»

ورقة علمية: تيار التراجع الأمريكي في المكانة الدولية ومأزق الخيارات الاستراتيجية العربية والإسرائيلية

05 تشرين ثاني 2020
ورقة علمية: تيار التراجع الأمريكي في المكانة الدولية ومأزق الخيارات الاستراتيجية العربية والإسرائيلية
ورقة علمية: تيار التراجع الأمريكي في المكانة الدولية ومأزق الخيارات الاستراتيجية العربية والإسرائيلية

مركز الزيتونة للدراسات والإستشارات/ د. وليد عبد الحي

 الدراسة

التراجع الأمريكي: النظرة المستقبلية:
تكاد فترة الخمسينيات من القرن العشرين تمثل نقطة البداية في أدبيات “تيار التراجع” في المكانة الأمريكية على المستوى الدولي Declinists. وتمتد جذور هذا التيار إلى تداعيات فترة الكساد الكبير التي امتدت حتى مطلع الأربعينيات من القرن الماضي، ثم تنامي القوة الألمانية قُبيل الحرب العالمية الثانية، وصولاً إلى تنامي القوى السوفييتية لا سيّما بعد إطلاق القمر الصناعي سبوتنيك Sputnik في الخمسينيات، ثم انتشار الأيديولوجية الشيوعية التي تتوّجت بالهزيمة الأمريكية الثقيلة في فييتنام، ثم عرفت فترة السبعينيات والثمانينيات تنامي متسارع للقوة والمكانة اليابانية، ثم تبع ذلك بداية توسع الاتحاد الأوروبي وصولاً لمؤسسات مشتركة وعملة واحدة، والآن تتركز أدبيات التراجع الأمريكي على التنامي في المكانة الصينية. 
ويرى خصوم نظرية التراجع الأمريكي، أن كل الأدبيات السابقة انتهت بفشل وانهيار القوى التي راهنت تلك الأدبيات عليها كبديل للمكانة الأمريكية، وهو ما يتضح في نهاية النازية، وانهيار الشيوعية، والتلكؤ الياباني، ثم التشقق في جدران الاتحاد الأوروبي، وهو ما أفرز أدبيات سياسية معاكسة تتحدث عن نهاية التاريخ، وانتصار النموذج الرأسمالي الذي تتسنمه الولايات المتحدة، مستندين في توجهاتهم إلى مؤشرات التفوّق العلمي الأمريكي، ثم دخول الولايات المتحدة مرحلة الاستقلال الطاقوي، بل ودخول أسواقه كمنافس مع كل ما ينطوي عليه ذلك من تغيرات جيو-استراتيجية في بنية النظام الدولي القادم، كما أن القوى العسكرية الأمريكية لا يمكن مقارنتها من حيث الانتشار، والقوة النارية، والإنفاق الدفاعي مع أي دولة أخرى، بل إن بعض الدول مثل “إسرائيل” وتايوان موجودة نتيجةً لاتكائها الكامل على القوة والنفوذ الأمريكي. 
وخلف هذا التباين بين التيارين، تبرز مشاكل منهجية في تحديد ما إذا كانت الولايات المتحدة في حالة تراجع أم لا، وتتضح هذه المشاكل فيما يلي: 
1. مشكلة الاتفاق على تحديد مؤشرات قياس القوة التقليدية والمعاصرة وتحديدها.
2. مشكلة تحديد وزن متغيرات القوة للقوى الكبرى، فهل وزن هذه المتغيرات هو وزن مُطْلَقِها جميعها، أم لا بدّ من اعتبار البيئة الجيو-استراتيجية والسياسية عاملاً مميزاً لتحديد وزن المؤشر لكل قوة من هذه القوى العظمى؟
3. تحديد المؤشرات الفرعية للمؤشرات المركزية للقوة، وتحديد أوزان هذه المؤشرات الفرعية، فهل مثلاً في المؤشر المركزي الاقتصادي تكون عدالة توزيع الدخل لها وزن معدل الدخل الفردي نفسه أو إجمالي الناتج المحلي، أو حجم التجارة الخارجية، أو الاستثمار…إلخ؟
4. هل تقاس القوة بالنتائج التي ترتبت عليها، أم بالقياس الكمي الرياضي المطلق؟

أدبيات التراجع الأمريكي المعاصرة وتقديمها نموذجاً بديلاً:
تسعى الدراسة المستقبلية إلى التحرر من كثافة اللحظة الراهنة في تأثيرها على التفكير الاستراتيجي أو المستقبلي، وتحاول أن تركز على الاتجاهات الأعظم Mega-Trends، وتدمج “لحظات التحول Turning Points” في بنية هذه الاتجاهات العظمى، فدراسة مايكل مانديلبوم Michael Mandelbaum وتوماس فريدمان Thomas Friedman ربطت بين لحظات تحول خمسٍ لتجعل من ترابطها مؤشراً على “اتجاه أعظم” لمستقبل الولايات المتحدة على النحو التالي: 
1. إطلاق الاتحاد السوفييتي لسبوتنيك سنة 1957 (مرحلة تراجع أولى لأمريكا).
2. هزيمة الولايات المتحدة في فييتنام في منتصف السبعينيات.
3. مرحلة التضخم وتراجع قيمة الدولار في فترة الرئيس جيمي كارتر Jimmy Carter.
4. تنامي القدرة التنافسية اليابانية من منتصف السبعينيات.
5. التنامي الصيني المعاصر.
ويركّز “التراجعيون” على جوانب داخلية لا سيّما ذات الصلة بالجوانب الاقتصادية مثل: 
1. تراجع القيمة الحقيقية للأجور.
2. تراجع مستويات الإنتاجية.
3. تراجع القدرة التنافسية للشركات الأمريكية في السوق العالمي.
4. تراجع الأمان الوظيفي لا سيّما لذوي الياقات البيضاء.
5. التراجع في مستويات البنية التحتية.
6. التزايد في عجز الموازنة الفيدرالية.
7. تراجع أداء النظام الصحي.
8. تراجع الأمان الفردي بفعل الجريمة.
9. تراجع مستويات التحصيل العلمي لطلبة المدارس.
10. اتساع الهوة بين الطبقات في توزيع الثروة.

وتحاول أدبيات التراجع أن تحدد مؤشرات التراجع في المكانة، من خلال الربط بين حركية المجتمع والدولة الأمريكية، قياساً بحركية المجتمعات والدول المنافسة، ويتم ذلك من خلال النقاش حول الفرضيات التالية:
1. ليس هناك تراجع للولايات المتحدة، بل المشكلة هي في سرعة لحاق الآخرين بها.
2. أن تطور المجتمعات والدول الأخرى انعكس على زيادة الهوة الطبقية في الولايات المتحدة.
3. المشكلة ليست في التراجع بل في قدرة البناء الاجتماعي الأمريكي على التكيّف مع أنماط الاقتصاد الجديد.