»

حقائق صعبة في سورية

29 نيسان 2019
حقائق صعبة في سورية
حقائق صعبة في سورية

مركز مداد

تم تطوير استراتيجية تدمير "خلافة داعش" في عهد أوباما، ونُفذت مع تعديلات طفيفة في ظل إدارة ترامب. رَكزت هذه الاستراتيجية على تمكين المقاتلين المحليين من استعادة مدنهم من "داعش"، ومن ثم تهيئة الظروف المناسبة لعودة النازحين.
منذ انطلاقها، افترضت هذه الاستراتيجية، أنَّ الولايات المتحدة ستبقى نشطة في المنطقة لمدّة بعد تدمير "الخلافة"، بما في ذلك على الأرض في شمال شرق سورية، حيث يضم التحالف اليوم نحو 2000 من القوات الخاصة الأمريكية و60 ألف مقاتل سوري معروفين باسم "قوات سوريا الديمقراطية". ولكن في أواخر كانون الأول/ديسمبر 2018، عطّل ترامب هذه الاستراتيجية.
بعد مكالمة هاتفية مع نظيره التركي رجب طيب أردوغان، أصدر ترامب أمراً مفاجئاً يقضي بسحب جميع القوات الأمريكية من سورية، على ما يبدو دون النظر في العواقب.
قام ترامب منذ ذلك الحين بتعديل هذه الخطة –وخفض عدد الجنود إلى 200 جندي أمريكي في شمال شرق سورية ومثله في التنف، وهي قاعدة معزولة في جنوب شرق البلاد. (تأمل الإدارة أيضاً، من دون جدوى، أن تحل قوات خاصة من قوات أعضاء التحالف الآخرين محل القوات الأمريكية المنسحبة)، ولكن يبدو أن هذه الخطة الجديدة أكثر خطورة: أن تتولى مجموعة صغيرة المهمة نفسها التي كانت تتولاها القوات الأمريكية المنتشرة في شمال شرق سورية التي تعادل عشرة أضعاف هذه المجموعة.
ما يزال الغموض يكتنف الانسحاب الأمريكيّ. ولكن مهما يكن عدد جنود الولايات المتحدة الباقي على الأرض، فمن غير المحتمل أن يعود ترامب عن قرار تخفيض العدد بشكل كبير. تبقى المهمة الآن، تحديد ماذا سيأتي لاحقاً –ما الذي تستطيع الولايات المتحدة فعله لحماية مصالحها في سورية في حال خفضت حجم وجودها العسكري على مدى الشهور القادمة. إن أسوأ شيء يمكن أن تفعله واشنطن هو التظاهر بأن انسحابها –سواء أكان كاملاً أم جزئياً– لا يهم حقاً، أو أنه مجرد خطوة تكتيكية لا تتطلب أي تغيير في الأهداف العامة.
قدّمت الاستراتيجية التي فككها ترامب الفرصة الحقيقية الوحيدة للولايات المتحدة، لتحقيق العديد من الأهداف المتشابكة في سورية: منع عودة "داعش"، ومراقبة طموحات إيران وتركيا، والتفاوض على تسوية مناسبة مع روسيا بعد الحرب. مع مغادرة القوات الأمريكية لسورية، فإن معظم هذه الأهداف لن يكون ممكناً. ينبغي على واشنطن الآن الحدّ من تطلعاتها، والتركيز على حماية مصلحتين فقط في سورية: منع عودة "داعش"، ومنع إيران من ترسيخ وجود عسكري محصن لها هناك يمكن أن يهدد "إسرائيل". هذا، وبدون نفوذها على الأرض، سيتطلب الوصول إلى هذه النتائج تنازلات مؤلمة. لكن البديل، الذي تدّعي فيه الولايات المتحدة أن شيئاً لم يتغير، سيفشل في تحقيق هذه الأهداف المتواضعة، ويزيد من تقويض صدقيتها في العملية، والأسوأ من ذلك على المدى الطويل، ينبغي عليها تقبُّل الواقع المرير بعد مرور السنوات الأربع الماضية وتقبُّل فكرة تخليها عن الخيارات الأخرى.