»

اجتماع المركزي ومحاولات التسوية .. وجهان لعملة واحدة

28 آب 2018
اجتماع المركزي ومحاولات التسوية .. وجهان لعملة واحدة
اجتماع المركزي ومحاولات التسوية .. وجهان لعملة واحدة

مركز أطلس للدراسات الإسرائيلية

أطلس للدراسات / ترجمة خاصة

اجتمع المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية مجددًا في رام الله (15-17 أغسطس)، بالإضافة لاجتماعات ولقاءات أخرى عقدتها مؤسسات منظمة التحرير، السلطة الفلسطينية وفتح خلال الأشهر الأخيرة. هذه اللقاءات كان الهدف منها مواجهة التحديات السياسية المطروحة، ومن بينها التغير الواضح في موقف الإدارة الأمريكية تجاه الفلسطينيين، الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني، وكذلك محاولات تعزيز تسوية/ تهدئة بين حماس وإسرائيل في قطاع غزة بدون السلطة، بوساطة مصرية، بدعم أمريكي وبالتنسيق مع إسرائيل.

المجلس عُقد في الوقت الذي يسيطر عليه شعور بالتهديد على استمرار تفرد منظمة التحرير كممثلة وحيدة للشعب الفلسطيني، واحتمال فرض حل على الفلسطينيين يفصل قطاع غزة عن الضفة الغربية، وعزلة أبي مازن بشكل شخصي، نظرًا لوقوفه ضد أي خطوة قد تعزز سياسات إدارة ترامب في المنطقة، وخصوصًا تلك التي ستحاول - حسب تقديره - أن تدق اسفين في الساحة الفلسطينية. لذلك، فإن الخطاب الذي سُمع في هذا الاجتماع اتصف بالتهديدات والتحذيرات من مساس بالمصالح القومية الفلسطينية، من لعبة يلعبها الأمريكان والإسرائيليين، تتطلع لتخليد الانقسام، منع إقامة الدولة الفلسطينية على الصورة التي تم التخطيط لها في 1988 وتعزيز "صفقة القرن" التي يخطط لها مبعوثو الرئيس ترامب منذ حوالي عام ونصف. أهم ما برز في خلفية الاجتماعات هو غياب الجبهة الديمقراطية عن النقاشات، احتجاجًا على طرد أفرادها من وظائف شغلوها في منظمة التحرير وما تم اعتباره كسيطرة فتح على منظمة التحرير واتخاذ قرارات وطنية فلسطينية بشكل مستقل؛ هذا الغياب أثار عدم رضا في فتح، وحتى أكثر من غياب الفصائل الأخرى، ومن بينها الجبهة الشعبية (التي كثيرًا ما تغيبت عن هذه الاجتماعات في السنوات الماضية)، وتنظيم مصطفى البرغوثي (المبادرة القومية الفلسطينية)، وذلك لأن وجود الجبهة الديمقراطية كان يعادل حضور شخصية كل فلسطيني.

 

تقدير

منذ إعلان دونالد ترامب بشأن الاعتراف بالقدس كعاصمة إسرائيل، نقل السفارة للقدس والتغيرات الحادة في سياسات الإدارة الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية؛ ازدادت التحديات المطلوب من السلطة الفلسطينية التعامل معها، وعلى رأسها أبو مازن. مصر (سواء باستجابتها للضغوطات الأمريكية أو بسبب التفاهمات بينها وبين إسرائيل أو لمصلحتها بالحفاظ على الهدوء على الحدود مع قطاع غزة) أوضحت أنها ستكون مستعدة للذهاب لتسوية/ وقف إطلاق نار في القطاع، حتى بدون موافقة أبي مازن والسلطة؛ هذا رغم حقيقة ان القاهرة تواصل علنًا نسبها السيطرة للسلطة وتصرح بأن موافقتها ضرورية وملحة لتعزيز العملية السياسية.

لكن، مصر فعليًا تمنح حماس وضعًا لم تحظى به من قبل، ومن خلال تصريحها بأن السلطة لن تمثل بعد اليوم عائقًا أمام تسوية في القطاع، فهي بذلك وضعت حماس في وضع مساوٍ لها، وفي حال حصلت حماس على دعم الفصائل الفلسطينية الأخرى في التسوية، فهي حينها تستطيع أن تدعي بأن هذه موافقة فلسطينية كاملة. هذا في حين قاطعت الجبهة الشعبية والجبهة الديمقراطية اجتماع المجلس المركزي، وبذلك أضعفت الجبهتين وضع منظمة التحرير كتنظيم يمثل الفلسطينيين كافة، رغم أن كلتيهما صرحتا بأنهما لن تدعما خطوة بدون فتح. رغم طبيعتها العلمانية، صحيح أن الجبهتين بشكل عام مالتا للتنسيق مع تنظيم إسلامي مثل حماس، بدون دعم فتح؛ لكن يبدو على الأقل هذه المرة، أن الجبهة الديمقراطية لديها مصلحة بتصفية حساب مع أبي مازن بعد إقالته لأفرادها من مناصب كانوا قد شغلوها في منظمة التحرير.

حتى الآن نجح أبو مازن وفتح بالرد بحرب أخرى، حتى الآن باسم الإجماع الوطني الفلسطيني تم اعتراض محاولات مبعوث الرئيس ترامب بتعزيز "صفقة القرن" التي تفتخر بها الإدارة من بداية تأسيسيها. بدعم من السعودية، الأردن وحتى مصر، استطاعوا أن يجعلوا مبعوثي ترامب يعترفون بعدم قدرتهم على التغلب على العائق الذي وضعه أبو مازن أمام الصفقة، ونتيجة لذلك قللوا من نشاطاتهم في هذا المجال. منذ فشل محاولات تعزيز إعمار القطاع، يعمل مبعوثو الإدارة أكثر من وراء الكواليس، ويركزون على تصريحات علنية مشتركة، تظهر اهتمامًا بحل الأزمة الفلسطينية.

يبدو أن كلا الطرفين في المنظومة الفلسطينية لديهما الآن ميزة معينة؛ أبو مازن ما زال يتمتع بمكانة الممثل الوحيد للشعب الفلسطيني رغم كل ما ذكر سابقًا، ويستطيع التحدث باسم الإجماع القوي وتحييد المحاولات التي تتم في القاهرة لتعزيز التسوية في قطاع غزة بدونه. حماس من جانبها تتحدث باسم أزمة سكان قطاع غزة، رغم الإضرار المستمر بموقفها، ادعاءاتها حول مسؤولية السلطة الفلسطينية وأبي مازن نفسه عن هذه الأزمة؛ تلقى آذانًا صاغية في الرأي العام الفلسطيني، نظرًا لوضع أبي مازن كـ "أخ أكبر" مسيطر على الموارد الوطنية.

حتى يتم استئناف المحادثات المتعلقة بتسوية، قد تعقد اتصالات كثيرة بين الطرفين المتخاصمين في الساحة الفلسطينية، بشكل مباشر أو عبر طرف ثالث. في صراعات من هذا النوع، والتي تكون بمشاركة جهة غير عربية تضع علامة استفهام كبيرة حول نواياها، في حالات كثيرة هناك أفضلية لمن يتحدثون باسم الإجماع الوطني. وقف إطلاق نار أو تهدئة بدون اتفاق ملزم قائم بالفعل، لكن المصالحة بين فتح وحماس (المفترض أن تأتي في المرحلة المقبلة من نقاشات القاهرة) ما زالت موضع شك كبير، وذلك بسبب إصرار أبي مازن حول "قانون واحد وسلاح واحد" في الساحة الفلسطينية، والذي زاد في الفترة الأخيرة بسبب القلق من نوايا إدارة ترامب؛ لذلك فهو عازم على منع وضع يسمح بانقلاب آخر ضد السلطة في قطاع غزة، في حال عادت هناك.

أما فيما يتعلق بالبند المتعلق بعلاقات إسرائيل، والتي لخصها اجتماع المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية؛ فإن تنفيذها الفعلي يتعارض بدرجة كبيرة مع الانتقال الذي تم الإعلان عنه "من السلطة للدولة". الحفاظ على المؤسسات القائمة مهم لهذا الانتقال، وطالما أن أبا مازن يقود عملية اتخاذ القرارات ولم يتم التوصل لمصالحة داخلية فلسطينية؛ فمن المتوقع تنفيذ جزئي فقط للقرارات، بصورة لا تغير الواقع بشكل جوهري.

 

ملاحظة: الآراء والألفاظ الواردة في الدراسة تعبّر عن صاحبها، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي مركز أطلس للدراسات الإسرائيلية.