»

الفرق بين "أردوغان في أنقرة" و"أردوغان في موسكو"

11 آذار 2020
الفرق بين "أردوغان في أنقرة" و"أردوغان في موسكو"
الفرق بين "أردوغان في أنقرة" و"أردوغان في موسكو"

جريدة الأخبار

يوم الخميس الماضي(5 مارس)، التقى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بنظيره الروسي فلاديمير بوتين في موسكو، لمناقشة ملف محافظة "إدلب" السورية.
لا شك أن وجه أردوغان في الاجتماع قد عكس كل الخفايا ولخص كل التحليلات. لذلك، إذا كنتم تبحثون عن تحليل واضح ودقيق لما حدث بين أردوغان وبوتين، أو إذا كنتم تريدون معلومات عن الرأي العام التركي، وأخيراً إذا كنتم ترغبون في معرفة حقيقة "إدلب"، فما عليكم سوى النظر إلى وجه أردوغان "المهان والمكسور والمحبط".
الشخص الذي كان يرعد ويزبد لساعات، ويهدد ويرسم الخطوط الحمراء، وکان يطلب من الروس الابتعاد عن طريقه، وجعل الإرهابيين يحبسون أنفاسهم في انتظار تدمير الجيش السوري وحلفائه،كان أردوغاناً آخر في موسكو، حيث کان "محبباً ... مهذباً ... لطيفاً"، ولم يكن هناك ما يشير إلى "الفظاظة والوقاحة" فيه.
إذا كان أردوغان ذكياً قليلاً، وکان يتصرف من منطلق المنطق والحکمة وليس المغامرة،لم يکن بحاجة لوضع نفسه في مثل هذه الظروف المهينة. كما لم تكن هناك حاجة للسفر إلى موسكو ومقابلة بوتين.
ومن الغريب أنهم حتى داخل تركيا يدركون ذلك. وإذا لم يكن الأمر كذلك، فلم تکن وسائل الإعلام التركية، سواءً كانت مؤيدةً أم لا، لتعرب عن ارتياحها من زيارة بوتين وأردوغان والاتفاق الذي تم التوصل إليه. وهذا يدل على أن المجتمع التركي لديه فهم جيد للوضع الحالي والمعادلات التي تحكم الساحة الدولية والمنطقة وسوريا، وموقع كل جهة فاعلة وخاصةً تركيا.
ولا شك أن أردوغان كان مدركًا لكل هذه المعادلات، لكن اعتداده بنفسه وغبائه لم يؤديا فقط إلى تآكل مصداقيته، ولكن تسببا أيضًا في انقسامات كبيرة وخلافات عميقة داخل بلده.
إنجازات غباء أردوغان
لم تكن نتيجة سياسات وإجراءات أردوغان لشعبه سوى الإذلال ومقتل عدد من جيشهم. ولکن على العكس من ذلك، زادت ثقة حلفاء النظام السوري في مواصلة سياساتهم واستراتيجيتهم في إدلب وإلحاق الأضرار بالجيش التركي.
غباء أردوغان قضی علی اعتداده بنفسه وغروره، والإهانة التي تعرض لها جعلته يفاخر باتفاقه مع الروس، الأمر الذي انعكس في وسائل الإعلام التركية خلال التغطية الإخبارية للاجتماع والاتفاق أيضًا.
حيث لم تعد هناك أي تصريحات قاسية ومسيئة ضد سوريا، وللمرة الأولى منذ التوقيع على الاتفاق، استخدم أردوغان كلمة "الدولتان المسلمتان" لوصف تركيا وسوريا، قائلاً إنه "بهذا الاتفاق توقفت الحرب بين البلدين المسلمين".
ومن النتائج الأخرى لنهج الحكومة التركية تجاه سوريا، کان تراجع شعبية أردوغان داخل بلاده.
الفخ الذي نصبه ترامب لأردوغان
ما يمكن استنتاجه من تصرفات أردوغان الأخيرة، هو أن الرئيس التركي وقع في فخ نصبته له الولايات المتحدة في سوريا.
فبينما في السابق کانت الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي يصفان تركيا بأنها حليفتهم، ويدعيان دعم أنقرة في إستراتيجياتها العسكرية والسياسية ضد سوريا، رأينا كيف أنهم وبعد أن "دفعوا" أردوغان إلى الهاوية السورية، أداروا له الظهر وتجنبوا أي تدخل عسكري في سوريا، وبعد مناشدات أردوغان وتهديداته، اکتفوا بتقديم مساعدة محدودة له.
وفي هذا الصدد، نقلت قناة فوكس نيوز عن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الأسبوع الماضي قوله، إنه "إذا كانت تركيا تريد القتال مع سوريا، فلا نرى أي حاجة للوقوف بينهم ومنعهم".
لكن هذا لا يعني منع حلفاء الولايات المتحدة، بما في ذلك تركيا، من الدخول مباشرةً في مواجهة عسكرية، بل هو حافز أيضاً لأنقرة للدخول في مثل هذه المعرکة نيابةً عن الأمريكيين.
وتمشياً مع هذا النهج، أرسل البيت الأبيض "جيمس جيفري" الممثل الخاص للولايات المتحدة لسوريا، إلى اسطنبول. جيفري وبعد لقاء المسؤولين الأتراك، تحدث عن المساعدات العسكرية الأمريكية ودعم أردوغان لمواصلة الحرب في إدلب، وبقاء الإرهابيين
التكفيريين الذين يسمونهم لاجئين مدنيين في هذه المحافظة السورية.
السعي لإحداث الفتنة بين أنقرة – طهران
في غضون ذلك، نشرت وسائل الإعلام البريطانية مقاطع فيديو حول كيفية تعامل الشرطة التركية مع طالبي اللجوء. وتُظهر مقاطع الفيديو كيف قامت الشرطة التركية بإبعاد طالبي اللجوء قسراً من البلاد ليشقوا طريقهم إلى اليونان.
والشيء المهم هو أن وسائل الإعلام الإنجليزية نشرت فقط الأفلام التي تحتوي على طالبي اللجوء الإيرانيين، وكانت تحاول إظهار كيف تعرضوا للإذلال من قبل الشرطة التركية.
قصة أردوغان والقطة السوداء
عندما سئل أردوغان حين عودته من موسكو عن تغيير نهجه تجاه سوريا وروسيا، تحدث عن "قطة سوداء" رداً على السؤال، والتي أدت إلى توتر العلاقات بين أنقرة وموسكو. وعندما سُئل هل تعني كلمة القطة السوداء "إسرائيل"؟ نفی أردوغان ذلك وصرح بأنها أكبر من "إسرائيل".
يقول الخبراء إن أردوغان يشير من خلال القطة الأكبر إلى أمريكا، وهو اعتراف ضمني بتدخل البيت الأبيض في العلاقات بين أنقرة وموسكو. ووفقًا للمحللين، بالإضافة إلی ما تم التوصل إليه بين أردوغان وبوتين من اتفاقات معلنة، تم التوصل إلى اتفاقات السرية أيضاً، بما في ذلك:
-
ستوفر القوات الروسية الأمن في "سراقب".
-
سيوفر الجيش السوري الأمن لطريق الشام - حلب السريع.
-
إنشاء مجموعة عمل مشتركة للتعامل مع طالبي اللجوء.
-
تركيا ملزمة بنزع سلاح الجماعات الإرهابية في إدلب، في فترة تحددها روسيا لهذا البلد.
-
سيعود الإرهابيون الأجانب إلى بلادهم وسيحاكمون.
-
تسيير دوريات مشتركة بين روسيا وتركيا.
يعتقد مجموعة من المحللين الأتراك، أن الخطوة الأمريكية القادمة في سوريا، وبعد هزيمة خطة المواجهة العسكرية بين تركيا وروسيا، هي خلق مواجهة بين إيران وتركيا، وحتى إشعال الحرب بين البلدين، لذلك، إذ يعربون عن قلقهم البالغ في هذا الصدد،
يحذرون الحكومة التركية بشدة من الوقوع في هذه المؤامرة الأمريكية الإسرائيلية السعودية.
ويری هؤلاء المحللون أن نشر بعض وسائل الإعلام داخل تركيا أخباراً حول تفشي كورونا في إيران، وحالة هذا المرض في مدن إيران المختلفة، ومزج هذه الأخبار بمعلومات خاطئة، أو نشر أخبار وتقارير مسيئة ومنتقدة حول ضحايا هذا المرض وكيفية التعامل
معهم في إيران، يأتي في سياق تنفيذ مثل هذه المؤامرة.
هذا في حين أن تركيا نفسها تحظر نشر أي أرقام عن الفيروس، ويجب أن يتم نشر أي خبر في هذا الصدد بإذن من السلطات. وهذا يشمل أيضاً الأخبار المتعلقة بإدلب.
في الواقع، هذه التهديدات موجهة إلی کل هذه الدول الأربع -روسيا وسوريا وإيران وتركيا-، وتبين أن الولايات المتحدة والکيان الإسرائيلي سيبذلان قصارى جهدهما لمنع هذا المحور من تحقيق أهدافه.