»

مترجم: كيف ستبدو استراتيجية بايدن تجاه إيران

03 آب 2020
مترجم: كيف ستبدو استراتيجية بايدن تجاه إيران
مترجم: كيف ستبدو استراتيجية بايدن تجاه إيران

Joseph Rank, Richard Baffa - Middle East Institute

إذا تم انتخابه، سيواجه جو بايدن وإدارته مجموعةً واسعةً من تحديات السياسة الخارجية. ربما لن يكون هناك شيءٌ أكثر إزعاجًا ممّا يجب فعله حيال النظام الإيراني. حيث تشير تصريحات بايدن خلال العام الماضي، أنّه من المحتمل، أن يعيد الاتفاق النووي الإيراني (JCPOA)، الذي ألغي من قبل الرئيس دونالد ترامب وتمّ استبداله بحملة " الضغط الأقصى"، التي تهدف إلى إجبار طهران على العودة إلى طاولة المفاوضات. وقال بايدن أيضا إنّه سيعمل مع حلفاء الولايات المتحدة في أوروبا لتمديد القيود النووية للاتفاق، والدفع بشكلٍ أكثر فعاليةً "ضدّ سلوك طهران الخبيث في المنطقة". يمكن القول إنّ كلاً من سياسة أوباما – بايدن" JCPOA" وحملة ترامب " الضغط الأقصى"، تحركت في اتجاهين متعاكسين - أحدهما يسعى، وإلى حدٍّ كبيرٍ، لحلّ المشكلة النووية، والآخر يخاطر بصراعٍ تصاعديٍّ إلى حدّ الحرب من دون أيّ مخارج دبلوماسية. كلا النهجين كان معيبًا واستند إلى افتراضات خاطئة. حيث كان يعتقد بعض مستشاري أوباما أن توقيع الاتفاق النووي مع إيران لن يحدّ فقط من البرنامج النووي لطهران، بل سيؤدي أيضًا إلى تحسين العلاقات، في حين قدّرت إدارة ترامب أنّ عقوباتها الاقتصادية إمّا أن تجبر طهران على التفاوض أو تؤدي إلى الإطاحة بالنظام.

لم تفلح السياسة الخارجية للولايات المتحدة حتى الآن في احتواء طهران تماماً، ومنعها من التطوّر على كافة المستويات العسكرية، الصناعية، النووية، العلمية، وغيرها.. ورغم العقوبات الاقتصادية الحالية، يمكن القول أن إيران قادرةً على الوقوف في وجه العقوبات الأميركية ومواجهة محاولات استخدام القوة ضدها، كما استطاعت، بعد انسحاب الرئيس الأميركي من الاتفاق النووي الأحادي الجانب، من تطوير منشآتها النووية. وعليه، فإنّ الاختبار الكبير لبايدن هو في اتخاذ استراتيجيةٍ صحيحة في هذا الإطار.

يجب على إدارة بايدن المحتملة أن تأخذ العبر من كلتا السياستين وأن تجد نهجًا متوازنًا وذا نظرةٍ بعيدة، مع إدراك التغيرات العميقة في المنطقة في العقد الماضي. إنّ مصداقية الولايات المتحدة في الشرق الأوسط وصلت الآن إلى أدنى مستوىً لها على الإطلاق. هذا ليس فقط بسبب ردود ترامب غير المتّسقة على الاستفزازات الإيرانية في الخليج ومحاولته الانسحاب على عجلٍ من سوريا، التي تركت حلفائنا الأكراد عرضة للخطر، ولكن أيضًا لأن إدارة أوباما - بايدن قدمت على انسحابٍ متسرّعٍ من العراق وأظهرت فشلها من خلال التهديدات بمعاقبة الرئيس السوري بشار الأسد لاستخدامه الأسلحة الكيميائية. كما عرضت إدارة أوباما - بايدن فقط إجراءات بسيطة لمساعدة المعارضة المعتدلة في سوريا، التي تركت المجال لميليشيات متحالفة مع القاعدة، في النهاية لظهور داعش في تلك الظروف، وبالتالي دعوة روسيا وإيران للعب دورٍ كبيرٍ في المنطقة. وقد دفعت هذه الإجراءات الشركاء الإقليميين إلى الاستنتاج بأنّ الولايات المتحدة شريكٌ أقل موثوقيةٍ وأكثر اهتمامًا بتسجيل نقاط سياسيةٍ محليةٍ ومتابعة وعود حملة غير واقعيةٍ لإعادة القوّات إلى الوطن أكثر من حماية مصالحنا الوطنية في الشرق الأوسط والوقوف إلى جانب شركاء أميركا في أوقات الاضطرابات الإقليمية غير المسبوقة.

إن الفشل الأميركي في إدارة ملفات المنطقة، وتخليها عن حلفائها، وما تبع ذلك من انعكاسات على الساحة الدولية، جعل الدور الأميركي يتراجع نوعاً ما بين اللاعبين الدوليين في المنطقة، خاصةً أن " مصداقيتها في الشرق الأوسط باتت في أدنى مستوىً لها على الإطلاق"، وتحولت إلى "شريكٍ أقل موثوقيةٍ وأكثر اهتمامًا بتسجيل نقاط سياسيةٍ محليةٍ".

 

الاتفاق النووي الإيراني و "الضغط الأقصى"

وقد عرضت خطة العمل الشاملة المشتركة بخصوص الملف النووي الإيراني (JCPOA)  أنّه من خلال تخفيف العقوبات على إيران، فإنّها ستوقف برنامجها النووي، وهو ما فعلته إلى حدٍّ كبيرٍ، لكنّها لم تعالج نشاط إيران الإقليمي المزعزع للاستقرار، وبرنامج الصواريخ الباليستية، والهجمات على حلفاء الولايات المتحدة ومصالحهم، من خلال الوكلاء. ما يهم شركاؤنا الخليجيون، أن الاتفاق قد فشل في منع نشاط إيران الخبيث. يعتقد المؤمنون الحقيقيون في خطة العمل الشاملة المشتركة أنّه بمجرد رفع العقوبات، سيقلل رجال الدين من نشاطهم الخبيث، حتى يحافظوا على تخفيف العقوبات وما يترتب على ذلك من تحسن الظروف الاقتصادية. في الواقع، فعل النظام الإيراني العكس. حيث خلعت إيران القفازات في اليمن، وأرسلت مستشارين وأسلحة متقدمة، بما في ذلك الصواريخ البالستية والمسيّرات المسلحة، إلى عميلهم الحوثي، ممّا مكنهم من تصعيد النزاع بضرباتٍ عميقةٍ في المملكة العربية السعودية. وكثفت طهران أيضا مشاركتها في الحرب الأهلية السورية، مع وكلائها في العراق، بالإضافة إلى تزويدها بالأسلحة المتطورة لحزب الله اللبناني ما يشكل تهديدًا لإسرائيل على طول الحدود السورية الإسرائيلية.

يظن الأميركي أن الاتفاق النووي أو عدمه يمكن أن يثني إيران عن الوقوف بوجه واشنطن و"تل أبيب"، وتغيير سياسة دعمها لمختلف جبهات المقاومة في مختلف أنحاء العالم، كما يعتقد أنّ دخول طهران في اتفاقٍ دبلوماسيٍّ معه، يمكن أن يخلع عنه صفة العدو لديها. وهو مخطئ تمامًا في هذا التقدير، حيث أن إيران هي الدولة الوحيدة التي استطاعت أن تقف في وجه الولايات المتحدة الأميركية وهي تقوم بتحديها في وضح النهار.

وعلى النقيض من ذلك، واصلت إدارة ترامب حملتها المتمثلة في "الضغط الأقصى" بإصرار، حيث لم تقدّم لطهران بشكلٍ أساسيٍّ أيّ مسارٍ عمليٍّ قابلٍ للتطبيق بخلاف التصعيد والصراع أو الاستسلام. وكان وزير الدفاع السابق جيمس ماتيس قد حثّ الإدارة على عدم التخلي عن خطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي)، بل بالأحرى السعي إلى مراجعتها لمعالجة أوجه القصور الجديرة بالاهتمام: الموقف الإقليمي المزعزع للاستقرار في إيران وصواريخها الدقيقة والمتزايدة الدقة. إلا أنّه قد خسر هذه المعركة أمام مستشار الأمن القومي السابق جون بولتون وآخرين في الإدارة الذين بدوا مهتمين بشكلٍ أساسيٍّ بتغيير النظام. على الرغم من جاذبية تغيير النظام الذي قد يبدو، إلا أنّه يقلّل من شأن قبضة النظام الحديدية على سكانه واستعداده لاستخدام أيّ وسيلةٍ تقريبًا لقمع المعارضة. وبينما كانت لدى إدارة أوباما - بايدن نظارات ذات لون وردي، من الواضح أن ترامب لم تكن لديه أي رؤيةٍ واضحة. حيث لم يؤد أي من النهجين إلى الاستقرار الإقليمي.

إنّ معركةً داخليةً في الإدارة الأميركية لا تزال قائمةً، وتعكس مدى التضعضع والتضارب في الآراء من قبل أصحاب القرار لديهم.  وعلى الرغم من العقوبات التي تمارس عبر سياسة الضغط الأقصى، فإنّ إنجازات إيران الدبلوماسية والعسكرية لا تزال في اضطراد، وهي تمتلك من المؤهلات ما يكفي للصمود والتحدي، كما لديها العديد من الحلفاء الأقوياء والذين لهم دورًا بارزًا على المستوى الإقليمي والدولي.

 

إيجاد نهج متوازن

المطلوب هو سياسةٌ تنعش خطة العمل الشاملة المشتركة وتعززها لمعالجة أوجه القصور الثلاثة الملحوظة: نشاط إيران الإقليمي المزعزع للاستقرار، وصواريخها البالستية، والشروط التي ترفع القيود عن برنامج إيران للتخصيب النووي بعد عام 2025. لإعادة إيران إلى على طاولة المفاوضات، سيكون علينا بلا شك أن نقدّم بعض التخفيف الحقيقي للعقوبات، الذي قد يعادل 20 في المائة من تلك التي وضعها ترامب. من جانبها، ستطالب طهران بالقدرة على بيع نفطها في السوق العالمية دون قيود.

في حين فشلت السياسات الإقليمية لإدارة أوباما - بايدن، يبدو أنّ بعض كبار مستشاري السياسة الخارجية لبايدن، بما في ذلك توني بلينكن وجيك سوليفان وغيرهم، يستندون إلى إيران والخليج، وهو أمرٌ مشجّع. وقد ذكر بعض هؤلاء المستشارين مؤخرًا أنّ إدارة بايدن لن تدعم التراجع عن العقوبات المفروضة على إيران أو إعادة خطة العمل الشاملة المشتركة دون تعديلات كبيرة. لذلك، في حين أنّ خطاب بايدن في بعض الأحيان حول إيران والمملكة العربية السعودية يبدو أكثر ارتباطًا بالسياسة الداخلية، يبدو أنّ مستشاريه يرون قادة النظام الإيراني كما هم، وليس كما نأمل أن يصبحوا. سيكون من المهم أيضًا التشاور مع حلفائنا الإقليميين الخليجيين على المدى الطويل، والذي لم يتمّ مع خطة العمل الشاملة المشتركة، والاستفادة من الأخطاء السابقة، حيث شعر معظمهم بالتجاهل الأميركي لهم نتيجة لذلك.

إنّ ما يتطلع إليه المرشح الأميركي جو بايدن، بصفته الرئيس الجديد للولايات المتحدة للمرحلة المقبلة، هو تسجيل نقاط على الساحة الدولية وكسب انتصارٍ لم يستطع مَن سبقه من تحقيقه، وهذا إنما يدلّ على الانتصار الإيراني في هزّ الصورة الأميركية المتعجرفة على مستوى العالم، التي لم تستطع عبر إداراتها المتعاقبة من إخضاع إيران وفرض الشروط عليها بهدف إذلالها. ويبدو أن مستشاري بايدن، هم أكثر واقعيةً ممن سبقهم في النظر إلى إيران "كما هي وليس كما تريد أميركا أن تكون".