»

إنجازات "درع الشمال" بعد مرور شهر على بدايتها

09 كانون الثاني 2019
إنجازات "درع الشمال" بعد مرور شهر على بدايتها
إنجازات "درع الشمال" بعد مرور شهر على بدايتها

مركز أطلس للدراسات الإسرائيلية

رغم التردد الذي دار في المنظومة الإسرائيلية عشية عملية "درع الشمال" بشأن الاستعجال في تنفيذ وطبيعة "العسكرية والهندسية" للعملية، في ميزان الربح والخسارة بالنسبة لإسرائيل بعد مرور شهر على بدايتها (4 ديسمبر)، بالتأكيد يمكن تحديد سلسلة إنجازات لإسرائيل حتى الآن، وبالأخص على المستوى العسكري.

الكشف عن الأنفاق (حتى الآن عددها خمسة) وتدميرها سحب من حزب الله أداة مهمة، ونسف خطته بمفاجأة إسرائيل عبر الأنفاق بخطوة برية في الشمال تشمل أيضًا تسللًا للمستوطنات، بالإضافة لإطلاق صواريخ نحو الجبهة الإسرائيلية. حتى في السيناريو الذي بناءً عليه يقرر التنظيم عدم التنازل أبدًا عن الأنفاق الهجومية، ها هي إسرائيل تعرقل خطته السرية التي استثمر فيها جهدًا كبيرًا، سواء بحفرها أو بصياغة الخطط التشغيلية قبيل المعركة القادمة أمام إسرائيل. في حال نجحت خطة حزب الله، لكان هذا فعليًا حدثًا ذا تأثير جزئي على العملية، لكن رغم ذلك كان مطلوب من الجيش استثمار مواد أمام هذا التحدي، وكان لذلك تأثير توعوي، حين يُعطي حزب الله لنفسه "صورة نصر" في بداية الحرب.

بالإضافة لإظهار القوة العسكرية - التشغيلية والتكنولوجية للجيش الإسرائيلي، من الجدير الإشارة أيضًا إلى الإنجاز الاستخباراتي: الجيش أثبت مرة أخرى تفوقه الاستخباراتي من خلال اكتشاف الأنفاق والتتبع السري وراء حفرها طوال عدة سنوات. في حال قرر حزب الله مفاجأة إسرائيل، ها هو تفاجأ بنفسه من الخطوة الإسرائيلية على ما يبدو.

إظهار القدرات الاستخباراتية والتشغيلية للجيش الإسرائيلي في هذه العملية يعزز أيضًا بدرجة ما الردع الإسرائيلي، الذي تم التعبير عن وجوده بـ "صمت مطبق" من قِبل حزب الله خلال الشهر الماضي، وغياب رد حقيقي من قِبل أفراد التنظيم وقياداته، لا بالتصريحات العلنية ولا بالنشاطات في المنطقة، باستثناء جهد محدود لإظهار تواجد نشطائه خلف الحدود. هذا بدون أي مضايقة ذات تأثير على نشاطات الجيش، رغم تداعيات الأمر على الجانب الثاني (صد الانفجارات وتدفق الاسمنت السائل الذي تم سكبه في الجانب اللبناني).

تفسير محتمل لرد حزب الله المتحفظ هو دقة الجيش في العمل في النطاق الإسرائيلي. لكن سمات هذه الاستجابة تعزز أيضًا التقدير بعدم رغبة حزب الله (مثل إسرائيل تمامًا) بمواجهة في الوقت الحالي. يبدو أن ما ساهم في ذلك هو العباءة التوعوية الدعائية للعملية من قِبل إسرائيل، التي قدمت صورة واضحة بالنسبة لهدف ونشاطات الجيش، بما فيها إطلاع اليونيفيل ومن خلالها الجيش اللبناني، وبذلك تم الحد من إمكانية الاحتكاك العسكري واختلال المواقف وحدوث تصعيد.

من المهم أن نذكر أن مشكلة التهديد المركزي من قِبل حزب الله على أهداف استراتيجية والجبهة الإسرائيلية ما زالت قائمة. لا علاقة بالإنجاز أمام الأنفاق الهجومية على التأثير على استمرار بناء أساس قوة حزب الله، حيث سيواصل جهوده - بمساعدة إيران - للتزود بسلاح استراتيجي وتدقيق قدرات الاستهداف لمنظومة الصواريخ التي يمتلكها. علاوة على ذلك، إن مهمة الجيش الإسرائيلي في الأنفاق ستمتد لمزيد من الوقت وستحتاج إسرائيل لاستثمار موارد في إحباط هذه الوسائل بشكل مستمر، بالتوازي مع نشاطات أمام أنفاق حماس في الجنوب.

أما في الحملة السياسية التي رافقت العملية، فإن ميزان الإنجازات مختلط؛ في الجانب الإيجابي حظيت إسرائيل بإدراك واسع في الساحة الدولية حول ضرورة العملية في ظل التهديد الخطير الماثل أمام السكان الإسرائيليين في الشمال، وفي ظل حقيقة أن هناك أنفاق تتسلل لإسرائيل وحفرها بمثابة مساس بالسيادة، وبذلك يستطيع الجيش مواصلة نشاطاته في الشمال بلا قيود من أي جهة. مع ذلك، لم تنجح إسرائيل حتى الآن بترجمة هذا الإدراك لتعزيز هدفيْن استراتيجييْن في الساحة السياسية، بحيث سيخدمانها في التعامل المستقبلي مع حزب الله: إلقاء مسؤولية ما يقوم به التنظيم على لبنان (الموقف الذي يتردد في كل تصريح للمتحدث باسم الجيش حول العملية)، وتوسيع الاعتراف بحزب الله كتنظيم "إرهابي" في الساحة الدولية، مع إلغاء الفصل الذي تم تبنيه في الغرب بين الذراع العسكرية والعناصر السياسية للتنظيم.

خلافًا لسياسات إسرائيل في حرب لبنان الثانية (2006)، والتي امتنعت إسرائيل خلالها عن مهاجمة بنى تحتية وأهداف استراتيجية للبنان؛ اكتسب مفهوم "المسؤولية الحكومية" للبنان وللنشاطات العسكرية لحزب الله منذ حرب لبنان الثانية تأثيرًا في المنظومة الإسرائيلية. هذا، على أساس إدراك أنه في الحرب القادمة (في حال حدث واندلعت) ستحتاج إسرائيل لإجراءات عسكرية واسعة، ليس فقط ضد أهداف لحزب الله، بل أيضًا ضد أهداف لبنانية، من أجل عرقلة قدرات التنظيم على إطلاق صواريخ نحو مواقع استراتيجية ومناطق مركز السكان في الجبهة الإسرائيلية، وكذلك لتحفيز ضغط دولي لتقصير المعركة. إن تبني مفهوم المسؤولية الحكومية للبنان يُفترض كذلك أن يعزز الردع الإسرائيلي، وأن يعزز كذلك الكوابح أمام مبادرة عسكرية ضد إسرائيل، التي تُمارس على التنظيم.

مع ذلك، طلب تحميل لبنان مسؤولية ما يفعله حزب الله يعاني من نقطتيْ ضعف أساسيتين: الأولى هي غياب شرعية دولية لضرب أهداف استراتيجية في لبنان وسكانها من قِبل سكانها، الثانية نابعة من ضعف الدولة والجيش اللبناني، حيث أنهم غير قادرون على التعامل مع التنظيم المتعاظم والمتزايدة قوته في المنظومة السياسية (على سبيل المثال، الصعوبة التي واجهت سعد الحريري لتشكيل حكومة منذ الانتخابات في مايو 2018)، إلى جانب ضعف الجيش اللبناني، ذي القدرات المحدودة (رغم جهود الولايات المتحدة وفرنسا لتقويته)، والذي هو مُعبأ بعناصر من حزب الله وخاضع لتأثير التنظيم.

العملية خلقت فرصة لتعزيز الاعتراف الدولي بمسؤولية لبنان، لكن النقاش في مجلس الأمن (19 ديسمبر) كان مكونًا فقط من تقارير، والردود الوحيدة التي كان يمكن فيها إيجاد دعم معين لطلب إسرائيل كانت من قِبل اليونيفيل وروسيا، وهي نابعة من الضرورة الحقيقة لإيجاد إجابة لسؤال: من سيتعامل مع الأنفاق في الجانب اللبناني؟ إعلان اليونيفيل (17 ديسمبر) ضم طلبًا من حكومة لبنان باتخاذ إجراءات أمام كشف الأنفاق، وحسب تقارير صحفية، نقلت روسيا أيضًا رسالة لحكومة لبنان مفادها بأن عليها التعامل مع الانفاق في الجانب الخاص بها، استنادًا على منظور أن حكومة لبنان هي المسؤولة عن تنفيذ قرار مجلس الأمن 1701، كذلك فإن وعود الرئيس اللبناني ميشال عون في أعقاب لقاء مع المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان (13 ديسمبر) كانت مهمة، وهي التعامل مع الأنفاق كي لا تضطر إسرائيل للمساس بالاستقرار جنوب لبنان؛ هذه الوعود تخلق "طرف خيط" على إسرائيل أن تستغله.

على النقيض، موقف الولايات المتحدة كان مختلفًا ولم تنجح إسرائيل بحشد دعم أمريكي في مطالبتها بتحمل الحكومة اللبنانية المسؤولية. في الواقع، الولايات المتحدة تعمل على فرض عقوبات على حزب الله، لكنها ترفض إلقاء المسؤولية على حكومة لبنان أو العمل ضدها، خصوصًا في ظل الأهمية التي تعطيها لتعزيز قوة الجيش اللبناني، حيث استثمرت فيه منذ 2007 حوالي 1.7 مليار دولار. حسب التقرير، كان هذا أيضًا هو الموقف الذي تم تقديمه لرئيس الحكومة بنيامين نتيناهو من قبل وزير الخارجية مايك بومبيو، في لقائهما الذي عُقد عشية العملية (3 ديسمبر) وكذلك طرحه الأمريكان خلال النقاش في مجلس الأمن حول الأمر. وهنا يبقي السؤال: هل الإدارة الأمريكية، وخصوصًا الرئيس ترامب، سيستمرون في معارضتهم للموقف الإسرائيلي بهذا الشأن حتى في ظل سيناريو مساس خطير في الجبهة الإسرائيلية؟

 

كيف يجب على إسرائيل أن تتصرف في هذا السياق؟

على المستوى التشغيلي - التكتيكي أمام تهديد الأنفاق، وذلك من أجل الحفاظ على الإنجاز حتى الآن، على إسرائيل أن تواصل نشاطاتها في الكشف عن الأنفاق وإحباطها في الجانب الإسرائيلي للحدود، مع التقليل من إمكانيات الاحتكاك التي قد تقود لتصعيد وجر حزب الله لرد، هي تمتنع عنه حتى الآن.

في المقابل، الجهد الأساسي لإسرائيل في الفترة المقبلة يجب ان ينتقل للساحة السياسية في إطار الحملة الشاملة ضد حزب الله. كشف الأنفاق يوفر فرصة مهمة، لم تُستغل بعد، بالإشارة للتهديد الذي يمثله حزب الله كتنظيم ليس فقط على إسرائيل، بل أيضًا على لبنان وسكانها، أساس الجهد السياسي يجب أن يكون موجهًا للساحة الدولية، وبالأخص لتجنيد الولايات المتحدة وكذلك دول الاتحاد الأوروبي وروسيا، سواء لخلق شرعية للمنظور الإسرائيلي حول المسؤولية الرسمية للبنان أو لتوسيع الاعتراف بالسلوكيات السلبية لحزب الله، التي تهدد إسرائيل واستقرار لبنان.

في هذا الإطار، على إسرائيل أن توضح موقفها بالنسبة لتعزيز الجيش اللبناني، الذي يتماشى مع مطلبها بمسؤولية لبنان: إسرائيل لديها مصلحة بتعزيزه كقوة موازنة ضد حزب الله، مع الحفاظ على استقلاله وتحييد تأثير حزب الله عليه، كجزء من العملية الإيجابية لنزع السلاح من حزب الله. الحاجة للتعامل من الانفاق في الجانب اللبناني قد تكون بمثابة سبب جيد لتجنيد الجهات الدولية. على إسرائيل أن تواصل مطالبتها في تحييد الأنفاق في الجانب اللبناني أيضًا والمطالبة بخلق آلية، بتدخل دولي، للتعامل مع ذلك بتنسيق مع لبنان (الرئيس عون ورئيس الحكومة الحريري)؛ هذه الآلية يمكن ان تشمل أيضًا اليونيفيل، لكن في صورة محددة وبدعم أمريكي، لضمان تأثيرها، الذي لم يثبت حتى الآن.