»

الطائرات دون طيار: التقنية والأثر العسكري والاستراتيجي

30 أيار 2019
الطائرات دون طيار: التقنية والأثر العسكري والاستراتيجي
الطائرات دون طيار: التقنية والأثر العسكري والاستراتيجي

مركز الجزيرة للدراسات

أصدر مركز الجزيرة للدراسات دراسة تحت عنوان:"الطائرات دون طيار: التقنية والأثر العسكري والاستراتيجي" إرتأى المركز للإطلاع عليها والإستفادة منها كما يلزم علماً أن المركز لا يتبنى وجهات النظر أو المصطلحات الواردة فيها

برزت الطائرات دون طيار، بوصفها سلاحًا متعدد الأدوار، تتسابق على امتلاكه الدول والجماعات المسلحة، وتتصاعد أهميتها كلما تمكنت الدول من تطويرها، وحيازتها، وتصديرها.

تلقي هذه الورقة الضوء على هذه التقنية، من حيث تطورها الزمني، وبيان تأثيرها في الحروب، مع إبراز هذا الدور من خلال استخدامها في بعض الصراعات المتفجرة في العالم العربي.

نشأة الطائرات دون طيار ومراحل تطورها للأغراض العسكرية

يشير اصطلاح "طائرة دون طيار"، إلى الطائرة، التي يجري التحكم فيها من بعد، وأحيانًا يكون التحكم ذاتيًّا. وقد واجه هذا الاصطلاح الكثير من النقد؛ لأن الطائرة تقاد من بعد عبر طيار أرضي، وهو من يتكفل بمنع وقوعها. لذلك يُستصوب الأخذ باصطلاح "الطائرة غير المأهولة" أو "أنظمة الطائرات غير المأهولة"(1). كذلك يعمد البعض إلى تداول الاسم "درونز"، وفقًا لمصدره في اللغة الإنجليزية Drones))، المأخوذ من اسم ذكر النحل؛ حيث برز ذلك خلال الحرب العالمية الثانية 1939-1945، عندما مُيِّزت هذه الطائرات بأشرطة سوداء وضعت على طول ذيل كل منها، لتبدو كذكر النحل(2).

تُصنَّف الطائرات دون طيار من حيث الشكل إلى ثلاثة أشكال(3):

- ذات أجنحة ثابتة (Fixed Wings).

- على شكل طائرة مروحيةRemotely Piloted Helicopter) ).

- على أشكال خداعية (Decoys).

وقد ظهرت أول طائرة دون طيار، في إنجلترا عام 1917، ثم طُورت عام 1924(4). ومنذ الحرب العالمية الأولى، كانت الولايات المتحدة، وألمانيا، والمملكة المتحدة، أولى الدول استخدامًا لها في جيوشها، ثم لحق بها الاتحاد السوفيتي في ثلاثينات القرن الماضي. وقد أتاحت الحرب العالمية الثانية 1939-1945، والحرب الكورية 1950-1953، المجال لاستخدامها من قبل الولايات المتحدة في الأغراض التدريبية، وكصواريخ موجهة، وفي التصدي للطائرات الحربية المأهولة بالطيارين، وكانت الواحدة منها تُستخدم في كل غرض من تلك الأغراض مرة واحدة؛ لذلك أنتجت منها نحو 15000 طائرة عبر مصنع يقع جنوبي كاليفورنيا. أما دورها في المجال الاستخباري فقد برز بعد حرب فيتنام 1955-1975(5)، كما ارتبط ذكرها بالاستخدام في الهجوم على كوسوفا، عام 1999، حينما زُوِّدت آنذاك لأول مرة بالصواريخ(6).

ونتيجة للتطور المستمر في صناعتها، والطلب المتزايد على اقتنائها، يُتوقع أن يقترب الإنفاق العالمي عليها من 100 مليار دولار مع نهاية العام الجاري 2019(7)، خاصة مع تطلع كثير من الدول إلى تطويرها لإحلالها محل الطائرات الحربية المأهولة من المقاتلات والقاذفات بما في ذلك القاذفات النووية، ومن الدول الساعية في هذا المجال الولايات المتحدة وإسرائيل بوصفهما المنتجين الرئيسين عالميًّا للطائرات دون طيار؛ حيث تهيمنان على سوقها وتتحكمان في مفتاحه، خاصة إسرائيل التي تعتبر المُصدِّر الرئيس لها(8).

نظم تشغيل الطائرات دون طيار والتنافس الدولي في صناعتها 

يجري التحكم بإقلاع وهبوط بعض الطائرات دون طيار التي تطير لمسافات قريبة بواسطة أدوات تحكم مختلفة، وعبر موجات الراديو، بحيث تعمل هذه الأدوات على الاتصال بالطائرات وتسهيل قيادتها(9). أما الطائرات دون طيار التي تطير مبتعدة عن محطات التوجيه الأرضية بمئات الكيلومترات فلا إمكانية للتحكم بها عبر موجات الراديو، بل بواسطة الأقمار الصناعية التي تضمن استدامة الاتصال اللاسلكي معها. وعادة ما تُحدَّد لها نقاط مسارها لتقوم بتوجيه نفسها ذاتيًّا بواسطة نظامها الآلي وبناء على إحداثيات محددة سلفًا(10). وقد مكَّن النظام العالمي لتحديد الموقع Global Positioning System (GPS) ، من تسهيل تحديد مكان الانطلاق للعودة إليه تلقائيًّا إذا تطلب الأمر ذلك(11).

وتعمل أجهزة الاستشعار التي تُزوَّد بها الطائرة مثل: الكاميرات الضوئية العادية، وتلك التي تعمل بالأشعة تحت الحمراء والرادار.. على كشف التحديات التي تواجهها ليقوم نظام الطيران الآلي بإرسال كافة المعلومات إلى الطيار الأرضي فيعمل نظام تفادي الصدماتTCAS) ) Traffic Collision Avoidance System على تجنب وقوع التصادم عن طريق نظام الطيار الآلي، وليس الطيار الأرضي؛ لأنه لا يمكن الوثوق كليًّا بنظام الاتصال اللاسلكي القائم بين الطائرة والطيار الأرضي(12).

ومع ما وصل إليه التطور في مجال الطائرات دون طيار، إلا أنها لا تزال تواجه مشكلات فنية وتقنية مختلفة، تسببت لها في الكثير من الحوادث. فقد كشفت تقارير صاردة عن وزارة الدفاع الأميركية (البنتاجون) عام 2010، عن تحطم ثمان وثلاثين طائرة دون طيار، من طراز"Predator" وReaper" "، خلال عمليات الجيش الأميركي، في كل من أفغانستان والعراق، وتسع طائرات أخرى، أثناء عمليات التدريب داخل الولايات المتحدة. وتُعزى أسباب هذه الحوادث ومثلها، إلى عدد من الأسباب، من بينها ما يلي(13):

- تعرض الطائرات للإسقاط، وارتكاب الأخطاء البشرية والتنفيذية، وتعذر تتبعها.

- عيوب في التصميم وأخطاء في التجهيز.

- عدم موثوقية المعلومات المتلقاة من العملاء المحليين في مناطق الاستهداف.

- سوء الأحوال الجوية، مثل: السحب، والأمطار.

والواقع أن خيارات مواجهة هذه التهديدات محدودة ومكلفة. فقياسًا على تطور وتوافر وسائل التصدي للطائرات الحربية المأهولة والصواريخ الباليستية فلا يزال التصدي للطائرات دون طيار -خاصة الصغيرة منها- يواجه صعابًا وتحديات مختلفة؛ حيث يتعذر كشفها أو رؤيتها بواسطة العين المجردة، كما أن رادارات الدفاع الجوي مصممة أساسًا للطائرات الكبيرة، علاوة على التكلفة الباهظة التي تتطلبها أنظمة التصدي للطائرات الحربية المأهولة والصواريخ الباليستية عند اللجوء الاضطراري إليها. فعلى سبيل المثال: فإن أنظمة باتريوت المصممة للتصدي للصواريخ الباليستية يُكَلِّفُ الواحد منها مليون دولار أميركي، فيما قد تبلغ قيمة الطائرة دون طيار نحو 500 دولار أميركي فقط. يضاف إلى ذلك، نواتج التصدي لهذه الطائرات على المناطق الحضرية، لاسيما إذا كانت الطائرات دون طيار مزودة بالمتفجرات(14).

أهم الدول المصنعة والحائزة للطائرات دون طيار

وفي سياق التنافس الدولي في مجال صناعة وحيازة الطائرات دون طيار، فقد بلغ عدد الدول التي تستخدم هذه الطائرات، والدول التي تعمل على تطويرها، أكثر من أربعين دولة، يمكن الإشارة إلى بعض منها على النحو التالي:

1- الصين الشعبية

تمكنت الصين من صنع 25 نوعًا من الطائرات دون طيار، وقد كشفت عنها في عرض تجاري عام 2010، بعد أربعة أعوام من إعلانها عن تصنيع أول طائرتين من نوع "والتروداكتل"، و" الساوردراغون". ثم أعلنت عام 2018 عن البدء بتصنيع الطائرة دون طيار"CH-7" المقرر إنتاجها عام 2022 بمواصفات تجعلها قادرة على التحليق إلى ارتفاع 13000 متر، وسرعة 571 ميلًا/الساعة، ويمكنها، بواسطة مخزون صاروخي، وقنابل بعيدة المدى، التعامل مع الأهداف الأرضية والبحرية(15).

2- جمهورية إيران الإسلامية

تعد إيران إحدى دول الشرق الأوسط التي تشهد صناعتها في مجال الطائرات دون طيار تطورًا كبيرًا؛ حيث أعلنت، خلال العقد الأول من القرن الحالي، عن إنتاج طائرة دون طيار لأغراض استطلاعية، أُسقطت واحدة منها في العراق عام 2009(16). وفي عام 2013، أعلنت عن تطوير أكبر طائرة استطلاعية-قتالية دون طيار، أطلقت عليها "فطرس"، بطول 7 أمتار، ومدى طيران يصل إلى 2000 كم(17). وهنالك من يعزو تطور القدرات الإيرانية في هذا المجال إلى استحواذها على طائرة تجسس أميركية دون طيار من طراز آر كيو 170 سينتينيل كانت قد أسقطتها أثناء اختراقها مجالها الجوي أواخر 2012؛ حيث تتمتع هذه الطائرة بتقنية بالغة السرية أنفقت عليها الولايات المتحدة ملايين الدولارات(18).

3- الجمهورية التركية

خلال هذا العقد، برزت تركيا بوصفها مصنِّعًا ومصدِّرًا منافسًا للطائرات دون طيار، مع إعلانها، مطلع هذا العام، عن تطوير الطائرة دون طيار "أقسونغور" المعروفة، سابقًا، بـالعنقاء-2، وذلك أثناء تجربة إطلاق وتحليق وهبوط ذاتي دامت 4 ساعات و20 دقيقة(19). وقد وفرت صناعتها الوطنية للجيش التركي ستين طائرة دون طيار استطلاعية-قتالية، لتصبح واحدة من ست دول في العالم، تصنع هذه الطائرات(20)، ثم عُدَّت من الدول المصدرة لها، بعد أن أُعلن في فبراير/شباط 2019، عن إزماع شركة بيكار، تسليم ست طائرات دون طيار، من طراز بيرقدار "TB2" إلى قطر، بموجب عقد أُبرم معها عام 2018(21)، والتحضير لتسليم صفقة أخرى إلى أوكرانيا لم يكشف عن حجمها(22).

4- الدول العربية

لا تزال صناعة الطائرات دون طيار في الدول العربية محدودة باستثناء الإمارات التي شرعت في ذلك منذ عام 2008 من خلال طائرات "يبهون يونايتد 40" وعدد من نظائرها. وبالمثل، فقد أنتجت الجزائر الطائرة دون طيار "أمل1- 400" عام 2013. وقامت السعودية بصناعة الطائرة دون طيار "لونا"، كنسخة مقلَّدة لطائرة ألمانية تحمل ذات الاسم(23). وفي مصر، أعلنت الهيئة العربية للتصنيع عام 2016، عن إنتاج طائرة دون طيار، من طراز ASN-209، بحيث تشمل المرحلة الأولى للإنتاج خمس طائرات، والمرحلة الثانية 21 طائرة، وتتمتع بقدرة على التحليق حتى 5 كم، وبسرعة تتراوح بين 120-140 كم/ساعة، ويمكنها تنفيذ أدوار مختلفة، مثل: الاستطلاع، وتحديد الأهداف، وتصحيح نيران المدفعية(24).