»

تغيير الهيكل العسكري الأمريكي في العراق؛ محاولة لتفادي فصائل المقاومة

15 نيسان 2020
تغيير الهيكل العسكري الأمريكي في العراق؛ محاولة لتفادي فصائل المقاومة
تغيير الهيكل العسكري الأمريكي في العراق؛ محاولة لتفادي فصائل المقاومة

موقع الوقت التحليلي

منذ ما يقرب من شهر، تقوم القوات الأمريكية في العراق بتحركات في البلاد، ويرى العديد من الخبراء والمراقبين السياسيين أنها تهدف إلى تمهيد الطريق لتنفيذ مؤامرات أمريكية جديدة. وبدأت القوات الأمريكية بإخلاء بعض قواعدها في العراق منذ 18 مارس وتسليمها للقوات العراقية. وفي بداية الأمر، تم إجلاء قاعدة القائم بالقرب من الحدود السورية العراقية من قبل القوات الأمريكية وتسليمها إلى القوات العراقية. ثم قامت الولايات المتحدة بإخلاء قاعدة الفوسفات في محافظة الأنبار العراقية وسيطرت عليها القوات العراقية.
وبعد هذين القاعدتين، جاء دور قاعدة القيارة لإجلاءها من الأمريكان. وتقع هذه القاعدة الجوية في شمال العراق وتحديدا في جنوب شرق محافظة نينوى، وهي ذات أهمية إستراتيجية كبيرة حيث يمر طريق بغداد الاستراتيجي إلى تركيا بالقرب من هذه القاعدة. أما القاعدة العسكرية الرابعة التي تم إجلاء القوات منها هي قاعدة "كي وان" وتسليمها إلى الجيش العراقي. بالإضافة إلى ذلك، قامت القوات الأمريكية بإخلاء قاعدة الحبانية في محافظة الأنبار واستولت عليها القوات العراقية. كما شاع حديث حول قرب إخلاء قاعدة أبو غريب شمال العاصمة العراقية بغداد من القوات الأمريكية، والتي ستكون في حينها خامس قاعدة عسكرية أمريكية يتم إخلاؤها من القوات الأجنبية.
الأمر المثير للإهتمام أن القوات الأمريكية التي قامت بإخلاء القواعد المذكورة آنفا، لم تغادر العراق باتجاه الولايات المتحدة، بل تم نقلهم إلى قواعد أخرى فحسب. وتشير آخر الأنباء والتقارير ان الغالبية العظمى من هذه القوات الأمريكية استقرت في قاعدة عين الأسد بمحافظة الأنبار بعد مغادرتها القواعد التي تم إخلاؤها. وفي غضون ذلك، أظهر الهيكل العسكري الأمريكي الجديد أنه تم نقل كميات كبيرة من معداته العسكرية إلى مطار حرير العسكري في إقليم كردستان.
يشير نشر القوات الأمريكية في قاعدة عين الأسد العسكرية إلى أهمية هذه القاعدة للولايات المتحدة. وتعد عين الأسد أكبر قاعدة عسكرية أمريكية في العراق، على بعد حوالي 200 كيلومتر غرب بغداد، وتبلغ مساحة القاعدة 10 كيلومترات، أي ما يعادل مساحة المنطقة الخضراء وسط بغداد. كما إن قاعدة عين الأسد مجهزة بأنظمة مراقبة جوية يصل قطرها إلى أكثر من 400 كيلومتر.
وبالإضافة إلى القوات العسكرية الأمريكية، تتمركز المروحيات القتالية ووحدات الاستطلاع والفرق الخاصة في عين الأسد. والى جانب ذلك، تضم قاعدة عين الأسد مركز تدريب عسكري. ومن الواضح أن الأهمية الاستراتيجية لعين الأسد دفعت الأمريكيين إلى اختيار هذه القاعدة لتكون جوهر عملياتهم في إعادة تنظيمهم العسكري في العراق.
ولكن ما هو الهدف الرئيسي للأمريكيين تحديدا من تغيير تنظيمهم العسكري في العراق؟ إن الفرضية القائلة بأن الأمريكيين سيرضخون لقرار البرلمان العراقي بسحب قواتهم من العراق مستبعدة تماما. والسبب أنه على الرغم من إخلاء عدد من القواعد العسكرية، لكن لم يغادر أي من القوات الأمريكية البلاد، وبالتالي، يتضح أن واشنطن تسعى إلى تحقيق أهدافٍ لها من خلال هذه التغييرات في تنيظمها العسكري في العراق.
أحد أهداف الولايات المتحدة من تغيير هيكلها العسكري في العراق هو إعادة تنشيط الخيلايا النائمة لتنظيم داعش. وفي الواقع، ينوي الأمريكيون الاستفادة من المساحة الكبيرة لقاعدة عين الأسد ومرافقها ومعداتها لإعادة بناء صفوف تنظيم داعش وتزويدهم بالتدريب العسكري. وفي غضون ذلك، حذر عضو تحالف الفتح في البرلمان العراقي، ثامر ذيبان، من تحركات واشنطن لإعادة تنشيط صفوف التنظيم.
إن تزايد الهجمات الإرهابية في العراق، وخاصة في محافظة نينوى، ضد قوات الأمن العراقية، هي وحدها دليل على هذا الادعاء. وصرح وزير الدفاع العراقي نجاح الشمري ان عدد العمليات الارهابية في العراق ازداد في الاسابيع الاخيرة مقارنة بالماضي. وبالتالي، تشير جميع الأدلة إلى وجود نشاطات تمارسها خلايا داعش المخفية في العراق، والتي لا يمكن عدم ربطها بالتنظيم العسكري الأمريكي الجديد.
الهدف الآخر للأمريكيين من إعادة نشر قواتهم في قاعدة عين الأسد، هو لأجل إنشاء نقطة جغرافية مركزية لاستهداف فصائل المقاومة العراقية، أو ما تسمى بقوات الحشد الشعبي. في حين لم تعد جهود واشنطن للقضاء على فصائل المقاومة أمراً مخفياً، بل وحتى تشير وسائل الإعلام الأمريكية صراحة إلى ذلك.
وذكرت صحيفة نيويورك تايمز في مقال لها قبل حوالي أسبوعين، أن البنتاغون أصدر قرار سرياً يقضي بوضع خطة عسكرية للقضاء على احدى فصائل المقاومة في العراق. وذكرت هذه الصحيفة الأمريكية ان هذا الفصيل التي يرمي البنتاغون القضاء عليه، هو كتائب حزب الله العراقية بإعتبارها احدى فصائل قوات الحشد الشعبي العراقي، وصرحت أن مثل هذه الخطوة يمكن أن تقوض اتفاق واشنطن-بغداد بشأن النشاط العسكري الأمريكي في العراق.
وذكرت صحيفة نيويورك تايمز نقلاً عن عدد من المسؤولين الحكوميين والعسكريين الأمريكيين أنه خلال اجتماع عُقد في 19 مارس في البيت الأبيض، أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لم يصدر قرارا لمثل هذه العملية، لكنه سمح للبنتاغون الأمريكي بمواصلة وضع خطة عسكرية لمثل هذه العملية. وبالتالي، من الواضح أن التنظيم العسكري الأمريكي الجديد في العراق واستقرارهم الهادف في قاعدة عين الأسد لا يمكن أن يكون غير مرتبط بما كشفته صحيفة نيويورك تايمز سابقًا.
بالإضافة إلى ذلك، يسعى الأمريكيون للبقاء بعيدا عن متناول فصائل المقاومة العراقية في ترتيبهم العسكري الجديد، أي في حال تعرض القوات الأمريكية لأي اعتداء عسكري، تكون هذه القوات بعيدة عن نطاق صواريخ فصائل المقاومة. وهذا ما اشار إليه المحلل العراقي كريم الخيكاني حيث قال "إن الخطة الأمريكية الجديدة تقتضي تمهيد الطريق أمام تفادي صواريخ فصائل المقاومة العراقية من خلال إعادة تنظيم وترتيب القوات الأمريكية في البلاد".
ومن ناحية أخرى، فإن نشر أنظمة صواريخ باتريوت في قاعدة عين الأسد العسكرية على نطاق واسع هو تغيير آخر قام به الأمريكيون في المجال العسكري في العراق. وأكدت وكالة أسوشيتد برس أن الأمريكيين نشروا أنظمة صواريخ باتريوت جديدة في عين الأسد، لكنها زعمت أن الغرض من العملية هو حماية القوات الأمريكية داخل القاعدة.
من الواضح أن الغرض الرئيسي من نشر الأمريكيين لأنظمة باتريوت في قاعدة عين الأسد، وكذلك في مطار حرير العسكريفي اربيل، هو مواجهة الهجمات الصاروخية التي تشنها فصائل المقاومة ردا على أي عدوان عسكري محتمل ضدهم. يدرك الأمريكيون جيدًا القوة الصاروخية للمقاومة العراقية، خاصة وأن كتائب حزب الله العراقية قد صرحت علانية أنه في حال وقوع أي عدوان عسكري، فإنهم سيستهدفون على الفور القواعد الأمريكية.
والسؤال الذي يطرح نفسه حاليا، هو كيف بإمكان أنظمة باتريوت الدفاعية، التي فشلت في حماية حلفاء واشنطن، بما في ذلك الرياض، من الهجمات الصاروخية التي تشنها جماعات المقاومة كالجماعات اليمنية، حماية القواعد الأمريكية من قوات الحشد الشعبي؟