»

«فورين بوليسي»: هل تخلق العزلة الذاتية بسبب كورونا المزيد من المتطرفين؟

30 آذار 2020
«فورين بوليسي»: هل تخلق العزلة الذاتية بسبب كورونا المزيد من المتطرفين؟
«فورين بوليسي»: هل تخلق العزلة الذاتية بسبب كورونا المزيد من المتطرفين؟

ساسه بوست

نشرت مجلة «فورين بوليسي» الأمريكية مقالًا لنيكيتا مالك، مديرة مركز التطرف والإرهاب في جمعية هنري جاكسون للأبحاث الأمنية في العاصمة لندن، أشارت فيه إلى الآثار الناجمة عن العزلة الذاتية بسبب فيروس كورونا المستجد؛ مؤكدةً أن ملايين الأشخاص القابعين في منازلهم سينكبُّون على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث تنتشر المعلومات المضللة. وتحذر من استغلال الإسلاميين المتطرفين والجماعات اليمِينيَّة المتطرفة الارتباك والخوف المنتشريَن على نطاق واسع لنشر الكراهية.
وفي مستهل مقالها، ذكرت الكاتبة أن أزمة فيروس كورونا دمَّرت العديد من الدول في جميع أنحاء العالم، كما أتاحت الفرصة للجماعات المتطرفة من مختلف الأيديولوجيات لنشر الكراهية. وكما هو الحال غالبًا في أوقات الشك والريبة، انتهز المتطرفون والإرهابيون الفرصة لاستغلال الارتباك والخوف، والوصول إلى جماهير جديدة، وخدمة أغراضهم الخاصة.
وهذا الأمر مثير للقلق لعدة أسباب؛ ففي عام 2014، عندما كان المجتمع الأكاديمي يدرس آثار الدعاية التي يقوم بها تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) على استعداد الأشخاص للسفر إلى الخارج، والانضمام إلى الصراع في العراق وسوريا، كان من الواضح أن جاذبية المُجنِّدِين تكمن في حاجة الجمهور المُستهدَف إلى إدراك مكانتهم في العالم.
ومع توفر المزيد من المعلومات حول أولئك الذين انضموا إلى المنظمات الإرهابية، أو حتى أولئك الذين نفَّذوا هجماتٍ إرهابية في بلادهم، تبين أن القاسم المشترك هو: الحاجة إلى الانتماء إلى مجتمع «داخلي» وارتكاب العنف، أو تدمير طرق حياة أولئك الذين ينتمون إلى المجتمع «الخارجي».
الشك والريبة في أوقات العزلة الذاتية
وأشارت الكاتبة إلى أن الأغلبية تنظر إلى أولئك الذين يَتبنُّون مثل هذه الآراء على أنهم غير متسامحين، ولكنهم يتمتعون في كثير من الأحيان بالقدرة على اجتذاب الأقلية؛ لأن لهم شخصيات جذَّابة ومُلهِمة، أو لأن ادعاءاتهم الغريبة تبدو منطقية في أوقات الشك والريبة.
ولذلك، قد تنخدع سيدة بريطانية تبلغ من العمر 21 عامًا بالخُطَب التي يبثها أنور العولقي على موقع «يوتيوب»، لدرجة أن الحماسة تستبد بها وتُقْدِم على طَعْن عضو في البرلمان لأنه صوَّت لصالح حرب العراق. ثم يقترن الدافع الذي أدَّى إلى اتخاذ القرار – الوحدة والملل – بعامل جذب: مُجنِّد كاريزمي يشرح واجبكَ تجاه إخوانك وأخواتك المسلمين، ويتحدث عن ذلك باللغة الإنجليزية.
ومع انتشار كوفيد-19، تلقى الناس إرشادات للبقاء في المنزل، وهي خطة صحيحة. ولكن لسوء الحظ، هناك مخاطر تتعلق بزيادة استهلاكهم للأخبار المزيفة ونظريات المؤامرة والمواد المتطرفة على الإنترنت؛ في ظل محاولة الناس فهم الأزمة المحدقة بهم. وفي الوقت الذي بذلت فيه الحكومات جهودًا كبيرة لتوفير معلومات دقيقة حول كوفيد-19 عبر الإنترنت، هناك مجالان يتعين على شركات التواصل الاجتماعي أن تظل يقظة فيهما: صعود نظريات المؤامرة، والدور الذي يلعبه هذا الصعود في الدعوات لزيادة أعمال العنف المُستهدَف ضد المجتمعات المُعرَّضة للخطر. وغالبًا ما يؤدي الأول إلى الثاني.
وتتعاون جمعية هنري جاسكون، حيث تعمل الكاتبة، مع شركات وسائل التواصل الاجتماعي لتحديد مقاطع الفيديو المتطرفة، وتقديم النصائح بشأن التخلص من ذلك المحتوى المنتشر عبر الإنترنت. وفي حين أن النظام تحسَّن تحسنًا كبيرًا منذ عام 2015 – باستخدام الخوارزميات الآلية للتعرُّف إلى الرموز والموسيقى والمحتويات الإرهابية، مما يعني أن 98% من هذه المواد قد أُزيل قبل أن يتمكن أي شخص من مشاهدتها – ما تزال الشركات تكافح مع ما يُسمَّى مواد المنطقة الرمادية التي يزدهر فيها التطرف.
وذلك لأن أولئك الذين يُحمِّلون هذا المحتوى على الإنترنت يعرفون تمامًا كيفية تجنب انتهاك الشروط والأحكام، الذي قد يؤدي إلى حذف المواد الخاصة بهم. ولذا، على سبيل المثال، بدلًا من إنكار حدوث الهولوكوست – مما قد يؤدي إلى إزالة مقطع فيديو من موقع يوتيوب – قد يتحايل المتحدث في الفيديو على الأرقام الخاصة بعدد الأشخاص الذين قُتِلوا ليبدو الأمر أقل فظاعة، وجزءًا من نظرية مؤامرة أوسع حَاكَ خيوطها اليهود. (وسوف يستخدمون غالبًا كلمات مُشفَّرة مثل «روتشيلد» أو «سكايبس» للإشارة إلى اليهود حتى لا يتمكن الكمبيوتر من التقاطها).
وأضافت الكاتبة أنه في خِضَم تفشي كوفيد-19، تكشف دراسة مَسْحِية حول «يوتيوب» عن ارتفاع كبير ومفاجئ في مقاطع فيديو بعناوين يوم القيامة والحروب الصليبية والجهاديين، ومن أبرزها مقاطع عن «المهدي»، وهو المُخلِّص الذي يُتوقَّع أن يظهر قبل يوم القيامة، ويخلِّص العالم من الشرور. وبالنسبة للمتطرفين الإسلاميين، يقترن هذا الخطاب بمحاضرات طويلة يناقش المتحدثون فيها مسألة أن كوفيد-19 عقاب من الله. فيما حثَّ تنظيم الدولة الإسلامية أتباعه على عدم «الدخول إلى أرضٍ ينتشر فيها الوباء».
منطقة رمادية
وأردفت الكاتبة قائلةً إن بعض الناشطين الإسلاميين يشيرون إلى أن فيروس كورونا مؤامرة أمريكية يهودية لتقليل عدد سكان العالم، أو أن اليهود أكثر خطورة من أمراض فيروس كورونا والإيدز والكوليرا مجتمعةً. وبالإضافة إلى إثارة الكراهية، غالبًا ما تتميز مقاطع الفيديو الدينية بمعلومات صحية مضللة خطيرة. وتوضح المنشورات التي نُشِرت على وسائل التواصل الاجتماعي في إيران هذا الشهر، أن الناس يَلْعَقون الأضرحة المقدسة في تحدٍ لكوفيد-19، وظاهريًّا «لحماية الحجاج المستقبليين» للأضرحة من الإصابة بالفيروس.
والمعلومات الصحية المضللة منطقة رمادية مهمة لا تغطيها سياسة وسائل التواصل الاجتماعي في الوقت الحالي. ولذلك، يمكن للمستخدمين أن يجادلوا بأن كوفيد-19 ناجم عن المثلية الجنسية، أو يلقوا باللائمة على الجماعات العِرقية والأديان الأخرى؛ ليتوافق ذلك مع نظريات المؤامرة الأوسع. ومن أمام الكاميرا خلال جلسة بث مباشر عبر «فيسبوك»، دعا الناشط السياسي بهجت صابر، المقيم في نيويورك، بهدوء وعقلانية المصريين الذين أصيبوا بفيروس كورونا للانتقام من المسؤولين الحكوميين والموظفين الحكوميين، عن طريق نقل العدوى عمدًا إليهم!
ولفتت الكاتبة إلى مذكرة حديثة لمكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي) تصف كيف يحث المتطرفون اليمينيون على نشر فيروس كورونا بين اليهود. وتشجع الرسائل التي تنشرها المجموعات بين أعضائها على استخدام «زجاجات رش» مملوءة بسوائل جسم مُعدِية لمهاجمة الشرطة، والسفر إلى أي مكان قد يتجمع فيه اليهود، لا سيما «الأسواق، والمكاتب السياسية، والشركات، ودُور العبادة».
وفي المملكة المتحدة، يشير ملصق نشرته الحركة الاشتراكية الوطنية البريطانية على «فيسبوك» إلى أنه إذا أُصبْتَ بكوفيد-19، يجب عليك زيارة المسجد أو الكنيس المحلي وقضاء بعض الوقت في أحياءٍ متنوعة؛ إذ «ثبت سريريًّا أن التعرض المتزايد لبيئات متنوعة يوفر فوائد قصيرة وطويلة المدى لوظيفة جهاز المناعة». وعلى تطبيق تيليجرام، سأل ميلو يانوبولوس، العضو البارز في حركة اليمين المتطرف البديل، متابعيه في استطلاع للرأي عن «أكبر خدعة في حياتنا: المطر الحمضي، تغير المناخ، إساءة استخدام الشعائر الشيطانية، فيروس كورونا». وانتهزت الجماعات اليمينية المتطرفة هذه الفرصة لنشر نظريات المؤامرة، والتحريض على الانتهاكات العِرقية ضد مجتمعات الشتات الآسيوية.
عذاب أليم
وأوضحت الكاتبة أن بحثًا أجرته رابطة مكافحة التشهير، على سبيل المثال، توصَّل إلى أن هناك رسومًا متحركة على الإنترنت تصف أحد الآسيويين بأنه «دب الإنفلونزا – Winnie the Flu (نسجًا على اسم Winnie-the-Pooh، شخصية الدب الخيالية في كتاب دون ويني بوه)»، وصورًا عنيفة ضد الآسيويين على منصات صديقة للتطرف مثل تليجرام وفورتشان وجاب. وهناك جهات حكومية كالصين تقدم يد العون لحملات التضليل لتوجيه اللوم إلى الإجراءات الحكومية – وروسيا، التي تتطلع إلى زيادة الانقسامات، ونشر بذور عدم الثقة، وتفاقم حالات الأزمات.
وهذا الخطاب الضار المفعم بالكراهية ضد بعض الجماعات العِرقية، والديانات، والمجتمعات المحلية يقترن بمنظمات إرهابية تُصدر أوامر جديدة لمهاجمة بعض البلدان لأنها مشغولة بمخاوف انتشار كوفيد-19. على سبيل المثال، في افتتاحية صحيفة «النبأ» الأسبوعية التي يصدرها داعش، والتي وُزِّعت الأسبوع الماضي، وصفت الجماعة الوباء بأنه «عذاب أليم» من رب السماء ضد الجيوش «الصليبية» وقوات الأمن، التي أرهقها دعم الجهود الخاصة بالتعامل مع الوباء. وبالنظر إلى أن الجماعة تُقيِّد من انتشار جهادييها في الخارج، فقد أمرت أنصارها بالاستفادة من الوباء لتحرير السجناء من «سجون المشركين ومعسكرات الإذلال».
وشددت الكاتبة على أنه من الواضح أنه كلما زاد عدد الأشخاص المنعزلين اجتماعيًّا – كما هو مطلوب – فإنهم سيمكثون في منازلهم وسيحصلون على إجابات لأسئلتهم من المعلومات الموجودة على شبكات التواصل الاجتماعي. لذلك، من الضروري أن تعمل شركات وسائل التواصل الاجتماعي والحكومات على إيقاف المعلومات المضللة الصادرة عن جميع أشكال الأيديولوجيات. وفي حال تعذر حذف المحتوى، فإنه يجب مراقبته.
ويضمن هذا أن هذه المواد لن تتحول إلى كرة ثلج من العنف والأعمال الإرهابية على أرض الواقع، وليس على الإنترنت، كما حدث مع الدعاية الخاصة بالإرهاب. وفي حين قُدِّم الكثير لتثقيف الناس حول غسل أيديهم بالماء والصابون، يجب أيضًا تقديم المزيد لمواجهة المتطرفين الذين يسعون إلى نشر أجنداتهم البغيضة. وتتمثل إحدى طرق معالجة هذا الأمر بسرعة في إنشاء علامة جديدة للإبلاغ عن المعلومات المضللة على «يوتيوب» و«فيسبوك»، والتي ستتيح للمستخدمين تحديد المحتوى غير الصحيح أو الضار تحديدًا حقيقيًّا.
وعلاوةً على ذلك، يمكن أيضًا توظيف الدروس المستفادة من استخدام الدعاية المضادة في مكافحة الإرهاب – إذ استُخدِمت مقاطع الفيديو المتعلقة بواقع وحشية داعش إلى جانب الدعاية الخاصة بالتنظيم – للتعامل مع المحتوى المتطرف الذي يتصاعد نتيجة لانتشار كوفيد-19.
واختتمت الكاتبة مقالها مؤكدةً «أن الاستجابة المقصودة والمنسقة والاستباقية من شركات وسائل التواصل الاجتماعي، هي الطريقة الوحيدة لضمان أن أولئك الذين يعزلون أنفسهم في المنزل ستتوفر لهم الحماية أيضًا من الإصابة بمعلومات مضللة».