»

ستة أيام وخمسون عامًا

28 كانون الثاني 2019
ستة أيام وخمسون عامًا
ستة أيام وخمسون عامًا

مركز أطلس للدراسات الإسرائيلية

“ستة أيام وخمسون عامًا" كتاب 300 صفحة، صدر عن مركز دراسات الأمن القومي، وشارك في إعداده 33 باحثًا إسرائيليًا من داخل وخارج المركز، وجنرالات سابقون وحاليون ووزاء أمن على رأسهم موشيه يعلون، وقد قام مركز أطلس للدراسات الإسرائيلية بترجمة الكتاب ونشره مجزئًا وفقًا للدراسات التي شكلت هذا الكتاب. إرتأى مركز الاتحاد للأبحاث والتطوير نشره للإطلاع عليه والإستفادة منه كما يلزم علماً أن المركز لا يتبنى وجهات النظر أو المصطلحات الواردة.

لا خلاف على أن سقوط القدس خلال حرب حزيران 1967 غيّر وجه المنطقة، فقد اعتبرها القوميّون نكسة، والإسلاميون اعتبروها واقعة أشد وقعًا على الأمة الإسلامية من سقوط الأندلس، وكذلك أشد وقعًا من سقوط القدس على أيدي التتار وعلى ايدي الصليبيين. ومن وجهة النظر الإسرائيلية فهي الانتصار الأهم في تاريخ الدولة، حيث انتقلت من دولة مهددة الوجود إلى دولة أساسية في الشرق الأوسط وفي قلب العالم الإسلامي.

مركز دراسات الأمن القومي عقد العديد من ورش العمل، في الذكرى الـ 50 لسقوطها، وأصدر كتابًا بعنوان "ستة أيام وخمسون عامًا"، تضمن الكتاب 7 دراسات تناقش الأبعاد السياسية لنتائج الحرب، و13 دراسة تناقش الأبعاد العسكرية لنتائجها، وقد نوقشت الأبعاد الاجتماعية لنتائج الحرب في 5 دراسات، وهناك كالعادة في مثل هذه الكتب الخلاصة التي يكتبها رئيس مركز دراسات الأمن القومي عاموس يادلين، وهي بعنوان "حرب الأيام الستة: نظرة على اليوبيل".

الكتاب تطرق إلى الانتقادات التي وُجهت للقيادة الإسرائيلية على سلوكها عشية الحرب وخلالها وبعدها، وحتى فيما يتعلق بالنتائج التي أعقبت الحرب. كما يناقش العديد من الأبعاد العسكرية والاجتماعية على الصعيد الداخلي والخارجي، الإقليمي والدولي، فنتيجة الحرب لم تقتصر فقط على أنها ضاعفت المساحة التي يسيطر عليها الجيش الإسرائيلي ثلاثة أضعاف باحتلال الضفة وغزة والقدس وسيناء؛ بل إن الحرب ضاعفت الشعور بالثقة والأمن إلى حد النشوة لدى المجتمع الإسرائيلي، وكذلك شعور الثقة بالنفس لدى الجيش الإسرائيلي والقيادة الإسرائيلية، وحتى في نظر المجتمع الدولي.

إلى جانب ذلك، فإن هذا الانتصار خلق انقسامًا سياسيًا حادًا داخل المجتمع، كون الحرب حددت التفكير العسكري والسياسي على طول السنوات إلى اليوم، فقد أثرت في دور الجيش الذي انشغل كثيرًا في الأعمال الشُرَطية في الضفة الغربية وقطاع غزة، واضطر لتسخير الكثير الكثير من الموارد في تلك المناطق.

أما تاثير نتائج الحرب على الساحة الفلسطينية فقد كانت متلاحقة وسريعة، وترجمت في التغيير على الحركة الوطنية الفلسطينية وتراجع أهدافها؛ الأمر الذي ضاعف من الضغط الدولي على إسرائيل لدفع الاستجابة لبعض المطالب الفلسطينية، بل أصبحت إسرائيل في نظر الكثير من الدول كدولة محتلة تمثل جالوت الذي يقاتله داوود الفلسطيني.

القراءة التي يقدمها مركز دراسات الأمن القومي للأحداث بنظرة للوراء، تعطي قراءة أكثر نقدية للأحداث وللنتائج، لكن هناك مشكلة برزت في العديد من المقالات، والتي حملت نتائج حرب 1967 الكثير من التطورات في المجتمع والنظام السياسي في إسرائيل، وحتى التصدعات التي تعود خلفياتها إلى تلوّن المجتمع الإسرائيلي كمجتمع شتات، والتي تعود أسبابها إلى عوامل تاريخية أخرى، أقل أو ربما أكثر عمقًا.

على الرغم من ذلك، يمكن التأكيد على أن نتائج الحرب انعكست بالتأثير على أربع ساحات رئيسية: الساحة الإسرائيلية الداخلية، الساحة الإسرائيلية - الفلسطينية، الساحة الإقليمية - الشرق الأوسط، والساحة الدولية. يناقش الكتاب هذه الساحات من خلال التركيز على التحدي العسكري ومأزق القوة، وممّا يمكن استخلاصه بأن الشعور الزائد بالقوة الذي منحته الحرب للجيش الإسرائيلي وقادته والقيادة السياسية في إسرائيل كان سببًا في الاستخفاف بالعرب، والجمود في تفكير القادة والجيش، والاعتماد على الردع، واستبعاد ما حدث من حرب الاستنزاف، ومن ثم المفاجأة الكبرى في حرب أكتوبر، والتي كانت كلفتها عالية على الجيش الإسرائيلي، كما لم يصمد الردع الذي تحقق لهم بحرب 67.

الاستعداد العسكري الإسرائيلي تركز في فهم التحدي بالمستوى الذي واجهه الجيش عام 1967 كمعارك بين الجيوش، وعلى ضوء ذلك كانت استراتيجية تعاظم القوة لدي الجيش والصناعات العسكرية، لكن الجيش الاسرائيلي فوجئ بتحديات مختلفة تمامًا عن ذلك، فبعد عقديْن من الزمن على تلك الحرب؛ واجه الجيش الإسرائيلي تحديًا منخفض المستوى بدلًا من التحدي التقليدي الذي استعد له، وقد تمثل بالمقاومة الفلسطينية واللبنانية، بدءًا بالصواريخ قصيرة المدى، مرورًا بحرب العصابات، وانتهاءً بالعمليات الاستشهادية، وذلك في سلسلة معارك من حرب بيروت 1982 إلى انتفاضة الحجارة 1987 وانتفاضة الأقصى 2000 وحرب لبنان الثانية 2006، وأخيرًا جولات التصعيد الثلاث مع قطاع غزة (2008، 2012، 2014)؛ جميع هذه المعارك كشفت المأزق الذي يمر به الجيش الإسرائيلي، والذي تحدثنا عنه في مقال سابق بعنوان "إسرائيل النووية وبيت العنكبوت".

الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي: احتلال الضفة والقطاع والقدس (كان قد سبقه بعام إلغاء الحكم العسكري عن الفلسطينيين الذين تبقوا داخل الأراضي المحتلة عام 1948) فتح أبواب التواصل بين الفلسطينيين على مصراعيه، وشكل كتلة سكان كبيرة ارتبطت بمصير واحد، خصوصًا وأن إسرائيل لم تقدم استرتيجية مستقبلية للتعامل مع الأراضي المحتلة عام 1967، ومع سكان الضفة والقطاع.

على الصعيد الداخلي الإسرائيلي، قبل عام 1967 كان الحديث عن مستقبل الضفة والقطاع حديثًا نظريًا بين التيارات الإسرائيلية، ولكن بعد سيطرة الجيش الإسرائيلي على تلك المناطق؛ احتد النقاش الداخلي وأصبح حجر أساس في الصراع الحزبي، وتشكلت أحزاب بناءً على تصورات مستقبل المناطق.

من أهم فصول الكتاب فصل بعنوان "التناقض الثلاثي للانتقال من الدفاع المدني إلى الجبهة المدنية "، شارك في إعداده مائير الران وكرميت فدان، هذا الفصل يركز على معيقات استخدام القوة، حيث يناقش قدرة المقاومة الفلسطينية واللبنانية على الانتصار في معركة الوعي، ومنع الجيش الإسرائيلي من القدرة على استخدام كامل القوة، على الرغم من انتصاره على الجيوش؛ إلا أن الصراع مع المقاومة يشكّل معركة مختلفة لا يمكن الاستفادة من عبر حرب 1967 في هذه المعارك.

الكتاب مهم جدًا للباحثين، فهو مصدر ومرجع تاريخي، يسلّط الضوء على مأزق الاحتلال، رغم الوهم بالانتصار؛ فإن ثمن الاحتلال باهظ على الجيش والمجتمع الذي احتَل كما هو واقع على الشعب الذي احتُل. نوصي بطباعة هذا الكتاب - ولو بعدد قليل من النسخ - وإدخاله للمكتبة الفلسطينية كأحد أهم المراجع التاريخية، ليس فقط لأحداث الحرب؛ بل للأحداث السابقة واللاحقة والآثار التي ترتبت وما زالت تترتب على هذه الحرب.