»

مترجم: السياسة الخارجية التركية في 2021

21 كانون الثاني 2021
مترجم: السياسة الخارجية التركية في 2021
مترجم: السياسة الخارجية التركية في 2021

ترجمة مركز الاتحاد للأبحاث والتطوير/ موقع الدبلوماسي الإیراني

كتبت شهره بولاب في مقال لها على موقع الدبلوماسي الإيراني: "إن لدی أنقره خططا، لبدء مرحلة جدیدة من العلاقات مع العالم. إن الإصلاحات الاقتصادية والديمقراطية المطلوبة لأردوغان عام 2021، مع الاستثمارات الكبيرة في المشاريع الجديدة علی صعيد العالم من أجل تحقیق مستوی  من الكفاءات السياسية والاقتصادية" من جهة، ومن جهة أخری، الإعلان عن الاستعداد للتفاوض والتعاون مع أي دولة تحترم السيادة والحقوق والقانون والقدرات لتركيا، بما في ذلك أوروبا والولايات المتحدة وروسيا والصين أو دول أخرى في الشرق الأوسط. تشير الكاتبة  إلى اتخاذ ترکیا سياسة المصالحة، حیث ستفتح صفحة جديدة في العلاقات الخارجية مع الدول الأخرى. أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في خطاب ألقاه عبر الفيديو في 26 كانون الأول / ديسمبر 2020، أن عام 2021 سیکون "عام الإصلاح الديمقراطي والاقتصادي" لبلاده. وفي حديثه خلال افتتاح مشروع كبير في اسطنبول بقيمة 352 مليون ليرة تركية (46 مليون دولار تقریباً)، قال أردوغان إن أعظم شرف له هو خدمة الأمة ورفع سمعة بلاده. وأضاف أيضًا أنه علی صعید المسار العالمي الحالي الذي أصبح فيه تفشي فيروس كورونا يشكل الصدمة الإقتصادية والسياسية المتزايدة، فإن تركيا تمر بعملية تحول تاريخي من حيث البنية التحتية وهي مستعدة من حيث القوة السياسية والاقتصادية لتکون نشطة علی مستوی العمل والمفاوضات.

إن الاقتصاد الترکي بالنظر إلى الاقتصاد العالمي والتجارة في عام 2020، وعلى الرغم من التداعيات السلبية لجائحة فيروس Covid-19، قد حقق نجاحًا حافلاً، حیث لم يتجاوز عجز ميزانيته أکثر من 4٪. هذا في الوقت الذي كانت نسبة عجز الميزانية الأمريكية بالنسبة للإنتاج المحلي الإجمالي (GDP) 20% وكان عجز الميزانية لکثیر من أعضاء مجموعة العشرين G-20 بين 6% و15٪. أنهت تركيا العام الماضي باحتلالها المرکز السابع عشر بين أكبر اقتصادیات العالم بنمو اقتصادي إيجابي، بينما فشلت علی هذا الصعيد العديد من الاقتصادات الرائدة في العالم.

كانت لتركيا مبادرات مهمة علی صعید السياسة الخارجية عام 2020 حيث أدت إلى زيادة أنشطتها في السياسة الدولية، والتي يمكن مقاربتها في المجالين: الاقتصادي والسياسي:

1-علی صعید الاقتصادي، کان هناک إحیاء لطريق الحرير القديم في 4 ديسمبر 2020، تحت عنوان جديد "طريق الحرير الحديدي" عبر خط السكة الحديدية الممتدة من الصين إلى أوروبا، حیث اتیحت الفرصة لترکیا لوضع اسطنبول على الطريق الدولي عبر ربط جورجيا – أذربيجان، ومعبر بحر قزوين - كازاخستان بمدينة شيان الصينية.

-تحوّل مشروع مطار إسطنبول الدولي الجديد على نفق أوراسيا، وهو أقصر طريق بين آسيا وأوروبا، وتركيا إلى الطريق السريع للتصدير والاستيراد في أوروبا، والذي مکن من جذب الکثیر من الاستثمارات للعديد من الشركات الرائدة في العالم.

- وقعت تركيا إتفاقيتين بحريتين في مجال التعاون الأمني والعسكري مع فايز السراج رئيس وزراء التحالف الوطني الليبي في نوفمبر2019 بهدف اقتصادي يشمل إستخدام موارد الغاز في البحر المتوسط وکذلک اتفاق، لتحدید الحدود المائیة بین مناطق جنوب غرب ترکیه وشمال شرق ليبيا في بحر المتوسط وذلک لتوسيع الأمن والتعاون العسكري، حیث وضعت ترکیا علی مسیر الإستراتیجي الکبری، بإعتبارها القوة الأقلیمیة وحتی القوة الناشئة عالمیة.

-يمثل خط الأنابيب العابر للأناضول (TANAP)، الذي ينقل الغاز الطبيعي من أوروبا إلى بحر قزوين قبالة حقل "شاه دنيز" قبالة ساحل جمهورية أذربيجان، بداية مرحلة جديدة لدور تركيا في توفير أمن الطاقة حیث رفعت دور ترکیا علی صعید الأمن الإقتصادي لدول إمدادات الطاقة في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى والدول الأوروبية المستهلكة للطاقة.

-يعد الافتتاح الرسمي لخط أنابيب "ترك ستريم" في كانون الثاني (يناير) 2020 إنجازًا اقتصاديًا مهمًا آخر لتركيا، حيث استفادت تركيا من كونها على طريق خط أنابيب الغاز من روسيا إلى أوروبا ولقد زادت بشكل إستراتيجي من أمن الطاقة في هذا البلد.

وصلت اللعبة الکبیرة لأردوغان علی صعيد الطاقة إلى ذروتها عندما ظهرت تركيا ليس فقط كدولة لعبور الغاز، ولكن أيضًا كمورد للغاز من خلال استكشاف حقل غاز بمساحة 320 مليار متر مكعب قبالة ساحل البحر الأسود في أغسطس من العام الماضي. غيّر هذا الاكتشاف هدف تركيا في أن تصبح مُصدرًا بحتاً للطاقة.

2- علی صعید السياسة، يعتبر عام 2020 بالنسبة لتركيا عام تحقق السياسات الفاعلة في منطقة یمتد من شرق البحر الأبيض المتوسط إلى غرب آسيا الوسطى حیث قامت بالمغامرات العسكرية في سوريا والعراق وليبيا وشرق البحر المتوسط وناغورنو كاراباخ للحفاظ على موقعها المستقل في العالم. واردوغان ومن خلال هزيمة الإجراءات للحد من نفوذ تركيا المتزايد في شرق البحر الأبيض المتوسط، أظهر قوة بلاده الرادعة، مع الحفاظ على مصالحه الوطنية ومصالح القبارصة الأتراك. تجدر الإشارة إلى أن دول الاتحاد الأوروبي، إلى جانب اليونان وجنوب قبرص ومصر، تقف على خط المواجهة ضد تركيا من حيث استكشاف واستخراج الغاز الطبيعي والموارد النفطية في منطقة شرق البحر المتوسط وترسيم الحدود البحرية وفقًا للقانون الدولي.

حاول أردوغان إظهار نفسه حاسما لنتيجة النزاعات الجغرافية، من خلال الكشف عن إستراتيجياته في ليبيا والقوانين المنصوص عليها في إتفاقية قانون البحار المتعلقة بالحدود البحرية. تابعت تركيا، بالتزامن مع نشوب الاختلاف مع الیونان والشركاء الآخرين في الناتو مثل فرنسا وألمانيا في شرق البحر الأبيض المتوسط، من مواصلة إستراتيجية مدروسة مع دول البحر الأسود الساحلية والقوقاز وآسيا الوسطى وذلک لحیازة مساحة جديدة من النفوذ والشراكات الاستراتيجية المستقلة عن حلفائها التقلیدین في حلف الناتو وأيضًا إمكانية الوصول إلى مناطق النفوذ والسيطرة الروسية التقليدية. أظهرت تركيا دورًا إقليميًا في مواجهة العديد من القوى الإقليمية والعالمية في الأزمة الليبية، من خلال الاعتراف بحكومة الوحدة الوطنية ومن ثم المساعدة في إعادة بناء المؤسسات الحكومية وبناء القطاع الأمني في البلاد. وقد سعت لذلك، من خلال تعزيز علاقاتها السياسية والاقتصادية مع دول مثل الجزائر والنيجر وتونس وکذلک الصومال حيث أقام الجيش التركي فیها أكبر قاعدة عسكرية له فی الخارج.

إن المشهد الأکثر وضوحاً لإظهار استراتيجية تركيا النشطة کان قد ظهر من خلال نزاع ناغورنو كاراباخ حیث قامت من خلال إستغلال نشوب النزاع بين أذربيجان وأرمينيا وتوطيد تحالفها المتنامي مع أذربيجان، بالولوج إلى الفناء الخلفي لروسيا وتقدیم نفسها كلاعب رئيسي في منطقة القوقاز. أثبتت تركيا أنها اللآعب الإقليمي المهم في منطقة جنوب القوقاز من خلال إرسال الأسلحة الاستراتيجية مثل الطائرات بدون طيار إلى أذربيجان وتغییر موازين القوى لصالح باكو لتحرير الأراضي الأرمنية المحتلة.

أسفر دور تركيا كلاعب مستقل في النزاعات في ليبيا وسوريا وناغورنو كاراباخ، وإتهامها بالتنقيب غير القانوني عن الغاز في شرق البحر المتوسط، وتصعيد الصراع علی جزيرة قبرص، شرخاً بين تركيا والإتحاد الأوروبي. إن معظم أعضاء الإتحاد الأوروبي هم أعضاء في حلف الناتو وملزمون بالدفاع عن مصالح تركيا في حالة حدوث أي صراع عسكري. تركيا هي الشريكة الاستراتيجية للاتحاد الأوروبي ويعتمد أمن الاتحاد الأوروبي بشكل كبير على أمنها. سبيل المثال، قامت تركيا بحماية حدود الاتحاد الأوروبي في إطار التعاون الدولي وفی سیاق إعلان الاتحاد الأوروبي -تركيا الصادر في مارس 2016، حيث أستقبلت أربعة ملايين لاجئ علی أراضیها على الرغم من تداعیاتها السياسية والاقتصادية ومنع مئات المهاجرين من دخول أوروبا.

على الرغم من إن توتر العلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبي أسفرت عن صعود الأحزاب اليمينية مع تصاعد نسبة الكراهية للأجانب، ورفض الإسلام في أوروبا، إلا أن وجود خطة الحوار الجديدة مع الاتحاد الأوروبي إلی جانب تجديد الثقة، قد وضعت في سلم أولويات أنقرة الدبلوماسية.

انسحبت تركيا من برامج F-35 الأمريكي المشترك من خلال شراء صواريخ S-400 الروسية المتقدمة وواجهت العقوبات من واشنطن. وعلى الرغم من العلاقات المتوترة بين الجانبين نتيجة للحظر الأمریکي، حيث واجهت ترکیا مشاکل خطیرة، إلا أنها وضعت مصالحها في سلم الأولويات مقارنة باللاعبين الآخرين- الولايات المتحدة وروسيا. أكد "جيمس جيفري"، السفير الأمريكي السابق في أنقرة والمبعوث الخاص لسوريا، فی سیاق أهمية دور تركيا في الصراعات الإقليمية، حيث كان أيضًا على جدول الأعمال الأمريكي، أن الولايات المتحدة لا يمكنها الاستغناء عن تركيا في الدفاع عن مصالحها في كل هذه المجالات. بالتالي، يمكن القول بأن تداعيات الدور الدبلوماسي الفعال لتركيا في عام 2021 سيكون أكثر وضوحًا. وعلى الرغم من أن القضايا المتباينة مع الحلفاء الرئيسيين مثل الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية قد شكلت تحديات كبيرة لتركيا، إلا أن الرؤیة المستقبلیة بالترافق مع الإصلاحات والمراجعات، ستكون محور سياسة أنقرة الخارجية هذا العام.

إن توقعات تركيا لعام 2021 لإقامة العلاقات مع الدول الأخرى والإعلان عن إستعدادها للتفاوض والتعاون مع أوروبا والولايات المتحدة وروسيا والصين أو الدول الأخرى في الشرق الأوسط، يمكن أن یؤدي لیس فقط إلی حل دائم للمشاكل القائمة، بل إیضاً إلی إتفاق وتحالف واسع علی نطاق عالمي. يتوقع أردوغان أن العالم ما بعد كوفيد -19 سیکون حافلاَ بالفرص الجديدة حیث سيؤدي هيكل القوة السياسية والاقتصادية لتركيا في تكوينها الجديد إلى التوازن في العديد من مجالات السياسة الخارجية. یبدو أن أردوغان قد یساهم من خلال تركيز عدسات السياسة الخارجية لتركيا على فرص الاستثمارات الاقتصادية وتكييف ديناميكيات السياسة الدولية مع المصالح الوطنية لبلاده، في تشكيل الجغرافيا السياسة الإقليمية والعالمية في المستقبل القريب.