»

لعبة ترامب الكونية

26 آذار 2020
لعبة ترامب الكونية
لعبة ترامب الكونية

خليل عجمي

هي خسائر في كفة ميزان الربح أم أرباح في الكفة المقابلة سيعاً وراء ولاية ثانية لا يهم حجم تكلفتها حتى ولو قلبت الكوكب .. هذه هي الحال مع رجل جاء من عالم الاعمال إلى عالم السياسية.
هي صدفة أم أنه المكتوب أن يصل رجل أعمال "كاريكاتيري" إلى سدة الرئاسة الاولى في "أعظم" دولة على الكوكب في التاريخ الحديث، كي يسرّع الأحداث بطريقة جنونية لمصلحة شعوب الدول الأخرى (رغم المآسي) جراء قرارات نقلت دوائر القرار في الدول المستهدفة بإجراءاته، من المنطقة الرمادية (الديبلوماسية) إلى المنطقة "الاسود أو الأبيض" (المواجهة بأشكال مختلفة).
ربما لا يدري الرئيس الاميركي دونالد ترامب "رجل منطق العرض والطلب كونه رجل أعمال". أن في عالم السياسة، ثلاثة أنماط من القادة لا رابع لهم (إذا استبعدنا القادة الدمى أو الوصوليين)، وهم: "الديبلوماسي، ولاعب الشطرنج، ولاعب البوكر (المغامر)".
وبعيداً عن الأفضل بين هذه الأنماط (لأن المواقف محكومة بالمعطيات)، فإن منطق العرض والطلب ليس دائماً "سلعة رابحة"، وذلك لأن الأمور محكومة بمنطق المعايير والمقاربات من مختلف الاتجاهات للوصول إلى قاعدة "وماذا بعد. وأين المصلحة العليا"، وفي ضوء ذلك، يُتخذ القرار.
لسوء حظ ترامب (رئيس دولة لم تبلغ من العمر ال 300 عاماً بعد)، انه يستهدف دولاً تعود جذورها في التاريخ لآلاف السنيين. عرفت المجاعة والحروب، وخرجت من رحم التجارب والمعاناة أصلب من قبل. فمن الصين (العدو الاقتصادي الاول له) إلى الجانب الشمالي من كوريا (حيث فشل في ترويض زعيمه كيم جونغ أون)، مروراً ببلاد فارس وبلاد الرافدين وبلاد الشام وتركيا (التي فرض عليها عقوبات بعد توقيعها صفقة (اس 400 الروسية الصنع)، وروسيا (التي تواجه أيضاً حزمة العقوبات الاقتصادية للحد من حرية حركتها شرق اوسطياً  وفي اميركا الجنوبية)، واوروبا (حيث حاول جاهداً تفكيك الاتحاد الاوروبي لضرب اليورو، عبر مكتب صغير في بروكسل، كانت مهمته إحياء الشعور القومي لدى مجتمعات القارة العجوز، فلم ينجح إلا بإخراج بريطانيا)، ووصولاً إلى اميركا الجنوبية (الحديقة الخلفية للولايات المتحدة) حيث فشل حتى الآن بإخضاع الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو.
ففي ظل ما يُشاع من اتهامات (حيث لا دليل حسي بشأنها، أقله بين العامة)، فإن ما يتم تداوله ولو بحياء، يحمل على الاعتقاد بأن ترامب اتخذ قراراً بشن حرب جرثومية (كورونا) على الكوكب لضرب الاقتصاد العالمي، والاقتصاد الصيني على الاخص (حيث تمتلك بكين اكبر احتياط من العملة الاميركية الورقية).
وفي هذا السياق، كانت بكين قد بدأت تثير الشكوك في أواخر شباط/فبراير الماضي، عندما أخبر الخبير في لجنة الصحة الوطنية الصينية تشونغ نانشان، الصحافيين "أن الوباء ظهر لأول مرة في الصين، ولكن لم يكن منشأه بالضرورة في الصين".
لاحقاً، المتحدث باسم الحكومة الصينية تشاو لي جيان، ورداً على وصف وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو الوباء بأنه «فيروس ووهان»، تساءل عبر حسابه بموقع تويتر في 12 أذار الجاري قائلاً: "متى ظهر المرض (كورونا) في الولايات المتحدة؟ وكم عدد الذين أصيبوا؟ وما أسماء المستشفيات؟"، مضيفاً: "ربما جلب الجيش الأميركي الوباء إلى ووهان. تحلوا بالشفافية! أعلنوا بياناتكم! أمريكا مدينة لنا بتفسير".
وفي اليوم التالي استدعت الخارجية الاميركية السفير الصيني لديها على خلفية الاتهامات، وقالت "إن هذا الاستدعاء يأتي للاحتجاج على تعليقات تشاو لي جيان، قال فيها إن الجيش الأميركي قد يكون هو الذي جلب "كوفيد – 19" إلى مدينة ووهان.
وكان المتحدث باسم الخارجية الصينية غنغ شوانغ تجنّب الرد على أسئلة حول ما إذا كانت بكين تنحي باللائمة على واشنطن في تفشي "كورونا"، واكتفى بالقول إن "المجتمع الدولي بما في ذلك الولايات المتحدة، لديه أفكار مختلفة حول أصل الفيروس"، مشيراً إلى أن "الصين ومنذ البداية تعتقد أن أصل الفيروس ومنشأه، هو مسألة علمية".
ورد بومبيو معرباً أعرب عن اعتراض واشنطن الشديد على اتهامات الصين للولايات المتحدة. وقالت الخارجية الأميركية إن بومبيو نقل في مكالمة هاتفية في 16 آذار الجاري مع ديبلوماسي صيني بارز "اعتراضات أميركية قوية على ما تراه من مساع صينية لتوجيه اتهامات للولايات المتحدة بشأن فيروس كورونا المستجد". وأضافت أن بومبيو شدد على أن "هذا ليس الوقت المناسب لنشر المعلومات المضللة والشائعات الغريبة".
وفي ظل هذه الاجواء، بدأ سؤال يطرح نفسه حول ما إذا كان فيروس "كورونا" قد خرج من أحد مختبرات الجيش الأميركي؟"، حيث طالب خبراء صينيين البيت الأبيض بتوضيحات حول سبب إغلاق مختبر فورت ديتريك للأبحاث على الجراثيم والفيروسات التابع للقيادة الطبية للجيش الأميركي في مدينة فريدريك - ماريلاند نهاية العام الماضي".
ونقل موقع "غلوبال تايمز" الصيني عن خبراء صينيين إشارتهم الى مقال نشرته صحيفة "نيويورك تايمز"، في الخامس من آب/اغسطس الماضي، تحت عنوان "وقف أبحاث الجراثيم المميتة في مختبر للجيش بسبب مخاوف تتعلق بالسلامة"، وجاء فيه أن "مخاوف الحكومة حول السلامة في المختبر أدت إلى وقف الأبحاث التي تنطوي على ميكروبات خطيرة مثل فيروس إيبولا".
وأعلن معهد البحوث الطبية للأمراض المعدية التابع للجيش في فورت ديتريك، حينها، أن الإغلاق من المحتمل أن يستمر شهوراً، وأكد أنه لم يكن هناك تهديد للصحة العامة، ولا إصابات للموظفين ولا تسرّب للمواد الخطرة خارج المختبر"، فيما أعلن مركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها الأميركي CDC، في بيان يومها، إنه أمر بوقف الأبحاث في فورت ديتريك لأن المركز "لم تكن لديه أنظمة كافية لتطهير مياه الصرف الصحي" من مختبراته الأكثر أمان.
بالتزامن، أقالت شركة (CureVac AG) الألمانية للأدوية البيولوجية، رئيسها التنفيذي دانيال مينيشيلا من منصبه، بعدما الْتقى ترامب لبحث تطوير لقاح لفيروس كورونا.
وفي التفاصيل التي سبقت إقالة الرئيس التنفيذي، قالت الشركة في بيان نشرته على موقعها، إن مينيشيلا ناقش تطوير لقاح فيروس "كورونا" مع ترامب وأعضاء فريقه في البيت الأبيض. وأضافت أنه تمت دعوة مينيشيلا إلى البيت الأبيض لمناقشة الاستراتيجيات والفرص للتطوير وإنتاج لقاح لفيروس كورونا، مشيرة
إلى أن مينيشيلا قال خلال اللقاء إنه واثق جدًّا من قدرة شركته على تطوير لقاح فعال في غضون بضعة أشهر.
التحرك الاميركي حيال الرئيس التنفيذي للشركة الالمانية حمل عدد من المسؤولين الألمان إلى انتقاد واشنطن في مسعاها لاحتكار الحقوق الحصرية لعقار ضد فيروس كورونا يتم تطويره حالياً من قبل شركة (CureVac AG) الواقعة في مدينة توبينغن، على بعد 30 كيلومترا جنوب شتوتغارت.
وقال وزير الاقتصاد الألماني بيتر ألتماير، الحليف المقرب للمستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، في رسالة الاثنين (16 آذار/آذار) "ألمانيا ليست للبيع".
وكانت صحيفة "فيلت ام زونتاغ" الالمانية قد أفادت الأحد (15 آذار/مارس) نقلا عن مصادر حكومية في برلين بأن واشنطن عرضت على الشركة، مليار دولار للحصول على الحقوق الحصرية للقاح.
وإذا صح الكلام، فهل كان ترامب يحاول السعي لاحتكار هذا اللقاح، بعدما اعتمد نمط "لاعب البوكر" الذي غامر بتعطيل الحياة اليومية على الكوكب، جراء قطع الاوصال بين الامم بعد اغلاق المجالات الجوية بين الدول .. وما لذلك من تأثير ذلك على اقتصاديات الدول، ليخرج فجأة بهذا اللقاح العجائبي كبائع وحيد في السوق، وبالتالي جر الدول إلى "بيت الطاعة".