»

«هآرتس»: قنابل وأموال سعودية.. التاريخ السري للعلاقات الإسرائيلية - السودانية

07 شباط 2020
«هآرتس»: قنابل وأموال سعودية.. التاريخ السري للعلاقات الإسرائيلية - السودانية
«هآرتس»: قنابل وأموال سعودية.. التاريخ السري للعلاقات الإسرائيلية - السودانية

ساسة بوست

نشرت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية مقالًا للكاتب الصحفي يوسي ميلمان تحدث فيه عن العلاقات الإسرائيلية – السودانية وخباياها، في أعقاب اللقاء الذي جمع بين الفريق أول عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة الانتقالي السوداني ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في أوغندا يوم الإثنين الماضي، مؤكدًا أن نتنياهو يسعى لضم السودان إلى نادي «أصدقاء إسرائيل» المكون من دول عربية سُنِّية، والجهود التي بذلها الموساد، بمساعدة المملكة العربية السعودية، لتحقيق ذلك في الماضي
وفي مستهل مقاله، قال الكاتب: إن «الاجتماع الذي عُقِد يوم الإثنين الماضي في أوغندا، بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وعبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة الانتقالي في السودان، هو مجرد فصل آخر في التاريخ المعقد للعلاقة بين البلدين. إنها قصة صعود وهبوط، وحرب، ونفعية، وعداء، وتهريب أسلحة وبشر، ومؤامرات، والمدى الذي تصل إليه ذراع إيران الطولى، وتحويلات مصرفية سرية، وعلاوةً على كل ذلك، علاقة مغلَّفة بطبقات متداخلة من السرية.
كُتِب الفصل الافتتاحي من ذلك التاريخ خلال النصف الأول من خمسينيات القرن الماضي. وكان السودان في ذلك الوقت يتفاوض على استقلاله عن الحكومة البريطانية والمصرية المشتركة، فيما عرف باسم «اتفاقية السيادة المشتركة»، التي حكمت السودان منذ عام 1899. وكانت المعارضة الرئيسية في السودان، ممثلة في حزب الأمة، تخشى من مساعي الرئيس المصري جمال عبد الناصر لتطبيق أيديولوجية الوحدة العربية، وتحقيق طموحاته في قيادة أفريقيا والعالم العربي، وما يمكن أن يتمخض عنه ذلك من محاولة عرقلة استقلال السودان، بالتنسيق مع هؤلاء القوميين السودانيين الذين كانوا يفضلون الوحدة مع مصر».
وأوضح الكاتب أن: «ممثلي حزب الأمة، بقيادة صادق المهدي – الذي أصبح بعد 30 عامًا رئيس وزراء السودان – التقوا سرًا بدبلوماسيين إسرائيليين في العاصمة لندن، وكان من بينهم مردخاي جازيت، السكرتير الأول لسفارة لندن آنذاك. وسعى الممثلون السودانيون للحصول على مساعدة دبلوماسية، ومساعدة اقتصادية، إن أمكن، من إسرائيل، العدو اللدود لمصر.
وفي يناير (كانون الثاني) 1956، حصل السودان على استقلاله، واعترفت به كل من المملكة المتحدة ومصر. وانتقلت مهمة الحفاظ على اللقاءات السرية مع إسرائيل، والتي استمرت لبضع سنوات، من وزارة الخارجية الإسرائيلية إلى الموساد. ومنذ البداية، لعب نسيم جاون، الذي وُلد في السودان، وهو رجل أعمال دولي يحمل الجنسية السويسرية الإسرائيلية، دورًا مهمًا في تسهيل العلاقات بين إسرائيل والسودان، مع التركيز على العلاقات الاقتصادية. وبمرور السنين، استفادت إسرائيل من استثمارات جاون وخبراته في قطاعي السياحة والفنادق».
بداية انقطاع العلاقات
وذكر الكاتب أن: «شهر عسل العلاقات بين البلدين انقضى بحلول نهاية الخمسينيات من القرن الماضي. إذ أدى الانقلاب العسكري – أحد عدة انقلابات حدثت فيما بعد – وسِحْر عبد الناصر الذي يسلب الألباب إلى تحويل السودان إلى خصم لإسرائيل؛ حتى أن السودان أرسل وحدة عسكرية صغيرة لمساعدة مصر في حرب الأيام الستة في يونيو (حزيران) 1967، وعلى مدى العقد الذي جاء بعد ذلك، لم تكن هناك مواجهات ثنائية، ولا حتى لقاءات سرية.
وبوضع هذا الواقع في الاعتبار، تبنت إسرائيل المقولة القديمة «عدو عدوي صديقي»، وأعلنت عن استعدادها للعمل على بناء علاقات سرية مع القوات المعارضة للحكومة السودانية. وتسلل عملاء الموساد، بقيادة ديفيد بن أوزيل، المعروف باسم «طرزان»، إلى السودان في عام 1969. وتمثلت مهمتهم في تقديم المساعدة للقبائل السودانية الجنوبية التي تقاتل الحكومة المركزية في الخرطوم.
وباستخدام مهابط طائرات وقواعد جوية في أوغندا وكينيا، أسقط طيارو سلاح الجو الإسرائيلي أسلحة وذخيرة لمساعدة قوات المتمردين التابعة للجنرال جوزيف لاجو، الذي سافر أيضًا إلى إسرائيل والتقى برئيسة الوزراء جولدا مائير. وعلى الأرض، سار «طرزان» وفريقه، إلى جانب قوات لاجو، لمسافة مئات الكيلومترات في الأدغال، حيث قصفوا الجسور الممتدة على نهر النيل ونصبوا كمائن للجنود السودانيين.
وتابع الكاتب قائلًا: «انتهت الحرب الأهلية في منتصف السبعينيات من القرن الماضي، لكنها لم تكن نهاية التدخلات الإسرائيلية. وبناءً على تعليمات رئيس الوزراء مناحم بيجن، ساعد رجال الموساد وأفراد البحرية الإسرائيلية في تهريب اليهود الإثيوبيين إلى «أرض الميعاد»، مستخدمين معرفتهم المتراكمة بالجغرافيا والتضاريس. وخاطروا بحياتهم، وعملوا مع الإسرائيليين المنحدرين من أصول إثيوبية، ووضعوا خطة جريئة للغاية، نفذت في نهاية المطاف على مرحلتين:
المرحلة الأولى، في الفترة من عام 1977 حتى عام 1980، والتي تحمل الاسم الرمزي «عملية الإخوة»، استخدمت فيها القوارب الإسرائيلية لإنقاذ اليهود الإثيوبيين وتهريبهم عبر الساحل السوداني المطل على البحر الأحمر. ولتعزيز العملية، أنشأ الموساد شركة أوروبية (سويسرية) باعتبارها واجهة لإعادة بناء منتجع للغطس. ونظرًا لأن عناصر الموساد كانوا متنكرين في صورة مدربين للغوص تابعين لهذه الشركة، كان المنتجع بمثابة مركز للقيادة والتحكم. وبهذه الطريقة استطاع الموساد تهريب 17.500 يهودي إلى إسرائيل، لكن ذلك تحقق بوتيرة بطيئة، ولم تتوفر إمكانية لزيادة هذه الوتيرة.
وفي عام 1981، التقى وزير الدفاع أرييل شارون سرًا بالزعيم السوداني الجنرال جعفر النميري في كينيا. وخطط شارون، بمساعدة رجل الأعمال الإسرائيلي يعقوب نمرودي وعميل الموساد السابق ديف كيمتشي والملياردير السعودي عدنان خاشقجي (يتصرف على نحو شبه مستقل عن السلطات السعودية)، لتحويل السودان إلى مستودع للأسلحة المخصصة للإطاحة بنظام آية الله الخميني، الذي كان لا يزال نظاما جديدًا نسبيًّا، في إيران.
ودعت الخطة إسرائيل لإرسال أسلحة إلى السودان، بتمويل من خاشقجي (توقع خاشقجي ونمرودي الحصول على عمولات ضخمة). على أن يحصل النميري على مكافأة سخية. ويُنَصَّب ابن الشاه المخلوع حاكمًا جديدًا لإيران. وكان هناك هدف آخر تمثل في تحويل بعض الأسلحة للتحريض على تمرد في تشاد، البلد الذي يمتلك مناجم اليورانيوم ذات الأهمية الاستراتيجية، والذي من شأنه أن يؤدي إلى تشكيل حكومة جديدة صديقة لإسرائيل».
واستدرك الكاتب قائلًا: «لكن شارون والمتآمرين معه كانوا يتآمرون من وراء ظهر الموساد. وعندما علم قائدا الموساد، إسحاق هوفي وناحوم أدموني، بالخطة، رفعا شكوى أولًا إلى بيجن ومن ثم أجهضوا الخطة في مهدها. وبعد مرور ثلاث سنوات، وفي عام 1984، أثبت الموساد قوته مرة أخرى. وقرر أن يتكيف من جديد مع طريقة العمل الخاصة بهجرة اليهود الإثيوبيين. وبفضل الرشاوى التي تلقاها كل من الزعيم السوداني جعفر النميري وعمر أبو الطيب رئيس جهاز أمن الدولة؛ وافقا على غض الطرف عن عمليات التهريب تلك. والـ30 مليون دولار – التي منحتها لجنة التوزيع المشتركة الأمريكية، وهي أكبر منظمة رعاية يهودية عالمية – مهدت الطريق أمام إنشاء مرحلة جديدة من تهريب يهود إثيوبيا.
نقل اليهود الإثيوبيين تحت جنح الليل إلى مطار الخرطوم، ومن ثم نقلتهم شركة «Trans European Airways» للخطوط الجوية إلى إسرائيل عبر بروكسل. وكانت الشركة مملوكة لجورج جوتلمان، وهو يهودي من بلجيكا كان سعيدًا للغاية بمساعدة الموساد. وكان إفرايم هاليفي، رئيس الموساد فيما بعد، ضالعًا في هذه العملية: وأطلق عليها «عملية موسى».
ومن المفارقات أن العمل الرئيسي لشركة طيران جوتلمان – شركة رحلات جوية مؤجَّرة  تقدم رحلات منخفضة التكلفة – تمثل في نقل الحجاج المسلمين إلى مكة. وفي أثناء تنفيذ عملية موسى، ساعدت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (سي آي إيه) الموساد. وبهذه الطريقة هُرِّب 30 ألف يهودي إثيوبي إضافي إلى إسرائيل. لكن الجسر الجوي لعب دورًا جزئيًّا في سقوط نظام النميري، الذي اتُّهم بالتعاون مع إسرائيل. ولفترة قصيرة، حل محل النميري صديق إسرائيل القديم الصادق المهدي.
انقلاب عسكري جديد
وأردف الكاتب قائلًا: «وسرعان ما وقع انقلاب عسكري آخر في الخرطوم، جاء بالجنرال عمر البشير إلى السلطة في عام 1989. وكان البشير متأثرًا تأثرًا عميقًا برجل دين مسلم ذي شخصية جذابة، يُدعى: حسن الترابي. حكم هذا الثنائي السودان، وحوَّلاها إلى دولة ثيوقراطية عسكرية. ووجد أسامة بن لادن ملاذه في السودان في الفترة من عام 1990 إلى عام 1996. وكوَّن السودان علاقات قوية مع إيران. وكانت النتيجة أن السودان سمح باستخدام أراضيه باعتباره نقطة عبور، ومرفقًا لتخزين الأسلحة التي يهربها فيلق القدس الإيراني إلى حركة حماس في غزة.
ولم تقف إسرائيل موقف المتفرج من ذلك. وابتداء من عام 2009 فصاعدًا، رد الموساد – الذي كان يقدم المعلومات – وسلاح الجو الإسرائيلي بسلسلة من الغارات الجوية ضد القوارب والشاحنات التي تحمل أسلحة إيرانية، وهاجمت إسرائيل مخازن الأسلحة على الأراضي السودانية. وفي العقد الماضي، تغير مسار قطار العلاقات السودانية الإسرائيلية.
وأعلنت المحكمة الجنائية الدولية أن الجنرال البشير مجرم حرب لدوره في ارتكاب جرائم إبادة جماعية في منطقة دارفور وفي جنوب السودان. وكان اللاجئون السودانيون الذين يهربون من الأعمال الوحشية يأملون في العثور على ملاذ لهم في إسرائيل؛ وكانوا يُعاملَون باعتبارهم طالبي لجوء بالطريقة الأكثر رسمية فقط، ولم يُعترف بأيٍّ منهم تقريبًا باعتبارهم لاجئين، والآن يأمل نتنياهو ومجلس وزرائه اليميني أن تكون الظروف مواتية لترحيلهم.
وأضاف الكاتب قائلًا: «أعلن جنوب السودان، الذي عانى كثيرًا، استقلاله، وبدأ على الفور في شراء الأسلحة من إسرائيل، وفي مفارقة تاريخية أخرى، دخل أيضًا في حرب أهلية وارتكب أعمالًا وحشية. وتضاءل انجذاب الجنرال البشير نحو إيران، وبذلك، نُثِرت بذور تجدد العلاقات مع إسرائيل. وخان البشير إيران وتحالف مع المملكة العربية السعودية، وعزز من إعادة تموضعه بإرسال قوات سودانية للقتال في الحرب الأهلية في اليمن – والتي تُعد جزئيًّا بمثابة حرب بالوكالة بين إيران والسعودية – مقابل المال والنفط السعوديين.
ولفت الكاتب إلى أنه «بتشجيع من الانفتاح السعودي المزدهر على الدولة اليهودية، خلال السنوات الخمس الأخيرة، بدأ البشير في مغازلة إسرائيل. وكانت لديه ذريعة مواتية للغاية: كان يأمل أن يتمكن نتنياهو والموساد من الاستفادة من النفوذ السياسي لمنظمة آيباك (لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية) والمنظمات اليهودية الأمريكية لتخليصه من جرائمه التي تلاحقه، ورد اعتباره الشخصي؛ مقابل تكوين علاقات دبلوماسية مع إسرائيل. ووفقًا لتقارير أجنبية، في السنوات الأخيرة من حكم البشير، التقى رئيس الموساد يوسي كوهين بنظيره السوداني الجنرال صلاح قوش؛ لإجراء مناقشات أولية حول أحد أشكال العلاقات التجارية والدبلوماسية بين البلدين.
لكن الاضطرابات الداخلية في السودان وموجات المعارضة الطويلة لحكمه كانت حجر عثرة في طريقه. عند هذه المرحلة، علم الموساد أن البشير أصبح حصانًا خاسرًا، وباتت أيامه في السلطة معدودة. وفي النهاية، أطيح به في أبريل (نيسان) 2019».
ظروف مواتية
وأشار الكاتب قائلًا: «والآن، وبعد رحيل البشير، قد تكون الظروف مهيأة لإحياء العلاقات بين القدس والخرطوم. ومن خلال الاستفادة من نفوذ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ومختلف دول الخليج، جددت حكومة نتنياهو، في هدوء ولكن بلهفة، جهودها لتحويل السودان إلى دولة عربية سنية إقليمية صديقة لإسرائيل. وفي الوقت الحالي، هناك طلب إسرائيلي فوري وبسيط ومعتاد: السماح للطائرات الإسرائيلية بالطيران فوق الأجواء السودانية
ولن يكون هذا الأمر سهلًا بحسب المقال؛ إذ تحدَّت المعارضة السياسية السودانية موقف البرهان بمجرد تسريب خبر اجتماعه بنتنياهو، واتهموه بالتعاون مع «العدو»، بينما زعمت القيادة المدنية في البلاد أنهم لم يُبلغوا بالاجتماع مسبقًا. ودحض البرهان سهام النقد التي وُجِّهت إليه عن طريق التفكير المنطقي متعدد الأغراض موضحًا أنه التقى نتنياهو لتحقيق مصالح الشعب السوداني ورفاهيته، ومؤكدًا أن الانفراج (في العلاقات المتوترة مع إسرائيل) لا يقلل من دعمه للفلسطينيين.
وعلى الجانب الآخر، ألمح الكاتب أن: «اهتمام نتنياهو السياسي المباشر كان مُنصبًّا على اجتذاب عناوين الصحف لتعزيز مكانته قبل الانتخابات. وفي الواقع، قال وزير الدفاع السابق موشيه يعلون، وهو زعيم للمعارضة المناهضة لنتنياهو: إن الحفاظ على سرية الاجتماع وعدم الإعلان عنه، من أجل تحقيق مكاسب سياسية داخلية قصيرة المدى، كان سيخدم المصالح الوطنية الإسرائيلية على نحو أفضل.
ومن الواضح أن الجائزة الكبرى في رأي الكاتب ستكون: بدء علاقات تجارية ودبلوماسية رسمية. ومن المؤكد أنه مكسب على الصعيدَين الدفاعي والأمني أن يبتعد زعيم دولة معادية قبل بضع سنوات فقط مثل السودان علنًا عن إيران وحماس، ويهتم، رغم الحذر، بالتصالح مع إسرائيل».
واختتم الكاتب مقاله قائلًا: «يروق لنتنياهو التصريح بأن ذلك علامة أخرى واضحة على كيفية تغير الجغرافيا السياسية في الشرق الأوسط. ويوحي التاريخ المتعرج غير المتسق للعلاقات بين إسرائيل والسودان بأن هذا التغيير ذاته قد لا يكون سلسًا للغاية أو مستدامًا».