»

العراق وظاهرة الفساد الإداري والاقتصادي

14 كانون الثاني 2019
العراق وظاهرة الفساد الإداري والاقتصادي
العراق وظاهرة الفساد الإداري والاقتصادي

موقع الجزيرة

أصدر مركز الجزيرة للدراسات دراسة تحت عنوان "العراق وظاهرة الفساد الإداري والاقتصادي" إرتأى المركز نشرها للإطلاع عليها والإستفادة منها كما يلزم علماً أن المركز لا يتبنى وجهات النظر أو المصطلحات الواردة في الدراسة

تعالج هذه الورقة ظاهرة الفساد الإداري والاقتصادي في العراق، وهي ما يعتبرها مسؤولون عراقيون من بين أخطر التحديات التي تواجه البلاد، ويقارنونها بخطورة الإرهاب، لكن القليل فقط تحقق لمكافحة الظاهرة.

لم تفلح الإجراءات المختلفة والهيئات المتعددة التي تأسست بعد 2003 في أن تضع حدًّا، وإن أدنى، للتردي المتواصل في نزاهة إدارة الاقتصاد. هيئة النزاهة نفسها تفتقت فيها الكثير من الخفايا التي تؤشر إلى أنها مصابة بنفس الداء الذي تسعى لعلاجه. هيئة النزاهة البرلمانية تطولها الاتهامات من هنا وهناك بأنها تسعى لابتزاز دوائر ومؤسسات الدولة من أجل مال سحت، لا بل إن عضوًا سابقًا فيها أقر بفساده وفساد كل الأعضاء الآخرين(1). ديوان الرقابة المالية صامت مصاب بالخرس بل مخرَّس رغم كفاءته في كشف الحقائق، منذ 2003 حيث اغتيل رئيسه(2)، وما يصدر عنه من تقارير تبقى في طي الكتمان. مكاتب المفتشين العامين في الوزارات تحت وصاية الوزير لأن بقاء مديرها العام رهن برضا الوزير. بعض المفتشين العامين لا يحملون المؤهلات العلمية(3)، ومنظمات المجتمع المدني لا تنشر أية بيانات موثقة يمكن الركون إليها. الإعلام النزيه ممنوع من الوصول إلى مصادر المعلومات، ومعظمها تابع لحزب أو كتلة سياسية هدفها الترويج لهذه الأحزاب والكتل. وجزء من وسائل الإعلام التي تدعي الاستقلالية تعتاش على ابتزاز الفاسدين بغية الحصول على نصيب في الغنيمة. الشفافية معدومة أصلًا وان توفرت فقديمة والبيانات والإحصاءات الجديد منها يقوم على التنبؤ، الحسابات الختامية للموازنات العراقية لم تقدم منذ العام 2012 رغم مطالبات نيابية.

في مثل هذه الأوضاع يصعب التوصل إلى صيغ تضمن النزاهة المالية والإدارية، كما يصعب أيضًا تلمس حدود الفساد وتفاصيله وأدواته والمتورطين فيه بشكل قاطع، إذ تكاد الوثائق أن تنعدم، كما أن هناك عمليات تغطية واسعة لجرائم الفساد، وخبرات متراكمة لدى الأطراف المعنية في عدم ترك آثار مباشرة خلفهم.

ولمعالجة عمليات الإخفاء المتعمدة للمعلومات، ونقص الشفافية، وشحَّة الوثائق، فستعتمد هذه الورقة على مقاربة علمية في تلمس مظاهر الفساد المالي في العراق، وحدوده، من خلال تتبع المسارات التي يتتبعها، ونزيف الثروات الذي تسبب به منذ عام 2003.

التوصيف النوعي للفساد في العراق

يتميز الفساد الاقتصادي في العراق بسمات وأسس غير اعتيادية يرتبط وجودها واستمرارها بصورة جدلية بالوضع السياسي الراهن وترابط منظوماته التي تشبه لعبة (الدومينو). فعلى الرغم من الغرائمية بين الأجزاء المكونة لهذا النظام فإن أي جزء لا يعمل على الإيقاع بالأجزاء الأخرى كونه يدرك حقيقة سقوط الكل إذا وقع جزء من المنظومة الكلية في لعبة (الدومينو).

ولعل أهم أساس يقوم عليه الفساد في الواقع العراقي هو (الفساد الشبح) وهو الحالة التي يُجمع عليها الفاسدون ويهاجمون فيها الفساد وكأنهم بهذا يخلطون الأوراق بحيث يصعب تشخيص حالة الفساد(4). وهكذا، تعمد شخصيات سياسية إلى قيادة حملات ضد الفساد لخلق واقع ما يسمى (الفساد الشبح). وفي طبيعة هذا النوع من الفساد، فإن ما هو مطروح في العلن من كلمات ضخمة، وحديث عن المبادئ والقيم العليا شيء، وما هو واقع وحادث من هذا الزعيم أو ذاك، شيء آخر؛ لن تجد فاسدًا في العراق يبرر الفساد، ولا لصًّا يجادل في كون السرقة أمرًا مستهجنًا، بل إن الفاسدين والمنافقين هم الأكثر قدرة أحيانًا على انتقاد الفساد والدعوة للتطهير. زعامات سياسية معروفة صرَّحت بأنه لا توجد سلطة في العراق قادرة على اتخاذ أية خطة ضد الفساد لأن السلطة كلها غارقة في الفساد.

لا شك في أن هذا النوع من الفساد هو الأهم والأخطر كونه الداء الذي يمنع كل دواء، فعندما يقول زعيم سياسي معروف بأنه لا توجد سلطة في العراق قادرة على اتخاذ خطة لمحاربة الفساد، فلأنه يدرك أن العملية السياسية كلها ستنهار على رؤوس السلطة إذا ما تورَّط مسؤول في اتخاذ إجراءات فعلية وفعالة ضد الفساد والمفسدين.

وقد وُلِد عن الفساد الشبح عدة أنواع من الفساد الاقتصادي، وهي: 

1. فساد عقود المقاولات والمشتريات 

من خلال تقارير لهيئة النزاهة العراقية، فإن هناك خسائر تقدر بـ250 مليار دولار، وأشارت التقارير إلى أن الفساد المتعلق بهذا النوع يستشري كذلك في رئاسة الوزراء.

ومن بين الأمثلة على فساد العقود والمشتريات(5)، ما كشفت عنه هيئة النزاهة من معلومات حول عقد سري لشراء سلاح من صربيا بقيمة 833 مليون دولار، وقد تولى إنجاز العقد وفد يضم 22 مسؤولًا عراقيًّا كبيرًا في سبتمبر/أيلول 2007. وفيما جرى إنفاق المبلغ، تبين لاحقًا أن القيمة الأصلية للسلاح هي 236 مليون دولار فقط. وقال مسؤولون عسكريون أميركيون كانوا يشرفون على تدريب الجيش العراقي في ذلك الوقت: إن التجهيزات المشتراة من صربيا ذات نوعية سيئة أو إنها لا تتناسب مع مهمات الجيش العراقي. 

وقبل انكشاف حجم الفساد الضخم في الصفقة، كان الناطق باسم وزارة الدفاع العراقية قد قال في بيان: إن الصفقة واحدة من أفضل وأكثر الصفقات شفافية من حيث الالتزام بشروط ومعايير وزارتي المالية والتخطيط واللجنة الاقتصادية(6).