»

ردود فعل المجتمع العربي على قانون القومية

20 آب 2018
ردود فعل المجتمع العربي على قانون القومية
ردود فعل المجتمع العربي على قانون القومية

مركز أطلس للدراسات الإسرائيلية

أصدر مركز أطلس للدراسات الإسرائيلية دراسة تحت عنوان" ردود فعل المجتمع العربي على قانون القومية" إرتأى المركز نشرها للإطلاع عليها والإستفادة منها كما يلزم علماً بأن المركز لا يتبنى وجهات النظر الواردة في الدراسة أو المصطلحات المذكورة بها

أطلس للدراسات / ترجمة خاصة

كما كان متوقعًا، أثار قانون القومية انتقادًا حادًا بالوسط العربي في إسرائيل، السياسة العربية وقفت ضد ما تراه مساسًا مباشرًا بها وقيمة المساواة المدنية. أول من أدان التشريع كان أعضاء الكنيست من القائمة المشتركة، الذين مزقوا نسخة القانون أثناء التصويت، عضو الكنيست جمال زحالقة (بلد) نشر منشورًا رفض فيه القانون، وبه رسم بألوان العلم الفلسطيني خريطة فلسطين الكاملة، بدون ذكر إسرائيل، ودعا لإضراب عام، بينما توجه عضو الكنيست يوسف جبارين (حداش) لاتحاد البرلمانات الدولية مطالبًا إياهم باتخاذ إجراءات ضد إسرائيل، الشيخ كمال الخطيب (القائد الفعلي للحركة الإسلامية - الفرع الشمالي) نشر مقطعًا مصورًا أشار فيه إلى أن القانون كشف الوجه الحقيقي لإسرائيل ويثبت جوهر الصراع كصراع ديني.

الادعاء بأن القانون يعكس فصلًا عنصريًا أُثير أيضًا في صفوف مفكرين عرب فلسطينيين، من بينهم البروفسور أسعد غانم، الذي دعا لفتح فصل جديد من الصراع ضد التمييز، في إسرائيل وبالخارج. من جهة أخرى، رئيس القائمة المشتركة أيمن عودة قدّم في مقابلة مع إذاعة الجيش نهجًا براغماتيًا، يميزه هو وحزبه (حداش)، فهو في الواقع أدان التشريع، لكنه كان حذرًا من الدعوة لإجراءات متطرفة، تجنب المصطلحات الاستفزازية وأكد على ضرورة المساواة المدنية؛ كل هذه كانت ردود فعل معروفة، تعكس فوارق مختلفة لفئات متنافسة في الجمهور العربي.

مع ذلك، أغلب الجمهور العربي، كما يبدو، لا يعجبه بشكل خاص تجديد القانون وتداعياته على حياتهم. وفي الواقع، كانت نشاطات الاحتجاج في المنطقة محدودة للغاية؛ تظاهرات محدودة انطلقت في عدة تجمعات، بمبادرة من لجنة المتابعة العليا، حتى أن مسؤولين سياسيين في الوسط العربي أعربوا عن احباطهم من الحضور الضعيف في هذه التظاهرات، وعلى خلفية ذلك خططوا للمظاهرة التي انطلقت في تل أبيب (11 أغسطس)، حيث كان مخططًا لأن تكون حاشدة وبلا شعارات قومية. فعليًا، حتى هذه المظاهرة - التي ضمّت مشاركين كثر، من بينهم عدد غير قليل من اليهود - لم تغير صورة الوضع العام، الذي يتصف في هذه المرحلة بـ "لا جديد".

نفس الشيء ينطبق على من قادوا الخطوة والنهج الأكثر فعالية: نشاطات لجنة المتابعة العليا وأساليب تعبير رئيسها محمد بركة، تعكس بالأساس عن نهج أكثر براغماتية للقائمة المشتركة، برئاسة عضو الكنيست أيمن عودة، في حين تواصل الأحزاب المختلفة والمنافسات داخلها اتخاذ مواقف وفقًا لهويتهم السياسية البارزة، وهكذا فإن القائمة المشتركة انضمت فعليًا لخطوة الاحتجاج، لكنها بقيت في الوراء قليلًا. وهكذا ظهرت مجددًا التوترات الداخلية المعروفة في صفوف القادة السياسيين العرب، المتأثرين بالعلاقات الشخصية والصراع على السيادة السياسية، وكذلك الموقف المبدئي حول استراتيجية أنه يجب التفريق بين حكومة إسرائيل في الوقت الحالي بشكل عام وبين سياق قانون القومية بشكل خاص.

بالمجمل، يبدو حتى الآن أن قانون القومية ومعارضته لم تتحول لحدث صنع تغيرًا في المجتمع العربي والشبكات الاجتماعية، فمستوى المواقف المعارضة بوضوح في المجتمع العربي أقل من انتقاد المجتمع والسياسة اليهودية والجالية الدرزية. اللامبالاة التي أبداها المجتمع العربي بارزة، خاصة مقارنة باحتجاج الجالية الدرزية، التي تناول المتحدثون باسمها (من بينهم ضباط سابقون في الجيش الإسرائيلي) حججًا لاذعة فيما يتعلق بالفجوة بين مساهمة الدروز في الدولة وبين معاملتها المهينة لهم. في هذا المستوى يبدو أن هناك تهديد بأزمة يحاول رئيس الحكومة تحييدها بالأخص من خلال استعدادات بنص تشريع منفصل لترسيخ وضع الجالية الدرزية في إسرائيل، بجانب منافع اقتصادية. في الوقت الحالي، يصعب على رؤساء الجالية الدرزية، الذين يفضلون تسوية جديدة وفيها منفعة، أن يتحملوا الضغوطات من جانب مجموعات أكثر تطرفًا في جمهورهم، الذين يركزون على خلف ضغط لتغيير صيغة القانون القومي.

في هذه المرحلة، يمكن التقدير بأن قانون القومية لم يهز أساسيات المجتمع العربي في إسرائيل، وتم اعتبار تبنيه كمظهر آخر لسياسات الحكومة في السنوات الماضية. من ناحية، فهي تعمل على تعزيز الدمج الاقتصادي للجمهور العربي في الاقتصاد الإسرائيلي، وبالتالي تقليل الفجوات الاجتماعية الاقتصادية أمام المجتمع اليهودي، ومن ناحية أخرى يُنظر إليها على أنها تتخذ إجراءات متقلبة في الساحة السياسية الاجتماعية، التي تمثل استبعاد وعدم مساواة. في هذا السياق، يُنظر لسن قانون القومية كخطوة في سلسلة إجراءات، من ضمنها تصريحات تمييزية لسياسيين كبار وقوانين تحمل طابع معادي للعرب، مثل قانون المؤذن" و "قانون النكبة"، وهذا، كإطار رسمي للمفاهيم الأساسية للمؤسسة اليهودية أمام الأقلية العربية.

حقيقة أن مسؤولين كبار في صفوف معارضي الحكومة في المجتمع اليهودي فضلوا أن يحتضنوا الجالية الدرزية تؤكد أكثر وأكثر هامشية المجتمع العربي في النظام الاجتماعي بإسرائيل. في هذا السياق، يمكن التقدير بأن القيادة العربية تقدر بأن موقفًا معارضًا قويًا ضد الحكومة قد يمس بتنفيذ الخطة الخمسية، وربما بفرص توسيع خطة خمسية أخرى تم الحديث عنها فعليًا بالحكومة، بعد انتهاء الحالية في 2020. يبدو أن هذا النهج الواقعي مقبول من طرف الجمهور العربي، حيث يفهمون قيود الاحتجاج وثمن الخسارة الكامنة في تشددها.

على النقيض، يعكس الاحتجاج الدرزي نظرة متناقضة أمام قانون القومية، الذي يُنظر إليه أيضًا على أنه إهانة وتعبير عن تآكل مستمر للوضع الخاص للجالية: منذ قيام الدولة نجح الدروز بتمييز أنفسهم عن المجتمع العربي في إسرائيل، ربط مصيرهم بالسيطرة اليهودية الصهيونية واستخراج بعض الفوائد من ذلك. الدمج بين قانون القومية، بالأهمية الرمزية التي تكمن به، بجانب إجراءات الحكومة بتقليص الفجوات في المجتمع العربي الفلسطيني؛ خلقت شعورًا بالتهديد لموقفهم المختلفة والأعلى. يبدو أن الدروز يقدرون بأنهم يتمتعون (خلافًا للعرب) بمكانة تكفي لاستغلال الاحتجاج للحصول على منافع حيوية في القضايا التي أرهقتهم، خصوصًا في مجال الأراضي والبناء. خلفية اختلاف وجهات النظر والتوتر داخل الجالية الدرزية مرتبط على ما يبدو بقلق القيادة التقليدية من أن الدعم الذي تحظى به الجالية من دوائر معارضة للحكومة، في صفوف الاغلبية اليهودية، قد تضرهم في مصالح أخرى متعلقة بالسياسات الإسرائيلية تجاه الدروز في سوريا. آخرين، خصوصًا في صفوف القادة الشباب، المفكرين ومن هم من منظومة الأمن، يتخذون خطاً تصادميًا أكثر، كجزء من صراع الأجيال على قيادة الجالية مستقبلًا.

بالمحصلة، الصراع السياسي الاجتماعي حول قانون القومية مازال في بدايته، ومن الصعب التنبؤ بكيفية استمراره، ربما تسمح الأشهر المقبلة بتلطيف الأجواء وبحث عن حل لأزمة الدروز، ربما في المجال الاقتصادي، أما في سياق علاقات المجتمع اليهودي وحكومة إسرائيل مع الجمهور العربي، هناك شك بأن يكون لقانون القومية تأثير كبير على الإجراءات في السنوات الأخيرة. لو حدثت تسوية للعلاقات مع الدروز، وبالتأكيد لو تم ترتيبها في تشريع منفصل، يضاف إليها منافع اقتصادية كبيرة؛ فإن هذا سيشدد الفجوة بين وضع الدروز وبين وضع العرب، وسيزيد من شعور العزلة للأقلية العربية الفلسطينية.

في مثل هذا الواقع، من المهم أن تعمل الحكومة، جنبًا لجنب مع القيادة العربية، من أجل ضمان تنفيذ كامل للخطة الخمسية الأولى وتحضير لتبني خطة خمسية ثانية وواسعة، تعطي أيضًا حلولًا شاملة للقضايا التي لم تُحل في الخطوة الأولى؛ كل هذا من أجل التخفيف من الفجوات اللافتة. يمكن لردود فعل الأقلية العربية الفلسطينية المحدودة على قانون القومية أن تساعد في تعزيز شراكة المصالح بين الأغلبية والأقلية، التي أساس بروزها الآن في المجال الاقتصادي.

 

ملاحظة: الآراء والألفاظ الواردة في الدراسة تعبّر عن كُتابها، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي مركز أطلس للدراسات الإسرائيلية.