»

لماذا يريد ترامب ترك الاتفاق النووي جثة هامدة قبل الانتخابات؟

15 حزيران 2020
 لماذا يريد ترامب ترك الاتفاق النووي جثة هامدة قبل الانتخابات؟
لماذا يريد ترامب ترك الاتفاق النووي جثة هامدة قبل الانتخابات؟

المعركة بين الولايات المتحدة والأطراف المتبقية في الاتفاق النووي الإيراني تستعر، في ظل مخاطر ضخمة لا تحدق فقط بإنقاذ الاتفاق شبه المحتضر، ولكن أيضًا بمستقبل مجلس الأمن الدولي بأكمله

نشرت مجلة «فورين بوليسي» تقريرًا أعده المحللان السياسيان كيث جونسون، وكولم لينش عن سعي واشنطن إلى تمديد حظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة على إيران؛ بما يقضي على أي أمل في إحياء الاتفاق النووي الإيراني.

أمريكا في مواجهة مباشرة مع الحلفاء الأوروبيين

يذكر كاتبا التقرير أن المعركة بين الولايات المتحدة والأطراف المتبقية في الاتفاق النووي الإيراني تستعر، في ظل مخاطر ضخمة لا تحدق فقط بإنقاذ الاتفاق شبه المحتضر، ولكن أيضًا بمستقبل مجلس الأمن الدولي بأكمله وقدرته على كبح جماح اللاعبين السيئين.

فبعد عامين من الانسحاب أحادي الجانب من اتفاق إيران النووي، الذي أُبرم عام 2015، والمعروف باسم خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA)، تسعى إدارة ترامب إلى زيادة جهودها للإجهاز تمامًا على الاتفاق، على الرغم من أنه يبدو أن واشنطن لا تمتلك خطة بديلة للتعامل مع طموحات إيران النووية خلاف العقوبات

ويضغط المسؤولون الأمريكيون على الأطراف المتبقية في الاتفاق، إلى جانب إيران – وهي: الاتحاد الأوروبي، وألمانيا، وفرنسا، والمملكة المتحدة، وروسيا، والصين – لتمديد حظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة، والذي سينتهي في شهر أكتوبر (تشرين الأول)، أي قبل أسابيع فقط من إجراء الانتخابات الرئاسية الأمريكية التي تشهد تنافسًا ساخنًا.

وكان انتهاء هذا الحظر الخاص بالأسلحة، بعد خمس سنوات من دخول الاتفاق النووي حيز التنفيذ، أحد نقاط تسويق الاتفاق لإيران في المقام الأول. لكن الآن، وبدعوى أن أنشطة إيران المزعزعة للاستقرار في المنطقة تجعل من الخطر للغاية السماح بمبيعات أسلحة دون قيد لطهران، تهدد واشنطن بفرض اتخاذ قرار فوري، وإطلاق «تجديد تلقائي» لجميع عقوبات الأمم المتحدة على إيران، مما يضع الولايات المتحدة في مواجهة مباشرة مع الحلفاء الأوروبيين وكذلك روسيا، والصين، وإيران، الذين يريدون الإبقاء على الاتفاق النووي ساريًا.

ويضيف الكاتبان: هذا الأسبوع، علا صوت الأطراف الرئيسية المتبقية في الاتفاق على نحو متزايد معبرين عن رفضهم للذرائع التي تسوقها الولايات المتحدة لعدم استمرار مشاركتها في خطة العمل الشاملة المشتركة. ويوم الاثنين 8 يونيو (حزيران)، وصفت وزارة الخارجية الصينية الانسحاب الأمريكي من الاتفاق بأنه «السبب الجذري» للأزمة الحالية، في حين أبلغ وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، الأمم المتحدة بأن الجهود الأمريكية للتخلي عن الاتفاق، وفي الوقت ذاته محاولة تحديد مستقبله، «سخيفة وغير مسؤولة».

ويوم الثلاثاء 9 يونيو، هاجم رئيس السياسة الخارجية (وزير الخارجية) في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، إصرار الولايات المتحدة على أنها ما زالت مشاركة بطريقة أو بأخرى برأي في مستقبل الاتفاق، على الرغم من أنها انسحبت منه عام 2015

وقال بوريل للصحافيين: «إنهم ينسحبون. هذا أمر واضح. ينسحبون». ودعا الرئيس الإيراني حسن روحاني، يوم الأربعاء، روسيا والصين، وكلاهما عضوان دائمان في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، إلى اتخاذ خطوات لمنع أي جهود أمريكية لنسف اتفاق لم تكن واشنطن طرفًا فيه منذ أكثر من عامين.

وقال خبير الشؤون الإيرانية في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية (ECFR)، إيلي جيرانماييه: «ظل هذا الأمر يختمر لعدة أشهر، والآن نُشر كل الغسيل القذر على الملأ».

إيران تهدد بتسريع تخصيب اليورانيوم

يشير التقرير إلى أن إيران حذرت من أنها ربما تنسحب بالكامل من الاتفاق النووي، وكذلك من  معاهدة حظر الانتشار النووي لعام 1970، إذا أُعيد فرض عقوبات الأمم المتحدة، الأمر الذي يفتح الطريق أمام تسريع تخصيب اليورانيوم، ويوصد الباب أمام عمليات التفتيش الدولية لبرنامج إيران النووي من جانب الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

وهذه المواجهة لا تهدد فقط صلاحية الاتفاق النووي الإيراني، الذي جرى التراجع عنه منذ عامين – وما يزال المشاركون الآخرون يأملون في إنقاذه – ولكن تهدد أيضًا شرعية مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.

وفي هذا الصدد، قال ريتشارد نيفيو، الذي ساعد في صياغة العقوبات (ضد إيران) خلال إدارة أوباما: «بالنسبة للأشخاص الذين يعارضون خطة العمل الشاملة المشتركة، والذين لا يحبون الأمم المتحدة، هذه فرصة ذهبية لضرب عصفورين بحجر واحد». وأضاف نيفيو، الذي يعمل حاليًا في مركز الطاقة العالمية في جامعة كولومبيا: «في أسوأ السيناريوهات، سيموت الاتفاق، وتعد الأمم المتحدة مؤسسة عفا عليها الزمن وغير مُنتجة، وهذا ليس شيئًا سيئًا من منظور [إدارة ترامب]». 

وقال الخبير في شؤون الصين والشرق الأوسط في المجلس الأطلنطي، جوناثان فولتون: بالنسبة لإدارة وصلت إلى السلطة ساعية لاحتواء الصين وتقييد برامج إيران وكوريا الشمالية النووية، يبدو هذا النهج مضللًا.

وأضاف فولتون: «لا يمكنك حل مسألة كوريا الشمالية أو إيران بدون الصين، ولا يمكنك حل كوريا الشمالية إذا نسفت خطة العمل الشاملة المشتركة، لأنه لا يوجد حافز للتعاون وأي اتفاق تبرمه يمكن تمزيقه». وعلاوة على ذلك، هناك الحرب التجارية التي دامت سنوات من جانب إدارة ترامب مع الصين. وتابع «أصبح من المستحيل التعاون في أي شيء».

ويُذكِّر الكاتبان بأن ترامب يبدو أنه لا يحرز أي تقدم ضد كوريا الشمالية. ويوم الجمعة 12 يونيو، أعلنت وكالة الأنباء الكورية الشمالية انتهاء العلاقة بين الزعيم كيم جونج أون وترامب، بعد عامين من لقائهما لأول مرة في سنغافورة وتزايد الآمال (آنذاك) في التوصل إلى اتفاق. وقال وزير الخارجية الكوري الشمالي، ري سون جون، في بيان لوكالة الأنباء المركزية الكورية التي تديرها الدولة: «لا يوجد شيء أكثر نفاقًا من الوعد الفارغ».

سياسة حافة الهاوية ستأتي بنتائج عكسية

يشير التقرير إلى أن سياسة حافة الهاوية التي تتبناها الولايات المتحدة بشأن مسألة إيران، تهدد بانهيار كل شيء. فيمكن لأعضاء مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أن يقروا على مضض أن الولايات المتحدة، كما تجادل، لها الحق في إعادة فرض حظر الأسلحة من جانب واحد، ولكن هذا لا يعني أن أي شخص سيحترم هذا الإجراء، على الأقل روسيا والصين.

وقال نيفيو: «لا أرى أي سيناريو توافق فيه روسيا والصين على الالتزام بعودة العقوبات». والأسوأ من ذلك – بحسب نيفيو- أنه من غير المحتمل أن يوقع الأعضاء الدائمون الذين يتمتعون بحق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن على أي جهود مستقبلية لاستخدام العقوبات لكبح جماح الدول المارقة.

وقال نيفيو: «لن نتحصل على قرار عقوبات آخر في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة على مدى جيل بكامله، إن حدث. وإذا لم تحصل على التزام من دول أخرى، فستكون مجرد مغامرة تختارها بنفسك ولن يقدم على فعلها أحد». أو يمكن لدول أخرى أن ترفض ببساطة الاعتراف حتى بمطلب الولايات المتحدة العودة ثانية إلى الحظر، الأمر الذي من شأنه أن يؤدي إلى شلل الأمم المتحدة.

في هذه الأثناء، ومنذ انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق، عززت إيران أنشطتها النووية بعناية. وقيدت وصول مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية (لمنشآتها النووية)، وذُكر أنها أخفت أدلة سابقة عن برنامجها النووي

لقد تجاهلت القيود المفروضة على عدد أجهزة الطرد المركزي المخصبة لليورانيوم التي يمكن أن تشغلها، وتجاوزت حدود حجم ومدى تخصيب مخزوناتها من اليورانيوم – مما قد يجعلها أقرب إلى (إنتاج) قنبلة نووية، الأمر الذي كانت خطة العمل الشاملة المشتركة تهدف إلى منعه في المقام الأول

لكن الخبراء يقولون إن إيران لا تسابق الزمن لإنتاج القنبلة بقدر ما تحاول تكثيف الضغط على الأطراف المتبقية في الاتفاق. وقالت الخبيرة في حظر الانتشار النووي برابطة الحد من الأسلحة، كيلسي دافنبورت: «إن الخطوات التي اتخذتها إيران لخرق الاتفاق خطيرة ومثيرة للقلق، لكنها لا تشكل خطرًا على المدى القريب». وتابعت «لقد انتهكت إيران الصفقة بطريقة دقيقة وشفافة للغاية – إنهم يخلقون نفوذًا. دون الاندفاع نحو (حيازة) قنبلة نووية».

الولايات المتحدة تفكر في البدائل

يشير الكاتبان إلى أنه في ضوء توقع حالة من الجمود، كان على الولايات المتحدة أن تشارك في أي مفاوضات جوهرية بشأن حظر الأسلحة في نيويورك منذ شهر فبراير (شباط) الماضي، عندما طرحت لأول مرة فكرة اقتراح قرار بتمديد حظر الأسلحة على إيران إلى ما بعد انتهاء صلاحيته في شهر أكتوبر القادم. ويقول دبلوماسيون إن واشنطن أجرت بعض المناقشات العامة بشأن خططها في العواصم، لكنها أوقفت تلك الخطط لتقديم قرار فعلي للمناقشة.

وقالت سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، كيلي كرافت، هذا الشهر إن الولايات المتحدة ستوزع قريبًا مشروع قرار يمدد حظر الأسلحة، على الرغم من أنه من المشكوك فيه أن تتمكن واشنطن من حشد الأصوات اللازمة لتمريره

وهذا من شأنه أن يترك للولايات المتحدة خيار التذرع بـ«التجديد التلقائي» للحظر على أساس أن إيران فشلت في الوفاء بالتزاماتها، على الرغم من أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية وجدت أن إيران كانت ممتثلة حتى انسحاب واشنطن من الاتفاق.

هل يمنح القرار 2231 واشنطن دور الحكم؟

يرى التقرير أن النقطة الخلافية المباشرة بين الولايات المتحدة وبقية الأطراف في الاتفاق، هي ما إذا كان لواشنطن حتى رأي في مصير أي جانب من جوانب المضي قدمًا في الاتفاق. وهذا أمر مهم لأنه في 18 أكتوبر، من المقرر أن ينتهي حظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة، والذي مُد لمدة خمس سنوات كجزء من الاتفاق النووي الإيراني

وتصر إدارة ترامب على أنه جرى تسميتها مشاركًا في القرار 2231، الذي أقر الاتفاق النووي الذي لم تعد تعترف به، لذلك ما يزال بإمكانها لعب دور الحكم في اتفاق لم يعد لها علاقة به. ويرفض الاتحاد الأوروبي، والصين، وروسيا – مثل العديد من الخبراء – هذه الفكرة.

وقال الخبير في حظر الانتشار النووي برابطة الحد من الأسلحة، كيلسي دافنبورت: «إن الجدل القانوني الأمريكي مثير للسخرية. إذ قالت الولايات المتحدة في مناسبات عديدة إنها لم تعد جزءًا من خطة العمل الشاملة المشتركة، لكنها تنتقي الأدلة التي تؤيد حجتها في القرار 2231 لتدعم حملة الضغط الخاصة بها، بينما ترفض الوفاء بالالتزامات الأمريكية في موضع آخر».

الرهان على نتائج الانتخابات الأمريكية القادمة

بشير كاتبا التقرير إلى أنه في الوقت الحالي، يبدو أن إيران وروسيا والصين والأطراف الأوروبية في الاتفاق النووي الإيراني، تلعب دورها لبعض الوقت، في محاولة للحفاظ على الاتفاق النووي على الأقل خلال الانتخابات الرئاسية الأمريكية التي ستجري في شهر نوفمبر (تشرين الثاني)

وتتلكأ روسيا ودول أخرى من خلال الجهود الإجرائية لإبطاء مسيرة الولايات المتحدة نحو التجديد التلقائي للعقوبات. فإذا فاز المرشح الديمقراطي المفترض جو بايدن – كما تشير استطلاعات الرأي الأخيرة إلى احتمالية ذلك – فيمكن إحياء الاتفاق من جديد، على الرغم من أن اقتراح أي قيود إضافية على برامج الصواريخ والأنشطة الإقليمية الإيرانية سيتطلب موافقة طهران.

لكن إدارة ترامب على ما يبدو عازمة على استخدام سياسة الأرض المحروقة، والتأكد من أنه مهما حدث في انتخابات نوفمبر، فإنها ستترك اتفاق باراك أوباما مع إيران جثة هامدة.

وقال جيرانماييه من الاتحاد الأوروبي للعلاقات الدولية: «إن صقور إيران يريدون محو أي أثر لخطة العمل الشاملة المشتركة قبل انتهاء المدة، وإحراق أي جسور دبلوماسية مع إيران».

ويتفق آخرون على أن جهود الولايات المتحدة للتذرع بعقوبات الأسلحة التي تفرضها الأمم المتحدة على إيران – ضد رغبات جميع الأطراف في الاتفاق – ستكون وسيلة لتدمير أي حديث عن إحياء اتفاق كان بمثابة لعنة للجمهوريين طوال خمس سنوات. تحدث ترامب من حين لآخر عن إعادة الإيرانيين إلى طاولة المفاوضات للتوصل إلى اتفاق جديد، لكن طهران رفضت.

وقالت دافنبورت: «إن الأمر يتعلق بتحطيم خطة العمل الشاملة المشتركة وضمان عدم قدرة أي إدارة مستقبلية على إعادة تجميع أجزائها». وحذرت من أن الجهود المستقبلية للحد من الانتشار النووي يمكن أن تتعرض للخطر، إذا قررت واشنطن إعادة فرض حظر على الأسلحة، وهو الأمر الذي ساعد في المقام الأول في جلب إيران إلى طاولة المفاوضات النووية.

وأضافت: «إنهم يحاولون تحريك المرمى (تغيير هدف العملية أو المنافسة بينما لا تزال مستمرة)». وتابعت «إذا مضت الولايات المتحدة في هذا الطريق، فستكون له عواقب وخيمة، ليس فقط بالنسبة لاتفاق إيران، ولكن بالنسبة للانتشار النووي في أوضح صوره». وربما يكون لتداعيات هذه المعركة آثار أكبر، حيث ما تزال الولايات المتحدة تسعى إلى حشد الدعم الدولي للتعامل مع الأنظمة المارقة من كوريا الشمالية إلى فنزويلا».

وبحسب تعبير جيرانماييه: «إذا كنا في وضع يتضمن مثل هذا الصدام الجوهري بين الولايات المتحدة والأعضاء الدائمين الآخرين [في مجلس الأمن]، فسيكون لديهم وقت عصيب للغاية لاتخاذ قرارات بشأن المجالات التي كان بوسع الولايات المتحدة فيما مضى إقناع روسيا والصين بالتوافق عليها». 

ويختم التقرير بالقول: «إن هذا يمكن حقًّا أن يلحق ضررًا لا يمكن إصلاحه بإطار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة».