»

المسار القانوني لإخراج القوات الأجنبية من العراق لم يكتمل بعد

23 كانون الثاني 2020
المسار القانوني لإخراج القوات الأجنبية من العراق لم يكتمل بعد
المسار القانوني لإخراج القوات الأجنبية من العراق لم يكتمل بعد

الميادين

صحيح أن اجتماع البرلمان وقراره يعبّر عن توجّه وإرادة غالبيّة نواب الشعب، لكن لا أثر قانونياً له على إخراج القوات الأميركية من البلاد أو حتى عموم القوات الأجنبية. كيف؟ ولماذا؟

في اليوم الخامس من شهر كانون الثاني/يناير الجاري اجتمع نواب البرلمان العراقي مُحقّقين النِصاب القانوني الكامل لعقد الجلسة التي كانت أقرب إلى الطارِئة بعد اغتيال قائد قوة القدس الفريق قاسم سليماني وأبي مهدي المهندس المهندس ورفاقهما عند مطار بغداد. البرلمان صوَّت على إخراج القوات الأجنبية العامِلة في العراق.
صحيح أن اجتماع البرلمان وقراره يعبّر عن موقفٍ واضحٍ وعن توجّه وإرادة غالبيّة نواب الشعب، لكن لا أثر قانونياً له على إخراج القوات الأميركية من البلاد أو حتى عموم القوات الأجنبية. كيف؟ ولماذا؟
أولاً: علينا أن نُفرِّق بين القوات الأجنبية وهي قوات التحالف الدولي المُكوَّن من 67 دولة تقريباً بقيادة واشنطن، وهي القوات الكندية والبريطانية والهولندية والفرنسية والأسترالية بالإضافة إلى قوات أخرى، وهذه تتمركز في قواعد عسكرية عراقية، وبحسب الحكومة العراقية فهي قدَّمت المُساعدة للقوات العراقية أبان الحرب على تنظيم "داعش".
دخلت هذه القوات إلى العراق بناء على رسالةٍ بُعِثَت إلى مجلس الأمن الدولي من الحكومة العراقية في عام 2014، مُتمثّلة بوزير الخارجية آنذلك هوشيار زيباري، ثم أرسل وزير الخارجية اللاحق إبراهيم الجعفري في شهر أيلول/سبتمبر من ذات العام رسالة أخرى بذات المضمون إلى مجلس الأمن، وعليه دخلت هذه القوات مُتعدِّدة الجنسيات في إطار التحالف الدولي إلى العراق.
وبعد انتهاء تواجُد تنظيم "داعش" في العراق بفعل إنجازات الجيش العراقي والحشد الشعبي، لم تخرج هذه القوات بحجَّة أن وجودها ضروري كما ترى، وتحت ذريعة مَنْعِ عودة الإرهاب وامتلاكها البرنامج لإعداد القوات العراقية المُسلّحة.
لكن من الناحية القانونية، إذا أرادت بغداد أن تخرج قوات التحالف الدولي، فعليها أن تبعث رسالة جديدة من خلال وزارة الخارجية إلى مجلس الأمن تطالبه بإنهاء تواجُد هذه القوات.
هنا يأتي قرار البرلمان العراقي كقوة دفع لإكمال هذه الإجراءات، لكن هناك إشكال كبير لم يُسلَّط عليه الضوء، وهو أن الحكومة الحالية تُعدّ مستقيلة وحكومة تصريف أعمال، ولا تمتلك الصلاحية القانونية كي تبعث هكذا رسالة إلى مجلس الأمن.
وبغياب حكومة حاصلة على ثقة البرلمان العراقي لن تخرج قوات التحالف إلا إذا أرادت هي الخروج من تلقاء نفسها، وهذا ما يُفسِّر الرسالة التي بعثها التحالف الدولي إلى السيّد عادل عبدالمهدي رئيس حكومة تصريف الأعمال، بأن التحالف يريد الإنسحاب الآمِن، ثم تراجَع عن ذلك وقال إن ما
بُعِثَ كان مُسوَّدة وصلت عن طريق الخطأ.
بأية حال من الأحوال التحالف الدولي لم يُنفّذ الاغتيال والتجاوز على السيادة العراقية بصورةٍ مباشرة، بل إن مَن نفَّذ هو القوات الأميركية، وهي موجودة في العراق تحت غطاءين:
الأول، باعتبارها تضم مُدرِّبين ومُستشارين للقوات العراقية ضمن إطار التحالف الدولي.
الثاني، قوات قتالية تمتلك قواعد عسكرية ضخمة داخل القواعد العراقية وتُنفَّذ مهمات خارج إطار القانون والسيادة العراقيتين، وربما حادثة المطار وقبلها حادثة قصف مواقع القائم التابعة للحشد الشعبي، هي أبرز الدلائل على ذلك.
هذه القوات دخلت إلى العراق بموافقة وطلب من حكومة حيدر العبادي السابقة، وتتألّف من قرابة نحو 5200 جندي أميركي بحسب المُعلَن من الجانب الأميركي، ودخلت هذه القوات خلال فترة تواجُد تنظيم "داعش" في بعض المحافظات العراقية، وهي لم تأت بناء على طلب أو رسالة قانونية واضحة، بل في إطار التنسيق بين الحكومة العراقية السابقة والإدارة الأميركية ضمن اتفاقية الإطار الإستراتيجي المُوقَّعة عام 2008 بين بغداد وواشنطن، والتي انسحبت بموجبها القوات الأميركية من العراق عام 2011، والاتفاقية هذه مُصوَّت عليها بقانون في البرلمان العراقي.
هنا إذا أراد العراق إخراج القوات الأميركية فعلى الحكومة أن تبعث مشروع قانون لإلغاء تلك الاتفاقية إلى البرلمان، لأنه وفق القانون العراقي فإن القانون لا يُلغى إلا بقانون، والحكومة هي مَن تقدِّم مشروعات القوانين إلى البرلمان، وهذا لم يحصل، وليس من صلاحيات الحكومة الآن لأنها حكومة تصريف أعمال، فليس لديها التوصيف القانوني الذي يُمكِّنها من أن تبعث مشروع القانون هذا.
وفقاً لبنود هذه الاتفاقية، إذا أراد أحد الطرفين وقف العمل بها، فإنها لا تعتبر لاغية إلا بعد مرور عام واحد على تقديم طلب خطي بهذا الشأن، ما يعني حتى لو صوَّت البرلمان الآن على إلغاء الاتفاقية وهذا شبه مستحيل، فلن تخرج القوات إلا بعد عام كامل من ذلك، مع أنه هناك جملة من الاعتراضات على هذه الاتفاقية التي عطَّلتها واشنطن في مراتٍ سابقةٍ وخرقت بنودها في أكثر من مناسبة.