»

جرائم ضد الإنسانية: غزة والضفة والقدس الشرقية

02 كانون الثاني 2019
جرائم ضد الإنسانية: غزة والضفة والقدس الشرقية
جرائم ضد الإنسانية: غزة والضفة والقدس الشرقية

مركز أطلس للدراسات الإسرائيلية

نشرت المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية في ديسمبر 2018 التقرير السنوي الخاص بها حول البحث التمهيدي لهذا العام، التقرير يصف الوضع العام لجميع عمليات البحث السابقة التي أجراها مكتب المدعية: في كولومبيا، غينيا، العراق (حول بريطانيا)، نيجيريا، الغابون، فنزويلا، أوكرانيا، الفلبين، بنغلادش/ مينمار، وفلسطين. البحث المسبق للوضع في فلسطين يشمل بحثًا للجرائم التي تم ارتكابها في قطاع غزة والضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، بدءًا من يونيو 2014، على يد جميع الأطراف (إسرائيل والفلسطينيين)، والهدف من البحث التمهيدي هو صياغة قرار من قِبل المدعية حول تشكيل أساس معقول لفتح تحقيق جنائي.

 

قطاع غزة

بناءً على التقارير السابقة، البحث التمهيدي بشأن غزة يركز فقط على عملية "الجرف الصامد 2014" والجرائم التي ارتكبها سلاح الجو الاسرائيلي وأفراد جماعات فلسطينية مسلحة خلال العملية. بشأن هذا الأمر، يوضح التقرير أن الأحداث التي يركز عليها البحث تم اختيارها على أساس أنها الأخطر والأكثر بروزًا، حيث أنها موثقة بصورة مناسبة.

بجانب "الجرف الصامد"، أضيف للتقرير الحالي تطرق عملي مفصل للأحداث التي وقعت في الساحة الغزية منذ 30 مارس 2018 المتعلقة بـ "مسيرات العودة"، وتمت الإشارة إلى أن مكتب المدعية جمع معلومات حول جرائم تم ارتكابها على يد الطرفين في إطار العنف، في سياق التظاهرات على طول السياج، وأن هذا الأمر بحاجة لبحث متواصل. ومن بين جملة أمور، تم بحث الآليات التي استخدمها جنود الجيش ضد المشاركين في التظاهرات، والتي أسفرت عن أكثر من 170 شهيد وأكثر من 19,000 جريح، بما فيهم أطفال، صحفيين وأفراد طواقم طبية، كما تمت الإشارة إلى أن جزءًا منهم اقتربوا من السياج الحدودي وعملوا على إثارة الفوضى وممارسة العنف. كما تم ذكر لجنة التحقيق الدولية، التي تم تشكيلها على يد مجلس حقوق الانسان التابع للأمم المتحدة من أجل التحقيق في الأحداث، وكذلك التحقيقات التي أجراها الجيش حول أحداث معينة.

علاوة على ذلك، يتطرق التقرير لتصاعد القتال بين إسرائيل وتنظيمات فلسطينية مسلحة في غزة خلال نوفمبر، ويشير إلى أن التنظيمات الفلسطينية أطلقت خلال أيام أكثر من 400 صاروخ وقذيفة نحو اسرائيل، ونتيجة لذلك استشهد شخص واحد على الأقل وأصيب عشرات آخرين.

 

الضفة الغربية والقدس الشرقية

حسب ما ظهر أيضًا في التقرير السابق، بحث الجرائم في الضفة الغربية والقدس الشرقية تركز على تدخل السلطات الإسرائيلية في المستوطنات، بما فيها مصادرة الأراضي، توسيع الاستيطان، بناء وحدات سكنية والبناء في المستوطنات، تسوية بناء بلا تصريح، وتقديم حوافز اقتصادية لتشجيع انتقال المدنيين للمستوطنات. كذلك شمل التقرير مساهمة السلطات الاسرائيلية في هدم مبانٍ فلسطينية وإخلاء ونقل سكان فلسطينيين من بيوتهم، بما في ذلك تجمعات بدوية وغيرها في مناطق E1.

التقرير الحالي يتطرق - ليس كالتقارير السابقة - بدون تفصيل، لمعلومات حول جرائم أخرى تم ارتكابها على يد جهات إسرائيلية في الضفة، حيث أنها قد تدخل تحت تعريف جرائم ضد الإنسانية. حسب التقرير، فالأمر يتعلق بجرائم اضطهاد، نقل وطرد مواطنين، وفصل عنصري، الجرائم ضد الانسانية تتم ممارستها كجزء من هجمات واسعة أو منهجية، موجهة ضد السكان المدنيين، في إطار سياسات. في التقرير السابق كان هناك تطرق غير مباشر للادعاءات المتعلقة بالفصل العنصري، لكن في التقرير الحالي ذُكرت هذه الجريمة بشكل صريح.

كما يتطرق التقرير لادعاء أن خدمات الأمن والاستخبارات الفلسطينية في الضفة الغربية قامت بجرائم ضد الإنسانية من تعذيب تجاه مدنيين محتجزين في مراكز اعتقال تحت سيطرتهم، وجاء أن هذه الاتهامات تحتاج لبحث إضافي ولا تفاصيل كافية.

 

قبول الدعوى في المحكمة

أحد شروط فتح تحقيق حسب قانون المحكمة هو تقييم مدى قبول الأحداث المحتملة على أساس عاملين: الاكتمال والخطورة. بالنسبة لشرط الخطورة، التقرير يكتفي بوصف معيار مكتب المدعية حول الأمر، في المقابل، هناك تطرق أكثر تفصيلًا لمسألة الاكتمال، الذي يهتم ببحث وجود إجراءات تحقيق أو محاكمات رسمية حول الأحداث التي يتم بحثها، هذه الإجراءات تمنع تدخل المحكمة العليا، والتي هدفها فقط التعامل مع الحالات التي لم يتم التعامل معها كما يجب من قِبل الدولة ذات الشأن.

بالنسبة للضفة الغربية والقدس الشرقية، تحدد في التقرير أنه لا يبدو أن هناك تحقيقات أو محاكمات رسمية متعلقة بالقضايا، المدعية قدمت توضيحًا حول هذا الأمر بأن السلطة الفلسطينية لا تستطيع ممارسة صلاحيات تجاه الاسرائيليين المتورطين، والحكومة الإسرائيلية تدعي بشكل مستمر بأن النشاطات المتعلقة بالاستيطان قانونية والمحكمة العليا حددت أن مسألة سياسات الاستيطان للحكومة لا يمكن الحكم فيها. هذه الأمور تزيد من الصعوبات التي تقف أمام إسرائيل: غياب إمكانية استخدام مبدأ الاكتمال لكي تمنع تقديم القضية في سياق الاستيطان، لأن هذه سياسات معلنة لحكومة اسرائيل، تحت ذريعة أنها قانونية، وبناءً على ذلك لا مجال للتحقيق.

بالنسبة لغزة، جاء أن المعلومات المتاحة تشير إلى أن كل الاحداث المرتبطة بـ "الجرف الصامد" التي ارتكب فيها جنود الجيش جرائم حرب خضعت أو مازالت قائمة تحت "عمليات تحقيق من أي نوع كانت" على المستوى السياسي في إطار المنظومة القضائية العسكرية. كما ذُكر، من أجل إتمام مبدأ الاكتمال، التحقيقات وحدها ليست كافية؛ بل مطلوب قدرة واستعداد الدولة للتحقيق بشكل صحيح (على سبيل المثال، ليس بهدف الدفاع عن الشخص المتورط بمسؤولية جنائية)، التقرير لم يتطرق لصدق "نشاطات التحقيق" الخاصة بإسرائيل.

بخصوص جرائم التنظيمات الفلسطينية المسلحة في "الجرف الصامد" جاء أن المعلومات المتوفرة لا تثير أي تضارب بين صلاحيات المحكمة وبين الدولة ذات الصلة (أي لم تثر مسألة الاكتمال وشرطها، ولم يتم منع المحكمة في هذا السياق من ممارسة صلاحياتها). كذلك، لا تطرق لمسألة القبول (الاكتمال والخطورة) بالنسبة لأحداث "مسيرات العودة" على حدود غزة، أي أن ما جاء بالنسبة لهم أن هناك حاجة لمزيد من البحث، أي يبدو أنها لم تصل بعد لهذه المرحلة.

البحث التمهيدي حول الوضع في فلسطين يتم تقديمه منذ بداية عام 2015 ، لكن التقرير الحالي لمكتب المدعية يشير لعدة تطورات في هذا الشأن، أهمها البحث حول غزة توسع ليشمل "الجرف الصامد" وجرائم تم ارتكابها في هذا الإطار، وممارسة جرائم ضد الإنسانية في الضفة الغربية، وأن هذا البحث وصل لمراحل متقدمة من التقييم المطلوب من أجل قرار أساس معقول لفتح تحقيق.

في حال تقرر في نهاية البحث التمهيدي فتح تحقيق، فإن المحكمة تستطيع - حسب طلب المدعية - إصدار أوامر اعتقال تجاه شخصيات معينة هناك أساس معقول للاعتقاد بأنهم نفذوا جرائم في إطار صلاحيات المحكمة واعتقالهم ضروري. في حال تم إصدار أوامر اعتقال، فإن الدول الـ 123 العضو في المحكمة، بما يشمل كل دول غرب أوروبا، عليهم أن يشاركوا مع المحكمة ويسلوا إليها تلك الشخصيات في حال تواجدوا في مناطقها؛ لذلك فإن إصدار أوامر اعتقال ضد مسؤولين إسرائيليين سيكون له تأثير حقيقي وسيقيّد من قدرتهم على التحرك في العالم بشكل كبير، وهذا في مرحلة التحقيق فقط، حتى قبل بدء المحاكمة.

من السابق لأوانه التقدير إن كان فعلًا سيتم فتح تحقيق بالنسبة لإسرائيل، إسرائيل لديها مصلحة في الأخذ بعين الاعتبار التداعيات المترتبة في إطار اتخاذ القرارات في القضايا المتعلقة بالبحث الجاري، بما في ذلك إجراء تحقيقات عادلة نيابة عنها. على أية حال، يجب التأكيد على أنه على إسرائيل أن تعمل بشكل قانوني بدون خوف من المحكمة الجنائية الدولية.