية ملحة بالنسبة لي". "نحن بحاجة إلى توحيد القوى، لتحويلها إلى كتلة عامة ستكون سياسية أيضًا".

في الواقع، السّياسة هي التي تحوم فوق كل هذه المبادرات. هل يجرؤ أي حزب سياسي قائم على طرح فكرة الكانتون فوق سارية العلم؟ وإذا لم يكن الأمر كذلك، فهل سنشهد ظهور حزب في المستقبل القريب يروج للفكرة؟ وإذا لم يكن في السّياسة الوطنيّة، فعندئذ على مستوى السلطات المحلية؟

يتطلّع بعض الفدراليين الذين تحدثنا إليهم إلى انتخابات الحكومات المحلية المقرر إجراؤها في الخريف القادم.

كتب ساجي الباز: "في البداية، نحتاج إلى التحرك لإنشاء منطقة علمانية تتمتع بالحكم الذاتي في منطقة تل أبيب، على افتراض أنها ستكون نموذجا للقطاعات والمقاطعات الأخرى، وستؤدي تدريجيا إلى تحول إسرائيل إلى اتحاد فيدرالي". من وجهة نظره، يجب على تل أبيب أن تفعل كل ما في وسعها لتوسيع استقلالها في مجالات مثل التعليم والمواصلات، لخلق حقائق على الأرض وعدم الخوف من الصدام مع حكومة الدولة، التي تسيطر حاليا على سلاسل الأموال. على سبيل المثال، يجب أن "يضمن تسجيل الزواج المدني لكل من يرغب فيه، حتى لو كان الزواج صالحا فقط في تل أبيب". بعد ذلك، يجب على المدينة المطالبة بمراجعات للضرائب، وستكتسح في أعقابها المدن المجاورة وتخلق استمرارية إقليميّة.

لم يشرح الباز كيف يمكن أن تكون هذه الأعمال متوافقة مع القانون، وليس من الواضح إلى أي مدى يمكن أن تذهب.

يوضح يسسخار روزين تسفي، أستاذ القانون في جامعة تل أبيب أن "قانون البلديات يحتوي على فقرات قابلة للتفسير اللامحدود، والتي يكون المترجم النهائي لها هو المحكمة". وبناء على ذلك، فإن رئيس البلدية الذي يرغب في تعزيز أجندة ليبرالية – مثل عدم منح تصريح عمل لهيئة تميز ضد أفراد مجتمع الميم – يثير سؤالًا لم يطرحه أحد سابقًا. يمكنهم محاولة الاستخدام الإبداعي لسلطاتهم ومعرفة ما ستقوله المحكمة. إذا حاولوا الترويج لأشياء معينة، مثل زواج المثليين، فمن المحتمل أن يصطدموا بجدار حجري، لكن بين ذلك وبين القوى المحددة بوضوح تكمن منطقة رمادية شاسعة".

يعلق الباز وغيره من المدافعين عن مناطق الحكم الذاتي آمالا كبيرة على تلك المنطقة الرمادية غير المتبلورة، لكن يجب الاعتراف بحدودها أيضا، كما يقول روزين تسفي. مشروع النقل العام في يوم السبت الذي تبنته تل أبيب والسلطات المحلية الأخرى المجاورة، هو بالتأكيد رائد ومثير للإعجاب، لكنه قانوني فقط طالما أنه مجاني. التدخل في المجال التعليمي ممكن، ولكن فقط من خلال البرامج المكملة للمناهج الإلزامية المحددة على المستوى الوطني. وهكذا دواليك.

يقول ساجي الباز: "إن السبيل لمنع تفكك المجتمع الإسرائيلي هو تمكين كل فئة من العيش وفق آرائها ومعتقداتها". على أيّة حال، لم تعد قضية الفيدرالية مقتصرة على النقاش الأكاديمي فقط. في الآونة الأخيرة، وضع أفراد رئيسيون من قلب المؤسسة الإسرائيلية جانب الخطاب السياسي حول "الاتصال" و"الحوار" و"التكامل"، وبدأوا في معالجة مسألة الفصل.

في الوقت الحالي، يقوم إيهود براور بمبادرة بحثيّة جديدة تتعامل مع مجموعة من الحلول في هذا المجال. براور، الذي كان يرأس سابقًا وحدة تخطيط السياسات في مكتب رئيس الوزراء، والذي قد يكون اسمه مألوفًا من "خطة براور" المثيرة للجدل لإعادة توطين البدو في النقب، يقود المشروع في إطار معهد القدس لأبحاث السياسات. ويقول: "بعض الحلول تستند إلى تعريف جديد للتوازن بين الحكومة المحلية والحكومة المركزية"، ويوضح: "من طرق الحفاظ على إطار العمل المشترك، إلى حلول بعيدة المدى مثل الكانتونات. الشيء المشترك بينهم جميعا هو التغيير البنيوي العميق الذي يدعون إليه، بما يشمل حتى تغيير شكل الحكومة في إسرائيل".

يضيف براور، وهو على اتصال بالعديد من الأفراد والمنظمات، إذ يقدم "إطارا من التوضيحات والأبحاث" لمقترحاتهم: "نريد أن تأتي هذه الأفكار إلى العالم بعد أن تكون قد مرت بمرحلة من المناقشات والتفكير المعمق، بحيث تتبلور بحلول الوقت الذي تدخل فيه الخطاب العام، مع استيعاب الجميع للآثار العمليّة".

وبحسب عدد من المصادر، فإن البروفيسور يوجين كانديل، الرئيس السابق للمجلس الاقتصادي الوطني، مشغول أيضا بقضية الفيدرالية. في نهاية فبراير، انضم كانديل إلى زميله من قسم الاقتصاد بالجامعة العبرية البروفيسور إيال وينتر، في إدارة مناقشة حول "مستقبل إسرائيل من الزاوية الاقتصادية: كيف يمكن مساعدة الدولة على بلوغ عيد ميلادها 120؟ كان جواب ميسري المناقشات: التقسيم.

يقول إيال وينتر: "لقد بدأت في التعامل مع الموضوع انطلاقًا من شعوري بضرورة القيام بشيء ما، وكذلك بعد المحادثات مع كاندل، الذي كان مسؤولا إلى حد ما عن جري إلى الموضوع".

يرى إيال وينتر أن الطريقة الوحيدة لتجنب الانهيار الاقتصادي في أعقاب التغيرات الديموغرافية التي تمر بها "إسرائيل"، هي إعادة تحديد العلاقات بين العلمانيين والدينيين، لا سيما فيما يتعلّق بالميزانيّة.

 "إنها ليست مسألة اليمين واليسار"، كما يجادل. هناك جميع أنواع نماذج الكانتونات والفدرالية. المهم هو أن يكون النظام المالي في "إسرائيل" مختلفًا تمامًا عما هو عليه اليوم. الفكرة الأساسية هي أن يتم فرض الحصة الأكبر من الضرائب وتخصيصها من قبل الأقاليم أو الكانتونات، وليس من قبل الحكومة المركزية". في النهاية، تريد أن يدخل الحريديم إلى سوق العمل، ولتحقيق ذلك أنت تروج لتغيير بعيد المدى في النظام. ويقول وينتر: "هذا التغيير وسيلة لمنع انهيار دولة "إسرائيل"، وفي الوقت الحالي لا أرى أي حل آخر. إذا حدث شيء دراماتيكي فجأة، وكان على جميع الحاخامات دعوة طلاب المدارس الدينية للحصول على وظائف والتسجيل في الجيش، فقد لا نحتاج إلى ذلك.

يرى إيال وينتر مزايا إضافية في الفيدرالية. وهو يشير إلى الدراسات التي تظهر أن الناس في المجتمعات المتجانسة أكثر استعدادا لدفع الضرائب، لأنهم لا يشعرون أن الأموال تُستخدم في أغراض لا يعرفون عنها شيئًا. يقول: "في الفيدرالية يذهب نصيب أكبر من ضرائبك إلى مجتمعك. العقبة الرئيسية سياسية. لن يوافق الليكود ولا الحريديم على مثل هذه الخطوة".

في الجزء الشمالي من كانتون القدس المستقبلي، يفتح الحاخام شموئيل جاكوبوفيتس الباب مرتديًا بدلة أنيقة. على مدار 25 عامًا، أيد شموئيل جاكوبوفيتس، وهو ابن الراحل، الحاخام الرئيسي السابق للمملكة المتحدة إيمانويل جاكوبوفيتس، ويقول: إن "إسرائيل تتكوّن من مجتمعين، أحدهما ملتزم دينيًا والآخر تعددي". لقد قدّم خطته إلى الرئيس إسحاق هرتسوغ واستقبله، أيضًا، قادة الحاخامات. هدفه هو أن "المجتمعين سيديران أنفسهما بشكل مستقل ولن يتعاونا إلا في الأمور التي تقتضي الضرورة، مثل الشؤون الخارجية والأمن". يشبه جاكوبوفيتس وضع البلاد اليوم بحالة يقرر فيها طفل حريدي أن يعيش حياة غير دينية. يقول: "إذا كانت الأسرة ذكية، فإنها تخلق ترتيبًا (بالمعنى المجازي) ليبقى الطفل داخل المنزل، ولكن يُسمح له بالقيام بما يشاء في غرفته. لقد اقترب، إنه محبوب. هذا هو نوع الترتيب الذي يدور في خلدي. إذا وجدنا أنفسنا في حياتنا اليومية نتشاجر طوال الوقت، ففي بعض الأحيان تكون هناك حاجة للانفصال. لكن يجب الحفاظ على الأخوة، مثل غرفتين في منزل واحد". يرى جاكوبوفيتس المنطق في الطريقة التي سارت بها الأمور حتى الآن، مثل الحفاظ على الهوية اليهودية، مثل "قوانين السبت، نقاء الأسرة، الزواج". هذه الأمور حفظها التشريع ونجحت. "غالبية يهود "إسرائيل" لا يمكنهم أن ينسوا أنهم يهود، أليس كذلك؟ الآن، مع نمو المعسكر الديني، وصلنا إلى وضع جديد. إذا نجحنا في طرح بديل محترم، فلن يكون التدخل ضروريا. سيتم تحديها من خلال وجود البديل ذاته. لن تكون هناك حاجة للإكراه بعد الآن".

يقول شموئيل جاكوبوفيتس: عندما يصبح مجتمع الحريديم مستقلًا، سوف يتعلم كيفية إعالة نفسه. ويتابع، "نعم، حتى الآن لم يتم ذلك بوسائل لطيفة". ويضيف "الوسائل المبهجة لا يمكن أن تفي بالحاجة لتقرير من هو اليهودي، في مسائل الزواج والطلاق. أنظروا، لا أستطيع أن أعرف ماذا سيحدث في المجتمع التعددي إذا تم قبول فكرتي. لكنني أفترض أن هذا المجتمع لن يتخلى عن العقيدة اليهودية". وفقا لجاكوبوفيتس، "لعب الحاخام إليعازر شاش (1899-2001)، وهو زعيم قديم للفرع غير الحسيدي لليهود الأرثوذكس المتطرفين دورًا في اتجاهه نحو فكرة الفيدرالية، التي ستشمل مجتمعًا دينيًا مستقلًا. "والدي، الذي كان الحاخام الأكبر لبريطانيا، التقى ذات مرة الحاخام شاش. أخبره أنه نتيجة لمعدل المواليد، فإن الجمهور المتدين في إسرائيل (في النهاية) سيصبح الأغلبية، وتساءل كيف سندير البلاد إذا لم نوفر لأطفالنا تعليما عاما ومهنيا. رد الحاخام شاخ أنه عندما شرع الصهاينة في طريقهم، لم يكن لديهم أيضا الأشخاص المناسبون لإدارة دولة، وانسجموا. عندما يحين الوقت، سنتطور نحن أيضا". يقول جاكوبوفيتس: "إنه عندما يصبح مجتمع الحريديم مستقلًا، فإن مشاركته في الشؤون العملية ستنمو، وسيكون قادرًا على إعالة نفسه".

قدم جاكوبوفيتس خطته إلى الحاخام أهارون يهودا ليب شتاينمان، الذي كان حينها رئيس مجلس الحكماء التابع لحزب ديجل هاتوراه الذي رد "هل يمكنك فعل أي شيء مع محكمة العدل العليا؟"

في السابق كان قد طرح الفكرة على الحاخام يوسف إلياشيف، الذي خلف شاش كزعيم لليهود غير الحسيديين "الليتوانيين" في "إسرائيل". لم يستبعد أليشيف الفكرة، فقط أثار الشكوك حول "ضماناتنا لجميع الشعب اليهودي بأنهم سيحافظون على التوراة". في كل زياراتك لقادة الحريديم، ألم تصادف أبدا ردود فعل صادمة؟ "لا، على العكس. بعض الحاخامات يتفقون كثيرا مع هذه الفكرة. نشأ التناقض بشكل أساسي من مسألة ما إذا كان ذلك عمليًا، وما إذا كنا سنكون قادرين على إعالة أنفسنا، وإذا أردنا تطوير مثل هذه المشاركة الواسعة في المجال العملي". وفقًا لجاكوبوفيتس "مجتمع الحريديم هو قصة نجاح مذهلة في حياة التوراة والمبادئ. إنها معجزة تماما كيف انتفض هذا الجمهور بعد الهولوكوست. من الناحية الكمية، من الممكن أنه لم يكن هناك أبدا جيل به الكثير من طلاب التوراة. لم يرغب هذا الجمهور في التطور في مسائل "تنظيم العالم" (الانخراط في مهن دنيوية منتجة)، لأنه لو كان قد تطور هناك لما تطور في مجال التوراة. كان السؤال ضروريا. هو ما إذا كان يجب أن يستمر على هذا النحو. يجب أن يتم الاندماج في العمل والتعليم ضمن إطار عمل مستقل".

تشير الخطط المختلفة إلى النموذج السويسري، وهو اتحاد فيدرالي من 26 كانتونا تحته أكثر من 2000 سلطة محلية، أي ما يقرب من 10 أضعاف العدد في إسرائيل. هناك ثلاث أقليات عرقية وأربع لغات رسمية وديمقراطية نابضة بالحياة. (يبلغ عدد سكان البلاد ما يقرب من 9 ملايين). ومع ذلك، فإن إسرائيل ليست سويسرا. وفقا لفيدراليين مخضرمين، فإن مثل هذه الخطوة ستحتاج أيضا إلى معالجة الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني، وبعضهم يشك في تكييف النموذج السويسري مع الواقع المحلي.

تقول الدكتورة ليمور يهودا، الباحثة القانونية من الجامعة العبرية والمتخصصة في حقوق الإنسان الدولية، والتي تدرس أيضا عمليات السلام: "هناك تاريخ طويل في النظر إلى التقسيم كحل، لكنه في الواقع ليس حلاً". إنه يتأرجح من خطاب الكانتونات المعاصر، وتحذر من وهم الحل الذي يخلقه. وتقول: "الكانتونات هي أحد عناصر النظام السويسري، وإن كانت جوهرية. لكنها تمتلك أرصدة إضافية معينة ولها مزاياها وعيوبها". توضح يهودا أن "النموذج السويسري يقوم على مفهوم مختلف تمامًا عن المفهوم الإسرائيلي للديمقراطية. إنها ديمقراطية تقوم على شراكة عميقة في الحكم. إنها ليست ديمقراطية الأغلبية للفائزين والخاسرين. الجميع جزء من الحكومة، ليس فقط في البرلمان". في هذا النموذج، تشارك جميع المجموعات السكانية في صنع القرار، ولا يمكن لمجموعة واحدة أن تتغلب على أخرى. تتمتع المجموعات المختلفة بحق النقض، بغض النظر عن حجمها. وتضيف: "إذا تم تبني هذه المبادئ، فأنا أؤيدها".. سأقول أكثر من ذلك: إنه نظام أكثر ملاءمة لنا بكثير من المكان الذي ذهبنا إليه، وهو ديمقراطية أغلبية قاسية، وهو أيضا أكثر صحة للمجتمع".

تعتبر الترتيبات التي تسمح بالشراكة في الحكومة أداة أساسية لصنع السلام في المجتمعات الممزقة. وأشارت يهودا إلى أنهم أثبتوا وجودهم في اتفاقيات في البوسنة وأيرلندا الشمالية. وتضيف أنه "في حالات الصراع مثل الذي نعيشه، لا تعمل ديمقراطية الأغلبية، لأنك لا تملك الثقة الأساسية بأن الآخر سوف يبحث عنك". تقود يهودا مجموعة في معهد فان لير في القدس تبحث في موضوع "السلام اليهودي-الفلسطيني القائم على الشراكة"، وتنشط في منظمة الأرض للجميع، التي تروج لحل كونفدرالي للصراع. على عكس الفيدرالية، يتكون الاتحاد الكونفدرالي من دول ذات سيادة تحافظ على شراكة معينة بينها، مثل الشراكة بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي. وتقول: "نقطة انطلاقتي هي أن الحل يجب أن يقوم على المساواة الجماعية، أي المساواة بين الجماعات، وعلى نوع من الشراكة. ولكن فيما يتعلق بالفلسطينيين، فإن العلاقات الفيدرالية ستشكل تقدما، فيما يتعلق بالمجتمع الإسرائيلي، نحن عرضة لتوليد تراجع".

بالنسبة للآخرين، فإن فكرة الكانتونات منطقية. قبل عقد من الزمان، طرح أفراهام بورغ، الرئيس السابق للكنيست، أفكارًا كونفدرالية مماثلة لحل النزاع. لقد أضاف إليهم مؤخرا اقتراحا بشأن الكانتونات داخل "إسرائيل"، مما سيسمح لنا "الانتقال من التوجه القائم على الدولة الذي يمحو الهويات داخل بوتقة الصهر، إلى مجتمع يضم جميع مكوناته".

يقول إيال وينتر إن الطريقة الوحيدة لتجنب الانهيار الاقتصادي في أعقاب التغيرات الديموغرافية التي تمر بها "إسرائيل" هي إعادة تعريف العلاقات بين العلمانيين والدينيين، لا سيما فيما يتعلق بالميزانية.

كيف تجمع هذه الألغاز معًا؟ اتحاد فيدرالي داخلي وكونفدرالي خارجي. أفراهام بورغ: "هناك سؤال هنا عما سيأتي أولا. ليس لدي أدنى شك في أنه في اللحظة التي يأتي فيها الجزء الأول – سواء كانت القسمة الإسرائيلية - الفلسطينية مثل البيتزا الكاملة، أو مثل البيتزا بحجم عائلي مقسمة إلى شرائح داخل "إسرائيل" – سيكون لها تأثير على الجزء الثاني. في اتحاد داخل "إسرائيل" تقوم بفك الروابط بين القبائل، وفي اتحاد كونفدرالي إسرائيلي - فلسطيني، تجلب شيئًا مفصولًا إلى شرط الاتصال. إلى حد ما هناك صراع هنا. أعتقد أننا مرتبطون بالفلسطينيين أكثر بكثير مما نعتقد، وفي "إسرائيل" نحن مفككون أكثر بكثير مما تراه العين. وأعتقد أيضًا أن التخلي عن مكان ما يزيد من حدة الأماكن الأخرى. وإذا قامت الحكومة في القدس بتفكيك مركزيتها المصطنعة، فستكون الكانتونات أكثر قدرة على العمل في مواجهة بعضها البعض".

في العام الماضي، أسّس أفراهام بورغ والبروفيسور فيصل عزايزة، من كلية الرعاية الاجتماعية والعلوم الصحية في جامعة حيفا، حزب سياسي جميع مواطنيها". ويشرح بورغ أن برنامجه مدني وغير مشغول بالهوية الوطنية "إنه يعكس نفس الموضوع - كونك رجلًا يهوديًا في منزلك، وكوني امرأة درزية في مجتمعك - ولكن على المستوى المدني وفي الفضاء السياسي، نحن جميعا مواطنون متساوون". لم يناقش الحزب بعد مخططات الفيدرالية، لكن بورغ يعتقد أن رؤيته لن تكون بعيدة عن تلك المبادئ. تعتبر أفكار أفراهام بورغ أيضا بمثابة تذكير بأن التفكير الفيدرالي متشابك مع تحرك أوسع نحو إضعاف الدولة القوميّة.

قال عندما سئل عن رؤيته الشخصية للمستقبل: "ينظر الإسرائيليون إلى اليوتوبيا على أنها بعيدة المنال، لذلك أنا حذر. ولكن إذا فكّرت في مئات السنين من الإمبراطورية العثمانيّة، قبل أن يجلب الغرب القوى المدمرة فكرة الدولة القومية، كان هناك، بشكل فعّال، مساحة واسعة مع حكومة مركزية وحوار ثابت بين المجموعات. أرى مساحة كبيرة، دولة أقل وتوجه أكثر نحو المجتمع، لأن معظم دولنا الموروثة عن الإمبراطورية العثمانية مصطنعة".

وبغض النظر عن بورغ، فهذه أيضا ساعة الطوباويين. قد لا يضع جلعاد تيرام نفسه في هذه الفئة، لكن النموذج الإبداعي الذي كان يعمل عليه خلال السنوات الثلاث الماضية في دراسته في بيتاح تكفا، يمكن اعتباره بالتأكيد خياليا. يتكون مفهوم "الاتحاد القطاعي" الخاص به من أربعة أنظمة حكومية لأربعة قطاعات، كل منها يتيح الاستقلال الذاتي في التعليم والاقتصاد والقانون والصحة ومجالات أخرى. ومع ذلك، على عكس الاتحاد الكلاسيكي، فإن كل مقيم هو مواطن في قطاع من اختياره، بغض النظر عن المكان الذي يقيمون فيه. يقول تيرام: "شخص ما يعيش في نفس المبنى مثلك، قد يصوت في قطاع مختلف". "التقسيم ليس جغرافيًا". تيرام ليس الوحيد الذي يشعر بالزخم، ولا هو الوحيد الذي لا يخشى الابتكار. على مدى السنوات الخمس الماضية، دأبت حركة أناهنو (معا) على الدعوة إلى نموذج لمجتمعات الحكم الذاتي داخل "إسرائيل" والمصالحة مع الفلسطينيين. نحن لا نستخدم مصطلح فيدرالية، لأننا لا نتحدث عن التقسيم إلى مناطق، ولكن عن الاستقلالية في مجالات الدين والثقافة والتعليم من أجل القيم، كما يقول يسرائيل بيكارش، الرئيس التنفيذي للحركة. "لا يُقصد بالاستقلالية أن تنفصل بل تتوحد". يعتمد النموذج الذي اقترحته أناهنو (معا) على إنشاء مجتمعات غير جغرافية تقدم خدمات لأعضائها في الأمور المتعلقة بالهوية فقط، مثل التحول إلى اليهودية، والزواج، والطلاق والكشروت. يقول أفيعاد شميلة، أحد مؤسسي أناهنو (معا): "ستوحد الدولة ما تم الاتفاق عليه، وستتعامل المجتمعات مع ما لم يتم الاتفاق عليه". الحل المدني الذي اقترحته أناهنو هو جزء من حل لإسرائيل والضفة الغربية، تسميه الحركة دولتين – مجتمعين، بموجب هذه الخطة، ستضم كل دولة قومية أقلية من الدولة المجاورة. بعبارة أخرى، سيتمكن المستوطنون اليهود من العيش في فلسطين".

وينتمي أفيعاد شميلة، الذي يصف نفسه بأنه يميني، إلى قلب الحركة الصهيونية الدينية، ويعمل في مجال التعليم الديني ويعيش في مستوطنة إفرات بالضفة الغربية. ويوضح أن العملية التي خضع لها بدأت بفهم "أن هناك تناقضًا بين فكرة إسرائيل الكبرى وحقوق الإنسان". حل الحركة، كما يقول، "يستبدل عنصر السيادة على أرض إسرائيل بالاستيطان والتقارب. ويشير يسرائيل بيكارش، وهو أيضًا من سكان الضفة الغربية، وشميلة إلى أن الناس من اليمين واليسار يشاركون في حركتهم. إنهم ضد الاحتلال، لكنهم يرون في مشروع الاستيطان كاحتمال للمصالحة. يعيش أكثر من ثلث أعضاء اناهنو في المستوطنات، لكن هناك أيضا أشخاص نشأوا في حركة شبابية هاشومير هاتزير اليسارية ومن الكيبوتسات، وكذلك الدروز، والتل أبيبيين من قلب اليسار الإسرائيلي".

على مدى السنوات القليلة الماضية، جاب الاثنان البلاد لعقد اجتماعات وجولات ومحاضرات بهدف صقل أفكارهم قبل توجيه نداء إلى عامة الناس. يقول يسرائيل بيكارش: "هناك زخم الاستعداد للاستماع إلى حلنا، في كل من اليمين واليسار، زاد بشكل ملحوظ منذ الانتخابات في نوفمبر 2022".

الدكتور أمير فاخوري، القائد المشارك مع ليمور يهودا، من مجموعة فكرية معهد فان لير، متشكك في فكرة الفيدرالية الإسرائيلية. "من المثير للاهتمام أن العرب (في إسرائيل) لم يطالبوا بالحكم الذاتي الإقليمي. لا يوجد مطلب اتحاد فيدرالي قادم من النخبة الفلسطينية في إسرائيل، لأن أي فكرة كهذه ستحول الفلسطينيين إلى قبيلة أخرى بين القبائل الأربع كما وصفها الرئيس السابق رؤوفين ريفلين: (العرب، واليهود الأرثوذكس المتطرفون، والوطنيون المتدينون والعلمانيون)، أقلية عرقية ضمن مجموع الأقليات العرقية. لا شيء يزعج النخبة الفلسطينية أكثر من ذلك – ولهذا السبب لم يعجبهم خطاب ريفلين العشائر. الفلسطينيون لا ينظرون إلى أنفسهم على أنهم قبيلة، ولكن كأقلية قومية أو أمة شريكة. ولهذا السبب أشاروا إلى النموذج البلجيكي وليس السويسري".

يشير فاخوري إلى "الرؤية المستقبلية للعرب الفلسطينيين في إسرائيل"، وهي وثيقة نشرتها اللجنة الوطنية لرؤساء السلطات المحلية العربية في عام 2006. "كانت تلك هي المرة الأولى التي تحدد فيها النخبة الفلسطينية (في إسرائيل) ماذا تريد، وما تطلبه، وشبّهوا "إسرائيل" ببلجيكا: دولة ثنائية القومية متكافئة"، يقول فاخوري. ويوضح أن الاتحاد الفيدرالي يتعامل مع الاعتراف بالحقوق الثقافية، وهو مناسب لخريطة الأقليات العرقية. في دولة ثنائية القومية، ما يتم توزيعه ليس اعترافًا بل قوّة. تمتلك الدولة الشريكة بعض مقاليد الحكومة ولديها حق النقض (الفيتو) على قرارات معينة.

كيف يتفاعل ذلك مع ما هو موجود عبر الخط الأخضر (في المناطق)؟ فاخوري: "كل هذا بشرط أن تكون هناك دولتان، أو على الأقل يمكن تخيلهما. إذا لم تكن هناك دولتان، يمكن إهمال كل هذه الأفكار. تتشكل السياسة الحزبية الفلسطينية بأكملها من خلال هذه الفكرة، وإذا تغيرت، فمن الضروري صياغة سياسة جديدة تمامًا". كيف تعتقد أن الجمهور الفلسطيني سينتقل إلى فكرة اتحاد فيدرالي داخل الخط الأخضر؟ لدى الفلسطينيين تخوفين:

التخوّف الأول، الذي تم إثباته تاريخيًّا، هو أن سياسة "الفصل" هي دائمًا "غير متكافئة"، والهدف من الفدرالية هو بعد كل شيء، مشهد ثقافي "منفصل ولكن متساوي". لكن الفلسطينيين تعلموا ذلك بالمنطق الإسرائيلي، إنها وصفة للإقصاء، ولهذا السبب لا يطالبون بالعزلة السياسية. أظهر استطلاع أجراه المعهد الإسرائيلي للديمقراطية في عام 2019 أن 47 %من اليهود هنا يعتقدون أنه من الأفضل أن يعيش اليهود والعرب منفصلين عن بعضهم البعض، مقارنة بـ 17% فقط من العرب ينظرون إلى الانفصال على أنه فخ.

التخوّف الثاني هو الفخ الليبرالي. أين يتمتع الفلسطينيون بالفصل بينهم؟ في المحاكم الشرعية. وبالنسبة لليبراليين -فيما بينهم-، يُنظر إلى ذلك على أنه فخ وإكراه ديني واستقلالية تفرز عزل الجيتوات. لهذا السبب لا يوجد نهج فيدرالي فلسطيني، وفي تقديري لن ينضم أي زعيم فلسطيني إلى المطلب الفيدرالي في "إسرائيل" في المستقبل المنظور. وعلى الرغم من تحفظاته، يشير فاخوري إلى أن الفكرة الفيدرالية ليست غائبة تمامًا عن الخطاب الفلسطيني في "إسرائيل". في بداية التسعينيّات، قدّم سعيد زيداني، وهو اليوم أستاذ فخري للفلسفة السياسيّة من جامعة القدس في القدس، فكرة الحكم الذاتي الواسع للعرب في "إسرائيل"، بما في ذلك الأراضي المنفصلة والمؤسسات الحكومية وحتى قوّة شرطة منفصلة، ضمن إطار فيدرالي إسرائيلي. ما يزال زيداني يدعم هذه الفكرة. يقول اليوم "لا مفرّ منه"، على الرغم من أن الفلسطينيين في "إسرائيل" لا يستخدمون هذه المصطلحات، فإن الواقع يدفع في هذا الاتجاه.

يغطي الضباب الطريق الجبلي المؤدي إلى قرية ناتاف، في تلال يهودا، غرب القدس. إنه طقس أوروبي، ومن السهل تخيل العلم السويسري يرفرف في الأفق. البروفيسور إيهود ي. شابيرو، من معهد وايزمان للعلوم، والمسؤول عن الابتكارات المعترف بها دوليًا في كل من علوم الكمبيوتر وعلم الأحياء، كان يتعامل في السنوات الأخيرة مع نماذج مبتكرة لبناء مجتمعات ديمقراطية رقمية. ولكن على الرغم من المفاهيم المتقدمة التي أخذها في الاعتبار، فقد وجد الحل المفضل لديه لتحدياتنا المحلية في نموذج عمره 700 عام. يقول: "الجميع يؤسسون أفكارهم على الديمقراطية الغربية، وبالتحديد فرنسا وإنجلترا والولايات المتحدة. ولكن هناك هذه الغوريلا السويسرية غير المرئية في الخلفية – ديمقراطية منتصرة بأي مقياس موضوعي". يدعو شابيرو إلى الكانتونات على الطريقة السويسرية بحماس قد يكون كافيًا لتعيينه قنصلًا فخريًا من قبل ذلك البلد. في نهاية شهر آذار /مارس/ الماضي، قدّم النموذج في مؤتمر عقده مركز روبنشتاين للتحديات الدستورية في جامعة رايشمان. كان موضوع المؤتمر إسرائيلية مشتركة أم منقسمة؟ نماذج النظام لمستقبل المجتمع الإسرائيلي". وقال إيهود ي. شابيرو في المؤتمر في كل ديمقراطية في العالم كان هناك تراجع في قوة المواطنين بالنسبة للحكومة والعاصمة المرتبطة بها. سويسرا هي الديمقراطية الوحيدة في العالم التي لديها القدرة على منع ذلك".

كيف شاركت في هذا الموضوع؟

إيهود ي. شابيرو: في رأيي، "جذور المشكلة تكمن في الاحتلال والفصل العنصري. هذه هي نقطة انطلاقي – وليس الصعوبات الداخلية داخل "إسرائيل". أنا ناشط جدًا في التظاهرات ضد الإصلاح القضائي، وكمواطن معني، أحاول أن أفكر في المضمون الإيجابي، ما هو البديل؟ يقول الكثير من الناس إنه لا يمكن العودة إلى الوضع قبل الإصلاح القضائي، وأن الحل هو الدستور. ما الذي يعتقدون بالضبط أنه سيحدث مع المستوطنين؟ سينطبق الدستور عليهم ولكن ليس على جيرانهم الفلسطينيين؟ هناك معضلة منطقية هنا". يؤكّد شابيرو أن "الأشخاص المشاركين في الاحتجاجات الشعبية الذين يتصوّرون الكانتونات يميلون أيضًا إلى طمس المشكلة الفلسطينيّة. توجهي مختلف"، ويشرح "هناك المشكلة الحالية التي تقدم الكانتونات حلاً لها، وهناك قمع الاحتلال. أقول: "دعونا نحل كل شيء معًا. في الرياضيات، عندما يكون لديك مشكلة صعبة لا يستطيع أحد حلها، يتم تحديد مشكلة أكثر صعوبة، فأنت تثبت نظرية أكثر عمومية، ثم تستنبط منها. دعونا لا نقدم حلا للاحتجاج وننسى الاحتلال. أعتقد أن الكانتونات التي تشمل قطاع غزة والضفة الغربية وكانتون المستوطنين وكانتون تل أبيب وكانتون بني براك (حريدي) ستعالج مسائل الفصل العنصري والاحتلال ومسألة تقاسم العبء داخل الخط الأخضر".

يمكن وضع رؤية شابيرو بين دعاة الفيدرالية داخل "إسرائيل"، وأولئك الذين يفضلون كونفدرالية إسرائيلية فلسطينية، على طول السلسلة التي ربما تكون الأكثر صعوبة في القبول: "خطة الفيدرالية الواحدة الموحدة بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط، حيث تعيش الكانتونات اليهودية والكانتونات الفلسطينية جنبًا إلى جنب في إطار الدولة الواحدة".

د. شارون جوردون، مؤرخة النمسا وألمانيا، هي إحدى قادة المنتدى الفيدرالي، الذي هو في حد ذاته اتحاد لمثل هذه المبادرات الفيدرالية. القاسم المشترك بينهم جميعا هو التوجه نحو دولة واحدة يمكن لجميع مواطنيها العيش أينما يريدون. تقول جوردون: "نهجنا هو أن حالة الصراع جزء من الحياة، والهدف هو تحويلها إلى شيء إيجابي، وفي بعض الأحيان منتج"، مضيفةً: "كما تعلمون، ينبع معظم الإبداع البشري من التنافر. يشمل المنتدى مبادرات متنوعة. من ناحية، تشمل الخطة، المسماة Eretz-Ard، التي وضعها الناشط المقدسي رافي جيسيل، والتي تقوم على التكافؤ في عدد الكانتونات اليهودية والفلسطينية. في الوقت نفسه، يحتوي أيضًا على مفاهيم مثل تلك الخاصة بالحركة الفيدرالية التي تكرس الطابع اليهودي للدولة". وتؤكد أنها "ستستمر في كونها دولة إسرائيل، حتى مع احتوائها على كانتونات فلسطينية. بعد فترة طويلة من التحضير، أصبح المنتدى الآن جاهزا للجمهور، على سبيل المثال مع بودكاست حول الفيدرالية، ويعتقد أن الزخم موجود الآن للفكرة لجذب أتباع".

تقول جوردون: "لقد بدأت هذه الكلمات تنتشر بين العامة، وهذا يبعث على السرور. الباب بدأ ينفتح".

تستمد غوردون الإلهام من مجالها البحثي الخاص: الإمبراطورية النمساوية المجرية. وتقول: "بعد الحرب العالمية الأولى، كان النموذج هو تقرير المصير، ونعرف إلى أين أدى ذلك. بالمناسبة، الشخص الذي دافع عن فكرة الولايات المتحدة للنمسا الكبرى لم يكن سوى الأرشيدوق فرانز فرديناند، الذي كان اغتياله في سراييفو بداية الحرب".

 هل تشعرين بالحنين إلى الفترة التي سبقت ذلك؟

تقول جوردون: "نحن نعرف الرواية التي تلقيناها في المدرسة، والتي بموجبها الدليل على أن الإمبراطورية لم تنجح، هو أنها انقسمت إلى دول قومية. لكن العديد من المؤرخين اليوم يقولون: "إنه ليس من المؤكّد على الإطلاق أنه كان يمكن أن تتفكّك لو لم تندلع الحرب العالمية. ربما تطوّرت في اتجاه مختلف. تطوّرت المساواة بين الأمم تدريجيًا في الإمبراطوريّة عبر التشريع والسّياسة. كان شعار الإمبراطوريّة النمساويّة المجرية هو "الوحدة في التنوّع". ومن غير المستغرب أن يكون الأرشيدوق النمساوي أوتو فون هابسبورغ من أوائل المتصورين للاتحاد الأوروبي. هذه هي الروح التي لا ينبغي الاستخفاف بها. لذا، نعم، لدي توق إلى وجهات نظر يمكن أن تقبل التنوع ضمن الوحدة، وأعتقد أن هناك مكانًا لذلك. إنه ليس تراجعا، إنه بناء شيء جديد على أساس شيء جيد من الأوقات السابقة".