»

السر وراء سعي إسرائيل لاستخدام المجال الجوي السوداني

12 شباط 2020
السر وراء سعي إسرائيل لاستخدام المجال الجوي السوداني
السر وراء سعي إسرائيل لاستخدام المجال الجوي السوداني

ساسة بوست

أثارت موافقة السودان الرسمية على السماح للرحلات الجوية المتجهة إلى إسرائيل بعبور المجال الجوي السوداني، واستخدامه من جانب شركات الطيران الإسرائيلية، بعد يومين من اجتماع مفاجئ بين الفريق عبد الفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة الانتقالي في السودان، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في أوغندا، الكثير من التساؤلات حول أهمية هذا القرار بالنسبة لتل أبيب، وحجم الاستفادة التي ستعود عليها من وراء هذا القرار الذي مهد نحو تطبيع العلاقات بين البلدين، كما رجحت بعض وجهات النظر.
هذه الموافقة السودانية التي سبقتها موافقات دول عربية وأفريقية على مدار الأعوام الأخيرة لإسرائيل ستعيد تل أبيب من جديد لواجهة التنافس، وتعزز من موقع شركات الطيران المملوكة لها؛ إذ ستؤدي القرارات الأخيرة لتقليل المدد الزمنية للرحلات بين تل أبيب ودول أخرى أبرزها دول أمريكا الجنوبية، الحاضنة الأكبر للإسرائيليين.
في التقرير التالي، يحاول التعرف على الأهمية التجارية والسياسية لهذه الخطوة، والوعود التي دفعت الخرطوم للموافقة على ذلك، وحصر أبرز الدول التي سمحت لإسرائيل باستخدام مجالها الجوي، في السر والعلن.
لهذا سعت إسرائيل استخدام المجال الجوي للسودان
تحتل أمريكا الجنوبية وبالأخص البرازيل مرتبة متقدمة في قائمة الدول التي تنطلق إليها رحلات جوية قادمة من إسرائيل، حيث تتمركز جالية إسرائيلية كبيرة في البرازيل يُقدر تعدادها بنحو 125 ألف نسمة، كما يتواجد ملايين المسيحيين الذين يرغبون في زيارة الأماكن الدينية في القدس وبيت لحم والناصرة وطبريا.
زيادة عدد الرحلات مرتبط كذلك بتحول البرازيل، إحدى الدول  التي تقدم دعمًا وتأييدًا لسياسة إسرائيل، إلى موقع هام للأخيرة لإطلاق أقمارها الصناعية، حيث يُعد موقع الإطلاق «ألكنترا» هو الأقرب إلى خط الاستواء، فضلًا عن أن هذا المكان يعطي للصاروخ الذي يتم إطلاقه من هناك دفعة تصل إلى 2400 كم في الساعة، كما يوفر ذلك وقود الصواريخ بشكل كبير، ويسمح بإطلاق شحنات أكبر.
لهذه الأسباب سعت إسرائيل مرارًا وتكرارًا بمحاولات عديدة سابقة لاستخدام المجال الجوي لدول تمر من خلالها طائراتها المتجهة لأمريكا الجنوبية، ومن أبرزها المجال الجوي السوداني لتقصير المدة الزمنية التي تستغرقها هذه الطائرات بدلًا عن طرق ومسارات بعيدة. على رأس هذه الدول كان السودان، حيث يسمح موقع مجالها الجوي في تقليل مدة الرحلة لنحو ساعتين أو ثلاث ساعات بما يعزز من موقع وأرباح شركة الطيران الإسرائيلي.
وكان نتنياهو قد قال في وقت سابق: «إن فتح المجال الجوي السوداني للطائرات المدنية الإسرائيلية سيؤدي إلى قطع ساعات من الرحلات الجوية إلى أمريكا الجنوبية»، وهي رابع وجهة سفر لإسرائيل. ودخل في مفاوضات سابقة مع الخرطوم لإقناعها باستخدام مجالها الجوي، خصوصًا في ظل تكبد الشركة الإسرائيلية للطيران خسائر كبرى في ضوء المسافات الطويلة التي تقطعها في الطريق لدول أمريكا الجنوبية
لكن «كيف يخدم المجال الجوي السوداني شركات الطيران الإسرائيلية في رحلاته الجوية إلى أمريكا الجنوبية؟» يجيب عن السؤال السابق عدد الساعات التي تقطعها الطائرات الإسرائيلية من تل أبيب إلى البرازيل؛ إذ يُقدر وقت الرحلة من 17 إلى 18 ساعة، وتقل لنحو 14 إلى 15 ساعة حال استخدام طائرة ضخمة، وذلك لأنها تسلك مسار أجواء البحر الأبيض المتوسط إلى المحيط الأطلسي، ثم ينعطف جنوبًا إلى أمريكا اللاتينية.
بينما تقطع شركة الطيران البرازيلية – التشيلية «لاتام»، المسموح لها الطيران فوق السودان، الرحلة نفسها، في وقت يُقدر بنحو 11 ساعة، إذ تُقصر زمن الرحلة نحو أربع أو خمس ساعات. ولهذا السبب أعلنت شركة الطيران الإسرائيلي «إل – عال» وقف رحلاتها الجوية إلى إسرائيل، وحلت محلها شركة الطيران البرازيلية – التشيلية «لاتام»، بعدما عجزت عن التنافس مع الأخيرة
وتكبدت شركة الطيران الإسرائيلية خسائر اقتصادية نتيجة طول هذه المسافات، في ضوء طول أغلب رحلاتها وعدم مرورها في المجال الجوي السوداني؛ مما اضطرها في أوقات كثيرة إلى جراء تشغيل بعض الخطوط دون وجود ركاب تقريبًا. وفي الربع الأول من العام الماضي سجلت شركة «إل – عال» الإسرائيلية للطيران خسائر قدرها 55 مليون دولار في الربع الأول من العام الجاري.
مكسب آخر يتحقق لإسرائيل من وراء عودة العلاقات بعد فتح المجال الجوي السوداني فيما هو قادم يتعلق بالسماح لآلاف السودانيين الذين يشكلون نحو خمس المهاجريين غير الشرعيين وطالبي اللجوء في إسرائيل للعودة إلى بلادهم مستقبليًاويحاول هؤلاء السودانيون التوصل لصيغة اتفاق مع الحكومة الجديدة بالعودة إلى بلاده، والحصول على كافة أموالهم وممتلكاتهم التي صادرها نظام البشير خلال فترة حُكمه، ومنع عودتهم إلى السودان مهددًا إياهم بأن مصائرهم ستنتهي إلى السجن.
من جانبه يقول عبد الفتاح عرمان، الصحافي والباحث السوداني المُقيم في أمريكا، في تصريحات خاصة لـ«ساسة بوست»: «إن الحكومة السودانية تود العودة إلى المسرح الدولي بعد غياب امتد لثلاثة عقود، وترى أن الطريق إلى ذلك يمر عبر تل أبيب»، موضحًا أن البشير حاول عبر صلاح قوش، رئيس جهاز المخابرات السودانية السابق، عقد لقاءات مع بعض رجال الموساد في برلين عام 2018، ولكن واضح أن الجانب الإسرائيلي كان يمتلك معلومات بأنه «فرس ميت» بحسب وسائل إسرائيلية على حد تعبيره، ويضيف أنهم أيقنوا وقتذاك أن أيامه في السلطة باتت معدودة.
وأضاف عرمان أن الاستفادة الكبرى لفتح المجال الجوي السوداني والسماح لشركات الطيران الإسرائيلية باستخدام مجالها الجوي هو تعزيز حضور شركاتها في سباق التنافس، إذ إنهم كانوا لا يستطيعون العبور إلى أوغندا وإثيوبيا وغيرهما من الدول فوق سماء السودان؛ مما يزيد كلفة فتح خطوط طيران مباشرة مع تلك الدول.
وسمحت السودان سرًا خلال ولاية الرئيس السابق عُمر البشير بمرور طائرات الشركة الإسرائيلية المنطلقة إلى إثيوبيا فقط دون استخدام مجالها الجوي في رحلات أخرىويكشف عرمان بعدًا آخر لهذا القرار يتمثل في كسب السودان الذي كان يمثل عدوًا لإسرائيل عبر تهريبه للسلاح الإيراني لـ«حماس»؛ مما يعد انتصارًا كبيرًا للإسرائيليين، مرجحًا أن تصل العلاقة بين البلدين لمرحلة التطبيع الكامل بشكل «بطيء» قد يأخذ وقتًا نظرًا للظروف الراهنة المتعلقة بالرغبة الأمريكية الإسرائيلية في تمرير خطة ترامب للسلام المعروفة «بصفقة القرن».
يُعزز مايقوله الصحافي السوداني انعقاد الاجتماع بين نتنياهو والبرهان في أوغندا، إلى جانب تلقي البرهان دعوة مباشرة من واشنطن لزيارتها، فيما رآه البعض تخففًا أمريكيًا من الشروط التي حددتها في وقت سابق لرفع الخرطوم من البلاد المصنفة تحت بند «الراعية للإرهاب».
ما هي الدول العربية التي تسمح لإسرائيل باستخدام مجالها الجوي؟
تحظر أغلب الدول العربية على إسرائيل استخدام مجالها الجوي في تسيير طائرات شركتها المعروفة بشركة «إل – عال»، أو حتى السماح لشركات الطيران التي تسير الرحلات إلى إسرائيل من المرور على أراضيها، على أساس أن هذه الدول لا تعترف بإسرائيل. ظل هذا الوضع قائمًا لعقود طويلة دعمًا للقضية الفلسطينية، إلى أن تبدلت الأمور، وتغيرت الأولويات، وسمحت بعض هذه الدول باستخدام المجال الجوي لطائرات الشركة الإسرائيلية «إل – عال»، أو حتى السماح للشركات العالمية المتجهة لتل أبيب بالمرور على أراضيها، وسط توقعات وتسريبات ترجح سماح دول جديدة الفترة المقبلة لإسرائيل باستخدام مجالها الجوي.
كان أبرز هذه الاستثناءات مصر و الأردن؛ إذ تعترف الدولتان بإسرائيل، وتسمح برحلات تجارية إلى تل أبيبوسمحت اتفاقية النقل الجوى بين مصر وإسرائيل التي توصل إليها الطرفان عقب اتفاقية السلام الموقعة عام 1979 خلال عهد الرئيس الراحل محمد أنور السادات، لأية شركة طيران إسرائيلية بتنظيم رحلات، واستخدام إسرائيل للمجال الجوي المصري.
ويُشكل مُعظم الركاب المتجهين من القاهرة لتل أبيب في هذه الرحلات المسيرة بين البلدين إما من العابرين «ترانزيت»، وإما من الفلسطينيين الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية، وإما بعض المسيحيين التابعين لطائفة الروم الذين يزورون المعالم المسيحية في القدس وبيت لحم.
من بين الدول العربية التي سمحت لإسرائيل مؤخرًا باستخدام مجالها الجوي هي عُمان، التي وافقت في نهاية العام قبل الماضي عقب لقاء نتنياهو مع السلطان الراحل قابوس بن سعيد، بحسب ما قال الأول لعدد من دبلوماسي بلاده في اجتماع مغلق عقب نهاية الزيارة. وأضاف لهم: «سُلطان عُمان قال لي نستطيع من الآن استخدام المجال الجوي لعُمان».
وفي أوائل عام 2018 سمحت المملكة العربية السعودية – التي ليس لها علاقات دبلوماسية مع إسرائيل – لشركة طيران الهند «إير إنديا» باستخدام مجالها الجوي لتشغيل رحلات جوية من دلهي الدولية إلى تل أبيب بن غوريون، لتنطلق أولى رحلات لشركة طيران الهند في 22 مارس (أذار) العام قبل الماضي إلى إسرائيل يُسمح عبر المجال الجوي السعودي، في علامة على حدوث تحسن وراء الكواليس في العلاقات بين المملكة وإسرائيل.
غير أن السعودية لات للشركات الإسرائيلية باستخدام مجالها الجوي؛ وهو مادفع شركة طيران العال الإسرائيلية لتقديم التماسًا أمام المحكمة العليا، لإلغاء تصريح الرحلات الجوية المباشرة بين نيودلهي وتل أبيب عبر المجال الجوي السعودي من أجل منافسة عادلة وفقًا لتعبير الشركة.
وتقلص هذه الخطوة مدة الرحلة التي تقطعها الشركة الهندية من مومباي إلى تل أبيب، من سبع ساعات حين كانت تأخذ مسارًا جنوبيًا صوب إثيوبيا، ثم شرقًا تجاه الهند لتفادي المجال الجوي السعودي، إلى خمس ساعات بعد استخدامها المجال السعودي.
وابتداءً من مايو (أيار) العام الجاري ستبدأ إسرائيل تسيير رحلات تجارية إلى المغرب بعد فترة غياب دامت نحو 20 عامًا، فقد حصلت الوكالة الإسرائيلية على رخصة لتنظيم خمس رحلات شهريًا بين تل أبيب، وكل من الدار البيضاء، ومراكش، وطنجة، ووجدة، وتستغرق الرحلات المباشرة سبع ساعات. وتنضم بذلك المغرب لقائمة الدول المستثناة من حظر مجالها الجوي على إسرائيل.