»

تقليص المصالح في الشرق الأوسط تمهيدًا للمنافسة الكبرى

26 حزيران 2020
تقليص المصالح في الشرق الأوسط تمهيدًا للمنافسة الكبرى
تقليص المصالح في الشرق الأوسط تمهيدًا للمنافسة الكبرى

معهد السياسة الخارجية للأبحاث – آرون ستين/ يناير 2020

زادت الولايات المتحدة، وبشكلٍ كبيرٍ، التزام القوّات والمعدات العسكرية بسلسلة من القواعد الدائمة في الشرق الأوسط. وكان ذلك بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وهزيمة الجيش العراقي بعد غزو الكويت عام 1991.

خلال عقدين من الزمان تقريباً منذ الهجمات المرتبطة بالقاعدة في 11 سبتمبر / أيلول 2001، عمّقت الولايات المتحدّة التزامها العسكري والسياسي تجاه المنطقة، في أعقاب قرارات غزو أفغانستان والعراق، ثم التدخل عسكرياً في سوريا.

سعت إدارتا باراك أوباما ودونالد ترامب إلى التركيز بشكلٍ أكبر على آسيا، لكنها فشلت في فصل الولايات المتحدة عن الصراعات في الشرق الأوسط. يفترض هذا التقرير أن الولايات المتحدة ستحتفظ باهتمام ٍ كبيرٍ في ضمان تحالفات وشراكات وثيقة مع حلفاء أمريكا عبر المحيط الأطلسي (منظمة حلف شمال الأطلسي)، والشركاء والحلفاء المقربين في منطقة المحيط الهادئ الهندي، حتى إن أعيد انتخاب الرئيس ترامب في عام 2020.

كما يفترض أن الولايات المتحدة ستبدأ في التركيز بشكل أساسي على آسيا، مع اعتبار أنّ الاتحاد الروسي ذا أهمية ثانوية بالنسبة لظهور جمهورية الصين الشعبية. بالنظر إلى هذين الافتراضين التوأمين، فإن دور القوات الأمريكية وأولويات سياسة واشنطن في الشرق الأوسط يتطلب تفكيرًا جديدًا حول كيفية إنهاء الحروب التي تستنزف الموارد الأمريكية، وإعادة تخصيص أصولٍ محدودةٍ عالية الطلب، يمكن الاستفادة منها للعمليات في أوروبا أو منطقة المحيطين الهندي والهادئ.

يقترح هذا التقرير خطة سياسية وعسكرية مترابطة من شأنها أن تسمح للولايات المتحدة بالاحتفاظ بوجود قوي في الشرق الأوسط، ولكن بطريقة تؤدي إلى تصعيد التوترات مع جمهورية إيران الإسلامية، وتغيير كيفية نشر القوات الأمريكية حول العالم.

وقد أوصت الدراسة بأن تركز الولايات المتحدة على ثلاثة مصالح إقليمية أساسية:

1. الحفاظ على صادرات الطاقة دون عوائق عبر مضيق هرمز.

2. حرمان الجماعات الإرهابية من التآمر لشنّ هجماتٍ خارجية.

3. منع انتشار أسلحة الدمار الشامل.

لتحقيق الوفاق مع إيران، دعماً للأهداف الثلاثة المذكورة أعلاه، يجب على الولايات المتحدة التركيز بشكل ضيق على برامج إيران النووية والصاروخية والنظر في الاقتراحات التالية لإدارتها:

1. النظر في تبادل تخفيف العقوبات من أجل عودة إيران للامتثال التامّ لخطّة العمل الشاملة المشتركة لعام 2015 (JCPOA)، أو التوصل إلى اتفاق مماثل بروح خطة العمل الشاملة المشتركة التي تفرض عمليات تفتيش زائدة على برنامج إيران النووي.

2. فتح نقاشات حول تأمين تعهد على مستوى المنطقة بحد أقصى للصواريخ يصل إلى 2000 كيلومتر أو أقل.

3. تشجيع دول المنطقة على الالتزام بمدونة قواعد السلوك الدولية ضد انتشار القذائف البالستية، لتقليل فرصة الإطلاق العرضي وجعل سياسة الصواريخ الإقليمية أكثر شفافية لجميع الأطراف.

4. تشجيع العمل الإيراني على قاذفات الفضاء التي تعمل بالوقود السائل والوقود المنخفض الطاقة.

إنّ الوجود الأمريكي في الشرق الأوسط هو نتيجة ثانوية لعصرٍ لم يكن فيه لواشنطن منافس استراتيجي، وارتبط بقرارٍ اتُخذ بعد الحرب الباردة، على أنّ الوجود العسكري الكبير هناك، كان في مصلحة البلاد. وحينما تستعد الولايات المتحدة، مرة أخرى، للتنافس مع الخصوم الكبار في أوروبا وآسيا، فمن الضروري إعادة تقييم مصالح الولايات المتحدة في الشرق الأوسط.

لدى الولايات المتحدة حافز للوصول إلى الوفاق مع إيران، وذلك للسماح بوجودٍ أكثر استدامة في المنطقة، والسماح بالتغييرات الضرورية لكيفية نشر الولايات المتحدة للأجهزة العسكرية المحدودة. إنّ جمهورية إيران الإسلامية مصدر إزعاج إقليمي، ولكن يجب إدارتها من خلال دبلوماسيةٍ بارعةٍ تضع حدًا لتطوير الصواريخ الإيرانية، وتقبل برنامجًا صغيرًا للفضاء، وتضع البرنامج النووي تحت عمليات تفتيش موسعة وتدخلية. سيسمح هذا النهج، بعد ذلك، بتقليل التوترات الإقليمية، والتي ستسمح بعد ذلك بالانتشار العسكري لمطابقة تطلعات الاستراتيجية الوطنية الأمريكية المعلنة.

كجزء من هذا الجهد، تمتلك الولايات المتحدة الأدوات اللازمة لتحمل روسيا التكاليف البعيدة المدى لـ "النصر" في سوريا. ترتكز هذه الخطة على فكرة دفع موسكو نحو نفقات الدفاع الأقل تهديدًا للمصالح الأمريكية. ببساطة: الروبل الذي يتم إنفاقه لدعم الدولة الفاشلة، هو أقل من الإنفاق في مكان آخر، ربما على المعدات العسكرية التي يمكن أن تكون أكثر تهديدًا للمصالح الأمريكية في أوروبا. وبالتالي، فإن هذا النهج سيرحب بالوجود الروسي المتزايد في سوريا، لأنه يتطلب نشر أصولٍ روسيةٍ محدودةٍ في حربٍ أهليةٍ تمكنت موسكو من التأثير عليها عسكريًا، لكنها فشلت في حلها. وستضمن هذه الاستراتيجية عدم مساءلة الأسد وداعميه، إيران وروسيا، عن استخدام أسلحة الدمار الشامل. حيث تمتلك الولايات المتحدة أدواتٍ لفرض تكلفة على النظام لاستخدامه لأسلحة الدمار الشامل ومحاولة رفع التكاليف غير المباشرة للدعم الروسي، في هذا المجال، بطرق لا تنتقص من حلّ النزاع بشروطٍ يمكن للولايات المتحدة التعايش معها.

هذا النهج لن يؤمن كل هدف أميركي في سوريا، ولكنه سيكون "جيدًا بما فيه الكفاية" ويفرض على روسيا تكلفة يمكن استخدامها، بخلاف ذلك، في مكان آخر، لمواجهة الولايات المتحدة في مجالات أكثر أهمية استراتيجيًا.

أخيرًا، يمكن أن يقترن تفكك التوترات مع إيران بتواجدٍ عسكريٍ متزايد في مكان آخر، وهو نتيجة مربحة للجميع لدولة تسعى إلى تكثيف العمليات خارج الشرق الأوسط.

تقترح هذه الورقة إجراء مقايضاتٍ صعبةٍ وتضييق نطاق المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط، حتى تكون قادرة على الاستعداد بشكل أفضل لمنافسة القوى العظمى. لكن خيارات السياسة لا تنطوي على انسحاب أمريكي من المنطقة، أو "تخلي" عن شركاء الولايات المتحدة. بل إنّها تقدم بدلاً من ذلك، مسارًا لتخفيف حدة التوترات، مع الاحتفاظ بالوجود الأمريكي المترامي الأطراف في المنطقة احتياطيًا واستخدام الأصول غير المنتشرة هنا في أجزاء أخرى من العالم. وهذا ما سيزيد بعد ذلك من قدرات القوات الأمريكية المنتشرة في أوروبا وآسيا، من أجل تنفيذٍ أفضل للجهود الجارية، للتركيز بشكل أقل على النزاعات في الشرق الأوسط لصالح التحضير للصراعات ومنعها في المناطق الأكثر بروزًا من الناحية الجيوسياسية حول العالم. كجزء من هذا الجهد، يجب على الولايات المتحدة التفكير بشكل خلّاق في كيفية فرض التكاليف على منافسيها عندما تخوض بعمقٍ في صراعاتٍ أهليةٍ معقدةٍ وشائكة قد تواجه صعوبة في إدارتها.

في الجوهر، هذه حجة للعودة إلى عناصر سياسة أمريكا للحرب الباردة، وإن كان ذلك مع الميزة الإضافية للبنية التحتية الأمريكية والوصول على هذا المضمون بعد حرب الخليج الأولى. لن تغادر الولايات المتحدة الشرق الأوسط أبدًا، ولكن يمكنها الانتشار بشكل أكثر ذكاءً والسعي لتحقيق أهداف السياسة من خلال استراتيجيةٍ منسقةٍ تقبل عمليات النشر الأمريكية الغير مجانية. وتتطلب الاستراتيجية الصحيحة مطابقة النهايات بالوسائل. الولايات المتحدة لديها وسائل وافرة، لكنها ليست لانهائية. وهذا ما يتطلب نشرها بما يتماشى مع استراتيجيةٍ وطنيةٍ متماسكةٍ، ترتكز على الواقع للمنافسين الصاعدين، العازمين على تحدي أمريكا، يتطلب اتخاذ خيارات صعبة.