»

عسكرة مدارس إسرائيل.. كيف يتحول أطفال اليوم إلى «قتلة الأطفال» في المستقبل؟

19 شباط 2020
عسكرة مدارس إسرائيل.. كيف يتحول أطفال اليوم إلى «قتلة الأطفال» في المستقبل؟
عسكرة مدارس إسرائيل.. كيف يتحول أطفال اليوم إلى «قتلة الأطفال» في المستقبل؟

ساسة بوست

تنال الحركات الفلسطينيّة الكثير من الانتقادات بسبب البرامج التدريبيّة العسكريّة الموجّهة للأطفال والمراهقين الفلسطينيين، من بينها مخيّمات «طلائع التحرير» حيث يُجري فتية غزّة تدريبات جسديّة عسكرية وأخرى على استخدام الأسلحة، وغالبًا ما تترافق هذه المخيّمات التدريبيّة مع هجوم إعلامي شديد من وسائل إعلام عربيّة وإسرائيليّة باعتبار أن هذه الحركات الفلسطينيّة تستغلّ الأطفال بإقحامهم في صراعات سياسيّة، أو تحرضهم على ارتكاب أعمال العنف منذ سنّ مبكّرة، في انتهاك لحقوق الأطفال، بحسب المنتقدين. تنال الحركات الفلسطينيّة الكثير من الانتقادات بسبب البرامج التدريبيّة العسكريّة الموجّهة للأطفال والمراهقين الفلسطينيين، من بينها مخيّمات «طلائع التحرير» حيث يُجري فتية غزّة تدريبات جسديّة عسكرية وأخرى على استخدام الأسلحة، وغالبًا ما تترافق هذه المخيّمات التدريبيّة مع هجوم إعلامي شديد من وسائل إعلام عربيّة وإسرائيليّة باعتبار أن هذه الحركات الفلسطينيّة تستغلّ الأطفال بإقحامهم في صراعات سياسيّة، أو تحرضهم على ارتكاب أعمال العنف منذ سنّ مبكّرة، في انتهاك لحقوق الأطفال، بحسب المنتقدين.
في المُقابل فإن الجيش الإسرائيلي يمتلك عشرات البرامج والمخيّمات والخطط المصمّمة خصّيصًا من أجل ترسيخ لدى الأطفال فكرة أن الجيش والحرب بالضرورة هي مسلَّمة بديهية بالنسبة للمجتمع الإسرائيلي الذي يُدفع نحو العسكرة بشكل متواصل، فالجيش الذي تعداده 718 ألف نسمة يتكوّن من 550 ألف من قوّات الاحتياط، في مجتمع لا يتجاوز 8 مليون نسمة، وبالتالي فإن تعداد الجيش بالنسبة إلى عدد السكّان يُقارب العُشر، وهي من أعلى النسب في العالم.
ومن أجل الحفاظ على هذه النسبة الكبيرة من الانخراط في صفوفه، خصوصًا في ظلّ محيط إقليميّ معادٍ وظروف جيو – إستراتيجيّة فريدة من نوعها، يستخدم الجيش الإسرائيلي شتّى الوسائل ويخترق مختلف مناحي الحياة والمؤسّسات المدنيّة قصد تجنيد الشبّاب وتوظيف المواهب داخل صفوفه ووحداته القتاليّة.
ففي الوقت الذي تمتدّ فيه أذرع الجيش الإسرائيليّ إلى الحكومة من خلال الحضور الطاغي لجنرالاته السابقين في الوزرات ومواقع المسؤوليّة المدنيّة بعد التقاعد، بالإضافة إلى نفوذه القويّ في الساحة الاقتصاديّة، فإن هذا النفوذ لا يتوقّف عند هذا الحدّ، بل تصل أذرعه إلى قاعات الدراسة، وذلك بقصد تجنيد العناصر المستقبليّة في صفوفه منذ وقت مبكّر، ويمتدّ إلى غاية التدخّل في المناهج الدراسية نفسها، وحتّى حضّ الأساتذة على تشجيع الطلبة على الالتحاق بالجيش
قاعات الدراسة.. مكاتب تجنيد في أوقات الفراغ
يعمل الجيش الإسرائيليّ بشكل مستمر على الحفاظ على الكتلة البشريّة الكميّة والنوعيّة التي تخدم في مختلف وحداته القتاليّة، وتلعب المدارس والجامعات دورًا محوريًا في هذه الإستراتيجيّة باعتبارها مصادر طبيعيّة للتجنيد واكتشاف المواهب التي من شأنها إثراء صفوفه، ولذلك فإن زيارات الجنرالات الإسرائيليّين وكبار الضبّاط إلى المدارس والجامعات تتمّ بصورة دوريّة، كما أن هنالك الكثير من الاتفاقيّات بين وزارة التعليم والجيش الإسرائيليّ للتحكم في البرامج التعليمية، وتشجيع الطلبة على الانضمام إلى الجيش.
في كتابه «ما بعد إسرائيل» ينتقد مارسيلو سفيرسكي الكاتب الإسرائيلي والمحاضر في جامعة ولونجونج بأستراليا عسكَرَة قاعات الدراسة الإسرائيلية من خلال الحضور الطاغي للجيش الإسرائيلي في المنظومة التعليمية وبصمات وحداته العسكريّة في المدارس، وذلك من أجل استقطاب الطلاّب للانخراط في صفوفه.
يذكر سفيرسكي في كتابه أنّ وزارة التعليم صمّمت برنامجًا يُسمّى «الجيل التالي»، وهو مشروع مشترك بين «جمعية وإدارة الشباب» التابعة لوزارة التعليم وبين الجيش الإسرائيلي، والهدف منه هو تشجيع الشباب على الخدمة العسكريّة في وحدات القتال، إذ يُقابل ضباط من الجيش الإسرائيلي ذوي رتب عليا الطلاب في مدارس ليشاركوهم قصصهم الشخصية والقتالية، ويساعدوهم على اختيار الوحدات القتالية التي سينضمّون إليها، حسبما جاء في الكتاب.
زيارات القادة العسكريين الإسرائيليين للمدارس تتمّ باستمرار، ولا يستثنى من ذلك حتّى كبار الجنرالات، وذلك قصد تشجيع الطلبة على الالتحاق ببرنامج التجنيد الاجباري التي تعتمده إسرائيل والذي يستمرّ لمدّة ثلاث سنوات؛ إذ ترسل وزارة الدفاع حوالي 7 آلاف جندي إلى 450 مدرسة عليا «لتعزيز رغبة المراهقين للتجنيد».
يذكر الكتاب أنّ الجيش الإسرائيليّ يستعمل الحوافز الماديّة من أجل تجشيع المدارس على حضّ الطلبة للالتحاق بالجيش: في سنة 2009، كتبت ريلا مازلي في تقرير: «دعت وزارة التعليم 600 من مديري المدارس ليستمعوا إلى محاضرة يلقيها الجنرال جابي أشكنازي، رئيس الأركان حول الأهمية الاجتماعية للتجنيد الإجباري، وفي شهر نوفمبر (تشرين الثاني) 2012 أطلقت وزارة التعليم الإسرائيلية رزمة جديدة من الحوافز المالية للمدارس العليا: مكافأة نسبية تدفع للمدرسين على أساس النسبة المئوية للطلاب الذين يؤدون خدمة عسكرية أو خدمة مدنية أو قومية. مبدأ المكافآت النسبية هي جزء من إصلاح وقع من اتحاد مدرسي المدارس الثانوية».
اللغة العربية.. ذراع المخابرات الإسرئيلية في قاعة التدريس
تتسلل الأذرع العسكريّة والمخابراتيّة إلى قاعات الدرس الإسرائيليّة حتّى في المقرّرات التعليمية التي من المفترض أن تلتزم حصرًا بالجانب العلمي. يدرس الطلبة الإسرائيليّون اللغة العربية في المقرّر الدراسي، لكن الهدف من هذه المادّة الدراسية وأسلوب تصميم مقرّرها التعليمي أبعد من مجرّد تعلّم لُغة مستعملة في الداخل الإسرائيليّ من طرف العرب، بل إن البعد العسكري المخابراتي هو المُحدّد الرئيس في تدريس هذه المادّة
كشفت الأبحاث أن المقرّر الدراسي للغة العربية في المدارس الإسرائيليّة جرى تصميمه من طرف وحدة استخباراتية تابعة للجيش الإسرائيلي تُدعى «تلم ديزاين»، دور هذه الوحدة الاستخباراتيّة العسكريّة هو التجسّس على حياة الفلسطينيين الجنسيّة وشؤونهم الماليّة والصحيّة من أجل تجنيد المتعاونين المُحتملين و«قلب الفلسطينيين ضد بعضهم». 
يقول الباحث يوناتان ميندل لـ«ميدل إيست آي»: «الهدف من تعليم العربية في المدارس الإسرائيلية هو تكوين الطلبة ليصبحوا مكوّنات مفيدة في المنظومة العسكرية، تدريبهم ليصبحوا ضبّاطًا أذكياء». ويضيف الباحث مندل أنّ المنظومة التعليمية الإسرائيليّة تتعمّد تدريس العربيّة «بدون مشاعر» وذلك خشية ارتباط الطلبة باللغة وإعجابهم بها، وهو ما قد يؤدّي إلى اعتبار الفلسطينيين أصدقاء مُحتملين، وهو ما قد يؤدّي بالطلبة إلى التعاون مع الطرف الآخر من وجهة النظر الاستخباراتية، ولذلك فإن العربيّة في المدارس الإسرائيليّة لا تُدرّس من طرف أساتذة عرب
في الصفوف المتقدّمة للغة العربية يتم التركيز في المقرر الدراسي على عمليات الاغتيال الناجحة التي نفذتها إسرائيل ضد أبرز وجوه المقاومة الفلسطينيّة والتي تعتبرها إسرائيل مدعاة للفخر، من بينها «درس حول اغتيال أبي جهاد ويحيى عيّاش وقاشد حزب الله عبّاس موسوي، إلى جانب دروس أخرى عن خطر الأنفاق». حسب موقع «العسّاس» الفلسطيني
وقد خلصت ورقة بحثيّة للباحث دانا جولد عن جامعة ويسترن الكنديّة، إلى أنّ تأثير الجيش على المنظومة التعليمية في إسرائيل مسؤول بشكل واسع على رسم صورة سلبيّة لدى الطلبة عن «الآخر»، أي الفلسطينيين بالتحديد، من أجل تحضير الأطفال الإسرائيليين للحرب
المخيّمات الصيفية.. لهو على الطريقة العسكرية
بسبب الوضع الإقليمي المتوتّر في البلدان المحيطة بإسرائيل، بالإضافة إلى الأوضاع السياسيّة المتعقدّة في الداخل الإسرائيلي، فكثيرًا ما تتحول وزارة التعليم الإسرائيلية إلى ورقة سياسية تتصارع حولها مختلف الأحزاب من أجل التموقع في الانتخابات، وتبرز ملفّات «عسكرة المدارس» و«تديين المدارس» من طرف اليمين الإسرائيلي باعتبارها قضايا ساخنة للصراع الحزبي في إسرائيل
لكن المدارس والجامعات ليست هي المؤسسات الوحيدة التي يستغلّها الجيش الإسرائيليّ من أجل التجنيد وتكريس العسكرة لدى الأجيال الصاعدة، فهنالك أيضًا المخيّمات الصيفيّة المصمّمة خصّيصًا على النمط العسكري، حيث تقدّم هذه المخيّمات «التدريبات الأساسيّة» التي يتبعها الجيش الإسرائيلي من خلال ألعاب ومسابقات تُحاكي عمليات «مكافحة الإرهاب»، بالإضافة إلى أنشطة متعلّقة بشكل أكبر بالتكنولوجيا؛ إذ توجد أقسام مخصّصة للحرب الإلكترونيّة والتجسّس والأمن السيبراني.
يقول أحد الأطفال المشاركين في هذا المخيّم: «أريد أن أخدم في الفرقة 8200» وهي الفرقة التابعة للجيش الإسرائيلي والمتخصّصة في التجسّس على الفلسطينيين ومراقبتهم وتعقّب جميع حركاتهم في الأراضي الفلسطينيّة.