»

مبررات البقاء وسيناريوهات الخروج

10 كانون الثاني 2020
مبررات البقاء وسيناريوهات الخروج
مبررات البقاء وسيناريوهات الخروج

مركز سيتا

لقد تركت العملية العسكرية – الأمنية الأمريكية بإغتيال قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، الفريق قاسم سليماني، ونائب قائد الحشد الشعبي العراقي، أبو مهدي المهندس، تداعيات كبيرة حيث تتضارب التحليلات حول مستقبل المشرق، أو بعض دوله؛ فبعضها يتجه إلى تصعيد كبير وغير مسبوق، أما البعض الآخر فيرى المشهد من زاوية أقل حدية معتبراً أن لكل حدث إنفعالات في بداياته تقل تدريجياً مع الوقت.
وقبل الدخول في سيناريوهات الخروج الأمريكي، العراق كحالة، لا بد من الإشارة إلى بعض العوامل التي تدفع واشنطن للبقاء. ومن أبرز هذه العوامل:
1- مخزون النفط
لطالما كان الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، يتحدث عن النفط العراقي وأهميته وأنه ثاني أكبر مخزون في العالم بعد فنزويلا تقدر قيمته بـ 16 تريليون دولار، معتبراً أن العراق بلد “فاشل”، وأن بلاده دفعت مبالغ طائلة لقاء “تحرير العراق”، وأن أدنى مبلغ يمكن أن تحصل عليه واشنطن هو 1.6 تريليون دولار. لقد كان الرئيس ترامب صريحاً جداً بقوله إن ما يريده من العراق هو النفط.
إضافة إلى العراق، هناك النفط الخليجي الذي يعتبر “أمناً قومياً” أمريكياً، ولذلك تتمركز العديد من القواعد الأمريكية في دول الخليج العربي.
مع وجود العديد من الدراسات التي تشير إلى أن واشنطن لن تعد بحاجة، على المدى الإستراتيجي، إلى نفط الشرق الأوسط، إلا أن لنا رأي في هذا الموضوع مفاده أن منع النفط عن الدول المنافسة، كالصين، يقع ضمن الأمن القومي أيضاً إذ ليس بالضرورة أن يكون لخدمة إقتصاد واشنطن مباشرة. أما بالنسبة إلى المكتشفات التي يحكى عنها، فقد تشكل مخزوناً طبيعياً يتم اللجوء إليه عند الحاجة القصوى.
من هنا، يعتبر النفط أحد أهم الركائز التي قد تدفع واشنطن إلى التصعيد من أجل البقاء ولو كلفها ذلك الكثير. ولكن السؤال المفتوح هنا: هل يمكن لها الإستفادة من النفط في حال تم ضرب المنشآت النفطية، لا القواعد الأمريكية، كما حدث في ضرب منشآت بقيق؟
2- أمن إسرائيل
يرى الكثير من المحللين بأن إسرائيل تعتبر الولاية الـ 51، خصوصاً مع وجود لوبي مؤثر في دوائر القرار الأمريكي، ناهيك عن أنها تقوم بتنفيذ العديد من سياسات واشنطن في المنطقة. بالتالي، إن أمن إسرائيل يعتبر أحد أهم الركائز الأساسية الموجودة في صلب أجندة السياسة الخارجية الأمريكية.
أمن إسرائيل والنفط يقعان في صلب الإستراتيجية الأمريكية، وهو ما عبر عنه بوضوح الكاتب الأمريكي جورج فريدمان في كتابه “الإمبراطورية والجمهورية في عالم متغير” (العنوان الإنجليزي The First Decade) عندما ركز على موضوع توازن القوى في المنطقة حيث قال “لهذا السبب سيكون العقد المقبل خاصاً بإعادة تحديد الإستراتيجية الأمريكية؛ بحيث يمكنها السعي لتحقيق المصالح؛ مما يعني التحرك إلى ما بعد الحرب على الإرهاب، وإعادة تحديد المصالح في كل منطقة من العالم، والمكان الجيد للتفكير في ذلك هو إسرائيل.
3- طريق “طهران – بيروت
يعتبر العديد من المراقبين العراقيين أن أحد أسباب الإحتجاجات الشعبية في بغداد، وقفت خلفه السفارة الأمريكية هو التمثل في موافقة رئيس الوزراء، عادل عبد المهدي، بفتح معبر القائم – البوكمال مع سوريا، وهو ما أغضب واشنطن كونه سيفتح الطريق من طهران إلى بيروت مروراً ببغداد ودمشق.
هذا الطريق، ترى فيه إيران إنقاذاً إقتصادياً لها بعد فرض العقوبات الإقتصادية عليها، وهامشاً للتحرك في المنطقة. في المقابل، ترى الولايات المتحدة فيه تهديداً لمصالحها ومنها أمن إسرائيل، خصوصاً وأنه سيكون بمثابة “قصبة هوائية” تتنفس منها إيران إقتصادياً بالإضافة لقدرتها على التواصل مع حلفائها الموجودين في المنطقة.
4- تقليص النفوذين
من المسائل التي يعتبرها الرئيس عبد المهدي بأنها وراء الإحتجاجات التي دفعته إلى تقديم إستقالته هي الإتفاقيات النوعية التي وقعها مع الصين، أبرزها “الإتفاقية الإطارية مع شركة سانشو الصينية، وهي الإتفاقية التي ستوفر أكثر من 10 مليارات دولار لعمليات إعادة الإعمار في العراق، وكذلك متابعة مساهمة الصين في حل أزمة الكهرباء في العراق، عبر إنشاء 4 محطات ضخمة للطاقة الكهربائية في بغداد والمحافظات.
إلى ذلك، برز الدور الروسي خلال محاربة تنظيم “داعش” حيث قامت روسيا بتقديم مروحيات “كا – 52” أو “التمساح” إلى القوات العراقية بعدما رأى العديد من المراقبين أن خطوة بغداد تلك كانت نتيجة لتقاعس وإبتزاز الإدارة الأمريكية في المساعدة.
فيما يخص مبادرة “الحزام والطريق”، يعتبر العراق، وسوريا قبل سيطرة القوات الأمريكية على منطقة الشمال، أحد أهم الدول التي سيمر فيها “الحزام البري” إلى أوروبا مروراً بإيران. لذلك، تعول بكين الكثير على دور بغداد في هذا الشأن وهو ما يثير قلق واشنطن من خسارة موقع إستراتيجي بكل ما فيه لصالح خصومها، إن لم نقل أعداءها، الأساسيين.
في مقابل هذه المبررات، يمكن النظر إلى السيناريوهات التي قد تحدث في حال بات خروج الولايات المتحدة من المنطقة أمراً حتمياً، وأبرزها يتمثل في:
1- العقوبات الإقتصادية
يبدو أن رد الرئيس الأمريكي لم يتأخر كثيراً على قرار البرلمان العراقي، القاضي بضرورة خروج القوات العسكرية الأجنبية من البلاد وهو ما سنتطرق إليه لاحقاً، ملوحاً بفرض عقوبات إقتصادية على بغداد “لم ترَ مثلها من قبل”.
هذا “السلاح” تفاخر به الرئيس ترامب معتبراً إياه أنه يشكل “نعمة” بيد الولايات المتحدة، حيث استطاع من خلاله إستدراج الصين إلى طاولة المفاوضات، وضغط به على روسيا بشكل قاسٍ بعد ضمها لشبه جزيرة القرم، وإستخدمه ضد طهران بعد الخروج من الإتفاق النووي.
بالعودة إلى العراق، إن هذه العقوبات الإقتصادية ستكون فعالة بلا شك، وذلك لعدة أسباب أولها أن العراق أخذ إعفاء من واشنطن بما يخص بعض التعاملات مع طهران وبالتالي هو يعلم مدى فعاليتها في حال خالفها مع إيران فكيف إذا تم فرضها عليه، وثانيها أنه بلد نفطي والكل يعلم مدى إرتباط النفط بالدولار، وثالثهما الحالة الإقتصادية المزرية التي تمر بها البلاد لا سيما بعد غزو العام 2003 الذي تركها مدمرة إقتصادياً، ورابعها مسألة الفساد المستشري ما بين الكثير من السياسيين وقطاعات الدولة ما أدى إلى نزول الملايين إلى الشارع في مظاهرات مطلبية كبرى.
2- دعم الإنفصال
على الرغم من ضمها لشبه جزيرة القرم بشكل رسمي وبإجراءات قانونية، لا تزال روسيا ترغب في نيل إعتراف الولايات المتحدة بهذا الضم لكونها القوة العظمى في العالم. بالتالي، إن إعتراف واشنطن سيعطي شرعية قانونية لفعل موسكو.
في أمر مماثل، لم تقم العديد من الدول بنقل سفاراتها إلى القدس إلا بعد أن أقدمت الولايات المتحدة على الإعتراف بالمدينة على أنها العاصمة الرسمية للدولة اليهودية، حيث تشجعت العديد من الدول وقامت بخطوة مماثلة.
إن سرد هذين المثلين يبين مدى أهمية دور واشنطن، حتى لدى الدول الكبرى، في إعطاء شرعية لتصرفاتهم، سواء توافق ذلك مع القانون الدولي أم لم يتوافق؛ فمن يحكم اليوم هي سياسة القوة لا سيادة القانون.
من هنا، يمكن الإنطلاق إلى ورقة حيوية تمتلكها واشنطن في المشرق وأبرزها الإستفتاء الذي أجراه رئيس إقليم كردستان السابق، مسعود البارازاني، في 25 سبتمبر/أيلول 2017. هذا التصرف لم يلقَ رد فعل أمريكي واضح وصريح، حيث كان شاجباً في الشكل وغير معترض في المضمون.
فلقد جاء موقفها الرسمي على لسان وزير خارجيتها آنذاك، ريكس تيلرسون، الذي أعلن أن “التصويت والنتائج يفتقدان إلى الشرعية، وسنواصل دعم عراق موحد وإتحادي وديمقراطي ومزدهر”)، وفي وقت كانت تريد فيه الإبقاء على وحدة الأراضي العراقية لمواجهة الإرهاب، الذي بسببه طلبت بغداد المساعدة العسكرية من قوات التحالف، لتبقي سيطرتها على النفط.
بالعودة إلى مسألة الإستفتاء، يرى العديد من المحللين بأن “اللهجة الأمريكية لم تكن بتلك الصرامة التي تدفع حكومة مسعود بارزاني إلى التراجع، بل كان بيانها هادئاً أقرب إلى النصيحة منه إلى التهديد.. وإن كانت رافضة في نصها للإستفتاء الكردي، لا تنذر بالضرورة بتخلي واشنطن عن دعم الكرد، خصوصاً أن واشنطن تعتمد عليهم في العمليات البرية ضد من يستهدفون مصالحها في المنطقة.”
والسؤال هنا: ماذا يمنع واشنطن من إعادة التفكير جدياً في مسألة الإعتراف بالإستفتاء، لا سيما إذا أصبحت مسألة إعادة تموضعها أمر حتمي، لتعيد خلط الأوراق في الساحة العراقية من جديد وتعيد إحياء عملية التقسيم خصوصاً وأن حليفتها الأطلسية، تركيا، لديها علاقات مع كردستان ولا يثيرها كرد العراق كما “حجة” كرد سوريا؟ ماذا لو رأت في الإعتراف مخرجاً لإعادة تموضع جنودها في حال قررت إخلاء قواعدها الموجودة داخل العراق؟
3- إتكال على “الحلفاء
قبل عملية إغتيال الفريق سليماني، كان هناك طلب للتصويت على مسألة خروج القوات الأجنبية من العراق، وبالتحديد الأمريكية منها، وكانت واشنطن تمتلك الكثير من الحلفاء في البرلمان لتعطيل مرور هذا الأمر في مجلس النواب. ولكن بعد العملية، تم بت القرار بنسبة 168 صوتاً من أصل 329 في البرلمان فيما كانت الأصوات في سوادها الأعظم للنواب الشيعة، بينما تغيب الكثير من النواب السنة والكرد. إن تفنيدنا للتصويت على المقياس المذهبي ليس تدخلاً من باب الطائفية بقدر ما هو إعطاء تفسير سياسي لما حدث.
ومن دون الدخول في تفسيرات العديد من القوى السياسية العراقية ما تم إقراره في البرلمان بأنه قانون أم قرار، يبدو من الواضح بأن النواب المتخلفين لهم رأي آخر في مسألة خروج القوات الأجنبية من البلاد وإلا لكانوا حضروا الجلسة وإرتفعت نسبة التصويت أكثر بكثير مما كانت عليه.
بالنسبة إلى النواب السنة، ليس من المستبعد أن تقوم واشنطن بعقد تحالفات مع عدد منهم سواء مباشرة أو عبر بعض الدول، الخليجية منهم بالتحديد، التي ترتبط معها بعلاقات عشائرية من أجل إعادة إكتساب نفوذ جديد في البلاد. أما النسبة إلى النواب الكرد، إن هذا الموقف قد يؤكد ما أوردناه سابقاً من إمكانية أن تقوم واشنطن بـ “رد الجميل” عبر قبولها الإستفتاء على الإنفصال.
أما بالنسبة إلى ما ظهر من وحدة سنية – شيعية عراقية خلال تشييع المستهدفين في عملية الإغتيال، يرى بعض المراقبين بأن ما حدث قد يكون ردة فعل عفوية وصحية، لكن المشكلة في مدى قدرة السياسة الإيرانية بالمحافظة على متانة هذه العلاقة مع وجود العديد من التدخلات الخارجية التي قد تعكر صفوها، علماً بأن طهران لم تستطع، في العديد من الأوقات، الجمع بين الكثير من المتناقضات الشيعية داخل العراق.
أضف إلى ذلك، في كتابنا المعنون “الحرب على آسيا من المياه الدافئة إلى المحيط الهادئ” وضمن موضوع بعنوان “حزام النيران المشتعلة يحرق الصين وروسيا”، وضعنا خريطة إلى التواجد السني في إيران والذي “يتمركز على أطرافها، وموزع في الشرق ضمن الفرس السنة، وفي الجنوب الشرقي مع البلوش السنة، والجنوب مع السنة من جديد، صعوداً إلى الغرب مع الأكراد السنة في منطقة الأهواز، ومن الشمال الغربي الفرس السنة أيضاً، وعلى الحدود الشمالية الشرقية مع تركمانستان يوجد التركمان السنة.”
القصد من الحديث عن التواجد السني، الذي تقدر نسبته ما بين 8% إلى 10% من مجموع السكان، محصور فقط بمدى القدرة على تجنيد “جهاديين” لتنفيذ عمليات في الداخل الإيراني بقصد زعزعته، خصوصاً وأن العديد من المناطق الشرقية مفتوح على دول، كأفغانستان وباكستان، تتواجد فيها خلايا إرهابية يمكن أن يكون لها تأثير على بعض الإيرانيين هناك لا سيما مع وجود تداخل ضمن القبائل المتواجدة في تلك المناطق.
في المقابل، يرى بعض المراقبين أن هذا العامل نفسه قد يكون إيجابياً لطهران من خلال قدرتها على التواصل مع تلك الإثنيات من أجل تسديد ضربات عسكرية موجعة للقوات الأمريكية خارج العراق، وبطريقة غير مباشرة خصوصاً وأن واشنطن تعاني من البعد الأمني في الكثير من تلك المناطق.
4- إعادة إنتاج الإرهاب
في 5 يناير/كانون الثاني 2020 وخلال كلمته بمناسبة تأبين الفريق قاسم سليماني، أشار الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصر الله، إلى إتهام الرئيس ترامب لسلفه، باراك أوباما، ووزيرة خارجيته، هيلري كلينتون، بـ “صناعة” تنظيم “داعش”. والسؤال هنا: ماذا يمنع من إعادة إنتاج “داعش جديد” خصوصاً وأن العديد من عناصر التنظيم لا تزال تعيش في بعض المخيمات، كالهيل، أو تقبع في السجون؟
بالنظر إلى المستجدات الحالية، يبدو من الصعب جداً إعادة إنتاج نسخة مماثلة للتنظيم وذلك لعدة أسباب أبرزها الخسارة الكبيرة التي مُني بها في العديد والبنى التحتية، وعدم القدرة حالياً على إستقطاب عناصر جديدة للقتال، إضافة إلى إرسال الكثير منهم للقتال في ليبيا بعد قيام تركيا بنقلهم إلى هناك.
لكن ما يمكن القيام به هو إعتماد أسلوب “الذئاب المنفردة” التي إستخدمت في أوروبا، على سبيل المثال. فما هو المانع من أن تقوم واشنطن بـ “الإستثمار” في عناصر “جهادية” من أجل إحداث بلبلة أمنية متنقلة تُحدث من خلالها خسائر كبيرة بإمكانيات متواضعة؟ الأمر لا يحتاج إلا إلى شخص تم غسل دماغه، وبعض المتفجرات البسيطة مع قطع معدنية حادة، والقدرة على الوصول إلى أماكن مزدحمة سواء بشخصه أو بسيارته، وهو ما سبق وأن حدث فعلاً وفي المناطق الشيعية العراقية.
5- "تبني" مجاهدي خلق
في العام 1997، وضع الرئيس الأمريكي الأسبق، بيل كلينتون، منظمة “مجاهدي خلق” على لائحة الإرهاب، كما قام الإتحاد الأوروبي بنفس التدبير، في العام 2002 إلى العام 2009 رفع إسم المنظمة عن اللائحة الأوروبية، بينما قامت وزارة الخارجية الأمريكية برفعها عن لائحتها في سبتمبر/أيلول العام 2012 بعد الإتفاق معها على معاهدة مخيم “أشرف” العراقي إلى أوروبا.
للعلم، قامت هذه المنظمة بالقتال مع القوات العراقية في حربها مع إيران، بين العامين 1980 – 1988؛ وبعد إنتهاء الحرب، قامت بعملية عسكرية إستولت فيها على مساحات ومدن حدودية عدة قبل أن يستطيع الجيش الإيراني القضاء عليها.وبعد خروجهم من العراق، وافقت ألبانيا على إستقبال عدد كبير منهم وأقامت لهم مخيماً بالقرب من مدينة تيرانا حيث “يشنون منها الآن هجمات إلكترونية ضد المصالح الإيرانية. ووفقاً للصحافة المحلية، لا تستطيع الشرطة الألبانية الوصول إلى هذا المخيم الذي يعيش فيه أفراد الملة في وضع أشبه بالعبودية.”
بالعودة إلى تداعيات عملية الإغتيال، إعتبرت مريم رجوي، زعيمة المنظمة، أن “مقتل قائد فيلق القدس في ​الحرس الثوري​ ​قاسم سليماني​ ضربة قاصمة لنظام الملالي”، مشددة على أنه “حان الوقت لإزالة الحرس الثوري من المنطقة”. في نفس السياق، كشف رئيس كتلة المستقلين في البرلمان الإيراني، غلام علي جعفر زاده أيمن آبادي، أن الفريق سليماني تعرض ثلاث مرات على الأقل لمحاولات اغتيال على الأراضي الإيرانية، وأنه تم اعتقال أشخاص على صلة بذلك، موضحاً بأن إحدى تلك المحاولات كانت على يد منظمة “مجاهدي خلق”
أما عن مسألة فتح علاقات مع المنظمة، فهذا ليس بجديد على الإدارة الأمريكية الحالية. ففي 18 يناير/كانون الثاني 2017، وقَّع 23 من المسؤولين الأميركيين السابقين، من كلا الحزبين الجمهوري والديمقراطي، على رسالة تطالب الرئيس ترامب بتغيير سياسة البيت الأبيض تجاه إيران، حيث أكد مستشار الأمن القومي السابق، جون بولتون، دعمه لـ “المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية” قائلاً إن “هذا التنظيم يستحق اهتماماً جدياً حيث لديه برامج بعد إسقاط نظام الملالي في طهران، وما هو مهم جداً بالنسبة لي هو أن قيادات التنظيم وعدوا بإيران غير نووية.”
بغض النظر عن إستقالة بولتون ومقولته بأن النظام الإيراني سيسقط في العام 2019، إلا أن ما يهمنا هنا ليس الشخص بحد ذاته بل الموقف نفسه، إذ أن هذه ورقة تنظيم “مجاهدي خلق”، على الرغم من ضعفها مقارنة مع الأوراق السابقة، قد توضع على طاولة البحث الجدي لدى إدارة الرئيس ترامب من أجل إحلال نوع من الفوضى خصوصاً وأن للمنظمة تاريخ من العمليات في الداخل الإيراني، وتماهيها مع المواقف الأمريكية تجاه طهران خصوصاً فيما يتعلق بالإتفاق النووي وهو ما يهم واشنطن بشكل كبير.
إن هذا التبني المفترض له علاقة غير مباشرة بالعراق، إذ أن الولايات المتحدة، ومن خلاله، تستطيع أن تُشغل إيران بنفسها بدل أن تزيد نفوذها في المناطق التي تعتبرها واشنطن حيوية بالنسبة لها، بما فيها العراق
في تقييم لما ذكرناه أعلاه، يبدو أن هناك بعض العوامل التي يجب طرحها من أجل الإجابة على سؤال قدرة الإدارة الأمريكية الحالية من تنفيذ تلك السيناريوهات، كلها أو بعضها، وأبرزها:
1- عوامل خارجية
في المقام الأول، يجب النظر إلى مدى قدرة وفعالية المقاومة التي قد تجهض تنفيذ تلك السيناريوهات لا سيما إذا ما كانت فعالة وموجعة. في المقام الثاني، لا يمكن غض النظر عن مواقف بعض الدول، لا سيما الأوروبية منها التي “خرَّب” عليها الرئيس ترامب منافع الإتفاق النووي، والتي لا تريد إشعال حرب عالمية ثالثة كونها لا تتحمل أعباءها، مزيد من اللاجئين مع أزمات إقتصادية ومالية. في المقام الثالث، تمتلك إيران العديد من الحلفاء، كالصين وروسيا اللتان تدركان تماماً أهمية ظهران في المواجهة، التي تعطيها جرعة كبيرة من الصمود على العديد من المستويات لا سيما التدخل لمنع تفلت الصراع بين الطرفين.
2- عوامل داخلية
إن نجاح الدور الأمريكي في تحقيق أي من تلك السيناريوهات مرهون بوضع الرئيس ترامب الداخلي الذي يعاني من إجراءات، وتصويت العديد من النواب على مشروع قرار يقلص من صلاحيات هذا الرئيس العسكرية في مواجهة إيران لكونه “هدد” حياة الدبلوماسيين والجنود الأمريكيين في الخارج.
ختاماً، على ما يبدو إن الرد الإيراني على إغتيال الفريق قاسم سليماني قد يتخذ أشكالاً عديدة وعلى مراحل طويلة، خصوصاً وأن حلفاء طهران في المنطقة قد وضعوا إخراج واشنطن هدفاً إستراتيجياً. والسؤال هنا: ما هو مصير الولايات المتحدة في “حركة الصراع” الطويلة تلك؟ هل تخرج منها مهزومة كما خرجت من فيتنام؟ أم أنها ستلعب بأوراق قوة تبقيها في المنطقة حتى لو إضطرت إلى إتباع قواعد لعبة “غير مشروعة” كإيقاع المنطقة في فوضى تنهك فيها القوى بعضها بعضاً؟