»

الانتخابات الإسرائيلية 2019: التفاعلات الداخلية والانعكاسات الخارجية

26 نيسان 2019
الانتخابات الإسرائيلية 2019: التفاعلات الداخلية والانعكاسات الخارجية
الانتخابات الإسرائيلية 2019: التفاعلات الداخلية والانعكاسات الخارجية

مركز الجزيرة للدراسات

أصدر مركز الجزيرة للدراسات دراسة تحت عنوان "الانتخابات الإسرائيلية 2019: التفاعلات الداخلية والانعكاسات الخارجية" إرتأى المركز نشرها للإطلاع عليها والإستفادة منها كما يلزم علماً أن المركز لا يتبنى بالضرورة وجهات النظر أو المصطلحات الواردة جاءت الانتخابات الإسرائيلية لتؤكد هيمنة اليمين واليمين المتطرف على المشهد السياسي الإسرائيلي للسنوات الأربع المقبلة وربما أبعد من ذلك، ومن أبرز تداعياتها إضعاف خيار الدولتين وضم المزيد من أراضي الضفة فضلًا عن تصاعد احتمالات المواجهة مع إيران وحلفائها في سوريا أو لبنان.

مقدمة 

شكَّلت الانتخابات الإسرائيلية التي أُجريت في 9 أبريل/نيسان 2019، إلى حد ما، استفتاء على حكم نتنياهو كرئيس للوزراء والمستمر منذ العام 2009، حيث لم يضع أي من المرشحين الرئيسيين التسوية مع الفلسطينيين عنصرًا أساسيًّا في حملته الانتخابية. أظهرت نتائج الانتخابات فوزًا واضحًا لقوى اليمين واليمين المتطرف وهو ما سوف يرسخ هيمنتها على المشهد السياسي الإسرائيلي خلال السنوات القادمة. تعالج هذه الورقة تطبيقات نتائج الانتخابات المختلفة على الوضع الإسرائيلي الداخلي، وفرص التسوية السلمية مع الفلسطينيين، والعلاقات العربية-الإسرائيلية في ضوء التنازع الإقليمي مع إيران وحلفائها في المنطقة. تجادل الورقة بأن المجتمع الإسرائيلي يتجه أكثر من أي وقت مضى منذ توقيع اتفاق أوسلو، عام 1993، نحو اليمين وهو ما سيعمل على إذابة فرص إقامة دولة فلسطينية مستقلة مع تجاهل الدول العربية الفاعلة لذلك.

هيمنة اليمين

أفرزت الانتخابات الإسرائيلية هيمنة متزايدة لمعسكر اليمين الإسرائيلي مقابل انحسار واضح في معسكر اليسار الذي هيمن على السياسة الإسرائيلية قبل أكثر من عشرين عامًا. فقد حصل حزبا اليسار، العمل وميرتس، على 6 و4 مقاعد على التوالي، بينما كان الحزبان قد حصلا على 56 مقعدًا في عام 1992. لذلك، بات من المؤكد بعد ظهور نتائج الانتخابات النهائية، ظهور اتجاهين رئيسين في السياسة الإسرائيلية الحالية، يختلفان في المسائل الداخلية ويتفقان إلى حد كبير تجاه المواقف المتشددة واليمينية في التعامل مع القضية الفلسطينية.

يتشكل المعسكر الأول من حزب الليكود اليميني بزعامة بنيامين نتنياهو والذي فاز بـ 35 مقعدًا وتلقى دعمًا قويًّا قبل الانتخابات من الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، والرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، وغيرهم من القادة الأكثر يمينية في العالم. انحرف نتنياهو نحو اليمين أكثر مما كان عليه من قبل؛ حيث تقرب من أقصى اليمين وشكَّل تحالفًا انتخابيًّا مع حزب "اليمين المتحد" المتطرف (1). واتبع نتنياهو وحزبه في حملتهم الانتخابية الأخيرة، نفس التكتيكات التي اتبعوها في انتخابات عام 2015 والمتمثلة في شيطنة المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل والتحريض عليهم، من ذلك شن نشطاء الليكود حملة ممنهجة لترهيب الناخبين العرب عن طريق تصوير مراكز الاقتراع في الأماكن العربية بـ 1200 كاميرا مخفية (2)، وذلك من أجل تقليل نسبة مشاركتهم في الانتخابات(3). فارتفاع نسبة التصويت في الوسط العربي كان ممكن أن يمنع أحزاب يمينية صغيرة من تجاوز نسبة الحسم البالغة 3.25% وهو ما كان سيؤثر على قدرة حزب الليكود من تشكيل حكومة جديدة (4). انقسم المواطنون الفلسطينيون، -وهم يعانون من خيبة أمل كبيرة من العملية البرلمانية الإسرائيلية- وممثلوهم في الكنيست إلى قائمتين، وانخفض تمثيلهم في الكنيست من 13 مقعدًا عام 2015 إلى 10 مقاعد في هذه الانتخابات، وتراجع معدل تصويت العرب من ما يقرب من 64 ? في انتخابات عام 2015، إلى حوالي 50 ? في هذه الانتخابات.

تشكل الاتجاه الثاني من حزب كاحول لافان الجديد، والذي يطلق عليه أيضًا حزب "أزرق أبيض" وذلك نسبة إلى ألوان العلم الإسرائيلي؛ حيث حصل على 35 مقعدًا وشكَّل أكبر نجاح في الانتخابات لحزب معارِض منذ أن بدأ نتنياهو رئاسته الثانية في عام 2009. أسس الحزب الجديد عدد من الجنرالات السابقين برئاسة بيني غانتس، رئيس الأركان السابق لـ"جيش الدفاع الإسرائيلي"، وتبنى برنامجًا سياسيًّا ضبابيًّا. فبينما أعلن الحزب الجديد عن استعداده لخوض مفاوضات مع الفلسطينيين ودعا إلى عقد مؤتمر إقليمي للسلام في الشرق الأوسط، غاب مشروع حل الدولتين عن البرنامج السياسي للحزب، وتمسك الحزب بمدينة القدس عاصمة موحدة لإسرائيل، واستمرار السيطرة الإسرائيلية على غور الأردن، والحفاظ على الكتل الاستيطانية في الضفة الغربية ورفض الانسحاب الأحادي من الضفة الغربية (5). وبالتالي، لم يتبنَّ الحزب الجديد أي نوع من التوجه الأيديولوجي الملموس الذي قد يميزه بوضوح عن الأحزاب اليمينية تجاه تسوية مستقبلية مع الفلسطينيين وذلك بهدف استقطاب الدعم الشعبي (6) من مؤيدي اليمين، وخاصة الشباب. 

تشير استطلاعات الرأي الحديثة في إسرائيل إلى اتجاه المجتمع الإسرائيلي، وخاصة فئة الشباب، إلى تبني مواقف يمينية بصورة متصاعدة وذلك منذ الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة، في عام 2005. وتتمحور هذه الأيديولوجية اليمينية حول رفض السلام مع الفلسطينيين ومعارضة إقامة دولة فلسطينية كاملة السيادة أو أي انسحاب إسرائيلي من الضفة الغربية أو تفكيك المستوطنات (7). وبناء على مؤشر الديمقراطية الإسرائيلي، الذي يجريه معهد الديمقراطية الإسرائيلي، لعام 2018، أصبحت أفكار اليمين هذه تنتشر بصورة كبيرة ما بين الفئة العمرية 18-34 (d) بالمقارنة مع الفئة العمرية 35 عامًا وما فوق (G)؛ حيث يفضل غالبية هؤلاء الشباب دعم نتنياهو واليمين على غانتس. فقبل أسبوع واحد من الانتخابات، وجد استطلاع معهد الديمقراطية الإسرائيلي أن 65% من اليهود الإسرائيليين الذين تتراوح أعمارهم بين 18-24 عامًا، يفضِّلون فوز نتنياهو، و53% من اليهود الإسرائيليين الذين تتراوح أعمارهم بين 25-34 عامًا، يفضلون أيضًا فوز نتنياهو. في حين أن 17% فقط من الفئة العمرية الأولى (18- 24 عامًا)، و33% من الفئة العمرية الثانية 25-34 عامًا ، يفضلون منافسه، بيني غانتس(8). 

أما السبب الرئيسي لفوز حزب كاحول لافان الجديد بعدد كبير من المقاعد، فيعود إلى عدم الرضا بين أوساط إسرائيلية عديدة تجاه عهد نتنياهو الطويل، وقضايا الفساد العديدة المتهم بها وأسلوبه الشخصي المثير للانقسام؛ إذ حصل الحزب على دعم قطاعات متنوعة من الناخبين، من بينهم الناخبون اليساريون التقليديون (وخاصة أولئك الذين يصوتون عادة لحزب العمل وإلى حدٍّ ما ميرتس)، الذين رأوا في التصويت لصالح الحزب الجديد تصويتًا استراتيجيًّا وحيدًا لإسقاط نتنياهو. 

وبالرغم من حصول حزب الليكود وحزب كاحول لافان على عدد متساو من المقاعد، 35 مقعدًا لكل منهما، إلا أن الرئيس الإسرائيلي أوكل إلى نتنياهو مهمة تشكيل الحكومة بعدما أوصت غالبية 65 (من أصل 120 عضوًا يشكِّلون الكنيست) بترشيح نتنياهو لتشكيل حكومة جديدة. في هذه الحالة، سيكون أمام نتنياهو 28 يومًا لتشكيل حكومة جديدة مع إمكانية تمديدها لمدة أسبوعين إضافيين. ويتشكل جميع أعضاء الكنيست الداعمين لنتنياهو من أحزاب اليمين واليمين المتطرف؛ حيث حصل نتنياهو على توصية أعضاء حزبه الليكود (35 مقعدًا)، وأحزاب الحريديم المتدينة، شاس ويهدوت هتوراه، (16 مقعدًا؛ ثمانية لكل منهما)، وإسرائيل بيتنا بزعامة أفيغدور ليبرمان (5 مقاعد) وحزب كولانو (4 مقاعد وهو يمين وسط)، واتحاد الأحزاب اليمينية (5 مقاعد) الأكثر تطرفًا. (يُنظر الجدول رقم (2)، وهي الأحزاب الستة الأولى فيه). وهنا مرة أخرى، كما هي الحال في كل انتخابات منذ عام 2009، سوف يعمل نتنياهو ليثبت أنه بارع في بناء الائتلافات الحكومية، على الرغم من أن المقاعد التي فازت بها جميع الأحزاب اليمينية بما فيها الليكود لا تتجاوز 50 مقعدًا (10). 

هذا، وتشكِّل أحزاب الحريديم الأرثوذكسية وإسرائيل بيتنا، مجموع مقاعدهم 21 مقعدًا، مفاتيح أساسية لبناء الائتلاف. ويبدو واضحًا أن تأثير أحزاب الحريديم الأرثوذكسية (16 مقعدًا) يتنامى داخل المجتمع الإسرائيلي بفضل معدلات المواليد المرتفعة والمحافظة على نسبة إقبال كبيرة على المشاركة في الانتخابات والصراع المستمر والعنيف مع الأحزاب والقوى العلمانية. هذه العوامل تجعل أحزاب الحريديم الأرثوذكسية حليفًا طبيعيًّا لنتنياهو، الذي من المرجح أن يستمر في منحهم وضعًا مفضلًا من حيث الإعفاء من التجنيد العسكري، والدعم المالي لمؤسساتهم التعليمية والدينية الواسعة، واحتكار السيطرة على تنظيم الشؤون الدينية في إسرائيل. مجموعة أخرى مهمة لفهم لغز ائتلاف نتنياهو المتوقع تشكيله هو أفيغدور ليبرمان، زعيم حزب "إسرائيل بيتنا" اليميني "المتطرف" والذي حصل على 5 مقاعد. فبينما أعلنت جميع الأحزاب اليمينية والدينية بالفعل أنها ستنضم إلى نتنياهو، أعلن أيضًا ليبرمان أنه سوف ينضم للحكومة ولكن بشرط الاستجابة إلى مطالبه (11). 

ومثلما حدث في الائتلافات الحكومية السابقة، فمن المرجح أن يستجيب نتنياهو لمطالب الأحزاب الدينية واليمينية المتطرفة من أجل ضمان تشكيل حكومته، ومع وجود ائتلاف حكومي ضيق يضم أحزابًا يمينية ودينية متطرفة، فإن الاتجاه الذي وضعه نتنياهو لإسرائيل في ولايته السابقة، من المقرر أن يستمر ويصبح أكثر تطرفًا، أي رفض أية تسوية سلمية تنهي الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية المحتلة.