»

مترجم: بعد اكتشاف حقل الغاز.. كيف قد تتغير قواعد اللعبة بين تركيا وروسيا؟

01 أيلول 2020
مترجم: بعد اكتشاف حقل الغاز.. كيف قد تتغير قواعد اللعبة بين تركيا وروسيا؟
مترجم: بعد اكتشاف حقل الغاز.. كيف قد تتغير قواعد اللعبة بين تركيا وروسيا؟

فورين بوليسي / ديميتار بيشيف

كتب ديميتار بيشيف، باحث في جامعة نورث كارولاينا بمدينة تشابل هيل، مقالًا نشرته مجلة «فورين بوليسي» الأمريكية حول طموحات تركيا في أن تصبح عملاقًا إقليميًّا في مجال الطاقة، في أعقاب اكتشاف حقل تونة-1 في البحر الأسود، وما يمكن أن يؤدي إليه ذلك من تداعيات فيما يتعلق باستيرادها للغاز الطبيعي من الدول المصدرة، لا سيما روسيا.

ويستهل الباحث مقاله بتأكيد أن تركيا لم تُخفِ أبدًا طموحاتها في أن تصبح قوة إقليمية في مجال الطاقة. وكان موقعها بين منتجي النفط والغاز الطبيعي في الشرق الأوسط وجنوب القوقاز والدول المستهلكة في الاتحاد الأوروبي بمثابة ورقة رابحة لفترة طويلة. ولكن الاكتشاف الأخير لحقل كبير للغاز الطبيعي قبالة شاطئ البحر الأسود في تركيا، قد يكون عاملًا حقيقيًّا في تغيير قواعد اللعبة.

ويحتوي حقل تونة-1، كما هو معروف (إشارة إلى الكلمة التركية لنهر الدانوب، وليس أسماك التونة)، على حوالي 320 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي. ولكي نضع الأمر في سياقه، يبلغ حجم هذا الحقل حوالي ضعفين ونصف حجم حقل «أفروديت» الواقع في جنوب قبرص، وهو محل نزاع على الملكية، والذي يُعد أحد أسباب التوتر الحالي بين أنقرة وتحالف دول البحر الأبيض المتوسط ​​بقيادة اليونان.

وأفاد الكاتب أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تعهد بتوفير غاز البحر الأسود للاستخدام في عام 2023م؛ في الذكرى المئوية لتأسيس الجمهورية التركية. وإذا صدَّق الواقع كلامه، فستكون تركيا قادرة على تلبية ما يقرب من 7% من طلبها السنوي من الغاز الطبيعي (حوالي 45 مليار متر مكعب في عام 2019م) من مصادر محلية.

وهذا ليس إنجازًا بسيطًا لدولة تعتمد تقليديًّا على واردات النفط والغاز الطبيعي. ويتوافق اكتشاف الغاز هذا أيضًا توافقًا جيدًا مع حملة الحكومة لتعزيز التصنيع المحلي، جاءت الحملة بعنوان «محلي ووطني»، من أجل تحسين الاقتصاد ورِفْعَة مكانة الدولة.

الاكتشاف ليس حلًّا سحريًّا لتحسين الاقتصاد
وما يزال خبراء صناعة الغاز الطبيعي لديهم شكوك، بحسب الكاتب. وأشاروا إلى أن حقل الغاز هذا وحده سيلبي طلب تركيا لمدة سبع سنوات فقط. كما أن استخراج الهيدروكربونات يمثل تحديًّا أيضًا. وسوف تحتاج شركة «تباو TPAO»، شركة النفط والغاز الوطنية، إلى الدخول في شراكة مع شركة غربية لإنجاز المهمة.

وأخيرًا وليس آخرًا، وعلى عكس التصريحات المتفائلة التي أطلقها أردوغان وصهره وزير المالية، بيرات البيرق، لا يمثل الاكتشاف بأي حال حلًُا سحريًّا للمشكلات التي تواجه الاقتصاد التركي المتعثر، والتي تشمل التضخم الجامح، والعملة التي فقدت ما يقرب من خُمْس قيمتها منذ بداية العام، وتباطؤ النمو المصحوب بعجز كبير في الحساب الجاري، ناهيك عن تفريغ المؤسسات الرئيسة، مثل البنك المركزي، من مضامينها.

وفي كل هذا، يتمثل الأمر الذي على المحك حقًّا في علاقات تركيا التجارية، وتأتي علاقاتها التجارية مع روسيا في المقام الأول. ومنذ تسعينيات القرن الماضي، كانت شركة «جازبروم» الروسية هي المورد المهيمن على السوق التركية؛ إذ تقدم نصف الغاز الطبيعي المُستخدَم في الاستهلاك المحلي. وفي الواقع، عندما بدأ تشغيل خط أنابيب «بلو ستريم» بين روسيا وتركيا منذ عام 2005م، تحوَّلت تركيا إلى ثاني أهم مستورد للغاز الطبيعي من روسيا بعد ألمانيا.

موسكو تضغط على تركيا في العقود طويلة الأجل
ولفت الباحث إلى أنه كان لموسكو دائمًا اليد العليا في المفاوضات التجارية مع أنقرة، سواء من خلال وضع صيغة تسعير مواتية لروسيا، أو من خلال ما يسمى ببنود التَسلُّم أو الدفع في العقود طويلة الأجل (أي إن المشتري يحصل على الغاز ويدفع المقابل، أو يمتنع عن شرائه ويدفع غرامة)، والتي أجبرت تركيا على شراء قدرًا معينًا من الغاز سنويًّا.

ولم تستطع تركيا الاستفادة حتى من الخلاف بين روسيا والاتحاد الأوروبي بعد ضم شبه جزيرة القرم، ولا من الإلغاء اللاحق لخط أنابيب «ساوث ستريم»، الذي كان سينقل الغاز الروسي إلى أوروبا عبر دول أخرى أيضًا. وشاركت تركيا في خط أنابيب «ترك ستريم»  TurkStream، المشروع البديل عبر البحر الأسود، لكنها فشلت في انتزاع تنازلات كبيرة من الجانب الروسي. وفي أكتوبر (تشرين الأول) 2016م، قَبِل أردوغان إلى حد كبير شروط الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ثمنًا للمصالحة بين البلدين بعد الصراعات التي نشبت بينهما على أرض سوريا.

ولكن يبدو الآن أن التيار يسير مع تركيا ويحقق مصالحها. ومنذ عام 2018م، اشترت شركة «بوتاس» BOTAS، وهي شركة تركية مملوكة للدولة بالإضافة إلى عديد من المستوردين الخاصين، كمياتٍ أكبر من الغاز الطبيعي المسال من دول مثل الجزائر ونيجيريا وقطر، وكذلك من الولايات المتحدة، والتي تقدم أسعارًا أقل من «جازبروم». كما أن غاز خطوط أنابيب الغاز من أذربيجان سيؤدي الدور الذي لا تؤديه سبل التوريد الأخرى.

حقائق السوق
وأشار الباحث إلى أن شركة «جازبروم» شهدت تقلصًا في حصتها في السوق التركية من 52% في عام 2017م، إلى 47% في عام 2018م، إلى 33% فقط في عام 2019م. وفي الوقت نفسه، تراجع الطلب في تركيا بسبب تباطؤ الاقتصاد.

ونتيجةً لذلك، تعمل خطوط الأنابيب الروسية التي تمر عبر البحر الأسود – ترك ستريم وبلو ستريم – بأقل من طاقتها إلى حد كبير. والفكرة القائلة بأن روسيا تستخدم «سلاح الطاقة» لإكراه الجيران على فِعْل ما تريده، والتي كانت رائجة في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، لم تعد تدعمها حقائق السوق.

سيؤدي الوصول إلى احتياطيات الغاز في البحر الأسود إلى تعزيز الموقف التفاوضي لتركيا. ومن المقرر أن تُجدَّد العقود طويلة الأجل مع شركة «جازبروم» في نهاية عام 2021م (بالنسبة لخط ترك ستريم) وفي عام 2025م (بالنسبة لخط بلو ستريم). وكذلك ستنتهي الاتفاقات مع أذربيجان ونيجيريا وقطر أيضًا.

وسيضغط المفاوضون الأتراك بشدة على مسألة التَسلُّم أو الدفع من أجل تحقيق مزيد من المرونة. وسيُطرح للنقاش أيضًا دَيْن تركيا البالغ ملياري دولار لشركة «جازبروم» في صورة غرامات على المستوردين الأتراك، الذين لم يستطيعوا تَسلُّم حصصهم السنوية من الغاز. وسيكون وجود موردين بديلين والقدرة على الاستفادة من الهيدروكربونات الخاصة بها، حتى لو كانت ما تزال مطمورة في قاع البحر الأسود، ورقة المساومة الأولى لأنقرة.

وسيراقب جيران تركيا عن كثب كيف تسير الأمور في المفاوضات القادمة. وفي 24 أغسطس (آب)، وضعت بلغاريا واليونان اللمسات الأخيرة على اتفاق لإنشاء محطة مشتركة للغاز الطبيعي المسال خارج مدينة أليكساندروبوليس الساحلية اليونانية، الواقعة بالقرب من الحدود اليونانية التركية. وستحاولان أيضًا استخدام إمداداتهما البديلة الجديدة لانتزاع امتيازات من روسيا.

انخفاض أسعار الطاقة قد لا يشجع على الإنتاج
وشدد الكاتب على أن هناك تداعيات إقليمية أيضًا لحقل تونة-1. وتُنقِّب دول البحر الأسود عن النفط والغاز منذ سنوات، إلى جانب شركات الطاقة مثل «إكسون موبيل» (من الولايات المتحدة)، و«توتال» (من فرنسا)، و«أو إم ڤي» (OMV) (من النمسا) و«ريبسول» (من إسبانيا). وتأمل رومانيا منذ زمن بعيد في العثور على الغاز في منطقتها الاقتصادية الخالصة، بما في ذلك في حقل نيبتون ديب، الواقع على بعد حوالي 60 ميلًا إلى الشمال من حقل تونة-1 التركي.

وتُنقِّب بلغاريا في حقل خان أسباروه البحري، حيث اكتشفت «توتال» النفط في عام 2016م. ويواجه عديد من هذه المشروعات تحديات تقنية ولوجستية، كما أن انخفاض أسعار المواد الهيدروكربونية يُعد عاملًا مثبطًا. ولكن إذا بدأت تركيا في الإنتاج، وأثبت المستثمرون أنهم قادرون على استرداد أموالهم، فقد تتغير قواعد اللعبة.

وفي نهاية مقاله يلمح الكاتب إلى أن الأنباء الجيدة هي أن البحر الأسود أكثر قابلية للتعاون الإقليمي من شرق البحر الأبيض المتوسط​​، حيث أوشك تشابك المصالح المتنافسة أن يؤدي إلى إراقة الدماء.

وعلى الرغم من وجود نزاعات بشأن الاختصاص القضائي – وغزو روسيا لشبه جزيرة القرم هو الدليل رقم 1 – فإن الحدود في البحر الأسود مستقرة والمناطق الاقتصادية الخالصة محددة. وفي غضون ذلك، تعمل تركيا في البحر الأبيض المتوسط ​​عاملَ تخريب؛ حيث تسعى إلى إفساد خطط منافسيها مثل اليونان ومصر وإسرائيل من أجل تأمين ما تَعدُّه نصيبها العادل من موارد الطاقة. ومع ذلك، يمكن أن تلعب تركيا دورًا مثمرًا في البحر الأسود وتقدم مثالًا إيجابيًّا للجيران الذين يسعون إلى تنويع مصادر إمدادات الغاز.