»

الخطر الكامن بالتمركز التركي في ليبيا

29 حزيران 2020
الخطر الكامن بالتمركز التركي في ليبيا
الخطر الكامن بالتمركز التركي في ليبيا

بروفسور افرايم عنبر / معهد القدس للاستراتيجية والأمن

لقد تدخلت تركيا الشهر الماضي عسكريًا في الحرب الأهلية في ليبيا لصالح حكومة طرابلس (حكومة الوفاق الوطني) برئاسة فايز السراج، والتي هي ذات علاقات في الدوائر الإسلامية. حكومة الوفاق الوطني تحارب الجيش الذي يقوده خليفة حفتر، الذي يمثل الأجزاء الشرقية لليبيا وهو يتمتع بدعم مصر، الامارات، روسيا وفرنسا. التدخل التركي أدى لعكس الاتجاه في الحرب الأهلية، حيث رفع جيش حكومة الوفاق الوطني، بدعم تركي وجهادي من سوريا، الحصار عن طرابلس وهو في طريقه نحو الشرق.

هدف أردوغان المباشر هو مساعدة حكومة الوفاق الوطني بالبقاء والتمركز في منطقة سيرتا الغنية بالنفط على طول شاطئ البحر المتوسط. على المدى البعيد، تركيا معنية بالتخلص من العبء في الساحة السياسية. إن هيمنة حكومة الوفاق في ليبيا ستعزز التوجه الإسلامي للبلاد وسيسمح لتركيا، دولة ذات أجندة عثمانية جديدة وإسلامية، بتجنيد موارد ليبيا من أجل أغراضها الرخيصة.

إن انتصار حكومة الوفاق الوطني سيضمن اتفاقية توزيع المياه الاقتصادية في البحر المتوسط الذي تم التوقيع عليه في نوفمبر 2019 بين حكومة أنقرة وحكومة طرابلس. هذا الاتفاق يتجاهل حقوق اليونان وقبرص ويُعتبر عقبة في طريق خطة مصر، إسرائيل، اليونان وقبرص لتصدير الغاز من شرق البحر المتوسط لأوروبا. تركيا، التي تركيا نفسها جسر طاقة للغرب، تريد منع طرق تزويد بديلة لا تمر عبر أراضيها.

إن مكانة تركيا كسبّاقة في ليبيا سيزيد من تأثيرها على غزة، كيان إسلامي آخر على طول الشاطئ الجنوبي للبحر المتوسط محاذٍ لإسرائيل ومصر. تأثير تركي كبير في ليبيا وغزة هو شوكة في حلق مصر، التي تجاور هذين الكيانين. مصر هي خصم لتركيا منذ قديم العصور.

إن المواجهة في ليبيا قد تؤثر على مستقبل مصر، الدولة العربية الأكثر أهمية. القاهرة تدعم قوات حفتر تمامًا بسبب قلقها الكبير من أن تقوم تحت قيادة حكومة الوفاق الوطني دولة إسلامية في الغرب. في الشرق، مصر فعليًا تعاني من تمرد إسلامي في سيناء. في الواقع، هدد الرئيس المصري السيسي من أن تقدم عسكري إضافي لحكومة طرابلس ستجر لرد عسكري مصري. تأثيرات إسلامية من الغرب قد تعرض الاستقرار السياسي في مصر للخطر، خصوصًا في ظل حقيقة أن الإخوان المسلمين، القوة السياسية الأكثر تنظيمًا في الدولة، تتحدى حكم السيسي. إن تقويض الحكم القائم في مصر أمر غير مرغوب به في الدول المعتدلة وإسرائيل، وتعارض المصالح الأمريكية الأساسية. إن اللامبالاة الأمريكية قد تدفع بمصر نحو أحضان روسيا.

التمركز التركي في ليبيا لا يعرض فقط النظام المصري للخطر، بل أيضًا أهداف جيرانها الآخرين في أفريقيا. ليبيا هي دولة كبيرة تحد عدة دول عربية: السودان، الجزائر وتونس. وفي الحدود الجنوبية لها دول إسلامية مثل النيجر وتشاد. في كل تلك الدول هناك كيانات إسلامية تتطلع للسيطرة على الحكم. دعم تركيا وقطر قد يكون بمثابة أمرًا مهمًا في استقرار كتلة إسلامية في هذه المنطقة.

إن الصراع في ليبيا أيضًا يفاقم من التوتر داخل حلف الناتو. فرنسا، إيطاليا، واليونان يدركون مدى الحساسية الجيو سياسية في الصراع على الشاطئ الجنوبي للبحر المتوسط. حتى أن الاتحاد الأوروبي أرسل سفن حرب للمنطقة بهدف الحد من عمليات نقل السلاح لليبيا، وهو نشاط جر لحادث بحري بين تركيا وفرنسا. إن التواجد التركي في ليبيا والاتفاق على تقسيم شرق البحر المتوسط قد يشعل حربًا بين تركيا واليونان، وهما عضوان في الناتو. أنقرة قد لا تتحمل الصمود أمام دوافع اتخاذ إجراءات قوية في أعقاب تفاوت القوى بين تركيا والدول الهيلينية. هذا وتمنع تركيا بالقوة محاولات إيجاد غاز في مياه قبرص المحدودة. في حال استمرت الولايات المتحدة في تجنب استدعاء أردوغان لحوار، فقد تجد اليونان وقبرص أنفسهما يتوجهان لروسيا طلبًا للمساعدة. هناك صراع ديني بين الثلاث دول، والتي يتم أحيانًا التعبير عنها بشكل سياسي.

علاوة على ذلك، تعتبر ليبيا أيضًا منطقة عبور لأفريقيين كُثر ممن يبحثون عن سبل حياة أفضل في أوروبا. من المفترض ترجيح أن هذه الحقيقة مرت في ذهن أروغان، حيث أنه لا يتردد باستخدام قدراته في تنظيم الهجرة لأوروبا من الشرق.

قد يكون السيناريو الأسوأ هو اتفاق روسي تركي بتقسيم الدولة لمناطق نفوذ. كلا البلدان ستسيطران على موارد طاقة مهمة والتي ستساعد في تحقيق أهداف سياسية خارجية لموسكو وأنقرة. روسيا هي خصم للغرب وتركيا ابتعدت منذ زمن طويل عن الغرب وعن حلف الناتو.

أما عن إسرائيل فلديها أسباب جيدة للشعور بالقلق مما يحدث في ليبيا واللامبالاة الأمريكية، التي تزيد من جرأة أردوغان، الذي هو كاره معروف لإسرائيل. قاعدة بحرية تركية في ليبيا تشكل خطرًا على الطرق البحرية في البحر المتوسط، والتي يمر بها حوالي 90% من التجارة الدولية لإسرائيل. إن تحول ليبيا لدولة تحت حصانة تركية يشكل خطرًا على دول غرب البحر المتوسط ومصر، والتي يعتبر استقرارها هو حجر أساس في المنظومة الإقليمية الحالية. كذلك فإن احتمال تحول ليبيا لقاعدة لتوسيع التأثير الاسلامي أمر يُنذر بالسوء.

على إسرائيل أن توحد جهودها في جهد مشترك من اليونان، قبرص، فرنسا، وإيطاليا للوقوف أمام التطلع التركي وأن توضح لواشنطن ما هي مخاطر مغامرات أردوغان.