»

سحب الباتريوت من السعودية ونقله إلى العراق؛ الأرضيات والعقبات

13 أيار 2020
سحب الباتريوت من السعودية ونقله إلى العراق؛ الأرضيات والعقبات
سحب الباتريوت من السعودية ونقله إلى العراق؛ الأرضيات والعقبات

موقع الوقت التحليلي

 كان الاضطراب في سوق النفط وتصاعد التوترات النفطية بين الدول المصدرة الرئيسية، وخاصةً السعودية وروسيا في الأسابيع الأخيرة، والذي أدی إلى انخفاض غير متوقع في أسعار هذه السلعة الاستراتيجية في الأسواق العالمية، أحد الأسباب الرئيسية لحدوث الخلاف بين واشنطن والرياض في هذه المرحلة.
في الواقع، مع انخفاض أسعار النفط وتعريض استمرار صناعة النفط الصخري الأمريکي للخطر، تحوَّل الانقسام السابق حول انتقاد أو دعم أداء السياسة الخارجية للرياض وبن سلمان(بين البيت الأبيض والكونغرس بشكل رئيسي)، إلى سياسة موحدة لممارسة الضغط على السعودية في الإدارة الأمريكية.
وبعد اتساع النظرة الانتقادية لأداء بن سلمان والحاجة إلى معاقبة الرياض لعدم امتثالها لسياسات البيت الأبيض النفطية، كان هناك في الأسبوع الماضي حديث عن انسحاب القوات الأمريكية من السعودية، والآن يقترح بعض المحللين أنه يمكن اتخاذ إجراءات عقابية مماثلة أخری، هذه المرة في شكل السعي لنقل الباتريوت من السعودية.
وفي هذا الصدد، ورغم أن البيت الأبيض أو البنتاغون لم يصرحا ببيان رسمي، إلا أن الخبير الأمني العراقي "أمير عبد المنعم الساعدي" قد حذر في حديث لموقع "المعلومة" يوم الأحد، من أن القوات الأمريكية تتحرك لنقل الباتريوت من السعودية إلى العراق.
ولكن إلى أي مدى يتماشی سيناريو نقل نظام الباتريوت من السعودية ونشره في العراق، مع أهداف واشنطن التكتيكية والاستراتيجية؟ وإلى أي مدى يمکن تنفيذه؟

الأهداف والأرضيات
يمكن ذکر أهداف مختلفة لتعزيز الفرضية القائلة بأن واشنطن قد تسعى لنقل الباتريوت من السعودية إلى العراق.
القواعد العسكرية والمراكز السياسية-التجسسية الأمريكية في العراق، ومنذ اعتماد القرار الخاص بانسحاب القوات الأجنبية في البرلمان، ولاحقاً الإنذار النهائي لفصائل المقاومة العراقية لقادة البيت الأبيض لمغادرة العراق بالكامل، کانت عملياً عرضةً لتهديد الحرب غير المتكافئة لفصائل المقاومة بشكل مباشر، على شكل الهجمات
بالصواريخ والقذائف
.
هذا في حين أن المجموعات المعارضة للولايات المتحدة لم تتردد في شن مثل هذه الهجمات، قبل تمرير هذا القانون في البرلمان.
والآن، بالنظر إلى هذا الأمر، وأنه بعد کون وجود القوات الأمريكية على الأراضي العراقية غير قانوني، والجيش والحكومة العراقيان غير ملزمين بتوفير الأمن للقوات الأمريكية، فإن التهديد الذي تشكله فصائل المقاومة مهم بالتأكيد بالنسبة لمسؤولي البيت الأبيض.
وتجدر الإشارة إلى أن ترامب في عام الانتخابات، وفي الوقت الذي تتعرض فيه سياسته الخارجية لانتقادات شديدة، فإنه غير مستعد لتحمل ضغط آخر يتمثل في قبول مغادرة العراق وفشل آخر في استراتيجيته الإقليمية.
ونتيجةً لذلك، فإن إصرار البيت الأبيض على نشر الباتريوت في العراق بسرعة، يمكن أن يثبت عزمه الجاد على البقاء على الأراضي العراقية من جهة، وتقليل التهديدات من جهة أخری، کما يزعم.
والهدف الآخر للولايات المتحدة من نشر صواريخ الباتريوت، يمکن اعتباره بأنه مواجهة قدرات إيران الصاروخية.
بعد فترة وجيزة من استشهاد الفريق سليماني وأبو مهدي المهندس، أثبتت طهران عبر إمطار قاعدة عين الأسد كأهم قاعدة برية أمريكية في المنطقة والعراق بوابل من الصواريخ، أن لديها القدرة على تعطيل المعادلات العسكرية في أوقات الأزمات، وقد دفع ذلك الاستراتيجيين العسكريين الأمريكيين إلى إعادة النظر في استراتيجيتهم الدفاعية، لتغطية نقاط ضعفهم الأمنية في المنطقة. ولذلك، فإن أحد أهداف التوجُّه إلى العراق لنشر الباتريوت سريعاً، يمكن أن يكون مواجهة القدرة الصاروخية الإيرانية.
من ناحية أخرى، في نظرة أعم إلی الاستراتيجيات السياسية والعسكرية الأمريكية في المنطقة، يمكن ملاحظة أن أمن الکيان الصهيوني كان ولا يزال أحد الركائز المهمة للأهداف الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة.
وعلى الرغم من أن إيران أعلنت مرارًا وتكرارًا أنها لن تکون الطرف الذي يبدأ الحرب علی الأراضي المحتلة، إلا أنها هددت باستهداف عمق الأراضي المحتلة إذا قامت الولايات المتحدة أو الکيان الصهيوني بهجمات ضدها.
في غضون ذلك، يعتبر العراق (إلى جانب اليمن) المركز الجديد للتهديدات ضد المصالح الأمنية للکيان الصهيوني، وهو الأمر الذي يجعل من الضروري إمكانية التعاون العسكري والأمني بين واشنطن وتل أبيب في هذا البلد.
ولذلك، بالنظر إلى هذه المسألة، من الممكن اعتبار نشر الباتريوت بأنه يهدف إلی توفير البيت الأبيض الأمن للکيان الصهيوني، خلال الأزمة الحالية في المنطقة.
من بعد آخر، فإن إثبات ضعف السعودية الکبير في المجال الدفاعي، أمام هجمات أنصار الله بالصواريخ والطائرات المسيرة، وخاصةً بعد الهجوم اليمني الناجح على منشآت أرامكو النفطية باعتبارها القلب النابض للاقتصاد السعودي في سبتمبر من العام الماضي، والذي عطل نصف صادرات البلاد النفطية، قد حوَّل خروج الباتريوت إلى أداة ضغط فعالة ضد الرياض لصالح واشنطن، ومنع احتكار بن سلمان للسياسات النفطية.

العوائق والتهديدات
ولكن بالإضافة إلى الأرضيات، يمكننا أيضًا التحدث عن العناصر التي تقلل من إمكانية سحب الباتريوت من السعودية ونقله إلى العراق.
أولاً، من المؤکد أن البيت الأبيض يدرك أن نشر صواريخ الباتريوت لا يمكن اعتباره حلاً للتهديدات الأمنية ضد القوات الأمريكية في العراق.
حيث أن التكلفة العالية لصواريخ الباتريوت لن تجدي نفعاً أمام الصواريخ العديدة لفصائل المقاومة العراقية. بل على العكس من ذلك، ولأن نشر الباتريوت يتم دون موافقة الحكومة العراقية، فسيؤدي ذلك إلى كراهية الرأي العام لهذا الانتهاك الأمريکي الجديد لاستقلال العراق وسيادته الوطنية.
من وجهة نظر أخرى، لا ينبغي أن ننسى أنه على الرغم من إنفاق السعوديين مليارات الدولارات لشراء الباتريوت، فإن أداء هذا النظام في إحباط الهجمات الصاروخية اليمنية لم يكن مرضياً منذ نشره في السعودية، وتمكنت صنعاء من المضي قدماً بخططها العسكرية ضد المعتدين.
في الوقت نفسه، فإن روسيا مع بيعها إس 400 لتركيا وإس 300 لإيران(كمنافستين للسعودية في المنطقة)، قد أقنعت الرياض فعليًا بشراء نظام الدفاعي الروسي هذا. ولذلك، فإن توجُّه الولايات المتحدة نحو سحب الباتريوت من السعودية، يمكن أن يمنح الرياض العذر اللازم لشراء أنظمة الدفاع الروسية.