»

خلاصة تحليلات: التوترات التركية - الأوروربية

27 تموز 2020
خلاصة تحليلات: التوترات التركية - الأوروربية
خلاصة تحليلات: التوترات التركية - الأوروربية

مركز الاتحاد للأبحاث والتطوير

في خضم كل تشعبات أحداث المنطقة، تطفو الأزمة اليونانية التركية، وتبرز بشكل لا يمكن التغاضي عنه، لاسيما وأنّه ينبّئ بـ" صيف حار" تركي أوروبي، كما جاء في مقال على موقع المجلس الأوروبي للعلاقت الأجنبية ( ECFR) في تاريخ 23 تموز ، تحت عنوان " تركيا وأوروبا: تزايد التوترات وصيف حار في البحر الأبيض المتوسط". أما لماذا هو "صيف حار"، فهو ما يمكن رصده من خلال عدة مقالات.

في الواحد والعشرين من شهر تموز الجاري، توجهت NAVTEX التركية للبحث داخل الجرف القاري لليونان ومهمتها "البحث الزلزالي"، الأمر الذي وضع القوات المسلحة اليونانية في حالة تأهب. وإلى جانب الاستطلاعات الزلزالية في شرق البحر الأبيض المتوسط ​​، أرسلت تركيا NAVTEX  أخرى لإجراء تمارين ذخيرة حقيقية في قلب بحر إيجه، أيضًا. فهل تحاول تركيا خلق أزمة حقيقية مع اليونان بشكل خاص وفي شرق البحر الأبيض المتوسط ​​بشكل عام، بعد أن تلقت مصر الضوء الأخضر من برلمانها للتدخل العسكري في ليبيا، وتواصل المحادثات مع اليونان لترسيم المنطقة الاقتصادية الخالصة؟ وهل أنقرة تستعد لأمر ما في المنطقة التي تدعي أنها حددت حدودها البحرية مع ليبيا؟

يرى الجانب اليوناني في تنفيذ التهديد التركي بقيام الأسطول التركي بالمسوحات الزلزالية داخل الجرف القاري تصعيدًا خطيرًا؛ يستدعي تكثيف المحادثات مع مصر بشأن ترسيم حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة، أو توجّهًا لتمديد المياه الإقليمية اليونانية جنوب وشرق جزيرة كريت إلى 12 ميلا بحريًّا. أما أوروبا فتجد في التهديد التركي انتهاكًا للحقوق السيادية لليونان، وتاليًّا انتهاكًا لحقوقها، وللسيادة الأوروبية ولأمن البحر الأبيض المتوسط.  الأمر الذي ترافق مع إعلان الرئيس الفرنسي التضامن الفرنسي مع اليونان وقبرص ضد تركيا، والعزم لعقد مؤتمر لدول جنوب الاتحاد الأوروبي، فضلًا عن طرح يوناني للمطالبة بعقد قمة طارئة لمناقشة فرض عقوبات ضد تركيا.

ويتوافق الموقف الأوروبي مع دعوات في الاتحاد الأوروبي لإعادة إحياء "خطة شومان" في البحر الأبيض المتوسط" لتأمين مصالح الاتحاد الخاصة وحل التوترات في شرق البحر الأبيض المتوسط، وذلك ضمن منهجية تدفع بأوروبا إلى تبني دور عالمي أكثر حزمًا في ظل التراجع الجيوسياسي للولايات المتحدة،  وعدم القدرة المعيارية الأخيرة على القيادة. لم تعد النزاعات بين اليونان وتركيا، وكذلك بين تركيا وقبرص نزاعات ثنائية. إنها أوروبية ويجب معالجتها على هذا النحو. وقد آن الآوان، بالنسبة للاتحاد الأوروبي، للتحرك لتحديث سياسته في الجوار المباشر، وشرق البحر الأبيض المتوسط هو أحد المسارح الإقليمية حيث يمتلك الاتحاد فيه حصصًا كبيرة ومباشرة.

إنه لمن المحتمل أن تؤدي التوترات العسكرية المحتملة في بحر إيجة وأي مطالب داخل الناتو لدعم اليونان في نزاع مع تركيا إلى تعطيل التماسك الداخلي للناتو، وزعزعة استقرار علاقات تركيا مع الولايات المتحدة وروسيا، وفي الوقت ذاته فإنها تسبب مشاكل في البلقان، والبحر الأدرياتيكي و"إسرائيل" وأماكن أخرى في الشرق الأوسط، وفقًا لعضو مجلس الاتحاد الأوروبي، التي شغلت سابقًا منصب المفوض الأوروبي،  آنا ديامانتوبولو. 

وما تطرحه ديامانتوبولو بخصوص نسخة شرق المتوسط ​​الحديثة من خطة شومان، فهو إمكانية معالجة النفط والغاز كبضائع تحت الإدارة والتنظيم المشتركين، وذلك عبر إنشاء سلطة واحدة، تتعاون فيها كل دولة معنية على تبادل الدراية الفنية وتخصيص البنية التحتية (من خطوط الأنابيب إلى المستودعات)، وتاليًّا، نشر عبء الدفع مقابل البنية التحتية الوطنية والموارد الأمنية. كما أنها تدعو إلى لعب دور أكثر نشاطًا وتفاعلًا في منطقة الشرق الأوسط، وأن يعمل "كصانع سلام متشدد الرأس: متشدد لأنه يحتاج إلى تأمين مصالحه الحيوية الخاصة في المنطقة، بما في ذلك مواجهة تركيا إذا لزم الأمر".

وبالعودة إلى مقال "تركيا وأوروبا: تزايد التوترات وصيف حار في البحر الأبيض المتوسط"، فإنه مع مشاريع الحفر في شرق البحر الأبيض المتوسط ​​والتدخل التركي في الحرب الأهلية في ليبيا، لم تعد السياسة الخارجية الحازمة لأنقرة ظاهرة بعيدة يمكن أن تتجاهلها بروكسل.

تاريخيا ، كانت الخلافات بين تركيا وفرنسا قصيرة الأجل، لكن، هذه المرة، الأمور أكثر خطورة - ربما حتى ذات أهمية وجودية. ترى فرنسا نموذجًا أيديولوجيًا خطيرًا في تركيا أردوغان ، وتعتبر الأخيرة أن الإجراءات الفرنسية جزء من جهد لمنع صعودها الوشيك. ألقت باريس بثقلها وراء منافسي أنقرة الإقليميين، وطورت علاقات أوثق مع الإمارات العربية المتحدة ومصر، كما دعمت خليفة حفتر في ليبيا. وامتد النزاع الفرنسي التركي إلى منطقة الناتو في 10 تموز، عندما حاولت فرقاطة فرنسية تفتيش سفينة شحن ترافقها سفن تركية للاشتباه في أنها تنتهك حظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة.

أما الأيام التي ما زالت أكثر حرارة في المستقبل هذا الصيف، وفق المقال، فتتوقف على شنّ حكومة الوفاق الوطني هجومًا مدعومًا من تركيا على مدينتي سرت وجفرة المهمتين استراتيجيًا، مما سيؤدي إلى تعزيز فرنسا والإمارات العربية المتحدة لدعمهما لقوات حفتر. وفي الوقت ذاته، يعد استكشاف النفط والغاز في شرق البحر الأبيض المتوسط ​​نقطة اشتعال أخرى يمكن أن تجذب تركيا قريبًا إلى مواجهة مباشرة مع فرنسا أو اليونان، إضافة إلى قضية قبرص التي لم يتم حلها منذ عقود.

وإذ تحتاج أوروبا إلى صفقة كبيرة مع تركيا لحل النزاعات؛ يغطي الطاقة والحدود البحرية والصراع القبرصي وليبيا، لكن يكاد يكون ذلك من المستحيل. خلال اجتماع لمجلس الشئون الخارجية الأسبوع الماضي، حذر الاتحاد الأوروبي من فرض عقوبات على تركيا، لكنه قال إنه يريد تجربة الحوار أولاً، في رهان على نجاح رئاسة ألمانيا للاتحاد الأوروبي في خفض التصعيد مع بدء تنظيم جولة جديدة من الدبلوماسية السرية بين تركيا واليونان. ويخلص المقال إلى أنه سيتعين على بروكسل اتخاذ خطوات صغيرة - للعمل على تخفيف التوترات بين تركيا واليونان، وبدء حوار حول تقاسم موارد الطاقة قبالة ساحل قبرص، لكن مع طرح تساؤل حول ماهية المقايضات التي يتطلبها ذلك، والتشكيك في إمكانية الوصول إلى صفقة، لأنه "وفي هذا العصر من التنافس الجيوسياسي غير المنضبط، هذا ليس بالأمر الهين".