»

هؤلاء القادة أنكروا خطر كورونا.. كيف أضروا بلادهم والعالم؟

06 نيسان 2020
هؤلاء القادة أنكروا خطر كورونا.. كيف أضروا بلادهم والعالم؟
هؤلاء القادة أنكروا خطر كورونا.. كيف أضروا بلادهم والعالم؟

ساسه بوست

نشر موقع «Vox» الإخباري تقريرًا للكاتب الصحفي أليكساندر وارد حول تعامل زعماء الدول مع جائحة فيروس كورونا، مؤكدًا أن القادة الذين رأوا أن الفيروس يشكل تهديدًا، أنقذوا أرواح الكثيرين، بينما القادة الذين أنكروا أنه يشكل تهديدًا، عرَّضوا الكثيرين للخطر.
وفي بداية مقاله، ذكر الكاتب أن ملايين الناس عاطلون عن العمل. إذ أبقت عمليات الإغلاق الوطني المليارات من الناس في منازلهم، ودفعت أنظمة الرعاية الصحية إلى حافة الانهيار. ويتعرض الملايين، جماعيًّا، لخطر الموتوهذه العواقب ليست ناجمة عن تفشي فيروس كورونا فحسب، ولكن أيضًا بسبب نَفْي قادة العالم لخطورته. إذ أدَّت الإجراءات التي اتَّخذوها، أو بالأحرى التي لم يتَّخذوها، إلى أن أصبح الوباء أشد فتكًا وأصبحنا نعيش جميعًا في أوضاع أقل أمانًا.
بدءًا من الولايات المتحدة، ومرورًا بالصين وإيران، وانتهاءً بإيطاليا، وفي بدايات تفشي المرض، قلَّل السياسيون الذين يضطلعون باتخاذ قراراتٍ تتعلق بالحياة أو الموت من الأزمة الصحية العالمية، وأضاعوا وقتًا ثمينًا في محاربة الواقع، وليس المرض، وجاءت النتائج ماحقة
وقال توماس بوليكي، خبير الصحة العالمية في مركز أبحاث مجلس العلاقات الخارجية: «الإنكار يؤدي إلى تأخر الاستجابة؛ مما يؤدي عادةً إلى نمو مضاعف في انتقال العدوى. وحتى الآن، دفعت البلاد التي كانت بطيئة في الاستجابة الثمن».  وساعدت جهود الصين في التكتم على المعلومات بشأن الفيروس عند ظهوره لأول مرة في انفلات عقاله وانتشاره في جميع أنحاء العالم. ومع انتشار كوفيد-19، انتشر الإنكار كذلك.
وخلال الأسبوع الماضي وحده، شجَّع الرئيس المكسيكي أندريس مانويل لوبيث أوبرادور شعبه على الخروج لتناول الطعام في المطاعم، وأكَّد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن معظم الناس في أمريكا قد يبدأون في العودة إلى العمل بحلول عيد الفصح، وقلَّل الرئيس البرازيلي جايير بولسونارو من خطورة فيروس كورونا بوصفه «مجرد إنفلونزا بسيطة». يعلق الكاتب على هذا النهج قائلًا: يقع هؤلاء القادة في تناقض صارخ مع نظرائهم في بلاد أخرى، مثل كوريا الجنوبية وألمانيا، واجهت تفشي المرض وجهًا لوجه، وكانت صادقة مع شعوبها، وأنقذت الأرواح نتيجةً لذلك.
وتوضح هذه النماذج أننا كنا في غنى عن الألم الكبير الذي يشعر به العديد من الناس في قارات عدة: عدم إجراء الاختبارات، وازدحام المستشفيات، وانتشار الخوف، وتزايد عدد الوفيات. وكان الأمر، في بعض النواحي، مسألة اختيار. وفي الوقت الحالي، ربما يمثل فيروس كورونا أكبر تهديد في العالم، ولكنَّ القائد السياسي الذي لا يراه كذلك يأتي في المرتبة الثانية مباشرةً من الخطورة.
وتساءل الكاتب قائلًا: لكن لماذا استجاب الكثير من القادة في جميع أنحاء العالم للفيروس على هذا النحو؟ وينقل عن جيريمي شيفمان، خبير السياسة الصحية في جامعة جونز هوبكنز، قوله: «لا يمكنك ربط الإنكار بوضوح مع نوعية النظام الحاكم أو حتى الأيديولوجية السياسية». 
إذن، ما الذي يفسر ذلك؟ اقترح الخبراء الذين تحدث  إليهم الكاتب أن استجابات القادة للفيروس شابها الإنكار لعدة أسباب: المخاوف من الإضرار بثرواتهم السياسية، أو الصورة العامة لشعوبهم، والخوف من الإضرار بالاقتصاد، وجداول الأعمال الشخصية للقادة، والاعتقاد بأن تفشي الفيروس لن يكون بالسوء الذي يبدو عليه. وبغض النظر عن السبب، أصبح من الواضح الآن مدى خطورة الإنكار عندما يتعلق الأمر بالتعامل مع جائحة.
السياسيون يعطون الأولوية للسياسة
كما كتبت جوليا بيلوز لموقع
«Vox»، أعلنت الصين أول مرة عن تفشي التهاب رئوي غامض في 31 ديسمبر (كانون الأول). وفي الإعلان، قال المسؤولون الصينيون إن معظم المرضى ذهبوا إلى سوق للمواد الغذائية في مدينة ووهان، وأنه لم يكن هناك «دليل واضح» على انتقال العدوى من شخص لآخر، وأن الحالة الأولى لم تظهر عليها الأعراض إلا مؤخرًا؛ في 12 ديسمبر. واتضح أن ما قاله المسؤولون الصينيون في هذا الإعلان الأول لم يكن صحيحًا في الغالب. كما توضح جوليا بيلوز:
«أظهرت دراسة نُشرت في 24 يناير (كانون الثاني) في مجلة (ذا لانسيت) الطبية أن الصين اعترفت بتفشي الفيروس في الأيام الأولى، وبحلول 2 يناير، لم يذهب أكثر من ثلث المرضى إلى سوق المواد الغذائية في ووهان، بما في ذلك أول حالة أصيبت بالمرض. أضف إلى ذلك، أن هذا الشخص أُصيب بالمرض في الأول من ديسمبر؛ قبل أسبوعين تقريبًا من تصريحات السلطات الصحية في ووهان عن الحالة الأولى». 
 يضيف المقال: لكن الأمر يزداد سوءًا؛ إذ إنه لم يتوقف عند حد أن السلطات الصينية فهمت التفاصيل على نحو خاطئ، ولكنهم حاولوا جاهدين أيضًا التكتم على المعلومات حول التفشي المتزايد للمرض عن مواطنيهم وخبراء الصحة العامة العالميين. وقد فعلوا ذلك بناء على أوامر صريحة من الرئيس الصيني شي جين بينج
وفي هذه الأثناء، سمحت الصين لملايين الناس بالسفر إلى ووهان ومنها، مما أفسح المجال أمام انتشار الفيروس. وتوصَّلت إحدى الدراسات الحديثة إلى أن الصين إذا كانت سَعَت لإغلاق ووهان قبل ثلاثة أسابيع فقط، لكانت قللت من عدد الحالات بنسبة 95%، وبذلك كانت «قللت من الانتشار الجغرافي للمرض على نحو كبير».
ويصف الكاتب الحكومة الصينية بأنها «حكومة استبدادية»، ويرى أن ذلك يساعد في تفسير تكتمها على المعلومات المحرجة منذ البداية. لكن الخبراء يقولون إن هناك سببًا آخرَ مهمًّا، وهو أن الصين تريد أن يُنظر إليها على أنها قوة عالمية مستقرة. وكان من الصعب تحقيق ذلك بعد استمرار ظهور أمراض جديدة في البلاد، كما حدث مع سارس في عام 2003. ولحماية هيبتها العالمية، سعى شي وأتباعه للحفاظ على سرية المعلومات بشأن الأزمة طي الكتمان. وقالت أماندا غلاسمان، الخبيرة الصحية في مركز التنمية العالمية: «بالتأكيد كانت هناك أسباب تتعلق بالصورة العامة،
والتي دَعَت الصين لفعل ما فعلته
».
ولكن في حين أن الصين قد تكون أول دولة تعطي الأولوية للسياسة على حساب الصحة العامة عند التعامل مع هذا الوباء، فإنها لن تكون الأخيرة. إذ كان أمام إسبانيا، وخاصةً رئيس الوزراء بيدرو سانشيز، خيار صعب. ففي يناير فقط، شكَّل حكومة أقلية يسارية، مما جعل قبضته هشَّة على السلطة، وجعله أحد أكثر القادة ضعفًا في تاريخ البلاد. وأي خطوة قد تثير غضب الشعب، وخاصة قاعدته اليسارية، يمكن أن تؤدي إلى فقده للسيطرة على الأوضاع في البلاد
يقول الخبراء إن ذلك دفعه إلى اتخاذ قرار مصيري. ففي وقت سابق من هذا الشهر، حتى في ظل ارتفاع حالات الإصابة المؤكدة بفيروس كورونا في إسبانيا، سمح سانشيز للآلاف بحضور مباريات كرة القدم، بل سمح بتنظيم مسيرة نسائية تضم 120 ألف سيدة في العاصمة مدريد. وأصبحت العاصمة الإسبانية الآن مركز تفشي المرض في البلاد؛ وهي رابع أكبر مدينة في العالم يتفشى فيها المرض.
وقال بعض الخبراء الذين تحدث إليهم الكاتب إن السماح للعديد من الأشخاص بالتجمع، يكاد يؤدي بالتأكيد إلى انتشار أكبر للمرض في البلاد، بينما أصر آخرون على أنه من السابق لأوانه معرفة ذلك. ولكن الآن وبعد أن كانت البلاد مقفلة حتى منتصف أبريل (نيسان)، قالت بعض السيدات اللاتي حضرن المسيرة إنها كانت فكرة سيئة. وقالت إلين هيتش، مغتربة أمريكية تعيش في مدريد: «ندمتُ على المشاركة»، خشية أن تكون المظاهرة قد عجَّلت بانتشار المرض، وأضافت: «وانتابني القلق منذ ذلك الحين حول إمكانية أن أكون حاملةً للمرض».
كما أن التطلعات السياسية منعت الرئيس البرازيلي جايير بولسونارو من الاعتراف بالأزمة التي تواجهها بلاده؛ إذ قال القائد البالغ من العمر 65 عامًا في خطاب وطني يوم الثلاثاء: «في حالتي الخاصة، ومن خلال تاريخي بوصفي رجلًا رياضيًّا، إذا أصبتُ بالفيروس، فلا داعي للقلق، لن أشعر بأي
شيء، وفي حالة ما إذا تأثرتُ بشدة، فسيكون الأمر مثل الإصابة بإنفلونزا بسيطة أو بردٍ عادي». وبعد مرور بضعة أيام فقط، أكد على نحو زائف أن البرازيليين، بطريقة أو بأخرى، محصنون ضد المرض. (حتى 27 مارس، كان في البرازيل ما يقرب من 3 آلاف حالة مؤكدة
).
وكان إنكار بولسونارو صادمًا على نحو خاص؛ لأن العديد من مساعديه المقربين أصيبوا بالمرض، وقد بدا للحظة أنه مصاب به هو الآخر. يقول الخبراء إن إنكار الزعيم البرازيلي يعود جزئيًّا إلى إحجامه العام عن قبول الأدلة العلمية، كما يتبين من رفضه لفكرة تغير المناخ. لكنهم يضيفون أيضًا أن هناك سببًا سياسيًّا واضحًا: إنه يرغب في اكتساب المزيد من السلطة لنفسه على حساب الديمقراطية في البلاد.
وينقل الكاتب عن باولو سوتيرو، الخبير البرازيلي في مركز ويلسون للأبحاث في واشنطن، قوله: «إنه (بولسونارو) يحاول تقديم حلول استبدادية للمشكلة». ويخوض معركة علنية ضد المحافظين الإقليميين للولايات البرازيلية الذين يريدون فعل المزيد لإيقاف الأزمة التي يدَّعي البعض أنها تقدم
له العذر للقول إنه لا يمكنه الوثوق بهم للتعامل مع الموقف على نحو مناسب

وبدلًا من ذلك، يريد بولسونارو – الذي بدا عليه الانجذاب نحو ماضي البرازيل كديكتاتورية عسكرية – إعفاء هؤلاء القادة الإقليميين من مناصبهم وتركيز المزيد من السلطة في يد الرئاسة. وقال سوتيرو: «إنه (بولسونارو) يسعى إلى المواجهة ليتولى زمام الأمور ويفرض سيطرته، كما أن ارتباطه بالمبادئ الديمقراطية ضعيف».
والمفارقة هنا تتمثل في أن أفعاله ربما أصبح لها بالفعل تأثير عكسي: هناك الآن مقالات افتتاحية في الصحف البرازيلية الكبرى تطالبه بالاستقالة من منصبه، وأعداد المؤيدين له في استطلاعات الرأي آخذة في الانخفاض. وليس المرجح أن يقدم استقالته، مما يعني أن الكفاح ضد فيروس كورونا في البرازيل لن يكون مجرد معركة من أجل الصحة العامة. بل ستكون معركة من أجل مستقبل الديمقراطية في البرازيل.
وبالجمع بين هذه الحالات، يتضح لنا أن المشروعات السياسية الرئيسية لشي وسانشيز وبولسونارو اصطدمت باتخاذ الإجراءات اللازمة للتعامل مع فيروس كورونا. وقد تسبب ذلك في مماطلات كبيرة للتعامل مع الأزمة، مما أضر بالآلاف في بلادهم وبلاد أخرى. لكن السياسات ليست سوى جزء من الاستجابة لوباء الإنكار.
تفضيل النمو الاقتصادي على الصحة العامة
وأوضح الكاتب أن: هناك مخاوف كبيرة من الركود العالمي الناجم عن فيروس كورونا أو الوصول إلى حالة الكساد. ويمثل هذا مشكلة خاصة للقادة الذين بنوا شعاراتهم السياسية بالكامل على تعزيز اقتصاد بلادهم، أو الذين يساورهم القلق بشأن ما قد يحدث إذا ما أصبح الملايين عاطلين عن العمل فجأة. وهذا هو السبب في أن البعض منهم – من المكسيك إلى إيطاليا إلى الولايات المتحدة – يضعون الأولوية للنمو الاقتصادي على حساب التدابير المطلوبة للحد من ارتفاع معدلات الإصابة بالفيروس
.خذ مثلًا الرئيس المكسيكي أوبرادور، المعروف باسم «أملو»، في خطاب تلو الآخر، يخبر المكسيكيين بأنه لا يجب عليهم أن يخافوا من كوفيد-19. ورغم تحذيرات مسؤولي الصحة العالمية، يواصل عَقْد مسيرات سياسية، ويقبِّل المؤيدين، ويطلب من المكسيكيين الخروج للتسوق لدعم اقتصاد البلاد المتعثر خلال التباطؤ العالمي. وقال في مقطع فيديو نُشر على «فيسبوك» في 22 مارس: «عِش حياتك كالمعتاد»، ويظهر في الفيديو واقفًا أمام أحد المطاعم. وأضاف: «إذا كان ذلك في استطاعتك ولديك الوسائل لفعل ذلك، فاستمر في الخروج مع عائلتك لتناول الطعام… لأن ذلك يقوِّي الاقتصاد».
وهذا لا يعني أن الاقتصاد ليس في حاجة ماسة إلى الدعم؛ فشركة بتروليوس مكسيكانوس النفطية المملوكة للدولة تعاني من ديون وأزمات، خاصة مع انخفاض أسعار النفط العالمية. وانكمش اقتصاد البلاد بنسبة 0.5% في الربع الرابع من العام الماضي، ويشير العديد من المؤشرات إلى ركود دام لسنوات. وفي الوقت الذي يواجه فيه العالم إمكانية حدوث ركود ناجم عن الجائحة، فليس من المستغرب أن يرغب أملو في تعزيز الاقتصاد.
لكن استجابته البطيئة، لا سيما عدم إجراء اختبارات واسعة النطاق، وتوفير معدات حماية إضافية للمهنيين الطبيين، جعلت المكسيك أقل أمانًا، وبهذا، من المحتمل أن يتسبب ذلك في تدهور اقتصادها على المدى الطويل. وقال أليخاندرو ماثياس، الذي كان بمثابة «قيصر» الحكومة المكسيكية أثناء تفشي مرض إنفلونزا الخنازير (إنفلونزا H1N1) عام 2009: «يجب أن تمنح الأولوية لصحة الناس، وأن تقلق بشأن عدد الذين قد يموتون قبل التفكير في رخاء الاقتصاد».
وذكر الكاتب أن ترامب يتمتع بعقلية مماثلة لعقلية أملو؛ فبعد أشهر من التقليل من شأن المشكلة والتصريح بأن أمريكا سيطرت على انتشار الفيروس، استمع في النهاية إلى خبراء طبيين قالوا إن البلاد بحاجة إلى فرض تدابير التباعد الاجتماعي لإبطاء انتشار فيروس كورونا. ولكن بعد أسابيع قليلة من ذلك، أراد الرئيس أن يعود كل شيء إلى طبيعته. وقال ترامب إنه يريد أن تفتح الشركات أبوابها، وأن يعود الناس إلى العمل بحلول عيد الفصح، في 12 أبريل. وفي مقابلة مع قناة «فوكس نيوز» هذا الأسبوع، قال: «يا له من جدول زمني رائع». وهذا يتعارض مع نصيحة الخبراء الذين قالوا إن الولايات المتحدة بحاجة إلى الاستمرار في التباعد الاجتماعي لعدة أسابيع، وربما حتى لعدة أشهر.
لكن ترامب استمر في الإصرار على أن «العلاج» – إغلاق الاقتصاد مؤقتًا – لا يمكن أن يكون أسوأ من المرض. وقال ترامب الأسبوع الماضي: «ستفتح أمريكا مرة أخرى، وقريبًا، للعمل، وقريبًا جدًّا، وفي وقت أقرب بكثير من ثلاثة أو أربعة أشهر كان يقترحها شخص ما. وعلى عجل، لا يمكننا أن نترك العلاج ليصبح أسوأ من المشكلة نفسها». ومع ذلك، عَكَس ترامب المسار مرة أخرى، واستمع إلى خبرائه الذين قالوا إنه يجب أن يحافظ على استمرار إجراءات التباعد الاجتماعي. والآن، مدَّ العمل بالإرشادات حتى 30 أبريل.
ومع ذلك، ترامب ليس مخطئًا بالكلية عندما أبدى رغبته في فتح البلاد للعمل مرةً أخرى. إذ أظهرت أرقام الأسبوع الماضي أن مطالبات إعانات البطالة قفزت إلى 3.3 مليون، مما حطم الرقم القياسي السابق البالغ 700 ألف دولار في أسبوع واحد. ولا توجد كارثة اقتصادية تلوح في الأفق في أمريكا؛ الكارثة موجودة بالفعل، كما يقول الكاتب
ومع ذلك، هذه ليست الصورة كاملة. والنقاش لا يدور حول بلاد «مفتوحة للعمل» في مقابل بلاد «مغلقة بلا عمل»، ولكنه بالأحرى آلام قصيرة الأجل، مقابل مكاسب طويلة الأجل. وبالفعل، أظهرت دراسة اقتصادية صدرت هذا الأسبوع أن الحكومات التي تتخذ إجراءات احترازية في أزمة صحية تحقق أداءً أفضل عامةً.
وكتب مؤلفو الدراسة: «توصَّلنا إلى أن المدن التي تدخَّلت مبكرًا وعلى نحو أكثر قوة في التعامل مع الأزمة، لا تتحول الأمور فيها إلى الأسوأ، وخلافًا لما يعتقده البعض، تنمو على نحو أسرع بعد انتهاء الوباء. وتشير النتائج التي توصلنا إليها إلى أن [التدخلات غير الدوائية] لا تؤدي إلى انخفاض في معدل الوفيات فحسب، ولكنها تخفف أيضًا من العواقب الاقتصادية السلبية للوباء».
وبحسب آشيش جها، مدير معهد هارفارد للصحة العالمية، يكمن السبب في أن القادة بحاجة إلى اتخاذ إجراءات صارمة في وقت مبكر عندما لا تبدو الأزمة سيئة للغاية. وأخبر آشيش الكاتب قائلًا: «لكن عندما تسوء الأمور إذا تُركَت دون معالجة، فإن الوقت يصبح متأخرًا حقًّا للتعامل مع الأزمة، وتصبح الأشياء التي عليك فعلها أسوأ بكثير».
ولهذه الأسباب وغيرها، قال كل من تحدث إليهم الكاتب إن القادة الذين ينكرون الأزمة بحاجة إلى الخروج من حدود تفكيرهم، والاستماع إلى الخبراء الطبيين في مثل هذا الوقت. والخبراء هم الذين يعرفون ماذا يفعلون ويتصرفون وهم غير مُثْقلين بالمسؤوليات والحسابات السياسية، التي تكبل قادة العالم. لكن إذا استمر الإنكار، فلن يكون المستقبل السياسي وحده على المحك، بل حياة الناس كذلك. يقول شيفمان من جامعة جونز هوبكنز: «من مصلحتهم السياسية التعامل مع الوباء، وهو أيضًا الشيء الصحيح الذي ينبغي لهم فعله».
فيروس كورونا غير موجود على جدول أعمال العديد من القادة
وتابع الكاتب قائلًا: يُظهر العمل الإبداعي للعالِميْن السياسييْن فرانك بومجارتنر، وبريان جونز أهمية جداول الأعمال السياسية وتأثيرها في الفترة التي يقضيها القائد في السلطة. ببساطة، يأتي الزعيم السياسي الجديد ومعه طريقة جديدة يرى العالم من خلالها. وأي شيء يقع خارج هذه الرؤية يصبح أمرًا ثانويًّا بالنسبة للاهتمامات الرئيسية للقادة، بغض النظر عن مدى أهمية هذه الأمور الثانوية
.
وقال بومجارتنر، الذي يعمل الآن في جامعة نورث كارولينا بمدينة تشابل هيل: «الأمر أشبه ما يكون بعلم الأوبئة الذي ليس في بؤرة العلم والمعرفة لدى أي زعيم سياسي». وهو أقل من قضية حزبية أو أيديولوجية وأكبر من قضية شخصية. ويفسر الفرد، أكثر من الانحياز السياسي، التصرفات التي يجب على المرء فعلها في أوقات الأزمات
يكمل الكاتب: في الواقع، أعطاني لو ماثيو كافانا، خبير الصحة العالمية والسياسة في جورج تاون، مثالًا لكيفية تعامل الرئيسين رونالد ريجان، وجورج دبليو بوش، وكلاهما جمهوريان، مع أزمة فيروس نقص المناعة البشرية (الإيدز).
قال كافانا، إن ريجان لم يكن يريد فِعل أي شيء حيال ذلك؛ إذ كان يُنظر إلى الإيدز خلال فترة حكمه على أنه مشكلة تؤثر في المقام الأول في الرجال المثليين، وليس مصدر قلق رئيسي للرئيس المحافظ أو مؤيديه في منظمة الأغلبية الأخلاقية المناهضة لحقوق المثليين صراحةً.
وعلى النقيض من ذلك، وصل بوش إلى السلطة على أساس مساعيه في «المحافظة الرحيمة». وقال لمجلة كاتاليست عام 2018: «الرحمة تعني أن تهتم بالناس، وأن تكون السياسات التي تتبنَّاها تساعد الناس». وعندما أعلن برنامجًا كبيرًا ممولًا بسخاء لمكافحة الوباء في القارة الأفريقية في عام 2002، أخبر الحاضرين في حديقة الزهور بالبيت الأبيض أن «الدمار العالمي لفيروس نقص المناعة البشرية (الإيدز) يُرعب الخيال ويصدم الضمير».
ورأى أن من واجبه كرئيس للولايات المتحدة، المساعدة في حل المشكلة. وكان البرنامج، وما يزال، أحد أعظم المبادرات الصحية العالمية في التاريخ. وأثبت نجاحه لدرجة أن النقاد ما يزالون يلاحظون مدى شعبية بوش في أفريقيا. وإجمالًا، ورغم أنهما ينتميان إلى الحزب السياسي نفسه، كان لكل سياسي أولويات مختلفة، مما أدى بدوره إلى ترتيب مختلف إلى حد كبير لأولويات كل منهما.
وفي حالة جائحة كوفيد-19، انصب اهتمام قادة العالم، مثل ترامب وبولسونارو اللذَيْن أنكرا خطورة المرض، على نطاق واسع على اكتساب سلطة سياسية أو تنمية الاقتصاد. وهذا أمر طبيعي من أحد الوجوه؛ إذ يقول بوليكي، الخبير في مجلس العلاقات الخارجية إن «هناك دوافع سياسية واقتصادية لدى البلاد للتقليل من خطورة ما يحدث» أثناء تفشي أي مرض. ولكن بمعنى آخر، ستواجه مكافحة الفيروس بقوة – والمخاطرة بجوانب أخرى من وقتهم في السلطة- أجندات بعض القادة وتحيزاتهم. وقال كافاناه: «يجب أن يتناسب مستوى تفكير السياسيين مع ما يحدث، فهناك رواية تفيد بأن كل زعيم وسياسي يرتِّب الأمور على أساس شخصيته وطريقته في الحكم، ومن الصعب للغاية أن تقنعهم بالتخلي عن ذلك حتى عندما يواجهون أزمة ما».
وبالنسبة لترامب، تمثلت هذه الرواية في أنه سيعيد أمريكا مرةً أخرى إلى سابق مجدها بمفرده. وفكرة أنه في ظل جائحة فيروس كورونا قد تواجه أمريكا تحديًا لم تواجه مثله مطلقًا في التاريخ الحديث – والأسوأ من ذلك أنها قد لا تكون على استعداد للتعامل معه – تتعارض مع هذه الرواية. وإذا كان ترامب قد أعاد أمريكا إلى سابق مجدها بالفعل، فمن المؤكد أنها ستكون قادرة على التعامل مع بضع مئات من المرضى. لقد أدى فشل ترامب في رؤية ما وراء الأساطير التي نسجها حول رئاسته إلى شعور بالثقة المفرطة عندما يتعلق الأمر بالاستجابة المبكرة لفيروس كورونا؛ إنه سوء تقدير قاتل، على حد وصف الكاتب
متلازمة «الفتى الذي ادعى وجود ذئب»
وأفاد الكاتب بأنه: من المهم أن نتذكر أن فيروس كورونا ليس أول ذعر وبائي كبير يواجهه العالم في السنوات الأخيرة؛ ففي عام 2003، كان هناك سارس، وفي عام 2009، كان هناك (إنفلونزا H1N1)، وفي عام 2012، كان هناك فيروس كورونا، وفي عام 2014، كان هناك فيروس إيبولا، وفي عام 2015، كان هناك فيروس زيكا.
وانتشرت كل هذه الأمراض في جميع أنحاء العالم وقتلت الآلاف، لكنها لم تسبب اضطرابًا على نطاق واسع كما فعل كوفيد-19 في عام 2020. وبدلًا من ذلك، جرى احتواؤها في الغالب في مناطق محددة، مثلما حدث مع مُتلازمة الشرق الأوسط التنفُّسية (ميرس) في الشرق الأوسط
 ولذلك، ليست مفاجأة رهيبة أن بعض القادة وشعوبهم ربما لم يأخذوا كارثة فيروس كورونا على محمل الجد. وقال جها من جامعة هارفارد: «أشعر بتعاطف مع حقيقة أن بعض القادة نظروا إلى هذا الوضع وفكروا، وحدَّثوا أنفسهم قائلين إننا سنكون الدولة المحظوظة التي ستتخطى هذه الأزمة، ولكن العالم لا يعمل وفق هذه الطريقة». لقد كانت الأمراض الأخرى خطيرة على نحو لا يصدق، ولكن ما يجعل كوفيد-19 إشكاليًّا للغاية، هو أن ظهور الأعراض قد يستغرق وقتًا طويلًا
ويعني هذا أن الفيروس يمكن أن ينتقل من شخص إلى آخر حتى حينما لا تظهر عليهم الأعراض. وقد لا تظهر أي أعراض على الأشخاص المصابين، ولكن يستمرون في نقل الفيروس. كل هذا يعني أن فيروس كورونا المستجد أكثر خطورة من تلك الأمراض التي تفشت سابقًا. وكما أشار دانيال ماركوس في مقاله لموقع «Vox»، قتل سارس ومتلازمة الشرق الأوسط التنفسية (وكلاهما فيروسات كورونية) معًا عددًا أقل عامةً من الأشخاص الذين قتلهم هذا الفيروس في أقل من شهرين.
ولكن في الأيام الأولى من تفشي المرض، لم يكن الكثير من هذه المعلومات حول المرض معروفًا، ويرجع ذلك جزئيًّا إلى أن المسؤولين الصينيين، كما ذكرنا آنفًا، تكتموا على التفاصيل المهمة حول الفيروس. وقد يفترض زعيم عالمي يشهد تفشي المرض في منطقة معينة في الصين أنه من المفهوم أنه سيتعامل مع الأمور بالطريقة التي اتَّبعها عند تفشي فيروسات كورونا السابقة، ولن يتخذ خطوات جذرية في وقت مبكر مثل إغلاق الحدود وإصدار أوامر للبقاء في المنزل. وقال بومجارتنر من جامعة نورث كارولينا إن: «هذه الخطوات المطلوبة غير مسبوقة، ولذلك ستكون هناك رغبة في تفكير حالم بأن الأمر ليس بالسوء الذي يقول عنه الخبراء».
ومن المثير للاهتمام على ما يبدو، أن القادة الذين لم ينخرطوا في التفكير بالتمني كانوا، في معظم الأحيان، يوجدون في البلاد التي تتمتع بخبرة في تفشي أمراض سابقة. كانت كوريا الجنوبية على دراية بفيروس سارس، وتذكرت المملكة العربية السعودية الإصابة بمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية. وقبل أن يتفاقم تفشي المرض، اتخذوا الإجراءات اللازمة، مثل إغلاق الحدود مبكرًا، وإجراء الكثير من الاختبارات، لإبطاء انتشار الفيروس.
واختتم الكاتب مقاله قائلًا: «هذا هو الإجراء الصارم السريع الذي ما يزال مطلوبًا الآن. والإنكار سيجعل الأمور تزداد سوءًا».