»

الدعاية السيبرانية الإسرائيلية لمحاصرة مسيرات العودة الفلسطينية

12 تموز 2018
الدعاية السيبرانية الإسرائيلية لمحاصرة مسيرات العودة الفلسطينية
الدعاية السيبرانية الإسرائيلية لمحاصرة مسيرات العودة الفلسطينية

اصدر مركز الجزيرة للدراسات دراسة تحت عنوان "الدعاية السيبرانية الإسرائيلية لمحاصرة مسيرات العودة الفلسطينية" إرتأى المركز نشرها للإطلاع والإستفادة كما يلزم علماً أن المركز لا يتبنى بالضرورة وجهات النظر الواردة في الدراسة وكذلك المصطلحات المستخدمة فيها.

تستقصي الدراسة آليات الدعاية السيبرانية الإسرائيلية التي تستغل النشاط الاتصالي للمستخدم/الجمهور الفلسطيني عبر منصات التواصل الاجتماعي لإعادة "تدوير" الرسائل التي ينتجها بعد معالجتها دعائيًّا بما يتواءم مع أهدافها السياسية.

مقدمة

حتى ظهور منصات الإعلام الاجتماعي، ظلت الأجزاء المكوِّنة لمفهوم الدعاية ثابتة لا تتغير، سواء من حيث قصدية تنفيذها وخضوعها لمركزية التنظيم والتخطيط أو اقتصار ممارستها على جهات ذات إمكانات تحكُّم وسيطرة لوجستية ومالية، كالدول والأحزاب والمؤسسات العملاقة. وفي حين بقيت الأهداف والبِنَى الأساسية متشابهة، فإن إنتاج الدعاية وتقنيات نشرها تغيَّرت بصورة ملحوظة في الآونة الأخيرة. فقد أدى ظهور الإنترنت، وما رافقه من حرية على صعيد استخدامه، إلى بروز مفهوم الإنتاج "الذاتي للدعاية"(1). كما أن تكنولوجيا الاتصال الحديثة، وما أفرزته من مواقع وشبكات اجتماعية، منحت الأفراد سلطة إنتاج ورعاية حملاتهم الدعائية الخاصة، متجاوزين بذلك حدود الرقابة والسيطرة التقليدية(2).

وهنا، يتضح أن تكنولوجيا الاتصال أوجدت ما يتخطى العولمة(3)؛ فقد أفضت إلى نشوء دعاية أكثر خطورة قد تفكك الحدود السياسية والاجتماعية، وتتجاوز قدرات الدول على مواجهتها. فالتكنولوجيا التي مكنت الأفراد من التواصل بطريقة مفتوحة ومجانية في "قرية عالمية"، تتجاوز عوائق العرق والطبقية، جلبت معها أيضًا شبكة متشعبة غير متحكَّم فيها، تعج بالدعاية والكراهية، وغيرها من السلوكيات السلبية(4). إذن، غيَّرت الشبكات الاجتماعية من طبيعة الدعاية؛ إذ أضافت مستوى جديدًا من التعقيدات على مجالها. فالولوج شبه العالمي للبيئة الرقمية منح فرصًا لا متناهية لتنفيذ حملات متنوعة من أجل التأثير في الأحداث بمجاليها: المادي والمعرفي. ومع إدراك خطورة منصات الإعلام الاجتماعي وإمكاناتها الكامنة أخذ الاهتمام بهذا المجال بُعدًا آخر؛ إذ تحولت النظرة من كونها أداة تواصل إلى بيئة يُمكن استثمارها لتحقيق أهداف سياسية وأمنية وعسكرية دعائية؛ فمع حالات بعينها، نراها ساحة للدبلوماسية الرقمية، ومع أخرى مسرحًا للحرب السيبرانية، أو حتى ذراعًا للعمليات المعلوماتية.  

وكشف التوظيف الدعائي لشبكات الإعلام الاجتماعي عن أشكال وممارسات حديثة لم تكن مألوفة في السابق كالتصيد، والتلاعب بالخوارزميات، والقرصنة، والروبوتات الاجتماعية، وغيرها. وكان لهذه الأساليب الدعائية العديد من التداعيات السياسية والاجتماعية والاقتصادية حول العالم. وحيث إن هذه الدراسة تهتم بالدعاية السيبرانية، فهي تسعى إلى رصد ظاهرة دعائية جديدة وتأصيلها نظريًّا من خلال دراستها ومتابعتها في سياق بيئتها الفعلية من أجل فهم آليات اشتغال الدعاية الإسرائيلية الرسمية عبر موقع فيسبوك، وتتمثَّل في "التنقيب الدعائي" عبر منصات الإعلام الاجتماعي.   

 

الإجراءات المنهجية للدراسة  

أ- مشكلة الدراسة

خلال متابعة بعض الصفحات الرسمية الإسرائيلية الناطقة باللغة العربية على موقع فيسبوك، نلاحظ استغلالها للمحتوى الذي ينتجه نشطاء فعاليات مسيرات العودة في قطاع غزة من أجل تحقيق أهداف دعائية بحتة. وسنجد آلية ممنهجة تقوم على رصد وتجميع المحتويين: المكتوب والمرئي، ومن ثم إعادة نشره على صفحاتها بعد معالجته دعائيًّا بشكل يتوافق وأهدافها السياسية. وهو ما يمكن تسميته بـ"التنقيب الدعائي" الذي يصب في تفسير مفهوم إنتاج الدعاية لذاتها التي تعني باختصار: تكاثر وانتشار الموضوعات الدعائية بشكل تشعبي غير منتظم الاتجاه، حيث يصبح الجمهور فاعلًا في بنائها، متأثرًا بها، لا متلقيًّا لها فقط. ومن ثم، تبحث الدراسة في ظاهرة التنقيب الدعائي ضمن سياق فعاليات مسيرات العودة في قطاع غزة من خلال تحليل المنشورات والصور التي نشرتها بعض الصفحات الإسرائيلية. كما تسعى إلى تحديد الأجهزة الرسمية الإسرائيلية المسؤولة عن "التنقيب" وكيفية توظيفه وتحديد الفروق بينه ومفهوم الجمع الاستخباراتي مع بيان آثاره وسبل مواجهته.

ب- تساؤلات الدراسة

- ما المقصود بظاهرة التنقيب الدعائي؟ وما حدود تقاطعها مع أنشطة الجمع الاستخباراتي؟ وكيف يتم تطبيقها على مستوى الممارسة الدعائية عبر مواقع الإعلام الاجتماعي؟

- ما الأذرع الرسمية الناشطة في مجال التنقيب الدعائي عبر مواقع الإعلام الاجتماعي في إسرائيل؟

- كيف وظَّفت ماكينة الدعاية الإسرائيلية التنقيب الدعائي خلال فعاليات مسيرات العودة الكبرى في غزة؟ وما أساليب الدعاية الأخرى التي نشطت بموازاته؟

- ما تأثيرات ظاهرة التنقيب الدعائي على المستخدم/المتلقي الفلسطيني؟ وما سبل مواجهتها؟ 

ج- منهجية الدراسة وأدواتها  

اعتمدت الدراسة منهج دراسة الحالة بهدف جمع معلومات متعمقة عن الظاهرة في بيئتها الحقيقية. ويساعد هذا المنهج، بحسب جنيفر رولي (JenniferRowley)، الباحثَ في تزويده بمعلومات لا يمكن الحصول عليها بأساليب أخرى، كما يعتبر مناسبًا عند تركيز البحث على ظاهرة معاصرة ضمن سياق حياة واقعي(5). وقد تم استخدام دراسة الحالة للتعرف على حقائق ظاهرة التنقيب الدعائي من خلال رصدها وتشخيصها وتحليلها للوصول إلى استنتاجات ومبادئ عامة، تسهم في تقديم تصور حول سبل مواجهتها. كما استعانت الدراسة أيضًا بمنهج التحليل النقدي للخطاب من أجل فهم الممارسات الخطابية للدعاية الإسرائيلية وتحديد الأطر الناظمة لها وقيمها وأبعادها الأيديولوجية. ووظفت أيضًا أداة الملاحظة لفاعليتها في رصد سلوك عينة مجتمع الدراسة، وطريقة استخدامها للتنقيب الدعائي في محيطها الطبيعي؛ الأمر الذي يكفل الإجابة عن تساؤلات الدراسة بطريقة كيفية.

د- مجتمع الدراسة وعيِّنتُها

- مجتمع الدراسة: يتمثَّل في الصفحات الرسمية الإسرائيلية الناشطة على فيسبوك، والتي تستخدم اللغة العربية في توجيه خطابها للجمهور، مثل: صفحة رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، وصفحة منسق أعمال الحكومة الإسرائيلية، يوآف مردخاي، وصفحة الناطق باسم الجيش الإسرائيلي باللغة العربية، أفيخاي أدرعي، وصفحة إسرائيل تتكلم بالعربية التابعة لوزارة الخارجية، وصفحة المتحدث باسم رئيس الوزراء للإعلام العربي، أوفير جندلمان، وصفحة إسرائيل في الأردن، وصفحة إسرائيل في مصر...إلخ.

- عيِّنة الدراسة: تتمثَّل في أربع صفحات إسرائيلية، وهي: صفحة منسق أعمال الحكومة، وصفحة الناطق باسم الجيش الإسرائيلي، وصفحة المتحدث باسم رئيس الوزراء للإعلام العربي، وصفحة إسرائيل تتكلم بالعربية. أما بخصوص الإطار الزمني للعينة فهو يمتد من 28 مارس/آذار إلى 30أبريل/نيسان 2018.

 التنقيب الدعائي عبر مواقع الإعلام الاجتماعي

أ- مفهوم التنقيب الدعائي

تشير كلمة "تنقيب" إلى عملية بحث ترتبط ذهنيًّا بأشغال التفتيش عن المعادن والموارد الطبيعية الثمينة. ولأن البيانات نفسها ذات قيمة عالية، فإن التنقيب عنها يشبه محاولات استخراج النفيس من باطن الأرض إلا أن التنقيب الذي نعنيه هنا لا يرتبط بالبيانات المجردة، بل يهتم بالآراء والمعلومات التي تحظى بقيمة دعائية؛ تلك التي يمكن استغلالها كرسالة للتأثير في الآخر. فالدعاية، بحسب أليكس كاري (Alex Carey)، "جهود اتصالية يتم اختيار محتواها وشكلها لدفع الجمهور المستهدف نحو تبني مواقف ومعتقدات، هي في الأصل من اختيار راعي العملية الاتصالية"(6). ولو تفحصنا التعريف، سنلاحظ كلمة "اختيار"، التي تشمل جهدًا متسلسلًا ينطلق من "التحديد"، ثم "البحث"، فـــ"الانتقاء"، لينتهي بـــ"قرار البث أو إعادة تدوير الرسالة". كما يتضمن كلمة "دفع" التي تشير إلى لون دعائي جديد لا يعتمد التوجيه الجماعي، بل المنفرد في توجيه رسائله؛ في استغلال جلي لخصائص تكنولوجيا الاتصال. فالدعاية تجاوزت مرحلة الخطاب الجمعي، وصارت تتعامل مع الأفراد كحزم منعزلة(7). ولكن، كيف يتم التنقيب الدعائي بلغة تكنولوجية؟

إن عملية البحث عن معلومات ذات أبعاد دعائية تحتاج إلى تقنية ذكية باستطاعتها استخراج المهم وتجاهل عديم القيمة. ويتطلب هذا الأمر، في خطوة أولى، تحديد الموضوعات التي يراد تجميع بياناتها، ثم حصر منشئها وجمهورها، وفحصها وفلترتها، لنصل إلى قائمة نهائية بالبيانات المطلوبة. وتجدر الإشارة هنا إلى أن عملية الجمع يمكن تقييدها بجغرافيا معينة لتستهدف مجتمعات شبكية بعينها(8).

مرفق PDF لقراءة الدراسة كاملة