»

دراسة ايرانية: دوافع ماكرون السياسية والاستراتيجية في العراق ولبنان

30 أيلول 2020
دراسة ايرانية: دوافع ماكرون السياسية والاستراتيجية في العراق ولبنان
دراسة ايرانية: دوافع ماكرون السياسية والاستراتيجية في العراق ولبنان

ترجمة مركز الاتحاد للأبحاث والتطوير

عبد الله مهربان /الخبير في شؤون اوروبا

بسبب التعقيدات الخاصة للتيارات السياسية اللبنانية ووجود العديد من المتغيرات التي تؤثر على العلاقات السياسية في البلاد، يبدو من غير المحتمل أن تتمكن فرنسا بسهولة من تحقيق الاستقرار في لبنان. في الأشهر الماضية، وعندما حصل الانفجار المدمر لمرفأ بيروت، ازداد النشاط الدبلوماسي الفرنسي، مع زيارتي الرئيس إيمانويل ماكرون للبنان وزيارته اللاحقة للعراق في إطار جهود باريس لتشكيل المستقبل السياسي الأوسع لمنطقة غرب آسيا. ربما تعود هذه الجهود إلى الجذور التاريخية للدور الفرنسي في المنطقة، حيث أصبح لفرنسا نفوذ قوي -خاصة بعد توقيع اتفاقية سايكس بيكو بين فرنسا وبريطانيا ومن ثم تفكك الإمبراطورية العثمانية- على بعض مناطق غرب آسیا.

وعلی هذا الاساس أصبحت كل من العراق والجزيرة العربية تحت نفوذ بريطانيا، كما أصبحت سوريا ولبنان تحت النفوذ الفرنسي. لكن بعد الحرب العالمية الثانية وطرح الحلول لإنهاء   حقبة الاستعمار، أعلنت سوريا استقلالها الذي قبلته فرنسا، وفي العقود التالية مع وجود التيارات الیساریة في السلطة، تضاءل النفوذ الفرنسي في الشرق الأوسط تدريجياً لتحل محله الولايات المتحدة.  الملفت أنّ هذه التيارات اليسارية كانت تحترم استقلال الدول ودانت بطريقة ما نفوذ بلادها وتدخلها في لبنان وسوريا.

من الجانب الآخر، مع وصول دونالد ترامب إلى السلطة في الولايات المتحدة، بدأ بمقاطعة المراسيم والقوانين الدولية والاتفاقات الدولية، وحتى في هذا الصدد نشأت مواجهة بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وتسبب نهج ترامب في خلق انشقاقات بين بروكسل وواشنطن كحليفين أصليين واستراتيجيين.

وفي هذا الصدد لا ينبغي أن نتجاهل قضية برگزیت، ومع أن بريطانيا اتبعت منذ تشكيل الاتحاد الأوروبي، نهجًا وسطاً "من بعید ومن قریب" مع الاتحاد الأوروبي، لكننا شهدنا انفصالها عن الاتحاد الأوروبي وبهذه الطريقة، تحاول بريطانيا اليوم الاهتمام أكثر بالشرق الأوسط والعودة إلى نفوذها التقليدي في المنطقة. في ظل هذه الظروف، ومع ابتعاد بريطانيا والولايات المتحدة عن الاتحاد الأوروبي، اشتدت الميول الفرنسية للعب الأدوار في العالم، لا سيما في مناطق أوروبا وأوروبا الشرقية والشرق الأوسط وشرق البحر الأبيض المتوسط وروسيا وغيرها من مناطق النفوذ الفرنسية التقليدية. إن النظرة الفرنسية للعب الأدوار في هذه المناطق هي أيضًا نظرة اقتصادية بشكل أساسي، إلى جانب وجهات النظر السياسية والأمنية. ومع أن لکل نفوذ أدواته الخاصة، فیجب علی فرنسا أن تنظر لتمهيد سلسلة من الإجراءات والتنازلات للدول التي تريد النفوذ والتأثير فيها. وفي هذا الإطار، يمكن الإشارة إلی المعاهدات الأمنية - الاستراتيجية، والاتفاقيات التجارية والعلاقات السياسية والدبلوماسية. وبما أنّ فرنسا تنتمي إلى الكتلة الغربية، لكن طغت الولايات المتحدة علی سیاستها ولا يمكنها أن تنافس کثیراً مع هذا البلد ما لم تتفق مع واشنطن. هذا في الوقت الذي من المرجح ألا تسمح فيه الولايات المتحدة في عهد ترامب لفرنسا بلعب دور رئيسي في المنطقة.

في الوقت نفسه، أظهر إيمانويل ماكرون منذ بداية رئاسته، أنه شخص مثالي وطموح، وبالتالي حاول تعزيز نفوذ فرنسا في مختلف بلدان العالم. وفي هذا المجال قطعت فرنسا خطوات كبيرة في هذا الاتجاه، لكنها حتى الآن لم تحقق نجاحاً كبيراً بسبب القوة الأمريكية. حيث يجب على فرنسا ومن أجل النفوذ إلى دول مثل العراق ولبنان، على الاٍقل زيادة قدرتها الاقتصادية والنظر في سلسلة من الحزم الاقتصادية للبلدان المضيفة. فیما یخص لبنان تجدر الإشارة إلى أن فرنسا حافظت على علاقاتها التقليدية مع التيارات اللبنانية، ولكن إذا أرادت أن تحل محل الولايات المتحدة في كل من العراق ولبنان، فيجب علیها أن تحصل على موافقة ضمنية من التيارات الداخلية المهمة لهذه الدول، بما في ذلك حزب الله والکتل الشيعية. عمل ماكرون على اظهار نفوذه في لبنان وعمل على التأثير على الرأي العام. ومع ذلك، فإن وسائل الإعلام الرئيسية قامت بتدقيق سلوك ماكرون، مما كشف عن الرغبة للرئيس الفرنسي في التدخل بالشأن اللبناني. وفي محاولة أخرى، أقر ماكرون بوجود ودور حزب الله وحلفائه في لعبة الشطرنج السياسية اللبنانية، وعرض خططه ومقترحاته للتكيف مع هذا الوضع وإن كان ذلك على خلاف رأیه. على أي حال، وبالنظر إلى جميع الجوانب، في حال تمكنت باريس من توفير المنافع الاقتصادية لدول مثل العراق ولبنان أو توفير الأمن لها، فقد تتمكن من تحقيق بعض أهدافها بسهولة أكبر. ومع ذلك، وبسبب التعقيدات الخاصة للتيارات السياسية اللبنانية ووجود العديد من المتغيرات التي تؤثر على العلاقات السياسية في البلاد، يبدو من غير المحتمل أن تتمكن فرنسا بسهولة من إرساء الاستقرار في لبنان.

ربما ينجح الفرنسيون في تشكيل حكومة انتقالية، لكنهم قد لا يتمكنون من فعل أي شيء على المدى الطويل للحفاظ على الاستقرار في لبنان، وفي ظل هذه الظروف لن يتمكن إيمانويل ماكرون من تحقيق أهدافه في دول مثل لبنان والعراق، کما أن التعقيدات السياسية الأمنیة للعراق لن توفر الفرصة لفرنسا للعب دور كبير في هذا البلد. وبشكل عام، يبدو أن فرنسا تواجه العقبات الداخلية والقوى الإقليمية والدولية للعب الأدوار في کل من لبنان والعراق.