»

مترجم: مواجهة ادارة بايدن للإتفاق النووي؛ الاتجاهات والتوقعات

23 شباط 2021
مترجم: مواجهة ادارة بايدن للإتفاق النووي؛ الاتجاهات والتوقعات
مترجم: مواجهة ادارة بايدن للإتفاق النووي؛ الاتجاهات والتوقعات

مركز التبيين للدراسات الاستراتيجية-طهران

علی نوری‌بور

21 شباط 2021

أشار الباحث الإيراني علی نوری‌بور في مقال نشره مركز التبيين للدراسات الاستراتيجية إلى أن الإدارة الامريكية بقيادة بايدن تنوي على الأرجح ربط القضايا النووية والصاروخية بالعودة الى الاتفاق النووي، وجعل التطبيق الكامل للاتفاق أو استمرار تنفيذه مشروطاً بإجراء مفاوضات حول هذه القضايا. لذلك، يبدو من الضروري دراسة العلاقة بين الاتفاق النووي والقضايا الإقليمية والصاروخية. بناءً على النقاط المذكورة أعلاه، تبحث هذه المقالة في كيفية تعامل حكومة بايدن مع الاتفاق النووي حیث تحاول تقديم منظور حول التطورات المستقبلية المحتملة.

في الأشهر الأخيرة، كان العديد من المراقبين ينتظرون عودة الولايات المتحدة على الفور إلى الاتفاق النووي بعد تولي الإدارة الجديدة مهامها، لكن مواقف المسؤولين الأمريكيين تظهر أن هذا التوقع لم يكن واقعياً أبدا.

من أجل إلقاء نظرة واقعية على نهج إدارة بايدن فيما يخص الاتفاق النووي، يجب تحديد الموقف من الاتفاق النووي وتحليل توقيت وکیفیة عودة الولايات المتحدة المحتملة إلى الاتفاق النووي في هذا السياق.

إن الخطة النووية الأخيرة للبرلمان الإيراني والانتخابات الرئاسية الإيرانية في العام المقبل، متغيران ينبغي على الإدارة الامريكية الجديدة أخذهما في الاعتبار عند النظر في توقيت وکیفیة تنفيذ مثل هذا الإجراء.

  • عنصر "الوقت" في موضوع عودة الولايات المتحدة إلی الاتفاق النووي

تحدث المسؤولون الجدد في الإدارة الأمريكية، بمن فيهم جو بايدن ومستشاره للأمن القومي "جيك سوليفان"، قبل بدأ العمل الحكومي تكرارًا عن نيتهم إحياء الاتفاق النووي، لكنهم لم يفصحوا عن زمن وكيفية حدوث هذا الأمر في المستقبل. منذ تشكيل الحكومة الأمريکیة الجديدة، ما زلنا نرى مواقف غیر واضحة من جانب المسئولين الأمریکیین تجاه الاتفاق النووي. ربما يكون هذا التصريح هو أهم موقف لإدارة بايدن تجاه الاتفاق النووي حتى الآن، حیث قال "إذا عادت إيران إلى جميع التزاماتها في الاتفاق النووي، فستفعل أمريكا ذلك أيضًا". لکن هذا الموقف لا يزال يترك لدى المراقبين الكثير من الغموض حول ما سنراه في الأيام والأسابيع وربما الأشهر القادمة. في هذا الصدد یمکن الإشارة إلی متغيرين في تقييم القضية وشفافيتها هما: الانتخابات الرئاسية الإیرانیة عام 1400 وقانون "العمل الاستراتيجي لرفع العقوبات وحماية مصالح الشعب الإيراني".

السؤال الذي يبدو مهماً في هذه المرحلة هو ما إذا كانت حكومة بايدن ترید التأثير على التطورات الداخلية في إيران أم تتخذ سياستها بشكل مستقل عن تلك التطورات؟ أثيرت هذه الفكرة خلال إدارة أوباما بأن على الولايات المتحدة أن تسعى إلى تعزيز ما يسمى بالتيار المعتدل في إيران من خلال توافق نووي ومعاملات مماثلة.

في السنوات الأخيرة، تضاءل هذا الرأي بشكل كبير من قبل الخبراء المقربين من الديمقراطيين، ولكن هناك القليل من الدلائل على أن إدارة بايدن قد تتوقف عن القيام بذلك، على الرغم من إنه لا یوجد أدلة تثبت عكس ذلک.

من المهم أن نلاحظ أن قدرة الولايات المتحدة على التأثير على المشهد الداخلي الإیراني محدودة جداً، وأن أدوات الولايات المتحدة للقيام بذلك تبدو بعيدة المنال. هذا موضوع أشار إليه بعض الخبراء الأمريكيين ونصحوا إدارة بايدن بمتابعة سياستها بغض النظر عن نتيجة الانتخابات الرئاسية الإيرانية.

وكتب "هنري روما"، الخبير في شؤون إيران في معهد "أوراسیا"، في مقال له: "لم يعارض خليفة روحاني بالضرورة أداة الدبلوماسية، حتى لو كان أكثر معاداة لأميركا".

 لا ينبغي لواشنطن أن تتوقع من سياساتها أن تملي نتيجة الانتخابات، ولا ينبغي أن تسمح للانتخابات بالتأثير على سياساتها بغض النظر عن قدرة الولايات المتحدة أو عدم قدرتها على التأثير في الانتخابات، تجدر الإشارة إلى أنه حتى لو تم إحياء الاتفاق النووي بالكامل ورفع العقوبات قبل الانتخابات، فإن التأثیر الاقتصادي لهذا الحدث في الفترة المذكورة وأيضًا تأثيره على الرأي العام الإيراني، سيواجه التساؤلات والشكوك نظراً لتجربة السنوات التي تلت انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي،

تُظهر مراجعة الفترات الماضية أن الولايات المتحدة تحدد سياساتها تجاه إيران بغض النظر عن التطورات الانتخابية، وأن الولايات المتحدة تتعامل أساسًا مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية (ككل) على أنها جهة فاعلة لا تتوافق مع المصالح الأمريكية.

حسب الأدلة الموجودة، يمكن القول إن الانتخابات الرئاسية العام المقبل، متغير ذو أثر محدود في مسألة مواجهة الإدارة الامريكية للاتفاق النووي، بينما يعدّ قانون العمل الاستراتيجي لإلغاء العقوبات متغيرًا جديرًا بالدراسة في التطورات الحالية. إن التدابير الإيرانية التدريجية بموجب هذا القانون، بما في ذلک استئناف التخصيب بنسبة 20 في المائة، وزيادة قدرة التخصيب وإنتاج اليورانيوم المعدني في مصنع أصفهان، يمكن أن تقرب المسؤولين الأمريكيين من اتخاذ الخطوات اللازمة فيما يتعلق بالعقوبات. كما أنّ وقف التنفيذ الطوعي للبروتوكول الإضافي وتقليص إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية في أوائل مارس / آذار ليس بشيء يمكن للولايات المتحدة أن تكون المشاهد الوحيد له، وسيؤدي وقف التعاون خارج نطاق الضمانات، مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى زيادة سياسة انتظار بایدن للاتفاقية. مع ذلك، على الرغم من أن القانون يتضمن أحكامًا أخرى لإحياء القدرات النووية للبلاد، إلا أنه يبدو أن تعليق البروتوكول الإضافي سيكون نقطة تحول لبایدن. على الرغم من أن الطريقة التي تستفید بها الولايات المتحدة من متغير الانتخابات الرئاسية غامضة للغاية، إلا أنه لا ينبغي التغاضي عن تأثيرها على كيفية اتخاذ حكومة الولايات المتحدة قراراتها تجاه الاتفاق النووي. فإن تعليق تنفیذ البروتوكول الإضافي يمهد الطريق لصنع القرار الأمريكي مع إمكانية لعب الدول الأوروبية لدور ايضا.

  • "کیفیة" عودة الولايات المتحدة إلی الاتفاق النووي

لا تزال الإجراءات المستقبلية للولايات المتحدة تجاه الاتفاق النووي في دائرة الغموض، لكن السياسة الإعلامية لإيران تجاه الاتفاق النووي واضحة وهی: يجب رفع العقوبات تماماَ قبل تنفيذ الالتزامات الكاملة لإيران المتعلقة بالاتفاق النووي. إن سياسة إيران المتمثلة باستمرار خفض الالتزامات بالنسبة للاتفاق النووي، تضع الولايات المتحدة في موقف دفاعي بجبرها علی اتخاذ القرارات. والسؤال المطروح الآن هو ما إذا كانت الخطوة الأمريكية التالية تجاه إیران ستلبي مطالبها أم لا. هل ستتخذ الولايات المتحدة الخطوة الأولى لإحياء هذه الاتفاقية، فما هي هذه الخطوة؟

في الوضع الحالي، تتركز جميع وجهات نظر الأطراف، بما في ذلك الدول الأوروبية، على قرار الحكومة الأمريكية. من وجهة نظر صانعي قرار السياسة الأمريكية، تواجه البلاد خيارين للعودة إلى الاتفاق النووي:

  • الخيار الأول هو العودة الكاملة إلى الاتفاق النووي حيث عرف بنهج "الالتزام مقابل الالتزام"، والذي يتضمن رفع عقوبات ومنح إيران القدرة على بيع النفط وإجراء المعاملات المالية.
  • الخيار الثاني هو العودة التدريجية، بحيث يتم في البداية منح بعض الامتيازات الاقتصادية الصغيرة، مثل قرض صندوق النقد الدولي أو المساعدة الطبية والصيدلانية، لإيران، مقابل تعليق تنفيذ الخطة البرلمانية الأخيرة.

بالنظر إلى أن الولايات المتحدة (وفقًا لمسؤولين أمريكيين) تعتزم توسيع القيود النووية وزیادة مدتها، فإنها تفضل الخيار الثاني، حيث يمكن أن تجعل العودة الكاملة إلى الاتفاق النووي مشروطة بقبول إیران تغيير الملف النووي. ويبدو أن سبب التأخير في العودة إلى الاتفاق النووي هو محاولة الولايات المتحدة تشكيل تحالف لتحديد آلية عمل في هذا الصدد والضغط على إيران.

شرط إيران لرفع کامل العقوبات یبدوا منطقيًا تمامًا، لأن الولايات المتحدة هي التي انسحبت من الاتفاق النووي.  إن الإجراءات الأحادية الجانب للولايات المتحدة في السنوات الماضية والجشع المتزايد اليوم، جعل من الصعب الخروج من المأزق الحالي. من جانب تريد حكومة بايدن إظهار نفسها لخصومها الداخليين على أنها حازمة وثابتة في علاقاتها مع إيران، ومن جانب آخر، أدى انسحابها أحادي الجانب من الاتفاق النووي إلى عزلها في الشأن النووي الإیراني. إن حكومة الولايات المتحدة، تسعى إلى هدر الوقت والامتثال التدريجي لجميع الأطراف لمطالبها. ما يمكن أن ينهي عملية الاستنزاف هذه؛ هو اتخاذ خطوات سريعة وواسعة لاستعادة القدرة النووية على نطاق واسع.

  • العلاقة بين إحياء الاتفاق النووي والقضايا الإقليمية والصاروخية

هناك عدة أسباب لتردد حكومة بايدن في العودة إلى الاتفاق النووي. يعود أحد الأسباب إلى ضعف الاتفاق النووي وتجربة إدارة ترامب في انسحاب أحادي الجانب من الاتفاقية. في الواقع، أن الاتفاق النووي یتمتع بقليل من الشعبية في السياسة الداخلية الأمريكية، حیث أصبح خلال إدارة أوباما اتفاقًا حزبيًا لا يدعمه سوى الديمقراطيين.

في ظل هذه الظروف، تسعى حكومة الولايات المتحدة إلى بناء إجماع على ایجاد اتفاق أقوى من الاتفاق النووي (حسب وجهة نظرها). بالطبع، يبدو أنّ جهود التوصل إلى إجماع، لا تقتصر على المشهد المحلي للولايات المتحدة فقط، بل هناک سعي إلى إشراك الحلفاء الإقليميين للولايات المتحدة. هذا الجهد الذي وصفه بعض الخبراء الأمريكيين، بمن فيهم فريد زكريا، الخبير البارز في "سي ان ان"، بأنه مقلق ونهج سياسي غیر ناجح.

السبب الثاني لعودة الحكومة الأمريكية إلی الاتفاق النووي، من جهة كسب الوقت لإنشاء آلية عمل لربط الملف النووي بقضايا إيران الصاروخية والإقليمية بالتنسيق مع الدول الأوروبية، بعبارة أخرى، تقوم الولايات المتحدة بتقییم ما إذا كانت، قادرة على فتح باب مفاوضات إقليمية رئيسية مع إيران، بعودتها إلى الاتفاق النووي أم لا. في هذا الشأن قال مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض "جيك سوليفان" في مقابلة الصيف الماضي إن مجموعة 5 + 1 ليست المجموعة المناسبة لمعالجة القضايا الإقليمية، ويجب على دول المنطقة اتخاذ القرار في هذا الشأن. بعيدا عن حقيقة أن الولايات المتحدة لا تستطيع لعب دور الوسيط بين إيران ودول المنطقة أو التمهيد لإجراء المفاوضات، فإن استعداد دولة مثل المملكة العربية السعودية للتفاوض مع إيران أمر مشكوك فيه للغاية. مع هذا الوصف، يجب على الدول العربية المتحالفة مع الولايات المتحدة أولاً قبول الاتفاق النووي كجسر للمفاوضات الإقليمية، وثانيًا، إیفاء دور الأمريكي في المفاوضات مع إيران. وهكذا، فإن الطموحات الأمريكية بالعودة التدريجية للاتفاق النووي، وتوسيع هذه الاتفاقية وربطها بقضايا إقليمية وصاروخية، سببت وصولنا للوضع الراهن وتعلل عودة الولايات المتحدة إلی الاتفاق النووي. إن إصرار إيران على رفع جميع العقوبات في المقام الأول، بالإضافة إلى إحباط الخطة الأمريكية، سيفشل أيضًا فكرة استخدام الاتفاق النووي كجسر للمفاوضات حول القضايا الإقليمية. يبدو أنه مع استمرار تقليص التزامات الاتفاق النووي في إطار خطة مجلس الشورى الإسلامي، يقترب موعد أخذ الحكومة الأمريكية قرار بشأن الاتفاق.

على الرغم من أن متغير الانتخابات الرئاسية لا يمكن التغافل عنه ويستحق الدراسة، ولكن بسبب الغموض في طريقة تحليل الحكومة الأمريكية للتطورات الداخلية في إيران، في الوقت الراهن، لا يمكن اعتبار هذا المتغير في التحليلات قائما. ومع ذلك، يبدو أن الإطار الزمني الأكثر ترجيحًا لتحديد عمل حكومة الولايات المتحدة بالنسبة للاتفاق النووي هو الأيام وربما الأشهر المقبلة، لا سيما إذا اعتبرنا تصريح "أنتوني بلينكن" بأنه "الوقت الذي تستغرقه إيران في تخزين المواد الانشطارية لصنع قنبلة نووية" إلى ثلاثة أو أربعة أشهر "، مؤشراً على التقييم الحقيقي للحكومة الأمريكية. المهم بالنسبة لإيران هو رفع العقوبات، من دون عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي. ولكن، كما أشير سابقاً، الاتفاق النووي بالنسبة للولايات المتحدة، شيء يتجاوز القضية النووية، وسيكون هدفهم استخدام الاتفاق النووي كأداة لمفاوضاتهم في المجالات الإقليمية والصاروخية. لذلك، تسعى الولايات المتحدة، بالتنسيق مع الدول الأوروبية، إلى تقليص العقوبات تدريجياً، والتي، بالإضافة إلى عدم جلب الفوائد الاقتصادية المرجوة لإيران، ستقلّص بشدة من أدوات البلاد السياسية والأمنية. ما يتعين على إيران فعله في الوقت الراهن واضح جداً: عدم الإعراب عن الرغبة في رفع العقوبات بسرعة، والتنفيذ الفوري للخطة البرلمانية، وانتظار اتخاذ الولايات المتحدة الخطوة الأولى في رفع العقوبات. لا ينبغي لإيران أن تكتفي بأي شيء أقل من عودة الولايات المتحدة الكاملة إلى الاتفاق النووي والوفاء بجميع التزاماتها والدول الأوروبية.