»

الفجوة بين موقف إسرائيل وتقرير مجلس حقوق الإنسان

13 آذار 2019
الفجوة بين موقف إسرائيل وتقرير مجلس حقوق الإنسان
الفجوة بين موقف إسرائيل وتقرير مجلس حقوق الإنسان

مركز أطلس للدراسات الإسرائيلية

في 25 فبراير، نُشر تقرير لجنة التحقيق التي تشكلت بقرار من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، للتحقيق في أحداث إطلاق النار على حدود قطاع غزة، الأحداث التي بدأت في 30 مارس 2018. إسرائيل لم تشارك في هذه اللجنة، وأعضاء اللجنة لم يُسمح لهم بالدخول إلى القطاع.

خلاصة التقرير تفيد بأن هناك أساس منطقي للتصديق بأن إطلاق النار من قِبل جنود الجيش على المتظاهرين في منطقة السياج الحدودي كان غير قانوني في أغلب الحالات، وقد يتم اعتبارها كجرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية. حسب التقرير، المسؤولية تقع على عاتق من أطلق النار، بما فيهم القادة في المنطقة، وكذلك على من أصدر أو صادق على الأمر بفتح النيران. وأشير في التقرير إلى أن اللجنة جمعت معلوماتٍ عن هوية منفذي أعمال الشغب، وهي تطالب بإحالة هذه المعلومات - بالإضافة للتقرير الكامل - وكل المواد التي تم جمعها للمحكمة الجنائية الدولية، حيث يُجرى هناك بحث أولي متعلق بالجرائم التي قد تكون ارتكبت في المناطق الفلسطينية المحتلة، وكذلك لسلطات التحقيق للدول التي تطالب بالتحقيق في الأحداث. كما يدعو التقرير الدول لممارسة الصلاحيات القضائية في بلادها حول الجرائم المذكورة فيه، وكذلك بحث فرض عقوبات، تشمل حظر السفر وتجميد الممتلكات، على من يتم تحديدهم كمسؤولين عن تنفيذ الجرائم.

حسب التقرير، الحديث عن مظاهرات مدنية بطبيعتها، ذات أهداف سياسية، ورغم الأحداث العنيفة في إطارها؛ إلا أنها لم تكن جزءًا من عملية عسكرية. لذلك، فإن الإطار القانوني ذات الصلة هو تطبيق قوانين حقوق الإنسان، والتي بموجبها يمكن استخدام قوة قاتلة فقط في حالات الدفاع عن النفس أو لحماية الآخرين من تهديد فوري على حياتهم، بما يعني تهديد على بُعد ثوانٍ وليس ساعات، بحيث تكون القوة ضرورية ومتناسبة. اللجنة حددت أنه (حين يتم تنفيذ أنشطة قتالية مرتبطة بمواجهة مسلحة بين الطرفين) يُمكن تبرير ممارسة القوة القاتلة ضد مَن يشاركون بشكل مباشر في النشاطات القتالية، حتى في غياب تهديد مباشر حسب القانون الدولي الإنساني (قوانين النزاع المسلح).

التقرير يُركز على المصابين الفلسطينيين ويُفصل قائمة من حالات القتل والإصابات، بدون التطرق تقريبًا للتهديد الذي صدر إثر الأحداث على إسرائيل، باستثناء ذكر موجز ينص على أن إسرائيل ادّعت بأنها رأت في التظاهرات تهديدًا أمنيًا جديدًا، في ظل علاقتها بالتنظيمات المسلحة الفلسطينية وكونها ستارًا لتنفيذ "عمليات"، وكذلك اجتياز السياج تم اعتباره كتهديد مباشر.

حسب التقرير، تم بحث 189 حالة قتل في صفوف الفلسطينيين، من بينهم 183 جراء إطلاق نار، وكذلك 300 إصابة جراء إطلاق النار عليهم خلال المظاهرات. التقرير يُقدّر بأن هناك 6103 شخص أُصيبوا من إطلاق النار عليهم، وآلاف آخرين جراء الغاز المسيل للدموع. التقرير يُشير إلى أنه في إسرائيل قُتل جندي واحد، أربعة جنود أُصيبوا ووقع ضرر في الممتلكات نتيجة للبالونات الحارقة. التقرير يُحدد أن (باستثناء اثنين أصيبوا، أحدهم أطلق النار نحو جنود الجيش والثاني حاول مهاجمة جندي بسكين) كل الحالات الباقية كان استخدام النار فيها غير قانوني، فالجنود أطلقوا النار نحو المتظاهرين الذي يقفون بعيدًا جدًا عن القوات وكانوا منشغلين بأنشطة مدنية، بدون أن يُشكلون خطرًا حقيقيًا أو بدون الانشغال بنشاطات عدائية.

التقرير يذهب لأبعد من ذلك، ويقضي بأن القناصة الإسرائيليون هاجموا أطفال بشكل متعمد، طواقم طبية، صحفيين ومعاقين، رغم أنهم رأوا أن هؤلاء السكان لديهم حماية خاصة. التقرير يحدد أنه كان يمكن استخدام طرق أقل فتكًا وأن هناك طرق حماية كافية، ولذلك كان استخدام القوة القاتلة غير ضروري وغير مناسب، التقرير لم يُفصل ما هي الطرق الأخرى التي يتحدث عنها. التقرير يخلص إلى أن إطلاق النار يعتبر خرقًا للحق في الحياة الوارد في قوانين حقوق الانسان ولمبدأ التمييز في القانون الدولي الإنساني، الذي يحظر إلحاق الأذى عمدًا بالمدنيين.

هذا ويتطرق التقرير إلى الحصار على قطاع غزة وتداعياته الإنسانية، على تدمير المنظومة الصحية في المنطقة، والتي تفاقمت في ظل ضرورة معالجة المصابين الكُثر، والقيود التي فرضتها إسرائيل ومصر على خروج المصابين من غزة لتلقي العلاج الطبي. كما تحدد أن هناك خرق لحق العيش بكرامة، وكذلك انتهاك التزامات إسرائيل تجاه سكان غزة، باعتبارها محتلة للأرض.

بالنسبة لحماس، التقرير اكتفى بملاحظة تُشير إلى أن أفراد اللجنة التي نظمت التظاهرات (بما فيهم حماس) شجعوا استخدام بالونات وطائرات ورقية حارقة، وكذلك السلطات الحاكمة في غزة فشلت في تنفيذ التزامها بالعمل على منع استخدام ذلك تجاه إسرائيل. على النقيض، ليس هناك أي ذكر لمسؤولية حماس في "الأعمال العنيفة والإرهاب الذي حدث في إطار الأحداث، وبأنها عرضت حياة المدنيين للخطر عمدًا من خلال وضعهم على خط النار".

موقف إسرائيل (التي لم تشارك في اللجنة) تم تقديمه بشكل مفصل في وثائق معلنة تمكنت اللجنة من الوصول إليها، بما يشمل موقع المتحدث باسم الجيش وبيانات تم تقديمها لمحكمة العدل العليا. وحسب ما جاء فيها، تعليمات إطلاق النار تناسبت مع التعليمات المطبقة في حالات إنفاذ القانون، مع التطرق لوجود نزاع مسلح بين إسرائيل وحماس، التعليمات لم تسمح بإطلاق النار القاتل نحو المتظاهرين، إلا في حال شكلت التظاهرات خطرًا حقيقيًا ومباشرًا بالمساس بالجنود أو المدنيين الإسرائيليين وفقط كوسيلة أخيرة. حسب موقف إسرائيل، ليس صحيحًا التطرق للمظاهرات على أنها تظاهرات مدنية داخل بلد، بل هي أحداث عنيفة، موجهة على يد حماس، التي هي في مواجهة مسلحة مع إسرائيل، على طول الحدود بين إسرائيل وبين المنطقة التي تحت حكمها؛ ولذلك يجب الأخذ بالاعتبار أنه لو تسللت جماهير الفلسطينيين نحو إسرائيل والمستوطنات المحاذية للقطاع لكان تسبب الأمر بقتل أكثر من ذلك بكثير.

الفجوة الكبيرة الملاحظة بين الموقف المفصل بالتقرير وبين موقف إسرائيل نابع بالأساس من أن التقرير يتبنى تمامًا وجهة نظر الضحايا الفلسطينيين، مع وصف الأحداث بأنها تظاهرات مدنية لا تبرر استخدام القوة وبدون التطرق للواقع المعقد للأحداث. بشكل خاص، ليس هناك تطرق لتداعيات وجود المواجهة المسلحة بين إسرائيل وحماس، وأن الاحداث وقعت على الحدود بينهما وبتدخل من عناصر حماس. لذلك، رغم أن إسرائيل واللجنة يتفقان على أن إطلاق النار القاتل مبررًا فقط في حالات الخطر المباشر والملموس، إلا أن تحليل كل طرف منهم حول سبب اعتباره خطرًا يختلف تمامًا.

مثل التقارير السابقة المتعلقة بنشاطات إسرائيل، ليس هناك شك بأن التقرير الحالي سيتم استخدامه لانتقادها في الساحة الدولية وكأساس لإطلاق مبادرات لفرض عقوبات أو قيود عليها. بشكل أخص، نقل التقرير والمواد التي تم جمعها على يد اللجنة للمدعى العام للمحكمة الجنائية، التي تبحث فعليًا تلك الحالات، قد يؤثر على قرار فتح تحقيق بتهمة تلك الأحداث. ومع ذلك، يجب أن نأمل بأن تمنع أحادية الجانب في التقرير اعتماد جهات مهنية على نتائجه أي كانت.