»

مترجم: الحرب في ليبيا... تدافعٌ عالميٌ على السلطة والهيبة

21 تموز 2020
مترجم: الحرب في ليبيا... تدافعٌ عالميٌ على السلطة والهيبة
مترجم: الحرب في ليبيا... تدافعٌ عالميٌ على السلطة والهيبة

Ishaan Tharoor - The Washington Post

إذا كانت أفغانستان "مقبرة الإمبراطوريات"، فإنّ ليبيا باتت تشكل بوتقة للقوى الإقليمية المحتملة. إنّ الحرب الأهلية المستعصية في ليبيا، التي قطّعت أوصال الدولة الغنية بالنفط في شمال إفريقيا؛ ما هي في الواقع إلاّ مباراة شطرنج متعددة الجوانب، بين مجموعةٍ متنوعةٍ من الجهات الخارجية، من تركيا إلى الإمارات العربية المتحدة وفرنسا ومصر. على الأرض ، تضم المعركة الآلاف من رجال المليشيات السورية والمرتزقة السودانيين والمقاولين الروس. حيث تسيّر تلك البلدان عددًا متزايدًا من الطائرات بدون طيار  وطائرات مقاتلة وصواريخ. ولقد حذّر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، في وقتٍ سابقٍ من هذا الشهر، من أنّ "التدخّل الأجنبي" قد "وصل إلى مستوياتٍ غير مسبوقة".

يبدو أنّ تركيا هي أكبر المنتصرين هذا الصيف، والتي جاءت لإنقاذ الحكومة المعترف بها من قبل الأمّم المتحدة ومقرّها في طرابلس. حيث صدّت الهجوم الذي شنّته قوات الجنرال المنشق خليفة حفتر واستمر لمدة أشهر. الآن، حكومة الوفاق الوطني المدعومة من تركيا، أو GNA ، هي المسيطرة اليوم، وبقوة، على الغرب الليبي وقد تأمل في السيطرة على "الهلال النفطي" الاستراتيجي للبلاد، وهو قوس المدن الساحلية والمنشآت النفطية في المناطق الداخلية بين طرابلس العاصمة ومدينة بنغازي الشرقية.

إذا تمكنت GNA من القيام بذلك ، فإنها سوف تعزز موقفًا قويًا وستتمكن أنقرة من جني مكاسب جيوسياسية. حيث قال أوزليم كايغوزوز ، الأستاذ المساعد في العلاقات الدولية بجامعة أنقرة ، لصحيفة فاينانشال تايمز: "يعتقد أردوغان وبعض حلفائه أنّ تركيا تعيد أهميتها في نظر حلفائها الغربيين". "إنّهم يعتقدون أنّه كلما لعبت تركيا دورًا حازمًا، كلما ازدادت قيمتها وأصبح من الاستحالة بمكان تجاهلها في إطار المصالح الغربية في المنطقة".

لكن هناك عوامل أخرى في الحسبان، حيث أصدر البرلمان المصري يوم الاثنين مصادقة على القرار السياسي يصرح فيها بنشر قواتٍ خارج حدوده، وهي خطوةٌ قد تؤدي إلى دخول المصريين شرق ليبيا لمساعدة قوات حفتر. في حين يدعم "أمير الحرب الليبي" الإماراتيون والروس، وبدرجة أقل فرنسا. وبينما شعرت بعض هذه الحكومات بالإحباط من سعي حفتر الدموي إلى تحقيق نصرٍ عسكري، يبدو أنّ الرئيس "الديكتاتوري" المصري عبد الفتاح السيسي حريصٌ على دخول المعركة ضدّ حلفاء تركيا.

كما أن هناك صدامٌ شخصيٌّ وأيديولوجيٌّ؛ لقد انتقد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان نظيره المصري "السيسي" منذ وصوله إلى السلطة في انقلاب عام 2013، الذي أطاح بحكومة مصر الإسلامية المنتخبة ديمقراطيًا قصيرة الأجل. وقال سونر كاجابتاي، باحث تركي في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، لـ TodayView WorldView: "إنّهم أعداء بعضهم البعض". "جنرال علماني قام بحبس إسلاميين سياسيين، وإسلامي سياسي قام بحبس جنرالات علمانيين".

على الرغم من ذلك، هناك لعبةٌ تدور ذات نطاقٍ أوسع. حيث حصلت الحكومة التركية على اتفاقٍ كبيرٍ مع طرابلس بشأن الحقوق البحرية والوصول إلى الحفر قبالة الساحل الليبي. وقد أثارت الصفقة حفيظة بروكسل، مع سعي مسؤولي الاتحاد الأوروبي للحفاظ على مصالح اليونان وقبرص في شرق البحر الأبيض المتوسط.

وبرأي الباحث التركي كاجابتاي فإنّه "لا يوجد صانع سياسة واحد في أنقرة ، بما في ذلك أولئك الذين يكرهون أردوغان ، الذي لا يشعر بالقلق من فكرة التطويق في شرق البحر الأبيض المتوسط".

في الواقع، إنّ تركيا بعيدةٌ عن فكرة أنّها الدولة الوحيدة التي ترى موطئ قدمها في ليبيا كتذكرة لطموحات أوسع. حيث يرتبط الكرملين بشركة Wagner Group الأمنيّة الخاصّة، التي لديها مئات المرتزقة الروس المنتشرين في القتال نيابة عن حفتر. كما كانت لموسكو علاقةٌ تاريخيةٌ مع ليبيا خلال الحرب الباردة، وجعلت نفسها بشكلٍ انتهازيٍّ محاورًا رئيسيًا في المناقشات حول المستقبل السياسي للبلاد.

وقال الأدميرال هايدي بيرغ، ضابط المخابرات الأعلى في القيادة الأمريكية الإفريقية، في إحدى المقابلات: " في السابق، كان للقوات بالوكالة؛ مقعدًا على طاولة المفاوضات، وكان لها تأثيرًا لا مبرر له، لكنها أصبحت الآن تقريبًا المحاور الرئيسي". "هذا يسلط الضوء على ما تريده روسيا: المكانة الدولية والقدرة على فرض التكاليف على المجتمع الدولي - أن يكون الشخص الذي يكون له دورًا فاعلاً على طاولة المفاوضات."

وخلال عطلة نهاية الأسبوع، حثت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي، في بيان مشترك، "جميع الجهات الأجنبية على وقف تدخلها واحترام حظر الأسلحة الذي فرضه مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة". لكن هذه الدعوات تبدو جوفاء عندما تُقابل مشاركة فرنسا نفسها في النزاع، الأمر الذي يراها متقدة مع دولة عضو في الناتو. ويتهم النقاد حكومة ماكرون بإغراء حفتر كجزء من سباقها النفطي.

في حين كتب بوبي غوش، كاتب عمود بلومبرج في الشهر الماضي؛ "إنّ الأمر لا يتطلب من التهكم الماكروني أن ينظر إلى خطابه تجاه تركيا على أنّه محاولةٌ يائسةٌ لصرف الانتباه عن الذنب الفرنسي. إنّ لديه معارك أخرى مع أنقرة، بما في ذلك التنافس على حقوق الطاقة في شرق البحر الأبيض المتوسط​​".

ويحذر مسؤولو الأمّم المتحدة من أنّ نحو 125 ألف مدني ما زالوا في خطر حيث تستعد قوات طرابلس للضغط لصالحها ضدّ حفتر. وفي غضون ذلك، اختارت الولايات المتحدة أن تشغل المقعد الخلفي. حيث قال مسؤول كبير في وزارة الخارجية الأميركية: "أولاً وقبل كل شيء، هذه مشكلة أوروبية". وأضاف المسؤول، الذي لم يصرح له بالتحدث علنًا​​، بعبارات فظة أن ما يحدث الآن "معقد للغاية، وهو يعمل على إعادة التجربة السورية في ليبيا".