»

مترجم: جهود تركيا لتحسين العلاقات مع الكيان الصهيوني - الأهداف والنتائج

12 شباط 2021
مترجم: جهود تركيا لتحسين العلاقات مع الكيان الصهيوني - الأهداف والنتائج
مترجم: جهود تركيا لتحسين العلاقات مع الكيان الصهيوني - الأهداف والنتائج

ترجمة مركز الاتحاد للأبحاث والتطوير

الکاتب: مهدی آشنا/ طالب دكتوراه في العلاقات الدولية

المصدر: مركز دراسات تبیین

التاریخ:12 بهمن 1399/ الموافق 31 ینایر2021


يرجع التغيير في نهج أنقرة إلى حدٍ كبير إلى بدء مرحلة الإدارة الأمريكية الجديدة وذلك بهدف إحباط سياسات بايدن فيما يتعلق بالسياسة الداخلية التركية وتجنب العقوبات الأمريكية والأوروبية ضد هذا البلد. في حين صرح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مؤخرًا أن تركيا في صدد تحسين علاقاتها مع الكیان الصهيوني.

كانت تركيا الدولة الأولى ذات الأغلبية المسلمة التي اعترفت بالکیان الصهيوني عام 1949 وأقامت علاقات واسعة مع هذا الکیان. على الرغم من وجود حكومة علمانية في تركيا في ذلك الوقت، استمرت أیضاً هذه العلاقات مع تأسيس حکومة الإسلاميين، لدرجة أنه حتى في مايو 2005، سافر أردوغان إلى تل أبيب.

في أعقاب الهجوم الإسرائيلي على سفينة مرمرة في حزيران 2010، والتي كانت في طريقها إلى قطاع غزة، حيث قتل 10 مواطنين أتراك، تدهورت العلاقات بين ترکیا والکیان الصهیوني ولکن بعد مرور 6 سنوات، أعيدت العلاقات بينهما، بعد دفع الأخیر تعويضات عن هذا الحدث. لكن بعد قمع الاحتجاجات الفلسطينية في أعقاب اعتراف الولايات المتحدة بالقدس عاصمة للكيان، استدعت تركيا سفيرها في تل أبيب وقطعت العلاقات الدبلوماسية رفيعة المستوى معها مرة أخرى في أبریل 2018. هذا في الوقت الذي استمرت السفارات والقنصليات في القيام بأنشطتها، ولم تستمر العلاقات الاقتصادية والأمنية والاستخباراتية فحسب، بل زادت، التجارة السنوية بينهما حيث وصلت إلى حوالي 5 مليارات دولار إلى 6 مليارات دولار.

بالإضافة إلى تصريحات أردوغان في الأسابيع الأخيرة، كانت هناك مؤشرات أخرى، مثل حدوث تغيير في الأدبیات التركية بشأن عملية التطبيع، وتقارير عن وساطة رئيس أذربيجان وتعيين سفير تركي جديد في تل أبيب، مما يشير إلى رغبة ترکیا في تحسين العلاقات مع الکیان الصهیوني، ما قد يكون له تداعيات على علاقات تركيا مع الفلسطينيين ولا سيما حماس والصراعات في شرق البحر المتوسط وتوازن القوى في المنطقة.

أهداف تركيا في محاولة تحسين العلاقات السياسية مع الكيان الصهيوني

إن التحول في سياسة تركيا الخارجية تجاه الکیان الصهيوني مرتبطاً بعدة عوامل، مثل الإدارة الأمريكية الجديدة، والعقوبات الأمريكية والأوروبية ضد البلاد، وعملية تطبيع علاقات الدول العربية مع الكيان الصهيوني. وفيما يتعلق بالإدارة الأمريكية الجديدة، يمكن القول إن تركيا في حالة إعادة تعريف سلوكها الإقليمي وسياستها الخارجية بما يتماشى مع التغييرات المحتملة في السياسة الخارجية لإدارة بايدن في غرب آسيا.

إن نهج حكومة بايدن تجاه السياسة الداخلية التركية هو إحدی هذه التغييرات. وكان بايدن قد قال في حملته الانتخابية إنه سيدعم المعارضة التركية ضد أردوغان، وطالب معارضة الحكومة التركية الدخول في العملية السياسية.

يمكن تفسير جهود أردوغان لتحسين العلاقات مع الکیان الصهيوني، في سياق استخدام نفوذه في الحكومة الأمريكية لتقليل مثل هذه الضغوط من جانب إدارة بايدن. في الواقع، وفقًا لمثل هذا التفسير، يتم إعادة العلاقات السياسية مع الکیان الصهيوني من أجل منع تدهور علاقات تركيا مع حكومة بايدن.

كذلك، من الممكن تفسیر محاولة ترکیا لمثل هذه الخطوة، من أجل مقاومة التغييرات المحتملة في السياسة الأمريكية في غرب آسيا حيث أن فوز بايدن لم یکن يرضيهم. وذلك بالنظر إلى سياسات إدارة ترامب التي كانت داعمة للمحورين العبري والعربي في ظل ممارسة سياسة الضغط الأقصى على إيران ودفع عملية تطبيع علاقات الدول العربية مع الکیان الصهيوني، وكذلك ترك تركيا حرة في سوريا وبعض المناطق الإقليمية الأخرى.

فضلاً عن أن تركيا تواجه حالیاً ضغوطًا من جانب أوروبا والولايات المتحدة، بالإضافة إلی ظروف اقتصادية خطيرة. فرضت الولايات المتحدة وأوروبا مؤخرًا عقوبات على أنقرة؛ فكانت العقوبات الأوروبية بسبب تنقيب تركيا عن النفط في شرق البحر المتوسط، وهو ما يتعارض مع رغبات اليونان وقبرص وأعضاء الاتحاد الأوروبي، أما العقوبات الأميركية بسبب شراء نظام الصواريخ الروسي S-400

إن الطبيعة البراغماتية للاقتصاد الترکي وأهميته في السياسة الخارجية التركية والمخاوف بشأن تداعيات التوترات مع حكومة بايدن وأوروبا، لاسيما فيما يخص العقوبات وتأثيرها على رؤية 2023، هي من الأسباب الأخرى التي دفعت تركيا نحو تجديد العلاقة مع الكيان الصهيوني، لأن هناك رأي بأن تحسين العلاقات مع هذا الكيان يمكن أن يكون أداة لتحسين صورة تركيا في الحكومة الأمريكية وكذلك في أوروبا. لكن هناك عامل مهم آخر في محاولة الاقتراب التركي من الكيان الصهيوني، وهو تطبيع علاقات الدول العربية مع الكيان الصهيوني وتعزيز مكانته في العالم العربي.

کان لترکیا مؤخرًا برامج لاستعادة الهيمنة العثمانية، حیث ترى في قضية فلسطين ساحة يمكن أن تجتذب حولها الرأي العام في المنطقة وتلعب دور الخليفة الجديد للعالم الإسلامي. لكن تقدم عملية التطبيع جعل من الممكن للدول التي قامت بتطبيع العلاقات مع الکیان الصهیوني، أن تلعب دورًا أكبر في تعامل الکیان مع الفلسطينيين. تركيا، کانت الدولة الأولى من حيث عدد السكان المسلمين التی اعترفت رسمیاً بالکیان الصهيوني، حالیاً لا تريد أن تبقی بعیداً عن سباق عملية التطبيع وإضعاف رؤیتها حول القضية الفلسطينية.

التحقيق في إمكانية الرد الإيجابي من قبل الكيان الصهيوني

رفض المسؤولون الصهاينة التعليق رسميًا حتى الآن. وبحسب تقرير لـ "المونيتور"، نقلاً عن خبير إسرائيلي، فإن سبب صمت الکیان الصهيوني في هذا الصدد هو لإجراء تقييم حول جدیة أنقرة. وبحسب الخبير، هناك ثلاثة مؤشرات لـ"إسرائيل" في هذا الصدد: عودة السفير التركي، وانتهاء الدعم التركي لحركة حماس، ووقف التصريحات العدائية لتركيا وأردوغان. إذا حدث ذلك، فلن یرفض الکیان تحسين العلاقات الدبلوماسية مع ترکیا.

بالإضافة إلى ذلك، أصبحت تركيا أهم عامل في التحالف الإسرائيلي القبرصي اليوناني، والکیان الصهيوني لن يضحِ بعلاقاته مع هذين البلدين من أجل العلاقات الهشة مع تركيا. كما إن استثمار الكيان بکثافة في منتدى غاز شرق المتوسط، الذي انضمت إليه الإمارات مؤخراً كعضو مشرف. ففي الوقت الذي هناك تواجد لبعض قادة حماس في تركيا وتقارب عربي من الکیان الصهیوني، فإن هذا الکیان ليس في عجلة لمنح التنازلات لأردوغان.

لكن بما أن قطع العلاقات عام 2018 لم یکن رسميًا، لذلك لم یکن هناك عائق رسمي أمام تبادل السفراء مجدداً. هناك نقطة مهمة بالنسبة إلی الکیان الصهيوني وهي علاقات تركيا مع حماس وإقامة بعض كبار قادة حماس فيها. ولهذا السبب، يحث الكيان تركيا على الحد من نشاط حماس على أراضيها. في المحصلة، يرحب الكيان الصهيوني بهذا التغيير في نهج تركيا، لكنه يرى نفسه في مکانة المتفوق ويسعی لكسب نقاط من تركيا.

أثر التحسین المحتمل في العلاقات التركية الصهيونية على علاقات تركيا مع الفلسطينيين

لقد أظهر هذا التحول التركي بالفعل تأثيره الأول على القضية الفلسطينية، قبل أن يلقى استجابة إيجابية من الکیان الصهيوني، وهذا هو التغيير في أدبيات مسؤولي هذا البلد بشأن عملية التطبيع.

اتخذت مؤخراً تركيا موقفاً متساهلاً للغاية بشأن عملية تطبيع المغرب مع الكيان بعد أن كانت تنتقد بشدة الإمارات والبحرين تطبيع العلاقات مع الکیان الصهیوني.

من الواضح أن موقف تركيا تجاه القضية الفلسطينية لا يختلف تماماً مع موقف الغرب العام، كما أن تصريحات أردوغان بشأن القضية الفلسطينية نابع من رغبته في لعب دور زعيم الإخوان المسلمين ولعب دور الخليفة الجديد العالم الإسلامي من أجل استغلال الرأي العام في المنطقة والاستهلاك الداخلي وكورقة لعب ضد الکیان الصهيوني.

كان من وراء هذه هي الرغبة أنه في عام 2018، بعد اعتراف الولايات المتحدة بالقدس عاصمة للکیان الصهيوني وقمع هذا الکیان للمتظاهرين الفلسطينيين، أن استدعت تركيا، سفيرها في تل أبيب وخفضت علاقاتها السياسیة مع الکیان الصهیوني مع الحفاظ على علاقاتها الاقتصادية والأمنية مع الكيان.

إن التأثیرات الأخری لهذا النهج هو ممارسة مزيد من الضغط على الفلسطينيين. حيث وضع الکیان الصهيوني شروطاً لاستئناف العلاقات السياسية فيما يتعلق بسياسة تركيا تجاه حماس. وبحسب صحيفة يديعوت أحرونوت، أعلنت مصادر سياسية في تل أبيب أن الکیان الصهيوني مستعد لتطبيع العلاقات مع تركيا بشرط إلغاء مكتب حماس في اسطنبول.

لدی ترکیا سابقة علی صعید تقييد أنشطة حماس على أراضيها تحت ضغط من الكيان الصهیوني. في عام 2015، ومن أجل استئناف العلاقات مع تل أبيب، التي قطعت إثر حادثة سفينة مرمرة في يونيو 2010، تخلت ترکیا عن شرط رفع الحصار عن غزة، إلى جانب شرطين آخرين، وهما الاعتذار والتعويض للناجين.

كما تعهدت بالحد من نشاط حماس على أراضيها، وطالبت رئيس مكتب حماس في اسطنبول، صالح العاروري، إلى مغادرة البلاد. وبالتالي، من غیر المستبعد هذه المرة أيضًا، أن تقدم تركيا مثل هذه الالتزامات، بما فیها استضافة اجتماع المجموعات الفلسطینیة للکیان الصهیوني لا سیما في ظل المخاوف من تقارب حماس مع سوریا.

الحقيقة أن ما يهم تركيا هو مصالحها والعمل لإعادة النظر بالورقة الفلسطينية وليس جوهر القضية الفلسطينية وهدفها ومصير الفلسطينيين.

التأثير على توازن القوى الإقليمية

قد يكون للتحول الأخير في تركيا بالإضافة إلى تداعیاته على القضیة الفلسطينية، أثر على صعید ميزان القوى في المنطقة. سعی المحور السعودي والإماراتي في السنوات الأخيرة من وراء التقارب إلی الکیان الصهیوني إلى تحقيق التوازن ضد إیران ومن جانب آخر سعی هذا المحور من خلال محاصرة قطر، إضعاف المحور الإخواني (التركي والقطری) حیث أدى هذا الامر إلى حد ما إلى التقارب الإیراني الأخواني.

يبدو حالیاً أن التوازن الإقليمي قد تغير، مع محاولة الاقتراب التركي من الكيان الصهيوني، والمصالحة بين قطر والدول المحاصرة، وکذلك توجد مؤشرات على استعداد تركيا والمحور السعودي الإماراتي لحل التوترات، وهو ما قد يكون له انعكاسات على التطورات الميدانية في المنطقة، بما في ذلك في سوريا والعراق واليمن على حساب محور المقاومة.

على الرغم من أن هذا الأمر ليس مستبعدًا، لكن کما أشرنا سابقاً فإن موضوع التغيير في نهج تركيا يرتبط أکثر بمجيء الإدارة الأمريكية الجديدة وسعيا نحو إفشال سياسات بايدن تجاه تركيا وبعض القضايا الإقليمية والعقوبات الأمريكية والأوروبية ضد البلاد. في الواقع إننا نشهد تلاقي المحور الثلاثي العبري والعربي والإخواني لمقاومة التغييرات المحتملة في السياسة الأمريكية في غرب آسيا في ظل إدارة بايدن. على الرغم من أن بعض هذه التغييرات مرتبطة بسياسات بايدن تجاه إيران، والتي قد تكون ضد رغبات هذه الدول، إلا أنه لا يبدو أن الهدف العام من هذه التغييرات هو التركيز على إيران ومحور المقاومة. لكن على أي حال، إذا كان هناك تقارب بين تركيا والکیان الصهيوني، علی صعید السیاسة، فإن ميزان القوى في المنطقة سيتغير سياسياً على حساب إيران ومحور المقاومة.

الاستنتاج

إن التغيير في نهج تركيا یرتبط بشكل أكبر مجيء حكومة جديدة في الولايات المتحدة، ويهدف إلى إفشال سياسات بايدن بشأن السياسة الداخلية لتركيا وبعض القضايا الإقليمية والعقوبات الأمريكية والأوروبية ضد البلاد. على الرغم من أن الکیان الصهيوني يرحب عمومًا بهذا نوع من التغيير في نهج تركيا، إلا أنه لن يتسرع في استئناف العلاقات مع تركيا لأسباب متنوعة، بما في ذلك التطورات في شرق البحر المتوسط والتقارب من دول الخليج الفارسي، وسيسعى للحصول على تنازلات من البلد. كما أنه يبدو أن هذا التغيير قد يغير ميزان القوى في المنطقة وقد يكون له تداعيات علی صعید التطورات الإقليمية في المنطقة، بما في ذلك سوريا والعراق واليمن، على حساب محور المقاومة، إلا أنه لا يبدو أن له تأثير كبير على العلاقات التركية الإيرانية.