»

جيروزاليم بوست ": تحديات "إسرائيل" بعد اغتيال سليماني

20 كانون الثاني 2020
جيروزاليم بوست ": تحديات "إسرائيل" بعد اغتيال سليماني
جيروزاليم بوست ": تحديات "إسرائيل" بعد اغتيال سليماني

الميادين

شكل اغتيال الفريق قاسم سليماني محطةً أساسية في مستقبل الشرق الأوسط، فاتحاً بذلك أبواباً جديدة من النقاش والتكهنات في دوائر التخطيط والقرار الإسرائيلية. في هذا المقال، يسعى مدير شبكة المعلومات السياسية في الشرق الأوسط (MEPIN)، إلى إطلاعنا على عدد من آراء وتقييمات مختصين وخبراء إسرائيليين في ما يتعلق بعلاقة "إسرائيل" بالولايات المتحدة الأميركية ورؤيتهم الاستراتجية حول إيران وحلفائها، بعد عملية الاغتيال:
 أتيحت لي الفرصة مؤخراً للجلوس مع خبراء إسرائيليين في الأمن والاستخبارات والقانون الدولي والتاريخ والسياسة، في محادثات خارج السجال حول "معركة إسرائيل الحالية بين الحروب" مع إيران، وتحدياتها في إدارة مصالحها في الداخل وفي الخارج. مع مقتل القائد العسكري الإيراني قاسم سليماني في غارة جوية أميركية على مطار بغداد الدولي، تعيد "إسرائيل" وخبراؤها تقييم استراتيجياتهم المتعلقة بإيران.
القاسم المشترك الوحيد الذي عبّر عنه جميع الخبراء هو أهمية الحفاظ على قوة العلاقة بين الولايات المتحدة و"إسرائيل". كما كتب رئيس الأركان السابق للجيش الإسرائيلي غادي آيزنكوت في ورقة سياسة حديثة، "مبادئ عامة لاستراتيجية الأمن القومي لإسرائيل"، فإن العلاقة الخاصة بين الولايات المتحدة و"إسرائيل" هي "حجر الزاوية
في الجهد الإسرائيلي الشامل لتحقيق الأمن القومي بالوسائل السياسية".
كل سلطة تحدثت إليها كانت تشعر بالقلق إزاء الاستقطاب المفرط للسياسة الأميركية، حيث أصبحت إسرائيل قضية حزبية.
هذه العلاقة ستخضع الآن لاختبار حيث أن كل شيء في الشرق الأوسط قد تغيّر الآن وأصبح لا يمكن التنبؤ به أكثر، من خلال اغتيال مهندس طموحات الهيمنة الإيرانية، الذي أوجد أخطر منظمة إرهابية في العالم بإتقانها للحرب غير المتماثلة.
سليماني، الذي تولى قيادة قوة القدس في الخارج للحرس الثوري الإسلامي، والتي ألحقت الدمار والموت والحرب الأهلية، وارتكب جرائم حرب في جميع أنحاء المنطقة، تم القضاء عليه بشكل مبرر.
إن منتقدي الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بصرف النظر عن صنع أخبار من خلال انتقاد كل ما يفعله، قلقون حقًا بشأن الكيفية التي سترد بها إيران، وكذلك إسرائيل، لكن استهداف سليماني – "خلاصة الشر"، كما وصفه الجنرال دافيد بترايوس قبل عقد من الزمن – يجب أن يسمو فوق الحزبية.
كان من حق الولايات المتحدة توجيه ضربة استباقية لإرهابي بارز مع خطط مُثبتة وشيكة لقتل المزيد من الأميركيين. إنها الآن مسألة وقتٍ فقط إلى أن يختبر المحتفلون الإسرائيليون "العلاقة غير القابلة للكسر" مرة أخرى، بزعم أن الولايات المتحدة تقوم بعمل "إسرائيل" -الذيل الذي يهز الكلب- التي تجر واشنطن إلى حرب أخرى في الشرق الأوسط.
إدارة العلاقة بين الولايات المتحدة و"إسرائيل" بطريقة غير حزبية ستصبح أكثر صعوبة، خاصة مع الكراهية الواضحة في موسم الانتخابات الرئاسية الحالي. يجب على "إسرائيل" من جانبها القيام بعمل أفضل في العلاقات العامة مع الاستمرار في العمل السياسي لمحاولة التغلب على التحديات الحتمية التي تواجهها الدولتان الآن.
على مر السنين، حاول رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، موازنة اهتماماته السياسية الداخلية مع المطالب الدولية الواقعية من كل من البيت الأبيض والكونغرس، التي ناقضت في بعض الأحيان الأعين الأميركية، خاصة مع الخطاب المتكرر حول التوسع الاستيطاني على خط الهدنة لسنة 1949، وبالأخص في سنة 2014، حيث اختار المخاطرة بتسريع الفجوة بين الحزبين من خلال الذهاب إلى الكونغرس للضغط ضد اتفاق إيران (JCPOA) دون مباركة الرئيس أو دعم حزبه الديمقراطي.
الكلمة الأخيرة كانت للرئيس باراك أوباما، حيث تكلّم وعاقب إسرائيل، وليس فقط نتنياهو، بقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2334 الصادر في سنة 2016، والذي أعلن أن سيطرة "إسرائيل" على الأراضي على خط الهدنة لعام 1949 جريمة حرب، مما يقوض التباس القرار 242 الصادر عن مجلس الأمن بشأن الخيارات الإقليمية، والذي تسبب بأضرارٍ دائمة لإسرائيل وجعل الفلسطينيين أكثر تعنتًا.
القرارات الصعبة لكل من الولايات المتحدة و"إسرائيل" ستكون في أعقاب اغتيال سليماني، لكن يجب التعامل معها بشكل أفضل لأن إيران ستستخدم وكلاءها لتحدي "إسرائيل"، التي يجب أن تتأكد من أن داعمتها الوحيدة تقف وراءها.
استرضاء منتقدي "إسرائيل" في الولايات المتحدة، وخاصة بعض اليهود الأميركيين الذين يرون أن احتلال "إسرائيل" هو سبب كل المشاكل في الشرق الأوسط تقريباً، ويأسفون للانسحاب من الصفقة النووية الإيرانية المعيبة، غالباً ما يكون مناورة عقيمة، وليس طريق لعلاقة أفضل بين الشعوب.
"
إسرائيل" لا تحصل على أي رصيد عندما تستجيب لمطالبهم ولا تتلقى أي دعم في شرح الحقائق المعقدة للعيش مع سلطة فلسطينية فاسدة، وحركة الإبادة الجماعية حماس وحزب الله وإيران.
الكثير من الخبراء الذين تحدثت معهم لم يدركوا أن إفادة الكونغرس والجمهور الأميركي بالحقائق في السياق يجب أن يكون أولوية مستمرة، حيث يتلقى الكثير من الناس في الولايات المتحدة، بما في ذلك الخبراء، أخبارهم من وسائل إعلامية وغرف صدى مشابه لتفكيرهم. هذا مهم بشكل خاص في ضوء الواقع الجديد الذي تواجهه واشنطن مع طهران والمجتمع الدولي.
رئيس أركان الجيش الإسرائيلي أفيف كوخافي، اعترف علناً بأن "إسرائيل" مصممة على عدم السماح بوجود إيراني متزايد في العراق يعرّض المصالح الأمنية الإسرائيلية للخطر.
هذا يصبح أكثر تعقيداً بكثير الآن. أعمال إسرائيلية استباقية في العراق لن تكون موضع ترحيب لأنها قد تُفهم على أنها تزعزع استقرار المنطقة، مما يزيد من تقويض المصالح الأميركية، لذلك من المهم النظر في المزيد من التنسيق مع البيت الأبيض.
التوصية الإسرائيلية الأكثر جرأة التي سمعتها بشأن إيران، والتي يمكن أن تشكّل ضغطاً على العلاقة مع الولايات المتحدة، قدّمها معهد القدس للاستراتيجية والأمن (JISS)، الذي يضم بعض المفكرين الإستراتيجيين الأكثر نفوذاً في إسرائيل، بمن فيهم مستشار الأمن القومي السابق يعقوب عاميدرور، والمدير المؤسس لمركز بيغن - السادات للدراسات الاستراتيجية إفرايم عنبر. وفقًا لما قاله دافيد واينبرغ، نائب رئيس معهد القدس للاستراتيجية والأمن، "خبراء JISS يقولون إن إسرائيل يجب أن تكون مستعدة للتعامل مع إيران عسكرياً بمفردها وخوض حرب استباقية مع حزب الله"، الوكيل الإيراني في لبنان.
يمكن أن تكون حرب وقائية كبرى بمثابة اختبار إجهاد لصحة الروابط التي تربط العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل، خاصة مع تفاقم الوضع بين الولايات المتحدة وإيران بعد اغتيال سليماني. أميركا، سواء من اليمين الشعبوي أو اليسار التقدمي، تريد أقل أو عدم وجود أحذية على الأرض في الشرق الأوسط، لذلك من غير المرجح شن حرب شاملة مع إيران من ناحية تقليدية.
كل خبير تحدثت معه يعتقد أنه سيكون تهديداً خطيراً لإسرائيل إذا تحولت سوريا إلى لبنان آخر، حيث أصبحت الميليشيات التي تسيطر عليها إيران هناك قوية مثل حزب الله، مع إمكانية توجيه آلاف من الصواريخ الموجهة بدقة إلى التجمعات السكانية الرئيسية في "إسرائيل".
رئيس آخر لمركز فكري رائد قال لي إنه ينبغي على "إسرائيل أن تكون حذرة" وألا تتصرف بشكلٍ استباقي إلا إذا أصبح الموقف تهديداً وشيكاً بشكل واضح - وهو موقف يختلف عن تقييم JISS. إن التمييز بين هجومٍ وقائي لمنع تهديد من أن يصبح تهديداً وشيكاً، وهجوماً استباقياً ضد تهديدٍ وشيك بالفعل، هو منحدر زلق للغاية حيث لا توجد معايير موضوعية. الولايات المتحدة قامت بهذا التمييز مع الهجوم على سليماني.
يوسي كوبرفاسير من مركز القدس للشؤون العامة، وهو رئيس سابق لقسم الأبحاث في الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية ومدير عام سابق لوزارة الشؤون الاستراتيجية، قال لي إنه يمكن لإسرائيل أن تستمر في الاستهداف الفعال لنقل وإنتاج صواريخ موجّهة بدون حربٍ كبيرة، وبدون أحذية على الأرض في المستقبل المنظور. كما يعتقد أن العقوبات الأميركية المتصاعدة هي التي تجعل إيران تتهور، وعلى الرغم من أنها قد تكون غير بديهية، فإن الولايات المتحدة كانت على حق بعدم الرد على حافة الهاوية الإيرانية، وتجنب الوقوع في فخ إيراني.
خلال اجتماعاتي مع الخبراء، بدا أن هناك إجماعاً على أن التهديد النووي الإيراني لم يكن حتى الآن تهديداً وشيكاً، ولا يتطلب اتخاذ إجراء وقائي في هذا الوقت. ومع ذلك، كان هناك خلاف حول ما إذا كانت "إسرائيل" ستعلم خلال وقت كافٍ عندما يتجاوز برنامج الأسلحة النووية الإيراني العتبة التي ستكون فيها الضربة الوقائية متأخرة للغاية. كان هناك أيضاً اختلاف في الرأي حول مدى فعالية توجيه ضربة للمنشآت النووية والأسلحة الإيرانية في هذا الوقت، لكن يبدو أن تأخيرها لسنوات أمر يستحق المخاطرة إذا كان هذا مهماً للحفاظ على علاقة العمل مع الولايات المتحدة.
إذا أصبح المسرح العسكري في شمال "إسرائيل" خطراً لا يمكن تحمله، أو اندلعت حرب بسبب الظروف التي تخرج عن نطاق السيطرة، مثل ضربة إيرانية مع عدد كبير من القتلى الإسرائيليين، فما الذي ستحتاج إليه "إسرائيل" كي تنجح عسكرياً وتتجنب بعض فوضى حرب لبنان الثانية؟ يجب أن تكون على اتصالٍ وثيق مع البنتاغون والبيت الأبيض، ومع أعضاء الكونغرس، خاصة إذا طالت الحرب واحتاجت "إسرائيل" إلى إعادة التزوّد بذخائر كما كان في حرب يوم الغفران عام 1973.
بالإضافة إلى ذلك، إسرائيل بحاجة للوصول إلى المستودعات الأميركية من الصواريخ الموجهة بدقة والموجودة في "إسرائيل"، والتي يمكن أن تضرب الصواريخ الإيرانية الدقيقة التي يمكن أن تدمر وتحبط الشعب. سيتم اختبار معنويات ووحدة الشعب الإسرائيلي. هل ستقوم الولايات المتحدة بوضع الصواريخ الأكثر تطوراً لتدمير التحصينات تحت الأرض باستخدام "إسرائيل" ضد برنامج إيران النووي إذا نفّذ الإيرانيون تعهدهم باستئناف برنامجهم لتخصيب اليورانيوم؟
"إسرائيل" ستحتاج للدعم الأميركي لأي حرب مستقبلية بغض النظر عن مدى عدالتها، حيث إن "إسرائيل" سوف تُتهم باستخدام غير متناسب للقوة عندما تضطر لمهاجمة البنية التحتية العسكرية/المدنية ذات الاستخدام المزدوج في لبنان أو العراق أو سوريا أو اليمن أو غزة أو إيران. إن التهمة القائلة بأن "إسرائيل" تستخدم القوة غير المتناسبة من قبل الأوساط الدولية هو موضوع متكرر، لكن وفقاً لوجهة نظر غير مسيّسة للقانون الدولي، فإن ما يعتبره البعض غير متناسب هو مبرر وقانوني إذا كان التهديد يستحق ذلك، وكان العدو يضع مواطنيه عن قصد في طريق الأذى كدروع بشرية.
يتوجب على المدافعين الأميركيين عن "إسرائيل" أن يسألوا الأوروبيين، إذا قتل حزب الله أو إيران أو حماس أو الحشد الشعبي 20 طفلاً إسرائيليًا، هل سيكون الرد المناسب هو استهداف 20 طفلاً لبنانياً أو سورياً أو إيرانياً أو فلسطينياً؟
يزعم بعض الخبراء أن جزءاً من السبب وراء عدم توجيه إيران لحزب الله لبدء حرب أخرى مع "إسرائيل" منذ حرب لبنان الثانية في عام 2006، هو أن حزب الله ضغط على إيران للتفكير بجدية قبل الشروع في أعمال قد تجبر إسرائيل على استخدام قوتها المتفوقة لتشل مرة أخرى الهيكل المدني الاقتصادي للبنان. هذه النظرية سيتم تحدّيها بعد اغتيال سليماني.
كان الخبراء السياسيون والأمنيون والاستخباريون منقسمون حول استقرار جار "إسرائيل" الشرقي، الأردن، والذي يعتبر حيوياً للمصالح الأميركية والإسرائيلية. البعض يعتبرها قضية سلة اقتصادية يمكن إنقاذها بمساعدة اقتصادية. آخرون قلقون من أن استياء الأغلبية العربية الفلسطينية من النظام الملكي الهاشمي، إلى جانب الأعداد الهائلة من اللاجئين من حربين، والتأثير المتزايد للجهاديين السنة في الأطراف، والدعم المتزايد للإخوان المسلمين، يجعل الأردن ركيزة لا يمكن التنبؤ بها للمضي قدماً.
فيما يتعلق بالمتظاهرين في إيران والعراق ولبنان، تراوحت الآراء بين تأييد الدعم الأميركي العلني وبين الذين قالوا إن الدعم العلني ستكون له نتائج عكسية، تقوض شرعية الاحتجاجات. قيل لي من قبل البيت الأبيض إن هذا النقاش كان في مقدمة وفي صميم اجتماعاته السياسية.
أخيراً على الجبهة السياسية، يشعر جميع الخبراء بالإحباط بسبب عدم وجود ميزانية عسكرية لإسرائيل بسبب الجمود السياسي الحالي الذي يشل قدرتها على التخطيط لتهديدات طويلة الأجل.
التحديات كبيرة، لكن الأمة اليهودية قوية. لقد حان الوقت لإسرائيل لتوحيد عملها السياسي، خاصة في ظل تصاعد التوترات بعد اغتيال سليماني.