»

شركات السلاح العالمية.. وسيلة ابن زايد لمد نفوذه في العالم

13 أيار 2020
شركات السلاح العالمية.. وسيلة ابن زايد لمد نفوذه في العالم
شركات السلاح العالمية.. وسيلة ابن زايد لمد نفوذه في العالم

ساسة بوست

عض الدول تضيق بجغرافيتها المحدودة، وتطمح إلى أن تكون حدودها بقدر اتساع الكون، ولأن العولمة جعلت العالم قريةً صغيرةً فقد أصبح التحكم في الكون أمرًا ممكن الحدوث ليس مستحيلًا مقارنة بتحقيقه في الأزمنة الماضية. الإمارات العربية المتحدة واحدة من تلك الدول الطموحة، ولأنها أدركت أن التغلب على جغرافيتها لا يمكن تحقيقه بضم أراضٍ جديدة، فبدأت في خوض كل السبل التي تمكنها من بسط نفوذها على دول العالم المختلفة دون الحاجة لاحتلالٍ عسكري قديم الطراز. لكن لتمضي الإمارات في سبيلها عليها أن تكون قوةً إقليميةً مُهابة في النطاق الإقليمي والدولي، وأبرز ما يمنح الدول قوةً ونفوذًا هما النفط والسلاح.
أما النفط فتمتلك منه الإمارات الكثير، لكنَّ طموحها الواسع لا يمكن بناؤه على أساسٍ نادر الوجود ومُحتمل النفاد مثل النفط، ليتبقى لها العنصر الثاني، السلاح. تختلف طرق تعاطي الدول مع السلاح، هناك دول تُقرر أن تكون مستهلكًا شرهًا للسلاح تشتري منه الكثير لتمتلك ترسانةً لا تُقهر، وهناك دول أخرى تقرر أن تكون مستثمرةً في السلاح إما بالوساطة بين شركات السلاح والدول الأخرى، وإما أن تكون شريكةً في إمبراطوريات تصنيع الأسلحة، وهناك الإمارات التي قررت أن تجمع كل ما سبق.
ومن هذا المنطلق، قدّمت «وحدة البحوث في صحيفة الاستقلال» دراسة عن علاقة دولة الإمارات وشركات السلاح حول العالم، نقدم لكم في السطور القادمة، ملخصًّا لها.

تجارة السلاح.. مدخل الإمارات الأساسي للتأثير في محيطها الإقليمي
في العقد المنصرم، اتجهت دولة الإمارات العربية المتحدة لتعزيز وضع إنتاج وتجارة السلاح، لتصبح مدخلا تنمويا أساسيا، وهو ما يشير لتوجه مستدام في التأثير في محيطها الإقليمي. وأن أبوظبي اعتمدت في هذا الإطار على مسارين، أولهما توطيد علاقتها بشركات السلاح العالمية، سواء بالاستثمار في هذه الشركات، أو بقيادة عملية تسويق منتجات هذه الشركات في العالم العربي.
 ففي البداية دمجت الإمارات عام 2014، 16 شركة صغيرة تعمل في المجال العسكري في شركة واحدة؛ «الإمارات للصناعات العسكرية (إديك)». ثم بعد خمسة أعوام من الدمج السابق، أنشأت الإمارات شركة «إيدج» التي تعمل في توفير القاعدة التكنولوجية لقطاع التسليح، ويأتي تمويلها من مجلس «التوازن الاقتصادي»، الذي يعمل أيضًا في دعم مبادرات صناعة ما تحتاج إليه الإمارات من الأسلحة محليًّا.
لكن طموح الإمارات لا يقف عند حد الاكتفاء الذاتي من السلاح، أو حتى التربع على عرش قائمة أقوى جيوش العالم، لهذا سلكت مسارًا إضافيًّا، الشراكة مع قياصرة السلاح في العالم. علاقة الإمارات وشركات السلاح المتميزة، يمكن رؤيتها في المعارض العالمية للسلاح التي تستضيفها الإمارات. «آيدكس» أبرز معرض للسلاح في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، تستضيفه الإمارات كل عامين، وبجواره يوجد «نافدكس» المختص بأنظمة الدفاع البحري، وثالثهما «يومكس» معرض الأنظمة غير المأهولة، ورابع الأربعة معرض ومؤتمر المحاكاة والتدريب «سيمتكس».
أسماء المعارض قد لا تكون مألوفةً بالنسبة للأذن، لكن بالتأكيد أن أسماء الشركات المشاركة مثل «لوكهيد مارتن» و«بوينج» من الولايات المتحدة، بجانب «تاليس» الفرنسية، مألوفة لدى العديدين.

بنفوذ السلاح.. الإمارات مستثناة من الحظر
المكسب المباشر والبديهي الذي تجنيه الإمارات، هو توطيد علاقتها مع شركات السلاح التي تحل ضيفًا في تلك المعارض. تخيَّل خريطة العالم مسطحةً أمامك، بينما عدد من الأسهم تخرج من الإمارات وتغطي مناطق متفرقة من العالم. أول سهم ينتهي في أوروبا الغربية، تحديدًا في سويسرا، حيث مجموعة «رواج».
العلاقة الوطيدة بين الإمارات و«رواج» تتضح في أن الشركة قررت إنشاء مكتب دائم لها في أبوظبي عام 2015، ثم زاد عدد موظفيها من أربعة إلى 15 موظفًا. هذا التوسع المُطرد يأتي في وقت كانت سويسرا ذاتها تفرض فيه حظرًا على تصدير الأسلحة للإمارات. لكن حجم التعامل جعل سويسرا تبادر برفع الحظر بمجرد حصولها على تعهد خطي من الإمارات بأنها لم تعد تصدر أي أسلحة سويسرية لأي جماعات خارجة عن القانون.
سهم آخر يصل إلى ألمانيا، يبدأ من شركة «تي كا أم أس» لكن لا يبدو أنه ينتهي عندها. التأثير الإماراتي امتد إلى حد منع السلطات الألمانية من فرض حظر على تصدير الأسلحة إلى الإمارات في نوفمبر (تشرين الثاني) 2018، مع أنَّه في التاريخ نفسه صدر قرار ضد السعودية بسبب التدخل في اليمن، ومع أن الإمارات شريكة السعودية فإن الحظر لم يشملها، مع أن الحكومة الألمانية مدَّته مرتين، ولم يُرفع إلا في ديسمبر (كانون الأول) 2019.
سهم ثالث يحط رحاله في فرنسا، لكن هذه العلاقة تبدو وطيدةً لدرجة أن فرنسا تمردت على الولايات المتحدة الأمريكية لتشتري ود الإمارات. ففي إحدى الهجمات التي شنتها قوات حكومة الوفاق الليبية المُعترف بها دوليًّا كُشف عن وجود صواريخ «جافلين»، الصواريخ حصلت عليها الإمارات من فرنسا، التي حصلت عليها بدورها من الولايات المتحدة، مع أن الأخيرة تشترط عدم إعادة بيعها أو تصديرها أو توزيعها بأي صورة. يُظهر ذلك الموقف، الود الإماراتي الفرنسي المتجاوز للتراخيص والقوانين الدولية، لكنه على جانب آخر قد يوحي بأن علاقات الإمارات والولايات المتحدة غير قوية في مجال السلاح، الأمر الذي ينافي الصحة تمامًا.
تحظى الإمارات بعلاقات قوية مع الولايات المتحدة؛ إذ تهدف الإمارات من ورائها لشراء الدعم الأمريكي لسياسات الإمارات الإقليمية، ومع أنه ليس من الواضح حجم التبادل العسكري بين البلدين؛ فإن الإمارات تستثمر قرابة 130 مليار دولار في الولايات المتحدة تحت مُسميَّات مختلفة. ربما يفسر هذا الرقم المُعلن، وأرقام أخرى غير معلومة، السبب وراء تهاون الولايات المتحدة مع وقوع الأسلحة التي تعطيها للإمارات في أيدي ميلشيات محسوبة على القاعدة، أو حتى في يد الجنرال الليبي خليفة حفتر، كما حدث مع صواريخ «جايفلن».

الأخطبوط الإماراتي يتعاون مع إسرائيل
منطقة أخرى تصلها إحدى أذرع الأخطبوط الإماراتي، صربيا. إذ تستمثر الإمارات فيها 4 مليار دولار، ويُعد السلاح مصدر العملة الصعبة الأول والأهم في صربيا. صربيا تُعد كعكةً دسمة تحاول الإمارات الانتفاع بها كاملةً، فقد اشترت ميناء «نوفي ساد» الصربي الواقع على ثاني أكبر أنهار أوروبا، وتتقاطع عنده طرق عدة وشبكات سكك حديد. الميناء يُعد كنزًا لـ«موانئ دبي» الإماراتية، واشترته الإمارات بثمن أقل من نصف مقابل الانتفاع به. وعبر صربيا نُقلت عدة أسلحة إلى الجزيرة العربية ثم إلى سوريا.
تقاطع المطامع الإماراتية في صربيا لم يُغيِّر من محط الاهتمام الأول للإمارات، السلاح. فقد وقَّعت الشركة الإماراتية القابضة للبحوث المتقدمة عقدًا مع «يوجو إمبورت» الصربية للسلاح، بقيمة 200 مليون دولار، بهدف امتلاك صواريخ «آ إل آ إس» متعددة الاستخدام.
الأخطبوط الإماراتي لم ينس أن يمد ذراعًا قوية إلى إسرائيل، بلغت قيمته 300 مليون دولار مع عدة شركات أمنية، و800 مليون دولار مع «ماتي كوتشافي». وكوتشافي هو مالك شركة «أ جي تي» المُسجلة في سويسرا، وقد باعت للإمارات كاميرات مراقبة، وأساور إلكترونية، وأجهزة استشعار متعددة الأغراض، وطائرات تجسس حديثة الطراز. تتوجس إسرائيل من وضع أسلحتها في أيادي الدول العربية، لهذا رفضت إدارة المبيعات بوزارة الدفاع الإسرئيلية صفقة شركة «أ دي إس» لبيع أنظمة دفاع جوي ومركبات عسكرية بدون سائق لشركة «سي إن آي آ» الإماراتية. لكن الإمارات لا تستسلم بسهولة؛ لهذا تسعى لتكوين علاقات أكثر دفئًا مع الجانب الإسرائيلي كي تزيل التوجس من صدور الإسرائيليين.
على جانب آخر، لا يمكن أن تسعى الإمارات لشراكة كل الدول السابقة ولا تسعى لمصادقة قيصر السلاح الأكبر، روسيا. ومن هذا المنطلق، تشارك 40 شركة روسية في معرض «آيدكس»، ووقعت الإمارات اتفاقية مع شركة «روستيخ»، لإمداد الإمارات بسرب من طائرات «سوخوي 35». لكن تلك الاتفاقية كانت بابًا خلفيًّا تسللت منه الإمارات لشراكة أكبر مع الدب الروسي؛ كي يصنعا سويًّا طائرة خفيفة من الجيل الخامس تشارك الإمارات في تصميمها وتصنيعها. كما أعلن مجلس التوازن الاقتصادي في نوفمبر (تشرين الثاني)  2019 عن شرائه  50% من أسهم شركة «مروحيات روسيا» بقيمة 400 مليون يورو.

لمحاربة الربيع العربي.. الإمارات تصدِّر تطبيقات التجسس لجيرانها
الدراسة الذي نشرتها وحدة البحوث في «صحيفة الاستقلال»، تلفت النظر أيضًا إلى أن الإمارات استخدمت وساطتها في سوق الأسلحة لأجل إحباط ثورات الربيع العربي. فقد تعاونت الإمارات مع إسرائيل لإمداد نظام الرئيس الليبي السابق مُعمر القذافي بالأسلحة نفسها التي تستخدمها إسرائيل في قمع المقاومة الفلسطينية. فقد كان تهديد الربيع العربي مرعبًا إلى حد أن الإمارات وافقت على وضع أسلحتها في أيادي غيرها بوساطة من محمد دحلان، مستشار ولي العهد الإماراتي محمد بن زايد.
لكن قبل الربيع العربي كانت الإمارات وسيطًا بين نظام عبد العزيز بوتفليقة، وألمانيا للحصول على سفينتين حربيتين من نوع «ميكو». فقد اشترت الإمارات الصفقة من «تي كا أم أس» بقيمة 2.2 مليار يورو ثم باعتها للجزائر. محاربة الإمارات للربيع العربي امتدت إلى حد «بيجاسوس»، فقد سوَّقت الإمارات تطبيق التجسس الإسرائيلي إلى 17 دولة عربية للتجسس على هواتف مواطنيهم في عام 2011 وما بعده. كما نُسب للإمارات استخدامه للتجسس على أمير قطر، ورئيس وزراء لبنان، ووزير خارجية عمان.
 تسوِّق الإمارات تطبيقات تكنولوجيَّة متطورة، كما تسوِّق أسلحة عتيقة قديمة الطراز أيضًا. يقول التقرير السنوي لصادرات الصناعات العسكرية البلغارية، إن الإمارات حرصت على اقتناء أسلحة بلغارية عتيقة، من مخزون الأسلحة السوفيتية، وحرصت على تقديمها للأطراف المتناحرة في سوريا واليمن. لا تقدم الإمارات تلك الأسلحة هدايا، بل تبيعها بأضعاف أسعارها، مثل السفينة الحربية الآيرلندية التي اشترتها الإمارات بـ110 ألف يورو، لكنها باعتها لحفتر بـ1.35 مليون يورو، أي عشرة أضعاف ثمنها.
كان لمصر نصيب أيضًا من تربح الإمارات من السلاح، لكنه كان نصيبًا من الفخ لا من الكعكة. فمصر لم تسدد ثمن صفقة طائرات الـ«رافال» الفرنسية التي وقعتها بقيمة 5.2 مليار يورو، بل الإمارات هي من سددت الثمن للجانب الفرنسي على أن تُعيد مصر دفعه للإمارات على عامين. بذلك لم تتكلف الإمارات مالًا، لكنها كسبت علاقات أكثر مع فرنسا، الدولة دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي.

لا تحلموا بالسلام ما دامت الإمارات وشركات السلاح في العالم
سياسات الإمارات فيما يخص السلاح تمنحها فوائد على مستويات عدة، منها مستوى التنمية الداخلية. فمع مبيعات الأسلحة للدول الخليجية يفرض عليهم «مجلس التوازن الاقتصادي» ضرورة دعم الاقتصاد المحلي الإماراتي، والقيام باستثمارات داخلية وتوظيف العمالة المحلية. بتلك الطريقة تُنَوِّع الإمارات مصادر دخلها لتحمي اقتصادها من مغبة الاعتماد على النفط فقط. كما أن بناء صناعة محلية عسكرية لا يدعم الاقتصاد فحسب، بل يعطي دفعةً لتقدم الإمارات في ميدان العلوم والتكنولوجيا.
يتضح ذلك في صندوق تنمية الصناعات الدفاعية والأمنية، الذي أعلنه مجلس التوازن الاقتصادي في فبراير (شباط) 2020. يبلغ رأس المال التأسيسي للصندوق 680 مليون دولار، ومن أبرز نجاحاته المركز العسكري المتقدم للصيانة والإصلاح والعَمْرة، المعروف اختصارًا بـ«أَمرك»،  وهو مشروع مشترك بين شركة الإمارات للصناعات العسكرية «إديك» وشركات «لوكهيد مارتن» و«سيكورسكي إروسبيس». ويطمح المشروع لتجاوز مجرد تصنيع السلاح محليًّا إلى الرغبة في المنافسة الإقليمية في تصدير الأسلحة.
التحكم في زمام الترسانة العسكرية يمنح الدولة استقلالًا في سياستها الخارجية؛ كي لا تضطر الإمارات في مرحلةٍ ما للتراجع عن قرار أو حربٍ ما؛ استجابةً لضغط قرار دولي يحظر بيع السلاح إليها. الشراكة في رأسمال شركات السلاح الأجنبية أيضًا يعفي الإمارات من تبعات أي تصرف منافٍ للقيم الدولية تقوم به، كتزويد أطراف الحروب الأهلية بالسلاح. ولأن مبيعات السلاح لا تزدهر إلا بالحرب، فبالتأكيد سوف تستخدم شركات السلاح قوتها كاملةً لعرقلة أي قرار يحول بين الإمارات ودورها المُفضل في إنعاش النزاعات الإقليمية والحفاظ على جذوتها مشتعلةً.
كان لولي العهد، محمد بن زايد شخصيًّا، نصيب خاص من السلاح الإماراتي. فقد كلَّف شركة «بلاك ووتر وورلدوايد» لتأسيس جيش خاص من المرتزقة يتبع محمد بن زايد وحده. ودور هذا الجيش الخاص هو حماية ولي العهد من أي تمردات قد تحدث في الداخل الإماراتي. ومن المؤكد أن هذا الجيش المُقدس لن يُسلَّح بأسلحة عادية؛ لذا تريد الإمارات أن تمتلك أحدث الأسلحة باستمرار.
إذن تعتمد الإمارات على تجارة السلاح مصدرًا قويًّا وأساسيًّا للدخل القومي ولتكوين علاقات أعمق مع دول العالم، فهل يمكن التوهم أن تصبح الإمارات في مرحلةٍ ما دولة سلمية؟ غالب الأمر أن الإجابة لا، ما يعني أن الإمارات سوف تكون مصدرًا طويل الأمد لعدم الاستقرار في المنطقة، وعلى الدول العربية والشرق الأوسط أن يتعايشوا مع تلك الحقيقة.