»

نهاية الوهم الاسرائيلي

27 أيار 2021
نهاية الوهم الاسرائيلي
نهاية الوهم الاسرائيلي

ترجمة مركز الاتحاد للأبحاث والتطوير

شلومو بن عامي/14 أيار 2021
معهد السياسة الإستراتيجية الأسترالي


تقييم
في محاولة لتخفيف وطأة الهزيمة التي تكبدها الإسرائيلي في معركة سيف القدس، يحاول شلومو بن عامي طرح بعض الحجج والتفسيرات لسبب هذا الفشل والتراجع في تحقيق الأهداف، مدركا تمام الادراك بأنّ تحقيق الانتصارات او الإنجازات أصبح وهما ثقيلا على البيئة الداخلية الإسرائيلية وان واقع الصراع بين الكيان والفلسطينيين هو واقع وجودي لم تغيره الاحداث ولا التواريخ ولا غطرسة الالة العسكرية الإسرائيلية. يعترف الكاتب بان الصراع اليوم أصبح أكثر حدة وعنفا، وان تصنيفه بصراع الوجود مرتبط أساسا بجدية النزاع حول المضمون، وهو القدس والمسجد الأقصى.
وعلى الرغم من محاولته التقليل من حدة المواجهة التي حصلت في القدس وتحديدا حول حي الشيخ الجراح باعتبار انها نزاع مع المحكمة العليا حول قرار استيلاء على بعض البيوت الفلسطينية، إضافة الى بعض التجاوزات التي من الممكن حلها، الا انه لا يمكن ان يخفي تداعيات ما حصل انطلاقا من هذا الحي. والذي شكّل كشف حساب جديد لمعركة عرقية عنيفة، سيدفع اليهود ثمنه حتما، وتحديدا الاكثر تطرفا. يحاول الكاتب الايهام بأن حركة حماس حركة انتهازية تبحث عن انجاز سياسي يساعدها على الهيمنة والسيطرة على السلطة، متناسيا انها تمتلك مقومات وأدوات مقاومة استطاعت في عشرة أيام تحقيق ضربات دقيقة في عمق الوجود الإسرائيلي خلق معادلة جديدة في الصراع وأفشل سياسة الردع الاسرائيلية، وأنّ كل ما يحصل من محاولات لشيطنتها ووصفها بالمنظمة الإرهابية، ومحاصرتها والتضييق عليها، انما أمور تساهم بشكل او باخر في خلق نوع من شد العصب لبيئة المقاومة التي تلتف حولها أكثر وحول قراراتها. 

اعترف الكاتب بان القدس هي بوتقة الصراع وهي أساس المواجهة المقبلة وان تحريك ملف القدس وان كان في ظاهره محاولة لتثبيت وجود يهودي فيها الا انه ساهم في خلق حالة من انعدام الامن للبيئة الداخلية التي بدأت تشعر بذلك، وبدأت تستشعر الخطر الحقيقي الذي يهدد وجودها.
ما يدعم هذه الفكرة هو، تحرك فلسطينيي 48 الذي شكّل صدمة للداخل الإسرائيلي- وان نجح الكاتب في تبريره في بعض التفاصيل ارتباطا بأساليب المؤسسات الإسرائيلية في تعاملها مع فلسطيني الداخل تحديدا-حيث يبدو أن التحركات الحاصلة في داخل الخط الأخضر ما هي الا بداية لتغيير واقع، لن يعود كما كان، كما يتوقع الإسرائيلي، ولن يقف عند حد المطالبة بإسقاط حكم المحكمة العليا هنا او هناك. لقد أصبح التهديد الأمني للكيان ومؤسساته هو الأداة الوحيدة القادرة على اسقاطه، فأينما ضرب الامن الإسرائيلي، ضرب قلب الكيان، وضرب وجوده.
اليوم، الصراع الحقيقي حول القدس فتح الباب امام تصفية حساب مفتوح مع العدو يعتقد البعض بما فيهم الكاتب الذي عبر عن مخاوفه من استمرار الوضع على ما هو عليه، انه لن يدوم طويلا وان نتائجه ستكون وبالا على مستقبل وجود الكيان.


الترجمة الكاملة للمقال
اندلاع الحرب المفاجئ خارج حدود إسرائيل وداخلها صدم أمة راضية عن نفسها. طوال فترة رئاسة بنيامين نتنياهو التي استمرت 12 عاما، كانت المشكلة الفلسطينية مدفونة ومنسية. يبدو أن اتفاقيات إبراهيم الأخيرة التي أقامت علاقات دبلوماسية مع أربع دول عربية، لإضعاف القضية الفلسطينية أكثر. الآن عادت للظهور بطريقة انتقامية.
يمكن أن تنطلق الحروب من خلال حادثة معزولة، لكن سببها قد يكون أعمق. بالنظر لما حصل يبدو الامر أكبر من مجرد حادثة معزولة، فقد طرد الفلسطينيون لصالح القوميين الإسرائيليين في حي الشيخ جراح في القدس الشرقية والذين يمثلون العصب الحساس للصراع الإسرائيلي الفلسطيني. إن احتلال إسرائيل للقدس الشرقية، وسيطرتها على المسجد الأقصى، والذكرى الدائمة لنكبة عام 1948 والمتمثلة في (تشريد 700000 فلسطيني عندما تأسست إسرائيل)، ومظالم الأقلية العربية في إسرائيل، كانت عوامل كافية لتفجير الاحتقان الحالي.
قد يكون صحيحًا أن العقار المتنازع عليه في الشيخ جراح كان يخص عائلة يهودية قبل عام 1948. لكن الفلسطينيين رأوا في الحادث جزءًا من حملة إسرائيل الحثيثة لـ "تهويد" القدس، وظلمًا صارخًا، لأن دولة إسرائيل بنيت جزئيا على الممتلكات المهجورة للاجئين الفلسطينيين. وبينما يحق لليهود المطالبة بالممتلكات التي كانوا يمتلكونها قبل تأسيس إسرائيل، لا يجوز للفلسطينيين. أولئك الذين يواجهون الإخلاء في الشيخ جراح استعادة المنازل التي كانوا يمتلكونها في يافا وحيفا.
في ظاهر الأمر، فإن التصعيد الأخير للعنف مرتبط بشكل او باخر بطابع الصراعات العرقية وقد ردد المسلمون الذين كانوا يحتفلون بشهر رمضان في المسجد الأقصى هتافات للمسجد الاقصى واشتبكوا على إثرها مع جماعات يمينية إسرائيلية هتفت " الموت للعرب". وبدأت الاشتباكات بين الشرطة والجماعات اليمينية الإسرائيلية من جهة وبين الفلسطينيين من جهة أخرى. لكن ما يمكن قوله هنا، هو ان الشباب العرب نجحوا في اجبار المحكمة العليا الإسرائيلية على تأجيل الحكم القاضي بتنفيذ عمليات الإخلاء في الشيخ جراح. كما أجبروا الشرطة على تغيير مسار مسيرة يوم القدس اليهودية بعيدًا عن حارة المسلمين في البلدة القديمة.
امتد الصراع إلى إسرائيل قبل عام 1967، حيث حرضت الجماعات الإسلامية الشباب العرب الإسرائيليين على مواجهة اليهود، واندلعت العديد من المواجهات في المدن اليهودية العربية المختلطة التي كان من المفترض أن تكون نماذج للتعايش، مثل عكا والرملة ويافا واللد، في مظهر من مظاهر العربدة والعنف والتخريب. استولت عصابات من الشباب العرب على اللد. قال السكان اليهود إن هذه كانت مذبحة. تحدثت امرأة يهودية عجوز عن ذكريات ليلة الكريستال. وأجرى رئيس بلدية اللد نفس المقارنة.
برزت القدس كبوتقة الصراع، لقد منحت حركة حماس فرصة ذهبية لتأكيد هيمنتها على المتعاونين مع إسرائيل في السلطة الفلسطينية بالضفة الغربية واكتساح قيادة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس المحتضرة. الذي ألغى الانتخابات التشريعية -تحت الضغط الإسرائيلي- خوفا من فوز حماس التي تحكم غزة منذ عام 2006 وبسط سيطرتها على الضفة الغربية.
صوّر عباس قراره على أنه احتجاج على رفض إسرائيل السماح للفلسطينيين في القدس الشرقية بالمشاركة في الانتخابات. لكن الحقيقة هي أن وجود السلطة الفلسطينية في القدس الشرقية قد تلاشى عمليًا ، مع الفراغ الذي ملأه جيل فلسطيني شاب علماني في الغالب ، حوّل الحرم القدسي (الحرم الشريف للمسلمين) إلى رمز لمقاومتهم للاحتلال الإسرائيلي.
في اندلاع العنف الحالي، ربطت حماس جميع النقاط اللازمة لكسب الأولوية في الحركة الوطنية الفلسطينية. وقد نصبت نفسها على أنها حامي القدس والأقصى، ورأس حربة في النضال القومي والديني للفلسطينيين ضد المحتل الإسرائيلي اليهودي، وصوت الأقلية العربية في إسرائيل نفسها.
تفاجأ الإسرائيليون وحكومتهم العتيدة بشن حماس هجوما صاروخيا ضخما وغير مسبوق على مدن إسرائيلية. حتى أنهم أطلقوا صواريخ على القدس وتل أبيب، وأرسلوا نصف سكان البلاد إلى الملاجئ. هذا الواقع جعل الإسرائيليين يتساءلون كيف يمكن أن تصمد جبهتهم الداخلية الضعيفة في حرب مع حزب الله، عبر الحدود في جنوب لبنان، حيث يمتلك حزب الله ترسانة من 150 ألف صاروخ أكثر فتكًا من ترسانة حماس.
لإثبات موقفها، كانت حماس مستعدة لدفع ثمن باهظ. كانت الضربات الجوية الإسرائيلية العقابية على غزة مدمرة، واستهدفت قادة حماس العسكريين بكفاءة ووحشية. لكن حماس تعلم أنه في الحروب غير المتكافئة في هذه الحقبة، تتمتع الميليشيا المختبئة بين مليوني مدني في واحدة من أكثر المناطق كثافة سكانية في العالم بحصانة عملية قادرة أن تحصنها من الهزيمة. كما تعلم أن تداعيات الحرب في جميع أنحاء المنطقة ستجبر جيرانها مثل مصر وقطر، راعية حماس، على التوسط لوقف إطلاق النار.
من حطام غزة ستعلن حماس انتصارها، ليس بالضرورة في ساحة المعركة، ولكن في عقول شعبها. عند هذه النقطة، ستكون قد حققت أهدافها الرئيسية: سلطة فلسطينية فقدت مصداقيتها تمامًا، ومكانة مرموقة باعتبارها الحامي النهائي للأضرحة الإسلامية المقدسة في القدس.
من المفارقات أن نتنياهو لا مصلحة له في تدمير حماس. بل على العكس تمامًا: يبدو انه يحاول الاستفادة من هذا الوجود لحماس لكسر السلطة الفلسطينية في رام الله وعلى رأسها محمد عباس، والذي بذلت حكوماته باستمرار كل ما في وسعها لإضعافه وإذلاله. تقدم دولة حماس الإسلامية في غزة لنتنياهو الذريعة المثالية لرفض مفاوضات السلام وحل الدولتين. حتى أن نتنياهو سمح لقطر بالحفاظ على هامش الحياة في غزة من خلال دفع رواتب موظفي حماس.
إسرائيل بالتأكيد لا تستطيع أن تدعي النصر. فقد اهتز التعايش الهش بين العرب واليهود داخل حدودها. والإجماع السائد بين الإسرائيليين يشير الى أن القومية الفلسطينية قد هُزمت - وبالتالي أن الحل السياسي للصراع لم يعد ضروريًا. وحتى مع تصاعد العنف، أصبح واضحًا للجانبين أن عصر الحروب والانتصارات المجيدة قد ولى.