»

الولايات المتحدة توقف تمويل الأونروا : فرصة أم تهديد؟

10 أيلول 2018
الولايات المتحدة توقف تمويل الأونروا : فرصة أم تهديد؟
الولايات المتحدة توقف تمويل الأونروا : فرصة أم تهديد؟

مركز أطلس للدراسات الإسرائيلية

أصدر مركز أطلس للدراسات الإسرائيلية دراسة تحت عنوان "الولايات المتحدة توقف تمويل الأونروا : فرصة أم تهديد؟" إرتأى المركز نشرها للإطلاع عليها والإستفادة منها كما يلزم علماً أن المركز لا يتبنى وجهات النظر الواردة في الدراسة أو المصطلحات الواردة فيها.

في اليوم الأخير من شهر أغسطس، أعلنت إدارة ترامب عن قرار الولايات المتحدة بوقف تمويلها للأونروا؛ الوكالة التي وُصف نموذجها التشغيلي العملاني بأنه غير مستدام لكونه "يوسّع نطاق الطائفة صاحبة الحق بمسمى اللجوء بشكل تقديري غير متناهٍ". هذه الخطوة تجري على خلفية التقليص الأمريكي السابق (يناير 2018) لمساعدات الأونروا، ونقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، وتقليص 200 مليون دولار من المساعدات الأمريكية المقدمة للفلسطينيين، والتقارير التي تقدّر بأن الولايات المتحدة تنوي الاعتراف بنصف مليون فقط من خمسة ملايين فلسطيني مُعترف بهم من قبل الأونروا.

الأونروا، وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين التابعة للأمم المتحدة في الشرق الأدنى، والتي أقيمت في العام 1949 من أجل دعم حوالي (650-850) ألف من الفلسطينيين الذين فرّوا أو طردوا من منازلهم كجزء من الحرب، في أعقاب إقامة دولة إسرائيل. الوكالة تشغّل المدارس وتوفر خدمات غذائية وطبية وخدمات اجتماعية للاجئين الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة وفي الأردن ولبنان وسوريا، بينما جميع اللاجئين الآخرين في العالم نتيجة للصراعات الأخرى تعالج أمورهم وكالة أخرى تابعة للأمم المتحدة: مفوضية اللاجئين (UNHCR).

المقارنة بين الوكالتيْن تصف ثلاثة فروقات مركزية؛ الفرق الأول في الطريقة التي تعرف فيها الأونروا ومفوضية الأمم المتحدة اللاجئين، ومن هو اللاجئ: مفوضية الأمم المتحدة للاجئين لا تقدم بشكل تلقائي صفة لاجئ لأحفاد اللاجئين، وتسمح بإلغاء صفة اللجوء على أساس التغيرات الاجتماعية/ الاقتصادية والحصول على الجنسية من بلد آخر أو نتيجة التورط في الجرائم ضد الإنسانية أو جرائم الحرب. الأونروا في المقابل تضيف إلى قوائمها كل شهر حوالي 10000 لاجئ جديد من أبناء الجيل الخامس والسادس، وتعرّف بحوالي 2 مليون مواطن أردني من أصول فلسطينية على أنهم لاجئون فلسطينيون، وما تزال توفر صفة اللاجئ لـ "إرهابيين مُدانين"، فليس من الغريب إذًا أنه وبعد سبعة عقود من إنشاء الأونروا يصل عدد اللاجئين الفلسطينيين المسجلين فيها ما يزيد عن خمسة ملايين ونصف.

الفرق الثاني هو في البنية التشغيلية والمالية للوكالتيْن: الأونروا تشغّل ما يقارب 30 ألف موظف (أغلبيتهم الساحقة فلسطينيين، ومن ضمنهم كثيرين ممّن يحملون لقب لاجئ) بغرض التعامل مع حوالي 5.6 مليون فلسطيني تعترف الوكالة بأنهم لاجئون، بينما تشغل مفوضية الأمم المتحدة للاجئين 9300 شخص (أغلبيتهم الساحقة من مواطني الدول المضيفة) وتقدم الخدمات لحوالي 39 مليون لاجئ ومنفي. بالإضافة إلى أن الموازنة المخصصة لكل لاجئ فلسطيني في الأونروا أعلى بـ 40% من الموازنة المخصصة لمن ترعاهم مفوضية الأمم المتحدة للاجئين.

الفرق الثالث هو في الهدف الذي تسعى إليه كلّ واحدة من المنظمتيْن: بينما مفوضية الأمم المتحدة للاجئين تتطلع إلى إعادة التوطين وتأهيل اللاجئين الذين تحت رعايتها، وبالتالي تقليص عددهم؛ فإن مجموعة أعمال الأونروا تعزز الاعتقاد بأن اللاجئين الفلسطينيين (وأحفادهم) سيتحسن فقط بعد عودتهم إلى منازل آبائهم. بالإضافة إلى أنه في غزة، جزءٌ من مقرات الأونروا استخدمتها حماس أيضًا لتخزين السلاح وإطلاق الصواريخ على المراكز السكانية في إسرائيل.

في موضوع تمويل الأونروا، فإن الولايات المتحدة فاق تمويلها تمويل جميع الدول التي تمول الأونروا، وفاق حوالي ثلاثة أضعاف المبلغ الذي يقدمه الاتحاد الأوروبي للمنظمة مثلًا. تعبير ملموس لتقليص الولايات المتحدة للموازنة إلى الآن نجده في التحذير الذي أصدرته الأونروا مع عودة حوالي نصف مليون طالب فلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة إلى مقاعد الدراسة في 700 مدرسة تشغلها الوكالة، وأكد فيه على أن الموازنة الحالية (بعد تقليص الدعم الأمريكي) سيكفي لتشغيل هذه المدارس لمدة شهر واحد فقط.

إذا ما قدرنا هدف الرئيس ترامب الذي يريد تحقيقه من وقف تحويل الأموال إلى الأونروا، يبرز لدينا احتماليْن لا يلغي أحدهما الآخر: الاحتمال الأول هو أن الخطوة تتماشى مع سياسة "أمريكا أولًا" الخاصة بالرئيس، ومع الرغبة في رؤية حكومات أخرى تساهم في تغطية تكاليف الأونروا. في حال تم بالفعل تغطية التقليص الأمريكي من قبل لاعبين آخرين، يُفترض أن مثل هذا السيناريو لن يؤدي إلى إحداث تغيير على صلاحية وأداء الأونروا، عدا عن احتمال انخفاض حجم نشاطات التنظيم وارتفاع شعور غياب الأمن لدى السكان المحتاجين لرعاية الأونروا.

الاحتمال الثاني هو أن الإدارة الحالية تريد ان ترى الأونروا تمر بعملية إصلاح كبيرة أو أن تتفكك بالكلية. ربما يكون هذا الاحتمال نابعًا من محاولة أمريكية للضغط على الفلسطينيين من أجل إلغاء قرارهم بعدم التعاون مع طاقم الشرق الأوسط الذي عيّنه ترامب، والذي اتخذ بعد نقل سفارة الولايات المتحدة إلى القدس. ومن المحتمل أيضًا أنها جزء من عملية أكبر يُراد منها تمهيد الظروف في الجانب الإسرائيلي والفلسطيني لصفقة القرن أو لما يعرف بـ "الصفقة الأخيرة" خاصة الرئيس، التي ما تزال ترفرف فوق المنطقة رغم ان جوهرها ما يزال ليس واضحًا، ومن غير الواضح أيضًا متى ستعرض وتوضح. بأيّ حال من الأحوال، في حال تحقق هذا السناريو فقد أكدت الولايات المتحدة أنها ستجري حوارًا مع الأمم المتحدة ومع اللاعبين المعنيين بشأن نماذج جديدة للتعامل مع اللاجئين الفلسطينيين.

في إسرائيل، رئيس الحكومة نتنياهو خرج على الأونروا ودعم السياسة الأمريكية، لكن المؤسسة الأمنية ردّت على الخطوة الأمريكية بقلق؛ ذلك ان الأونروا تعتبر شريان حياة إنساني حيوي للغزيين، وقوة مصممة ضرورية توفر لإسرائيل نقطة اتصال مهمة تتجاوز حماس، وتمكّن الأجهزة الأمنية الإسرائيلية من الإشراف على دخول مواد البناء ذات احتمال الاستخدام المزدوج إلى غزة.

رغم أنه ليس من الصواب التنكر لمخاوف المنظومة الأمنية، لكن يجب الاعتراف بأن هذه المخاوف تخدم المصالح على المدى المنظور؛ ذلك ان الأونروا بتوصيفها الحالي تربي الجيل القادم من اللاجئين الفلسطينيين على عقيدة عودتهم إلى منازل آبائهم في إسرائيل. وإن كان من الواضح أيضًا ان تفكيك الأونروا لن يغير وليس بمقدوره أن يغير الرواية الفلسطينية، والحفاظ على نظام التشغيل الحالي للوكالة يوصل رسالة بأنها لا تساعد على تقليص فجوات المفاهيم بين الطرفين.

إضافة إلى ذلك، الوضع الإنساني الصعب على الأرض - وسيما في غزة - يوجب وضع بدائل للأونروا في حال فككت. رغم المعارضة المتوقعة من قبل لاعبين في المجتمع الدولي، وكذلك تعهد بعض الدول بالتدخل وإتمام نقص الموازنة في الأونروا؛ نقترح ثلاثة مبادئ كجزء من النقاش: هل من الجدير وكيف ننقذ الوضع القائم ونقلل أضراره المحتملة؟

أولًا: يجب تحديث صياغة اللاجئين الفلسطينيين، فالفلسطينيون المقيمون في غزة والضفة (المناطق التي هي جزء من الدولة الفلسطينية المستقبلية) وكذلك أصحاب الجنسية الأردنية لا يُمكن أن يُعتبروا لاجئين بعد. وعليه، المساعدات الإنسانية المقدمة للفلسطينيين المقيمين في هذه المناطق يجب أن تقدم حسب الاحتياجات الموضوعية لكل إنسان على الأرض، وليس نتيجة لصفته لاجئ.

ثانيًا: الأموال المخصصة لمعالجة أمور الفلسطينيين المذكورين أعلاه، يجب تحويلها إلى السلطة الفلسطينية وإلى الحكومة الاردنية. اللاجئون الفلسطينيون الأساسيون في سوريا ولبنان، والذين لم تقدم لهم الجنسية في هذه الدول ومُنعوا من إمكانية الاندماج في المجتمع العام؛ ينتقلون إلى رعاية مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، هذا الأمر سيحسّن فرصهم في حياة أفضل بدلًا من الوضع الحالي الذي يديم وضعهم الصعب، وبالتوازي يسهم في تلاشي الرواية القائلة بأن الفلسطينيين سيعودون يومًا ما للعيش في إسرائيل.

ثالثًا: الانتقال من وكالة الأونروا المركزية إلى وكالات نمطية مختلفة (في لبنان وسوريا إلى مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، وفي الأردن والضفة الغربية إلى منظمات تحت سلطة القيادة الأردنية الفلسطينية الرسمية على التوالي، وكذلك إلى منظمة إنسانية بديلة في غزة) يجب أن يكون تدريجيًا؛ مثل هذه الخطوة يجب أن تكون مرفقة بمبادرات سياسية واقتصادية موازية تحيد العداوة وتزيد إمكانية الاستفادة من الخطوة الأحادية لتصبح عملية سياسية شاملة.

قرار الولايات المتحدة بوقف تمويل الأونروا أقل ما يُقال عنه بأنه تاريخي، رغم أنه من الطبيعي أن ينظر إليه الفلسطينيون على أنه ضربة قوية، ورغم احتمال الأزمة التي تحمله خطوة تفكيك الأونروا هذه، إلا إنه إذا ما قدمت ونفذت كمرحلة ضرورية على طريق إقامة الدولة الفلسطينية فإنها تنطوي على احتمالية الانعكاسات الإيجابية على المدى البعيد على الطرفين.

إسرائيل يجب ان تستعد للسيناريوهات السلبية التي يمكن لهذه الخطوة أن تدفعها على المدى المنظور، وفي هذا السياق لن يكون من المجدي التمسك بالنموذج الحالي الذي يبعد القيادة الفلسطينية عن المسؤولية الأخلاقية والفعلية في تأهيل اللاجئين الفلسطينيين وإسكانهم من جديد في المناطق الفلسطينية. بمساعدة من الحوافز الإسرائيلية والأمريكية والدولية، والتي يرافقها مجهودات دبلوماسية مكثفة؛ ربما يكون بمقدور قرار الولايات المتحدة بوقف تمويل الأونروا أن يُستخدم كدعوة إلى القادة الفلسطينيين للاستيقاظ ونفخ الحياة في العملية السياسية الفلسطينية - الإسرائيلية من جديد.