»

مقال مترجم: أبعاد وتداعیات الحملات الصاروخیة علی قاعدة عین الأسد العسکرية

03 حزيران 2020
مقال مترجم: أبعاد وتداعیات الحملات الصاروخیة  علی قاعدة عین الأسد العسکرية
مقال مترجم: أبعاد وتداعیات الحملات الصاروخیة علی قاعدة عین الأسد العسکرية

فرزان شهیدی/ اندیشکده مطالعاتی "تبیین"

فی هذا المقال سیتم مناقشة أبعاد  وتداعیات الحملة الصاروخیة علی  قاعدة عین الأسد بغض النظر عن الأضرار  والخسائر المحتملة لهذه الحملة.

يمكن اعتبار صباح يوم الأربعاء  8 يناير، أحد أهم الأحداث في العقود الأربعة الأخیرة من الصراع الإيراني الأمريكي.  في هذه الليلة، شنّت الجمهورية الإيرانية الإسلامية، ردًا على اغتيال قائد فيلق القدس فی الحرس الثوري الإسلامي الفريق "قاسم سليماني"، هجومًا صاروخيًا على القاعدة عين الأسد الأمريكية في العراق حيث أثّر هذا الرّد على المعادلات الأمنية والسياسية في منطقة غرب آسيا.

 في هذا السياق، يمكن تحلیل هذا الردّ من زوايا مختلفة، نناقشها في هذه المقالة:

أهمية قاعدة عين الأسد

بُنيت قاعدة عين الأسد الجوية، التي كانت تُعرف باسم القادسية في عهد صدام حسين، بين أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات. تقع القاعدة جغرافياً على بعد 160 كيلومتراً غرب بغداد، في محافظة الأنبار، في مدينة تسمى هيث، وعلى بعد 8 كيلومترات من قرية تسمى خان البغدادي.

عين الأسد هي أكبر قاعدة عسكرية أمريكية في العراق وأهمها، تبلغ مساحتها حوالي 50 كيلومتر مربع وتحتوي علی مطار یبلغ طوله 3900 متر.

عين الأسد هي قاعدة كبيرة جدًّا، تحتوي على مستودعات ومعاقل مجهزة تجهيزًا جيدًا، وعلى العديد من دور السينما ومسبح ومطعم وخطين للحافلات. يتمركز فيها حوالي  1500 مقاتل من القوات الأمريكية وقوات التحالف في قاعدة عين الأسد، في حين يقدّر إجمالي عدد القوات الأمريكيّة في البلاد بأكثر من 5000 مقاتل.

القاعدة الأمريكية في عين الأسد هي في الواقع ثكنات عسكريّة أمريكيّة ذو أهمیتة کبیرة لدی واشنطن مما يجعلها مركز عملياتها في العراق وإلى حد ما في المنطقة، ويشير البعض إليها على أنها العاصمة الأمريكية للعراق.

 بعد الغزو الأمريكي للعراق في عام 2003، أصبحت واحدة من أكبر القواعد  العسكرية الأمريكية ومع انسحاب القوات الأمريكية في عامي 2009 و 2010، عادت القاعدة إلى القوات العراقية. ودخلت الولايات المتحدة العراق عام 2014 لمحاربة داعش واستعادت القاعدة، وأعادت بناءها بإجراءات أمنية.

في ديسمبر 2018، زار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مقر القاعدة. قال لهم ترامب: "لعب رجال ونساء القاعدة  دورًا حيويًا في الهزيمة العسكرية لداعش في العراق وسوريا". وأعرب عن  قلقه بشأن سلامة زوجته خلال الإجتماع وقال للصحفيين: "كان يجب علیکم أن تروا إلى أين يجب أن نذهب". كما زار مايك بنس، نائب رئيس الولايات المتحدة، الموقع في نوفمبر 2018 للإحتفال بعيد الشكر.

أبعاد الهجوم الصاروخي الإيراني على عين الأسد والأضرار والخسائر المحتملة

الهجوم الصاروخي الذي شنّه الحرس الثوري الإسلامي على قاعدة عين الأسد بالرمز المقدس "یا الزهراء" (صلى الله عليه وسلم) كان في الواقع رداً على استهداف الشهید سلیماني علی ید القوات الأمريكية بالقرب من مطار بغداد صباح يوم 4 يناير 2010.

في هذا الهجوم، تم استخدام صواريخ فاتح 313 وقيام، والتي تتمتع بدقة عالية وقوة تدميرية كبيرة نظرًا  لمسافة القاعدة من الحدود الغربية لإيران.

هناك قدرة أخرى لإيران تعود إلى مجال الحرب الإلكترونية، والتي  وفقًا لبیان قائد سلاح الجو في الحرس الثوري الإيراني، مع المعدات الخاصة التي تم إعدادها من قبل،  بدأت عملية مهمة للحرب الإلكترونية، بعد 15 دقيقة تقريبًا من العملية الرئيسية وجميع الطائرات بدون طيار التي كانوا يحلقون فوق المنطقة، أصبحوا خارج نطاق السيطرة للحظة، وتم تدمير رابط الاتصال الخاص بهم ورابط الفيديو. 

علی أثر الهجوم مباشرة، أفادت وسائل الإعلام المحلية عن وقوع عدد كبير من الضحايا بين الجنود الأمريكيين. ولم يتضح عدد القتلى على الفور لكن التقديرات تشير إلى أن عدد القتلى يتراوح بين 80 و 200 قتيل.

وققا لما قاله قائد سلاح الجو فی الحرس الثوري: "نحن لم يكن هدفنا القتل، كنا نتطلع لضرب مركبة عسكرية معادية". ومع ذلك حکمًا، قُتل وجُرح عشرات الأشخاص الت حملوا بطائرات  130-C  خلال 9 طلعات جویة.

وأضاف: "لقد جهزنا أنفسنا لمعركة، وبطبيعة الحال خططنا للقيام بالضربات التالية أثقل وأكثر اتساعًا، ولكن مع ضبط  أنفهسم لم تستمر الحرب.

 وأكد قائد حاجي زاده أنه كان بالإمكان التخطيط للعملية بطريقة ما یؤدي إلى مقتل 500 شخص في الخطوة الأولى.

في حين أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية  إن هجوم الحرس الثوري لم يؤدي إلی سقوط ضحايا. قال ترامب إنه لم يقتل أحد في الهجوم، وأن القواعد كانت آمنة، فقط کان هناك أضرار طفيفة.  ومع ذلك على الرغم من الرفض الاولی، بعد حوالي أسبوع، قال الجيش الأمريكي أن 11 عسكريًا أمریکیًا عولجوا من سكتة دماغية إثر الحملة الإیرانیة علی اثنین من قواعد مرکز لتجمع لجنود الأمریکیین فی قاعدة الأسد.

 تظهر صور الأقمار الصناعية التي نشرها بلانت لاب أنه تم تدمير ما لا يقل عن خمسة مجمعات ومباني في قاعدة الأسد. وبحسب خبراء غربيين، فإن بعض الصور تظهر أن الصاروخ أصاب  المبنى.

في الأيام الأولى، لم تسمح الولايات المتحدة للصحفيين بالتواجد في القاعدة. ولكن بعد ثلاثة أيام من الهجوم، ظهر مراسل CNN الدولي "أرفا دامون" علی أنقاض ما كان في السابق قاعدة عسكرية أمريكية وقام بتصوير فيلم وثائقي واسع النطاق عن الأضرار التي تکبد فيها الضربات الصاروخية الإيرانية.

 مراسل شبكة "سي إن إن" مع وصف الأمطار الصاروخية قال بأنه "لم يتبق شيء من القاعدة، ومن الغريب أنه لم يصب أحد في مثل هذا الدمار."

تقييم أثر الهجوم الصاروخي على عين الأسد على الردع العسكري الإيراني ضد الولايات المتحدة

كان أهم شيء في الهجوم الصاروخي على قاعدة عين الأسد هو كسر عظمة ومصداقية القوة العظمى الأمريكية. هذا الهجوم هو أول هجوم رسمي على القواعد الأمريكية منذ الحرب العالمية الثانية.

 وفي هذا الصدد، قال المرشد الأعلى للثورة "السيد علي الخامنائي"  في خطبة صلاة الجمعة في 17 كانون الثاني/يناير: "إن اليوم الذي ضربت فيه صواريخ الحرس الثوري الإيراني على القاعدة الأمريكية هو"يوم من أيام الله".

 وقال"كان هذا الرد القوي ضربة عسكرية مؤثرة، ولكن الأهم من ذلك، كان ضربة لكرامة القوة العظمى الأمريكية." ووصف بأنها وصمة عار للولايات المتحدة، مضيفًا: "هذه الضربة القوية على الكرامة لن يقابلها أي شيء، ولن تؤدي زيادة العقوبات التي يتحدث عنها الأمريكيون في هذه الأيام إلى استعادة سمعتهم وحیثیتهم المفقودة.

أرجحت الولايات المتحدة الامتناع عن أي عمل عسكري بعد تلقي ضربة في قاعدة عين الأسد.  وقال  ترامب أنه حدد 52 نقطة في إيران لقصفها إذا هاجمت ایران. لكن تبین  أن تهديد ترامب كان نوعًا من عمليات الضغط النفسي لردع إيران، التي لم ینجح بالطبع و اضطر إلى التراجع عنه.

يشير هذا الوضع إلى تغيير في توازن معادلات الصراع بين إيران والولايات المتحدة. على الرغم من أن الهجوم على قاعدة عين الأسد لم يكن في مستوى الثأر الشدید من دم قائد سليماني، إلا أنه أظهر أن الجمهورية الإيرانية الإسلامية لديها قوّة لدرجة أنها تستهدف بدقة عمق الأهداف الأمريكية.

أثر الهجوم الصاروخي على عين الأسد على مستقبل الوجود الأمريكي في غرب آسيا

إن الهجوم الصاروخي على قاعدة عين الأسد  هو قوة ردع مؤثرة في سحب القوات الأمريكية من منطقة غرب آسيا، وخاصة العراق، ولكنه من حيث المبدأ ليس كافياً.

 أساسًا الأمريكيون لا نية ليدهم في مغادرة المنطقة، إلا إذا كانت تكلفة حضورهم باهظة للغاية. في هذا المجال، تحاول واشنطن تعزيز وجودها في العراق بأدوات مختلفة، بما في ذلك استمرار فراغ فی السلطة العراقية، وإحياء مشروع داعش، وخطة إنشاء إقلیم السني وغيره.

لذلك، فإن المشروع الاستراتيجي "خروج  أو طرد الأمريكيين من المنطقة"، والذي حددته الجمهورية الإيرانية الإسلامية باعتباره الهدف النهائي في سياق الانتقام الشديد، يتطلب تخطيطًا دقيقًا ووقتًا مناسبًا.

 على سبيل المثال، قرار البرلمان العراقي بطرد الأمريكيين من البلاد، والمظاهرة المليونية للعراقيين في بغداد، هما بمثابة أداة للضغط على الأمريكيين. فی الواقع إن انعدام الأمن للأمريكيين في المنطقة هو عامل آخر من شأنه تسريع خروجهم.

 تقييم خطط اللاعبین المتخاصمین فی المنطقه بعد تفاعل التهدیدات الایرانیه ضد آمریکا

السعودية:  وصفت الحكومة السعودية الهجوم الإيراني بأنه "انتهاك للسيادة العراقية"، ودانته ووصف مجلس الوزراء السعودي بأن قاعدة عين الأسد هی عراقیة، أعلن وقوفه الى جانب العراق.

بالرغم من إدانة السعودیه الهجوم الإيراني ولکنها استخدمت نغمة حذرة وتجنبت دخول المعركة. في الواقع، تلقت السعودية التي تخوض معركة فاشلة في اليمن، رسالة هجوم إيران على القاعدة الأمريكية، وبعد فشلها في مقاومة الشعب اليمني المتحور حول أنصار الله ، واجهت صفحه جدیده من الردع من محور المقاومة.

الإمارات: وفقًا لردود الفعل الأولية من المسؤولين الإماراتيين، فإن مصدر القلق الرئيسي للدولة هو أمن الطاقة. وعبّر وزير الطاقة الإماراتي سهيل المزروعي عن أمله في استعادة السلام بعد رد إيران الصاروخي على اغتيال قائد سليماني واستهداف قاعدة أمريكية في العراق. وقال "نحتاج إلى الهدوء والاستقرار في سوق النفط".

الامارات كدولة صغيرة ليس لها عمق إستراتيجي، تشعر بالقلق إزاء انعدام الأمن في المنطقة. ومع ذلك، يعارض مسؤولو الدولة الهجوم الصاروخي الإيراني، بالنظر إلى تحالفها مع الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية. لكنهم رجحوا عدم اتخاذ موقف واضح ومعادي من الحادث. كما تعد العلاقات الاقتصادية بين الإمارات العربية المتحدة وإيران (التي يبلغ حجم التجارة السنوي لها حوالي 10 مليار دولار) من بين العوامل التي أدت الی حذر الإمارات من اتخاذ موقف صریح فی هذه الحادثة.

النظام الصهيوني: في أول رد فعل بعد هجوم إيران على القاعدة الأمريكية في العراق، كرر رئيس الوزراء الإسرائيلي دعمه الكامل للولايات المتحدة، وقال إننا نقف إلى جانب الولايات المتحدة. وبحسب وسائل الإعلام الصهيونية، قال بنيامين نتنياهو: "نحن حازمون وواقفون. كل من يريد مهاجمتنا سوف یواجه ضربة أكثر تضررًا".

 الجدير بالذكر أن نتنياهو رحّب باغتيال الفريق سليماني، وقال في خطاب وقح أنه يجب الإشادة بترامب على أفعاله ضد الإرهابي هذا.

في الوقت نفسه، لم يخفي مسؤولو تل أبيب قلقهم بشأن القدرة الصاروخية الإيرانية. أفادت وسائل الإعلام الإسرائيلية أن نتنياهو قال في إجتماع لمجلس الوزراء إن إسرائيل لیست متورطة في إغتيال قاسم سليماني ولا ينبغي أن تكون متورطة في الصراع الأمريكي الإيراني الحالي، وأن اغتيال سليماني كان حادثًا أمريكيًا.

بشكل عام، يمكن القول أن النظام الصهيوني شهد القوة الرادعة لجمهورية إيران الإسلامية بعد الهجوم الصاروخي للحرس الثوري الإيراني على قاعدة عين الأسد، ونتيجة لذلك، سيضطر إلى إعادة النظر في حساباته الأمنية.

الملخص

فی کل الأحوال، فإن الهجوم الصاروخي الإيراني على القاعدة الأمريكية في عين الأسد فی الأراضي العراقية، بغض النظر عن مقدار الضرر والخسائر التي تکبدت فيها، يعكس قوة الردع الإيرانية وقدرتها على القيام بذلك، وهذا ما يمكن أن يخلق مستوى من الردع لطهران.

مع ذلك، أظهرت مراجعة لتقارير إخبارية فی الأيام الأخیرة أن الأضرار المادية التي لحقت بالقاعدة كانت عالية وأن عددًا كبيرًا من القوات الأمريكية ربما يكون قد قتل في الهجوم.

 ومع ذلك، يجب على جمهورية إيران الإسلامية أن ترصد بعناية سلوك القوات الأمريكية في المنطقة حتى لا يكون هناك ضربة أخری للمصالح الوطنية الإيرانية.