»

مترجم: العلاقات التركية الإيرانية: تبدّل في النظرة الطائفية "السنية والشيعيّة"

17 أيلول 2020
مترجم: العلاقات التركية الإيرانية: تبدّل في النظرة الطائفية "السنية والشيعيّة"
مترجم: العلاقات التركية الإيرانية: تبدّل في النظرة الطائفية "السنية والشيعيّة"

ترجمة مركز الاتحاد للأبحاث والتطوير

رحبّت وسائل الإعلام التابعة للحكومة التركية على نطاق واسع بالمحادثات الأخيرة التي جرت بين تركيا وايران، وهي الجولة السادسة من المحادثات التي عقدت من أجل مناقشة الوضع في سوريا.
لطالما اختلف الدعم التركي عن الدعم الايراني لأطراف النزاع  في سوريا، ولكن في السنوات الأخيرة، وبسبب تلاقي مصالحهما ضدّ الولايات المتحدة وإسرائيل، تقاربا وأصبحا يدعمان طرف نزاع مشترك معارض لكل من الولايات المتحدة ولإسرائيل، فعلى سبيل المثال، تدعم كل من إيران وتركيا حماس.
فكليهما يشتركا في رؤية عالمية إقليمية حول العديد من القضايا. إنهما يتعاونا بشكل متزايد الآن ضد الفصائل الكردية.
تتعارض العلاقة التي نشأت بين إيران وتركيا مع الأفكار التي طرحها المعلقون ومراكز الفكر والخبراء والاستراتيجيون الذين قسّموا الشرق الأوسط إلى معسكرين طائفيين: معسكر "سني" و معسكر "شيعي".
نشأ هذا النموذج فقط في العقود الماضية، في حين تم تصوير المنطقة قبل ذلك على أنها مقسّمة إلى معسكرات طائفية ومعسكرات غير طائفية  مثل الأنظمة القومية أو الأنظمة الموالية للسوفييت وأولئك الأقرب إلى الولايات المتحدة.
اشتد الانقسام الطائفي بسبب الصراعات التي نشأت في أماكن مثل العراق وباكستان وأفغانستان ولبنان، حيث استهدف تنظيم داعش والفصائل الأخرى المعروفة بأنهم سنّة الشيعة بهدف إبادتهم.
يقوم نظام التحالف الإيراني إلى حد كبير ليس فقط على الشيعة في لبنان والعراق، فهو يضمّ جماعات أخرى سنيّة وغير سنيّة مثل قيادة النظام السوري.
لطالما تبيّن لنا أن العنف الطائفي الجماعي في العراق بعد الغزو الأمريكي عام 2003، سيجعل المنطقة تنقسم على أسس دينية.  ولكن بعد عقد ونصف، لن تكون الأمور بهذه البساطة.  
في تحليل لبعض القضايا وجد مفهوم "السنّة مقابل الشيعة"، والذي يقوم على تحالف الدول الغربية بموجبه مع السنّة ضدّ ايران. 
أو في الحالة المعاكسة، في حال تم تبني الصفقة الإيرانية،  كان من المفترض أن يتسامحوا مع حزب الله ونظام الأسد لإرضاء إيران و تقوم هذه الدول الغربية المتحالفة لمواجهة القادة العرب السنة السابقين في أماكن مثل الخليج.
تم طرح هذه الفكرتين البسيطتين، كطريقة  تسمح لواضعي السياسات من الاقتراب من المنطقة. الأفكار التي روّجت بأن صراعات الشرق الأوسط متجذرة في القضايا الدينية التي تعود إلى القرن الثامن، استشهد بها بعض من  القادة الأمريكيين مثل الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما الذي علّق قائلًا : "هناك صراعات تعود إلى آلاف السنين في الشرق الأوسط" (تعليق انتقد بسببه في عام 2016).
وبدا أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وجه نفس الرأي في خطاب ألقاه إلى خريجي ويست بوينت في يونيو 2020 عندما قال "إنه ليس من واجب الولايات المتحدة حل النزاعات القديمة في الأراضي البعيدة."
عندما يتعلق الأمر بتركيا وإيران، غالبًا ما تلعب ساحة "الصراع القديم" دور البطولة.  قيل لنا إن تركيا وإيران لا يمكنهما التوافق لأن أحدهما من سلالة الإمبراطورية العثمانية والآخر من سلالة الإمبراطورية الفارسية. أحدهما سني ويقود حزب موالي للإخوان المسلمين، والآخر يقود جمهورية إسلامية ثورية شيعية.
الخطاب الصادر من طهران وأنقرة لا يبدو كساحة مواجهة،  الفرس مقابل العثمانيين والشيعة مقابل السنة. قال الرئيس التركي، بحسب وكالة أنباء الأناضول التركية، إن تركيا اليوم تحتضن إيران وتشجع الحوار معها لإيجاد حلول ممكنة لمشاكل منطقتهما المشتركة".
 قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في الاجتماع السادس لمجلس التعاون التركي الإيراني، إن "الحوار بين تركيا وإيران لعب دورًا حاسمًا في حل العديد من المشاكل الإقليمية".
واتفق حسن روحاني مع قول الرئيس التركي بقوله: "أعتقد أن تعاوننا سيعود إلى مستوياته السابقة مع انحسار الوباء".
لنقارن هذا بالآراء اليومية للدول المعادية للنظام الإيراني، مثل الولايات المتحدة أو إسرائيل أو المملكة العربية السعودية، أو بالهجمات اليومية لوسائل الإعلام التركية على فرنسا والولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى. 
قال المرشد الأعلى لإيران هذا الأسبوع إن "سياسات الصهاينة والقوى المتعجرفة المعادية للإسلام تقف وراء مثل هذه التحركات العدائية ... لتحويل انتباه دول غرب آسيا ودولها عن المؤامرات الشريرة التي يخطط لها النظام الصهيوني والولايات المتحدة للمنطقة".
قال وزير الخارجية التركي إن "أطفال أوروبا العنصريين المدللون" يجب أن "يعرفوا مكانهم". وشبّهت أنقرة عدة دول أوروبية بالأنظمة النازية كما أنها تهدد اليونان يوميًا، حيث قالت أن المعركة المستقبلية مع اليونان ستكون مشابهة بهزيمة اليونانيين في الحروب قبل 100 عام. 
لإيجاد إهانات مماثلة من تركيا موجهة لقادة النظام الإيراني، سيتعين العودة الى سنوات عديدة.
بالنسبة لبعض صانعي السياسة في الغرب، هناك نظرية مفادها أن تركيا حليف طبيعي ضد إيران وأن هذا الانقسام السني الشيعي يمكن استغلاله بطريقة ما وأن هذه الدول مقدّر لها أن تتصادم.
ومع ذلك، تمتلك كل من تركيا وإيران اليوم وسائل إعلام تخضع لسيطرة الدولة بشكل أساسي. في تركيا، يُسجن الناس لانتقادهم الرئيس أو انتقاد حروب أنقرة الأخيرة أو حتى السخرية من البرامج التلفزيونية.
هذا يعني أن جميع وسائل الإعلام التركية تقريبًا في تركيا اليوم تعكس آراء حزب العدالة والتنمية الحاكم. هذه وسائل الإعلام اذًا مرجبّة بإيران. وينطبق الشيء نفسه على الإعلام الإيراني.
لقد ولّت الأيام التي كانت وسائل الإعلام التركية تنتقد فيها الجماعات المدعومة من إيران في العراق أو عندما تصف إيران الجماعات المدعومة من تركيا بـ "المسلحين التكفيريين".
هذا لا يعني أن إيران وتركيا تتفقان على سوريا. يعني أنهما اتفقا على تقسيم أجزاء من سوريا والعراق إلى مناطق نفوذ. إيران تعتبر العراق "المخرج القريب منها"، وتركيا تعتبر شمال سوريا وشمال العراق على أنهما "المخرجين القريبين منها" . 
كلا النظامين معاديان بشدة لإسرائيل والمملكة العربية السعودية، وأصبحت أنقرة معادية للولايات المتحدة، واحتضنت روسيا. كما أن إيران وتركيا كلاهما يقتربان من الصين.
أجرت تركيا وإيران وقطر وماليزيا معًا مناقشات حول "العملة الإسلامية" الجديدة وحلول أخرى للقضايا "الإسلامية" العالمية. تتحدث تركيا كثيرًا عن "الأمة الإسلامية" أو المجتمع الإسلامي، كما تفعل إيران، ويسعى كلا البلدين إلى "تحرير الأقصى"، في إشارة إلى الموقع الإسلامي المقدس في القدس.
يبيّن الدعم المشترك لحماس الطريقة التي أصبحت بها تركيا وإيران، وقطر إلى حد ما، متحالفين إقليميًا .
 في بعض الأحيان، يحتمل أن يواجه هؤلاء الحلفاء بعضهم البعض، كما هو الحال في العراق أو سوريا أو لبنان.
لكنهم الآن كليهما متشاركان أكثر من كونهما منقسمان. على سبيل المثال، تريد تركيا موطئ قدم في لبنان وستعمل داخل المجتمع السني. وإيران لها موطئ قدم في لبنان، إذًا انهما متعادلان. وكلاهما يريدان إضعاف القوات السنية الموالية للسعودية في لبنان. فهذه هي الطريقة التي يعملون بها معًا، لا يتفقان على كل الأشياء، لكن كلاهما يعملان مع روسيا وحماس، وكلاهما يكرهان إسرائيل والولايات المتحدة، وكلاهما يفضلان تقسيم المنطقة إلى مناطق نفوذ لإضعاف المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.
يبقى أن نرى ما إذا كان هذا الاتفاق بين تركيا وإيران سيستمر، أو ما إذا كان تحالفًا مؤقتًا للراحة وسينهار. 
مع ذلك، فإن النموذج القديم المتمثل في رؤية الشرق الأوسط فقط من خلال النظور الطائفي قد انقلب بسبب الحقائق الواقعية. فقد تم تقليص القتل الطائفي، وتحولت أنظمة الحرب الباردة، اذًا هذه الصراعات آخذة في التحول أيضًا.
والسؤال الرئيسي الآن هو ما إذا كانت أنقرة قد تخطو خطوة أخرى إلى الأمام وتبدأ في نشر أفكار بكيفيّة العمل مع حزب الله أو الحوثيين، ضد إسرائيل أو المملكة العربية السعودية؟