»

لمصلحة مَنْ.. إشعال النظام السعودي لحرب أسعار النفط

06 نيسان 2020
لمصلحة مَنْ.. إشعال النظام السعودي لحرب أسعار النفط
لمصلحة مَنْ.. إشعال النظام السعودي لحرب أسعار النفط

حركة الحريّة والتغيير

لم يكفِ محمد بن سلمان، عدوانه الهمجي على الشعب اليمني المتواصل منذ اكثر من خمس سنوات، والذي أكل الأخضر واليابس لحد الآن، في المملكة واليمن، ناهيك عن حصار الشعب القطري الشقيق، ولم تكفه حربه الداخلية المستعرة ضد المعارضين والناشطين وضد شعب بلاد الحرمين، بل حتى ضد العائلة المالكة، كما تجلى ذلك في آخر فصول هذه الحرب، وليس أخيرها، باعتقال إثنين من كبار أمراء العائلة هما شقيق الملك الأمير أحمد بن عبدالعزيز وابن اخيه، الأمير محمد بن نايف بالاضافة الى اكثر من عشرين أميراً آخرين واكثر من 800 ضابط وعسكري في المؤسستين العسكرية والأمنية! ولم تكفه تدخلاته في شؤون دول الجوار الداخلية ضد مصالح هذه الدول! لم تكفه حروبه تلك وتدخلاته المعادية لمصالح الأمة حتى أقدم على إشعال حربٍ أخرى جديدة، يوم الاثنين الموافق 9/3/2020، باطلاق العنان لصنابير النفط بالإنتاج لإغراق السوق العالمية بالنفط الفائض وخفض الأسعار الى مستويات متدنية بشكل تسبب في أحداث صدمة عالمية على صعيد الأسعار، سوف تكون لها آثار وتداعيات جمة على الدول العربية والاسلامية بدون شك! وبدأ نظام ال سعود تلك الحرب بعد مطالبته الدول الاعضاء في منظمة اوبك+ خفض الإنتاج النفطي بمقدار 5/1 مليون برميل إضافية حتى نهاية عام 2020 ما يعني بلوغ إجمالي التخفيضات6/3 مليون برميل أو حوالي 6/30% من الإمدادات العالمية، وذلك بعد تجديد أتفاق خفض الإنتاج الذي يهدف الى إزالة حوالي1/2 مليون برميل يومياً من الطاقة الفائضة يومياً، وهو الاتفاق الذي سينتهي العمل به في نهاية آذار الحالي، ذلك لأن تراجع الصناعات في الصين وكوريا الجنوبية ودول أخرى تسبب في تراجع الاستهلاك العالمي مما أثر سلباً على الأسعار حيث بدأت تنخفض عن مستوياتها السابقة، بسبب فائض العرض من هذه المادة.. غير ان روسيا رفضت في اجتماع فينيا لمنظمة اوبك+ الاخير في 9/3/2020 رفضت خفض إنتاجها، وهو ما أغضب الرياض لينتهي العمل باتفاقية استمرت ثلاث سنوات بين اوبك وروسيا، وردت السعودية كما أشرنا على ذلك بالغاء كل القيود على انتاجها واغراق الاسواق بالنفط الرخيص، لأنها كما قلنا لم تكتفِ باغراق السوق فحسب بل خفضت الأسعار من مستويات اكثر من 56 دولاراً للبرميل الواحد الى اكثر من 30 دولاراً للبرميل الواحد!! وما زاد من حدة حرب أسعار النفط التي أشعلها نظام ال سعود، هو اقدام هذا الاخير على اتخاذ خطوتين أخريين في هذا الاتجاه يوم 10/3/2020 تمثيلا، في اولا: اعلان شركة أرامكو التابعة للدولة عزمها على زيادة انتاجها الى ما فوق الطاقة القصوى وهي 3/12 برميل يومياً في شهر نيسان المقبل، بزيادة 300 ألف برميل يومياً، عن الطاقة القصوى العادية البالغة 12 مليون برميل يومياً. وثانياً: رفض السعودية لدعوة وزير الطاقة الروسية لعقد اجتماع مع شركات النفط يوم الأربعاء 11/3/2020 لمناقشة وقف تهاوي أسعار النفط وتحقيق الاستقرار في سوق النفط والتعاون المستقبلي مع اوبك، وتأكيد وزير النفط السعودي عبد العزيز بن سلمان، أنه لا يرى مبرراً لعقد اجتماعات حتى في شهر آيار أو حزيران وهو الموعد الدوري لمنظمة أوبك. وردت روسيا بسرعة على تلكما الخطوتين السعوديتين باعلان وزير الطاقة الروسي الكندرنوفاك اعتزام بلاده على زيادة إنتاج النفط بنسبة أو بمقدار 200-300 ألف برميل يومياً على المدى القصير، اعتباراً من شهر نيسان المقبل، بل وتأكيده أن إنتاج النفط على المدى البعيد قد يرتفع الى 500 ألف برميل يومياً، علماً ان متوسط إنتاج روسيا النفطي حالياً يبلغ29/11 مليون برميل يومياً، وهذه الخطوات والتصريحات أعطت إشارات سلبية للسوق النفطية، ساهمت في زيادة تدهور الأسعار وانخفاضها، الأمر الذي تسبب في ضرب اقتصادات البلدان، سيما تلك التي تعتمد على الصادرات النفطية ومنها المملكة السعودية نفسها.. فبحسب الارقام خسرت هذه الأخيرة فقط يومي8،9/3/2020 ، اكثر من 320مليون دولار بسبب انخفاض أسعار النفط وهبوطها، فيما خسرت أوبك أي دول أوبك اكثر من 500 مليون دولار خلال يوم9/3/2020 فقط !! بسبب هبوط الاسعار !! وتعرضت سوق المال السعودية " تداول " الأكبر في المنطقة، الى خسائر فادحة حيث هبط المؤشر العام بأكثر 90%، بينما تراجعت قيمة سهم شركة أرامكو، بنسبة 10% وهو مستوى قياسي لتبلغ 27 ريالاً! وخسرت أرامكو يومي 8و9/3/2020 اكثر من 320 مليار دولار من قيمتها التي باتت تتراوح عند 4/1 ترليون دولار، بعيداً عن مستوى تريليوني دولار الذي أصر عليه بن سلمان قبل ادراج الشركة في السوق في كانون الاول الماضي. ورأت وكالة بلومبيرغ الامريكية في هذا الاطار، ان أرامكو سوف تواجه الكثير من الضغوط والصعوبات بسبب انخفاض الأسعار، وسيكون به ذلك بمثابة ضربة قوية لمواطني المملكة، الذين تم تشجيعهم على الاستثمار في الشركة! واذا أخذنا بنظر الاعتبار ان الموازنة السعودية أقيمت على اساس ان سعر البرميل 55 دولاراً للبرميل الواحد، ندرك حجم الكارثة التي ستصيب المملكة، اذ سيكون هناك شلل كامل للخط وللبرامج الاقتصادية في البلاد! وتتضاعف آثار وتداعيات هذه الحرب النفطية على نظام ال سعود أشعلها اذا ما أخذنا بنظر الاعتبار أيضاً، ان هذا النظام يشن عدوانا على اليمن منذ اكثر من خمس سنوات، استنزف طاقات المملكة المالية والاقتصادية، كنفقات على التسلح وعلى شراء المرتزقة وتغطية نفقاتهم ونفقات العمليات اللوجستية للحرب، فضلاً عن الحلب المستمر للملكة من جانب سيد البيت الأبيض الأمريكي الذي انتزع لحد الآن اكثر من 450 مليار دولار من بن سلمان لقاء الحماية! وما يزيد الطين بلة هو سياسات القمع والملاحقة لرجال الأعمال وكبار الأمراء التي يواصلها بن سلمان في المملكة فهذه السياسات تسببت في تزايد خوف المستثمرين الأجانب وحتى السعوديين، مما دفعهم للهروب مع أموالهم خوف من سيطرة أو مصادرة بن سلمان لممتلكاتهم وأموالهم وزجهم في السجن كما حصل للكثيرين من أقرانهم. اذن حرب الأسعار التي أشعلها بن سلمان شكلت باجماع الخبراء الاقتصاديين ضربة قاصمة للاقتصاد في مملكة آل سعود، ولذلك يقول المحلل الأمريكي دانيال لاريسون ان السعودية تقود حرب متهورة جديدة بزيادة انتاجها وتقديم تخفيضات كبيرة على المصافي في جميع أنحاء العالم. ونوه لاريسون في مقال على موقع "امريكان كنوسرتيف " في 9/3/2020 الى " الخطوة السعودية قد تتسبب باضرار لروسيا، لكن المملكة تقدم على قطع أنفها عن وجهها، فاغراق السوق بمزيد من النفط يضر بايرادات الحكومة السعودية في وقت يحتاجون فيه الى كل الأيرادات التي يمكنهم الحصول عليها، وهذا شيء لا يستطيعون تحمل نفقاته لفترة طويلة جداً " واردف قائلاً: " مثل العديد من تصرفات الحكومة السعودية الأخرى خلال السنوات القليلة الماضية، كانت هذه مقامرة سيئة النظر ومن المحتمل ان تتفجر في وجه السلطات السعودية ". وبعد شرح هذا المحلل الامريكي في مقاله الى القول: انه "مثل الحرب على اليمن، والتي كانت سياسة محمد بن سلمان المتهورة، فأن حرب الأسعار هذه لم يتم النظر فيها على الأرجح، ومن المرجح أن تستمر لفترة أطول بكثير مما يتوقعه ولي العهد، وأنها مدمرة في النهاية ". باجماع الخبراء الاقتصاديين فأن نظام ال سعود يستطيع تحمل هذه الحرب لفترة قصيرة وتحمل نتائجها الكارثية، بما لديه من احتياطي من مليارات الدولارات، لكنه قطعاً لا يمكنه تحملها على المديين المتوسط والطويل، بعكس روسيا التي أعدت العدة لمثل هذه اللحظة، وهذا ما يؤكده، ما قد اعلنه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، من أن سعر 40 دولاراً للبرميل الواحد يعد مقبولاً لدى بلاده، ما يعني اشارة واضحة الى ذلك الاستعداد.. ووفق ميزانية العام الجاري 2020 فأن روسيا بعكس السعودية، بنت ميزانيتها على أساس سعر لخام بونت منخفض جداً هو 4/42 دولار للبرميل، وهو ما يقلل من احتمالات تكبدها لخسائر فادحة مقارنة بالسعودية التي بنت ميزانيتها عند سعر 55 دولاراً للبرميل. هذا فيما أكد الرئيس الروسي بوتين استعداد بلاده لمثل هذه الحرب، في 9/3/2020 قائلا، ان موسكو بوسعها تحمل أسعار نفط 25 و30 دولاراً للبرميل فترة تصل من ست الى عشر سنوات. يضاف الى ذلك ان الروس جمعوا احتياطات نقدية بمئات المليارات من الدولارات خلال الفترة الماضية للاستفادة منها وقت الحاجة، وبالتالي فأنهم سيلجأون اليها بعد انخفاض الأسعار النفطية، وفي هذا السياق قال الأسبوع الماضي، وزير المالية الروسي انطوان سيلوا نوف عن تلك الاحتياطات التي تقدر باكثر من 500 مليار دولار.. " كثيرون انتقدونا، قالوا هذا مثل صندوق كنز، ان وزارة المالية تكنز الذهب ". واستدرك مضيفاً.. " لكن الوضع قد يتغير الآن، وسنحول جميع النفقات التي تحملناها، ونحن ملتزمون باستخدام صندوق الكنز هذا ". والسؤال هو لمصلحة مَنْ يُشعل نظام ال سعود هذه الحرب الاقتصادية، التي وجهت ضربات قاسية لاقتصادات الدول المنتجة للنفط وعلى رأسها المملكة نفسها؟ هل من المصلحة ان يقوم بن سلمان بجدع أنفه بنفسه كما قال المحلل الامريكي دانيال لاريسون؟ والجواب هو لمصلحة الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية، في مواجهة روسيا وإيران، وكل الدول التي تشكل تحدياً وتهديداً للهيمنة الأمريكية، فمما هو معروف ان واشنطن بعد إدراكها لعجزها من النيل من روسيا وإيران والصين وحتى فنزويلا، عسكرياً، فهي تشن الحرب الاقتصادية الجائرة على هذه الدول بفرض العقوبات المتلاحقة عليها.. وفيما يتواصل تشديد العقوبات الاقتصادية الأمريكية على إيران بين الحين والآخر، فأن ذلك يطال روسيا أيضاً التي تعتبرها أمريكا تحدياً كبيراً لها ولهيمنتها في المنطقة، الأمر الذي دفع بروسيا إلى الرد على سياسات الحرب الاقتصادية الأمريكية بالوسائل نفسها، فروسيا وجدت في انخفاض أسعار النفط بسبب قلة الطلب عليه، خصوصاً من قبل الصين بسبب فيروس كورونا لتوقف الشركات والمصانع هناك.. نقول روسيا وجدت هذه الفرصة سانحة للإضرار بالشركات الأمريكية التي تنتج النفط الصخري، لان كلفة هذا النفط عالية وبالتالي فأن هذه الشركات لا يمكن لها تغطية نفقات كلفة الإنتاج والنقل إلا اذا كان سعر البرميل أكثر من 50 دولاراً فيما نزلت الأسعار بسبب فيروس كورونا كما أشرنا إلى 44 دولاراً للبرميل الواحد، الأمر الذي يعني إن ذلك سوف يعرضها لخسائر فادحة ومن ثم الاستفلاس، أو اضطرارها الى توقيف الإنتاج وهذا أيضاً خسائر فادحة خصوصاً للشركات الصغيرة، التي هي ملزمة لسداد قروض الاستدانة من البنوك أو من الشركات المالية الأخرى. وعلى هذه الخلفية طالبت السعودية روسيا بخفض سقف الإنتاج من أجل رفع الأسعار بسبب هبوطها من عتبة الـ 70 دولاراً للبرميل الواحد الى رفضته روسيا، من أجل توجيه ضربة لأمريكا رداً على العقوبات التي فرضتها على روسيا والتي طالت الشركات المساهمة في بناء خط أنبوب الغاز الروسي " السيل الشمالي ح ". وهو الأنبوب الذي يمر تحت بحر البلطيق ويلتف على أوكرانيا وسيسمح ان انجز بمضاعفة شحنات الغاز الروسي لاوربا عن طريق ألمانيا، مع ما لهذا الأمر من مفاعيل سياسية ايجابية على العلاقات الأوربية – الروسية. وما يؤشر إلى شدة الانزعاج الأمريكي من هذه المشروع، هو تصريح السناتور تيدكروز حليف ترامب في مجلس الشيوخ، باسم غالبية تحب الامبراطورية، بالقول " ان وقف خط أنابيب " السيل الشمالي ح " يجب أن يكون أولوية أمنية رئيسية للولايات المتحدة ". وعلى هذه الخلفية، وجد الروس في الابقاء على انخفاض الأسعار تحقيق هدفين، الأول: هو مفاقمة مصاعب الشركات النفطية الأمريكية المنتجة للنفط الصخري.. والثاني: يتمثل في ان انخفاض الاسعار من شأنه أن يؤثر على إيرادات نظام ال سعود وبالتالي ان ذلك يقلل من الدعم المالي السعودي لأمريكا ولمشاريعها ضد الروس، ومنها فرض عقوبات على شركاتها العاملة في فنزويلا.. ولأن روسيا رفضت تحديد الإنتاج بالتوافق مع الدول الأعضاء في أوبك، قررت الولايات المتحدة الرد على الروس بشن حرب أسعار عبر السعودية لتحقيق أهداف متعددة منها ما يلي: توجيه ضربة للاقتصاد الروسي، صحيح ان الروس أنهم أعلنوا قدرتهم على تحمل انخفاض الأسعار، حتى لو هبطت إلى 25 دولار للبرميل الواحد ولمدة عشرة سنوات كما أشرنا، لكن استمرار الهبوط في الأسعار من شأنه أن ينال بالتالي من الاقتصاد الروسي. من شأن خفض الأسعار النفطية أن يشد الضربات الأمريكية للوضع الاقتصادي الإيراني الذي يعاني أساساً من العقوبات الأمريكية ومن الحصار المفروض على إيران من قبل الولايات بهدف إسقاط نظامها! وبالإضافة إلى ذلك فأن الأمريكان يريدون توجيه ضربة أيضاً للاقتصاد الفنزويلي وبالتالي إضعاف نظام مادورو الحالي، وأيضاً تعريض الشركات الروسية العاملة في قطاع النفط الفنزويلي إلى الخسائر وإجبارها على لملمة أوضاعها والعودة إلى روسيا ! انخفاض الأسعار يوفر الظروف المناسبة للولايات المتحدة من امتصاص الاحتياطات المالية لدول الخليج العربية، ويمكّن الشركات الأمريكية النفطية وغير النفطية العملاقة من الهيمنة، أو من تشديد الهيمنة بعبارة أدق على مصادر الطاقة، النفط والغاز في هذه الدول، وعلى أوضاعها الاقتصادية وربطها بعجلة الاقتصاد الأمريكي!! لأن انخفاض الأسعار يؤدي إلى توقف إنتاج النفط الصخري الأمريكي، فأمريكا تعوض هذا النقص بالنفط السعودي الرخيص جداً، وبالتالي فأن المستهلك الأمريكي يحصل على الوقود اللازم لوسائل نقله كالسيارات والطائرات وحتى القطارات، من النفط السعودي المكرر والرخيص، ولذلك اعتبر الرئيس الأمريكي ترامب في معرض تعليقه على حرب الأسعار الأخيرة، ان تطورات هذه الحرب جاءت بنفع المواطن الأمريكي حيث بات يحصل على البنزين الرخيص. والى ذلك فأنه في الوقت الذي تحافظ فيه واشنطن على نفطها الصخري من النفاذ، فأنها تقوم في الوقت ذاته بضخ الملايين من براميل النفط السعودي الرخيص في كهوف الملح في ولايات لونرانا وتكساس وغيرهما لخزنة لأجيال القادمة كما كانت وما زالت تفعل منذ بدأت باستيراد النفط السعودي وحتى اليوم وفق إستراتيجية طويلة المدى ظلت سرية طيلة عقود حتى افتضح أمرها في العقود الأخيرة. وما تجدر الإشارة إليه هو إن نظام ال سعود، ظل منذ نشوئه وقيامه بواسطة أسياده البريطانيين ثم الأمريكان، الأداة الفعالة في استخدام النفط كسلاح اقتصادي أمريكي تواجه به أمريكا خصومها أياً كانوا!! فنظام ال سعود ظل يرفض دعوات الثائرين من الفلسطينيين والعرب لاستخدام النفط كسلاح في معركة تحرير الأراضي الفلسطينية من براثن الاحتلال الصهيوني بحجة ان الدول العربية الخليجية وعلى رأسها السعودية تحتاج الأموال التي تحصل عليها من بيع النفط لمساعدة الفلسطينيين، فيما هي تقدم أية مساعدة، نقول ان هذا النظام الذي رفض استخدام النفط كسلاح في معركة المصير مع العدو، لم يتردد لحظة في استخدام النفط كسلاح في معارك الولايات المتحدة مع خصومها في المنطقة والعالم!! ففي الثمانينات وخلال الحرب التي كانت مفروضة على ايران من قبل النظام صدام حسين وبأوامر أمريكية بريطانية صهيونية وبدعم سعودي خليجي، أقدمت السعودية على إغراق السوق النفطية بالنفط الفائض عندما أطلقت العنان لإنتاجها بعرض أكثر من 11 مليون برميل يومياً فهبطت الأسعار من 34 دولاراً للبرميل يومذاك إلى ثمان دولارات أو سبعة، ذلك من أجل إضعاف المجهود الحربي الإيراني، وصولاً الى الانهيار الاقتصادي وبالتالي إرغامها على وقف الحرب بعدما عجزت القوات العراقية عن تحقيق هدف إسقاط النظام الإيراني الفتي يومذاك، رغم كل الدعم الذي كانت تقدمه قوى الغرب والشرق في العالم لنظام صدام عسكرياً. وعلى خلفية هذا اعجز، تحولت لحرب الى تهديد جدي للنظام العراقي، حينها قرر الغرب شن حرب اقتصادية ضد إيران، وهي حرب ألحقت خسائر فادحة بالسعودية نفسها وبدول الخليج العربية والدول المنتجة للنفط الأخرى، أكثر بكثير مما لحق بإيران من خسائر لأنها كانت محاصرة وما تصدره من النفط كان لا يتجاوز المئات من البراميل يومياً. كما أقدم نظام ال سعود على خفض الأسعار تلبيه لأمريكا، في عام 2014 من 115 دولار للبرميل الواحد الى 27 دولار لضرب الاقتصادين الإيراني والروسي معاً، وكانت هناك انهيارات أخرى للأسعار بواسطة الإغراق السعودي بين الثمانينات وحتى منتصف العشرية الثانية من القرن الجديد، كل هذه الانهيارات ألحقت خسائر مالية فادحة بالدول المنتجة للنفط وأكثرها عربية وإسلامية ذلك خدمة لأمريكا ولمشاريعها الاستعمارية الصهيونية وخدمة للغرب ولاقتصادياته المأزومة!! وظلت منظمة أوبك طيلة تلك الفترة وحتى اليوم تقاد وتسييس من قبل الولايات المتحدة الأمريكية بواسطة نظام ال سعود، كما كان يقول الخبراء الاقتصاديون، وما زالوا يؤكدون هذه الحقيقية.لم يكفِ محمد بن سلمان، عدوانه الهمجي على الشعب اليمني المتواصل منذ اكثر من خمس سنوات، والذي أكل الأخضر واليابس لحد الآن، في المملكة واليمن، ناهيك عن حصار الشعب القطري الشقيق، ولم تكفه حربه الداخلية المستعرة ضد المعارضين والناشطين وضد شعب بلاد الحرمين، بل حتى ضد العائلة المالكة، كما تجلى ذلك في آخر فصول هذه الحرب، وليس أخيرها، باعتقال إثنين من كبار أمراء العائلة هما شقيق الملك الأمير أحمد بن عبدالعزيز وابن اخيه، الأمير محمد بن نايف بالاضافة الى اكثر من عشرين أميراً آخرين واكثر من 800 ضابط وعسكري في المؤسستين العسكرية والأمنية! ولم تكفه تدخلاته في شؤون دول الجوار الداخلية ضد مصالح هذه الدول! لم تكفه حروبه تلك وتدخلاته المعادية لمصالح الأمة حتى أقدم على إشعال حربٍ أخرى جديدة، يوم الاثنين الموافق 9/3/2020، باطلاق العنان لصنابير النفط بالإنتاج لإغراق السوق العالمية بالنفط الفائض وخفض الأسعار الى مستويات متدنية بشكل تسبب في أحداث صدمة عالمية على صعيد الأسعار، سوف تكون لها آثار وتداعيات جمة على الدول العربية والاسلامية بدون شك! وبدأ نظام ال سعود تلك الحرب بعد مطالبته الدول الاعضاء في منظمة اوبك+ خفض الإنتاج النفطي بمقدار 5/1 مليون برميل إضافية حتى نهاية عام 2020 ما يعني بلوغ إجمالي التخفيضات6/3 مليون برميل أو حوالي 6/30% من الإمدادات العالمية، وذلك بعد تجديد أتفاق خفض الإنتاج الذي يهدف الى إزالة حوالي1/2 مليون برميل يومياً من الطاقة الفائضة يومياً، وهو الاتفاق الذي سينتهي العمل به في نهاية آذار الحالي، ذلك لأن تراجع الصناعات في الصين وكوريا الجنوبية ودول أخرى تسبب في تراجع الاستهلاك العالمي مما أثر سلباً على الأسعار حيث بدأت تنخفض عن مستوياتها السابقة، بسبب فائض العرض من هذه المادة.. غير ان روسيا رفضت في اجتماع فينيا لمنظمة اوبك+ الاخير في 9/3/2020 رفضت خفض إنتاجها، وهو ما أغضب الرياض لينتهي العمل باتفاقية استمرت ثلاث سنوات بين اوبك وروسيا، وردت السعودية كما أشرنا على ذلك بالغاء كل القيود على انتاجها واغراق الاسواق بالنفط الرخيص، لأنها كما قلنا لم تكتفِ باغراق السوق فحسب بل خفضت الأسعار من مستويات اكثر من 56 دولاراً للبرميل الواحد الى اكثر من 30 دولاراً للبرميل الواحد!! وما زاد من حدة حرب أسعار النفط التي أشعلها نظام ال سعود، هو اقدام هذا الاخير على اتخاذ خطوتين أخريين في هذا الاتجاه يوم 10/3/2020 تمثيلا، في اولا: اعلان شركة أرامكو التابعة للدولة عزمها على زيادة انتاجها الى ما فوق الطاقة القصوى وهي 3/12 برميل يومياً في شهر نيسان المقبل، بزيادة 300 ألف برميل يومياً، عن الطاقة القصوى العادية البالغة 12 مليون برميل يومياً. وثانياً: رفض السعودية لدعوة وزير الطاقة الروسية لعقد اجتماع مع شركات النفط يوم الأربعاء 11/3/2020 لمناقشة وقف تهاوي أسعار النفط وتحقيق الاستقرار في سوق النفط والتعاون المستقبلي مع اوبك، وتأكيد وزير النفط السعودي عبد العزيز بن سلمان، أنه لا يرى مبرراً لعقد اجتماعات حتى في شهر آيار أو حزيران وهو الموعد الدوري لمنظمة أوبك. وردت روسيا بسرعة على تلكما الخطوتين السعوديتين باعلان وزير الطاقة الروسي الكندرنوفاك اعتزام بلاده على زيادة إنتاج النفط بنسبة أو بمقدار 200-300 ألف برميل يومياً على المدى القصير، اعتباراً من شهر نيسان المقبل، بل وتأكيده أن إنتاج النفط على المدى البعيد قد يرتفع الى 500 ألف برميل يومياً، علماً ان متوسط إنتاج روسيا النفطي حالياً يبلغ29/11 مليون برميل يومياً، وهذه الخطوات والتصريحات أعطت إشارات سلبية للسوق النفطية، ساهمت في زيادة تدهور الأسعار وانخفاضها، الأمر الذي تسبب في ضرب اقتصادات البلدان، سيما تلك التي تعتمد على الصادرات النفطية ومنها المملكة السعودية نفسها.. فبحسب الارقام خسرت هذه الأخيرة فقط يومي8،9/3/2020 ، اكثر من 320مليون دولار بسبب انخفاض أسعار النفط وهبوطها، فيما خسرت أوبك أي دول أوبك اكثر من 500 مليون دولار خلال يوم9/3/2020 فقط !! بسبب هبوط الاسعار !! وتعرضت سوق المال السعودية " تداول " الأكبر في المنطقة، الى خسائر فادحة حيث هبط المؤشر العام بأكثر 90%، بينما تراجعت قيمة سهم شركة أرامكو، بنسبة 10% وهو مستوى قياسي لتبلغ 27 ريالاً! وخسرت أرامكو يومي 8و9/3/2020 اكثر من 320 مليار دولار من قيمتها التي باتت تتراوح عند 4/1 ترليون دولار، بعيداً عن مستوى تريليوني دولار الذي أصر عليه بن سلمان قبل ادراج الشركة في السوق في كانون الاول الماضي. ورأت وكالة بلومبيرغ الامريكية في هذا الاطار، ان أرامكو سوف تواجه الكثير من الضغوط والصعوبات بسبب انخفاض الأسعار، وسيكون به ذلك بمثابة ضربة قوية لمواطني المملكة، الذين تم تشجيعهم على الاستثمار في الشركة! واذا أخذنا بنظر الاعتبار ان الموازنة السعودية أقيمت على اساس ان سعر البرميل 55 دولاراً للبرميل الواحد، ندرك حجم الكارثة التي ستصيب المملكة، اذ سيكون هناك شلل كامل للخط وللبرامج الاقتصادية في البلاد! وتتضاعف آثار وتداعيات هذه الحرب النفطية على نظام ال سعود أشعلها اذا ما أخذنا بنظر الاعتبار أيضاً، ان هذا النظام يشن عدوانا على اليمن منذ اكثر من خمس سنوات، استنزف طاقات المملكة المالية والاقتصادية، كنفقات على التسلح وعلى شراء المرتزقة وتغطية نفقاتهم ونفقات العمليات اللوجستية للحرب، فضلاً عن الحلب المستمر للملكة من جانب سيد البيت الأبيض الأمريكي الذي انتزع لحد الآن اكثر من 450 مليار دولار من بن سلمان لقاء الحماية! وما يزيد الطين بلة هو سياسات القمع والملاحقة لرجال الأعمال وكبار الأمراء التي يواصلها بن سلمان في المملكة فهذه السياسات تسببت في تزايد خوف المستثمرين الأجانب وحتى السعوديين، مما دفعهم للهروب مع أموالهم خوف من سيطرة أو مصادرة بن سلمان لممتلكاتهم وأموالهم وزجهم في السجن كما حصل للكثيرين من أقرانهم. اذن حرب الأسعار التي أشعلها بن سلمان شكلت باجماع الخبراء الاقتصاديين ضربة قاصمة للاقتصاد في مملكة آل سعود، ولذلك يقول المحلل الأمريكي دانيال لاريسون ان السعودية تقود حرب متهورة جديدة بزيادة انتاجها وتقديم تخفيضات كبيرة على المصافي في جميع أنحاء العالم. ونوه لاريسون في مقال على موقع "امريكان كنوسرتيف " في 9/3/2020 الى " الخطوة السعودية قد تتسبب باضرار لروسيا، لكن المملكة تقدم على قطع أنفها عن وجهها، فاغراق السوق بمزيد من النفط يضر بايرادات الحكومة السعودية في وقت يحتاجون فيه الى كل الأيرادات التي يمكنهم الحصول عليها، وهذا شيء لا يستطيعون تحمل نفقاته لفترة طويلة جداً " واردف قائلاً: " مثل العديد من تصرفات الحكومة السعودية الأخرى خلال السنوات القليلة الماضية، كانت هذه مقامرة سيئة النظر ومن المحتمل ان تتفجر في وجه السلطات السعودية ". وبعد شرح هذا المحلل الامريكي في مقاله الى القول: انه "مثل الحرب على اليمن، والتي كانت سياسة محمد بن سلمان المتهورة، فأن حرب الأسعار هذه لم يتم النظر فيها على الأرجح، ومن المرجح أن تستمر لفترة أطول بكثير مما يتوقعه ولي العهد، وأنها مدمرة في النهاية ". باجماع الخبراء الاقتصاديين فأن نظام ال سعود يستطيع تحمل هذه الحرب لفترة قصيرة وتحمل نتائجها الكارثية، بما لديه من احتياطي من مليارات الدولارات، لكنه قطعاً لا يمكنه تحملها على المديين المتوسط والطويل، بعكس روسيا التي أعدت العدة لمثل هذه اللحظة، وهذا ما يؤكده، ما قد اعلنه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، من أن سعر 40 دولاراً للبرميل الواحد يعد مقبولاً لدى بلاده، ما يعني اشارة واضحة الى ذلك الاستعداد.. ووفق ميزانية العام الجاري 2020 فأن روسيا بعكس السعودية، بنت ميزانيتها على أساس سعر لخام بونت منخفض جداً هو 4/42 دولار للبرميل، وهو ما يقلل من احتمالات تكبدها لخسائر فادحة مقارنة بالسعودية التي بنت ميزانيتها عند سعر 55 دولاراً للبرميل. هذا فيما أكد الرئيس الروسي بوتين استعداد بلاده لمثل هذه الحرب، في 9/3/2020 قائلا، ان موسكو بوسعها تحمل أسعار نفط 25 و30 دولاراً للبرميل فترة تصل من ست الى عشر سنوات. يضاف الى ذلك ان الروس جمعوا احتياطات نقدية بمئات المليارات من الدولارات خلال الفترة الماضية للاستفادة منها وقت الحاجة، وبالتالي فأنهم سيلجأون اليها بعد انخفاض الأسعار النفطية، وفي هذا السياق قال الأسبوع الماضي، وزير المالية الروسي انطوان سيلوا نوف عن تلك الاحتياطات التي تقدر باكثر من 500 مليار دولار.. " كثيرون انتقدونا، قالوا هذا مثل صندوق كنز، ان وزارة المالية تكنز الذهب ". واستدرك مضيفاً.. " لكن الوضع قد يتغير الآن، وسنحول جميع النفقات التي تحملناها، ونحن ملتزمون باستخدام صندوق الكنز هذا ". والسؤال هو لمصلحة مَنْ يُشعل نظام ال سعود هذه الحرب الاقتصادية، التي وجهت ضربات قاسية لاقتصادات الدول المنتجة للنفط وعلى رأسها المملكة نفسها؟ هل من المصلحة ان يقوم بن سلمان بجدع أنفه بنفسه كما قال المحلل الامريكي دانيال لاريسون؟ والجواب هو لمصلحة الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية، في مواجهة روسيا وإيران، وكل الدول التي تشكل تحدياً وتهديداً للهيمنة الأمريكية، فمما هو معروف ان واشنطن بعد إدراكها لعجزها من النيل من روسيا وإيران والصين وحتى فنزويلا، عسكرياً، فهي تشن الحرب الاقتصادية الجائرة على هذه الدول بفرض العقوبات المتلاحقة عليها.. وفيما يتواصل تشديد العقوبات الاقتصادية الأمريكية على إيران بين الحين والآخر، فأن ذلك يطال روسيا أيضاً التي تعتبرها أمريكا تحدياً كبيراً لها ولهيمنتها في المنطقة، الأمر الذي دفع بروسيا إلى الرد على سياسات الحرب الاقتصادية الأمريكية بالوسائل نفسها، فروسيا وجدت في انخفاض أسعار النفط بسبب قلة الطلب عليه، خصوصاً من قبل الصين بسبب فيروس كورونا لتوقف الشركات والمصانع هناك.. نقول روسيا وجدت هذه الفرصة سانحة للإضرار بالشركات الأمريكية التي تنتج النفط الصخري، لان كلفة هذا النفط عالية وبالتالي فأن هذه الشركات لا يمكن لها تغطية نفقات كلفة الإنتاج والنقل إلا اذا كان سعر البرميل أكثر من 50 دولاراً فيما نزلت الأسعار بسبب فيروس كورونا كما أشرنا إلى 44 دولاراً للبرميل الواحد، الأمر الذي يعني إن ذلك سوف يعرضها لخسائر فادحة ومن ثم الاستفلاس، أو اضطرارها الى توقيف الإنتاج وهذا أيضاً خسائر فادحة خصوصاً للشركات الصغيرة، التي هي ملزمة لسداد قروض الاستدانة من البنوك أو من الشركات المالية الأخرى. وعلى هذه الخلفية طالبت السعودية روسيا بخفض سقف الإنتاج من أجل رفع الأسعار بسبب هبوطها من عتبة الـ 70 دولاراً للبرميل الواحد الى رفضته روسيا، من أجل توجيه ضربة لأمريكا رداً على العقوبات التي فرضتها على روسيا والتي طالت الشركات المساهمة في بناء خط أنبوب الغاز الروسي " السيل الشمالي ح ". وهو الأنبوب الذي يمر تحت بحر البلطيق ويلتف على أوكرانيا وسيسمح ان انجز بمضاعفة شحنات الغاز الروسي لاوربا عن طريق ألمانيا، مع ما لهذا الأمر من مفاعيل سياسية ايجابية على العلاقات الأوربية – الروسية. وما يؤشر إلى شدة الانزعاج الأمريكي من هذه المشروع، هو تصريح السناتور تيدكروز حليف ترامب في مجلس الشيوخ، باسم غالبية تحب الامبراطورية، بالقول " ان وقف خط أنابيب " السيل الشمالي ح " يجب أن يكون أولوية أمنية رئيسية للولايات المتحدة ". وعلى هذه الخلفية، وجد الروس في الابقاء على انخفاض الأسعار تحقيق هدفين، الأول: هو مفاقمة مصاعب الشركات النفطية الأمريكية المنتجة للنفط الصخري.. والثاني: يتمثل في ان انخفاض الاسعار من شأنه أن يؤثر على إيرادات نظام ال سعود وبالتالي ان ذلك يقلل من الدعم المالي السعودي لأمريكا ولمشاريعها ضد الروس، ومنها فرض عقوبات على شركاتها العاملة في فنزويلا.. ولأن روسيا رفضت تحديد الإنتاج بالتوافق مع الدول الأعضاء في أوبك، قررت الولايات المتحدة الرد على الروس بشن حرب أسعار عبر السعودية لتحقيق أهداف متعددة منها ما يلي: توجيه ضربة للاقتصاد الروسي، صحيح ان الروس أنهم أعلنوا قدرتهم على تحمل انخفاض الأسعار، حتى لو هبطت إلى 25 دولار للبرميل الواحد ولمدة عشرة سنوات كما أشرنا، لكن استمرار الهبوط في الأسعار من شأنه أن ينال بالتالي من الاقتصاد الروسي. من شأن خفض الأسعار النفطية أن يشد الضربات الأمريكية للوضع الاقتصادي الإيراني الذي يعاني أساساً من العقوبات الأمريكية ومن الحصار المفروض على إيران من قبل الولايات بهدف إسقاط نظامها! وبالإضافة إلى ذلك فأن الأمريكان يريدون توجيه ضربة أيضاً للاقتصاد الفنزويلي وبالتالي إضعاف نظام مادورو الحالي، وأيضاً تعريض الشركات الروسية العاملة في قطاع النفط الفنزويلي إلى الخسائر وإجبارها على لملمة أوضاعها والعودة إلى روسيا ! انخفاض الأسعار يوفر الظروف المناسبة للولايات المتحدة من امتصاص الاحتياطات المالية لدول الخليج العربية، ويمكّن الشركات الأمريكية النفطية وغير النفطية العملاقة من الهيمنة، أو من تشديد الهيمنة بعبارة أدق على مصادر الطاقة، النفط والغاز في هذه الدول، وعلى أوضاعها الاقتصادية وربطها بعجلة الاقتصاد الأمريكي!! لأن انخفاض الأسعار يؤدي إلى توقف إنتاج النفط الصخري الأمريكي، فأمريكا تعوض هذا النقص بالنفط السعودي الرخيص جداً، وبالتالي فأن المستهلك الأمريكي يحصل على الوقود اللازم لوسائل نقله كالسيارات والطائرات وحتى القطارات، من النفط السعودي المكرر والرخيص، ولذلك اعتبر الرئيس الأمريكي ترامب في معرض تعليقه على حرب الأسعار الأخيرة، ان تطورات هذه الحرب جاءت بنفع المواطن الأمريكي حيث بات يحصل على البنزين الرخيص. والى ذلك فأنه في الوقت الذي تحافظ فيه واشنطن على نفطها الصخري من النفاذ، فأنها تقوم في الوقت ذاته بضخ الملايين من براميل النفط السعودي الرخيص في كهوف الملح في ولايات لونرانا وتكساس وغيرهما لخزنة لأجيال القادمة كما كانت وما زالت تفعل منذ بدأت باستيراد النفط السعودي وحتى اليوم وفق إستراتيجية طويلة المدى ظلت سرية طيلة عقود حتى افتضح أمرها في العقود الأخيرة. وما تجدر الإشارة إليه هو إن نظام ال سعود، ظل منذ نشوئه وقيامه بواسطة أسياده البريطانيين ثم الأمريكان، الأداة الفعالة في استخدام النفط كسلاح اقتصادي أمريكي تواجه به أمريكا خصومها أياً كانوا!! فنظام ال سعود ظل يرفض دعوات الثائرين من الفلسطينيين والعرب لاستخدام النفط كسلاح في معركة تحرير الأراضي الفلسطينية من براثن الاحتلال الصهيوني بحجة ان الدول العربية الخليجية وعلى رأسها السعودية تحتاج الأموال التي تحصل عليها من بيع النفط لمساعدة الفلسطينيين، فيما هي تقدم أية مساعدة، نقول ان هذا النظام الذي رفض استخدام النفط كسلاح في معركة المصير مع العدو، لم يتردد لحظة في استخدام النفط كسلاح في معارك الولايات المتحدة مع خصومها في المنطقة والعالم!! ففي الثمانينات وخلال الحرب التي كانت مفروضة على ايران من قبل النظام صدام حسين وبأوامر أمريكية بريطانية صهيونية وبدعم سعودي خليجي، أقدمت السعودية على إغراق السوق النفطية بالنفط الفائض عندما أطلقت العنان لإنتاجها بعرض أكثر من 11 مليون برميل يومياً فهبطت الأسعار من 34 دولاراً للبرميل يومذاك إلى ثمان دولارات أو سبعة، ذلك من أجل إضعاف المجهود الحربي الإيراني، وصولاً الى الانهيار الاقتصادي وبالتالي إرغامها على وقف الحرب بعدما عجزت القوات العراقية عن تحقيق هدف إسقاط النظام الإيراني الفتي يومذاك، رغم كل الدعم الذي كانت تقدمه قوى الغرب والشرق في العالم لنظام صدام عسكرياً. وعلى خلفية هذا اعجز، تحولت لحرب الى تهديد جدي للنظام العراقي، حينها قرر الغرب شن حرب اقتصادية ضد إيران، وهي حرب ألحقت خسائر فادحة بالسعودية نفسها وبدول الخليج العربية والدول المنتجة للنفط الأخرى، أكثر بكثير مما لحق بإيران من خسائر لأنها كانت محاصرة وما تصدره من النفط كان لا يتجاوز المئات من البراميل يومياً. كما أقدم نظام ال سعود على خفض الأسعار تلبيه لأمريكا، في عام 2014 من 115 دولار للبرميل الواحد الى 27 دولار لضرب الاقتصادين الإيراني والروسي معاً، وكانت هناك انهيارات أخرى للأسعار بواسطة الإغراق السعودي بين الثمانينات وحتى منتصف العشرية الثانية من القرن الجديد، كل هذه الانهيارات ألحقت خسائر مالية فادحة بالدول المنتجة للنفط وأكثرها عربية وإسلامية ذلك خدمة لأمريكا ولمشاريعها الاستعمارية الصهيونية وخدمة للغرب ولاقتصادياته المأزومة!! وظلت منظمة أوبك طيلة تلك الفترة وحتى اليوم تقاد وتسييس من قبل الولايات المتحدة الأمريكية بواسطة نظام ال سعود، كما كان يقول الخبراء الاقتصاديون، وما زالوا يؤكدون هذه الحقيقية.