»

دور الأزمات الاجتماعية والاقتصادية في موجة التغيير القادمة بالمنطقة العربية

05 حزيران 2018
دور الأزمات الاجتماعية والاقتصادية في موجة التغيير القادمة بالمنطقة العربية
دور الأزمات الاجتماعية والاقتصادية في موجة التغيير القادمة بالمنطقة العربية

أصدر مركز الجزيرة للدراسات دراسة تحت عنوان" دور الأزمات الاجتماعية والاقتصادية في موجة التغيير القادمة بالمنطقة العربية" إرتأى المركز نشرها للإطلاع عليها والإستفادة منها كما يلزم علماً أن المركز لا يتبنى وجهات النظر أو المصطلحات الموجودة داخل الدراسة

مقدمة 

تشهد المنطقة العربية تفجر العديد من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية الحادة تعبيرًا عن تشوهات هيكلية في بنياتها الاجتماعية والاقتصادية، وانعكاسًا لغياب الرؤية القائدة وفشل السياسات المطبقة، وتأثرًا بالعديد من الأزمات الحادة على المستويين الإقليمي والدولي.

وقد أفاض الباحثون في دراسة هذه الأزمات وتحليل آثارها من انتشار العنف والاستبداد والإرهاب وعدم الاستقرار السياسي، كما خضعت لتغطيات إعلامية وتوظيف دعائي من مختلف الأطراف ساده لغة المبالغة ومنطق التشويه. وفي هذا السياق، تأتي هذه الدراسة* الموجزة حول دور الأزمات الاقتصادية والاجتماعية في تفجير موجة تغييرية في المنطقة العربية، لتكون إضافتها الأساسية في اتباع منهجية علمية، بعيدًا عن الحشد المعلوماتي والانطباعات الذاتية، تقوم على اختبار العلاقة بين الجوانب المعرفية والواقعية للقضية البحثية عبر مستويات منهجية ثلاثة، وهي: رفع الواقع وتوصيفه، وتحليله وتفسيره، ومن ثم استشراف سيناريوهاته المستقبلية كالتالي(1):

الأول: التوصيف ورفع الواقع: تتم العملية على مستويين متكاملين: معرفي يحدد ماهية الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، وواقعي يحدد مؤشرات قياسها العملية.

الثاني: التحليل والتفسير العلمي يحاول تقديم إجابة على تساؤلات من قبيل: إلى أي مدى تسهم الأزمات الاجتماعية والاقتصادية في إحداث موجة التغيير القادمة؟ وهل تصلح وحدها كعوامل تفسيرية؟ ومن ثم، ما الأزمات الأخرى المؤثرة؟ وما وزنها النسبي برؤية مقارنة؟ وما طبيعة وصور الموجة الثانية من التغيير القادمة؟

الثالث: التنبؤ وتحديد السيناريوهات المستقبلية: يحاول تقديم إجابة على تساؤلات من قبيل: كيف تصل الأزمات لحالة تفجر؟ وكيف يقود ذلك لموجة التغيير القادمة؟ ومن ثم، كيف يتم التنبؤ السياسي بمساراتها عمليًّا عبر تحديد السيناريوهات الأساسية؟

نتناول هذه المستويات في مباحث ثلاثة محاولين قدر الإمكان تقديم إجابات على تساؤلاتها في إطار ضوابط المنهجية العلمية.

1. واقع الأزمات الاقتصادية والاجتماعية في المنطقة العربية

تشهد معظم دول المنطقة العربية العديد من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية تعكس فشلًا يمثل وجهين لحقيقة واحدة:

الأول: الفشل في ممارسة أهم وظيفتين للدولة، وهما: الوظيفة التنموية، والوظيفة التوزيعية(2)، بينما يمثل الوجه الثاني الفشل في الالتزام عمليًّا بمنظومة "الحقوق" الواردة بالعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية(3). قاد هذا الفشل للكثير من الأزمات الشاملة والفرعية التي نتناول أهمها بالتعريف وتحديد مؤشرات قياسها كالتالي:

أولًا: الأزمات التنموية: كانت نتاجًا لإهدار "الحق في التنمية" الذي يعد أهم الحقوق الجماعية الذي يتضمن "توفير أسباب العيش للشعوب وتحقيق أهدافها، والتصرف الحر بثرواتها ومواردها الطبيعية دونما إخلال بأية التزامات منبثقة عن مقتضيات التعاون الاقتصادي الدولي القائم على مبدأ المنفعة المتبادلة"(4).

ثانيًا: الأزمات الاجتماعية: ويتمثل جوهرها في عدم الحفاظ على الوحدة الأساسية للمجتمع عبر توفير أساسيات العيش الكريم؛ إذ تقر الدول الأطراف في العهد الدولي على "وجوب منح الأسرة أكبر قدر ممكن من المساعدة في تكوينها ونهوضها عبر حماية الأمهات والأطفال والمراهقين من الاستغلال الاقتصادي والاجتماعي واستخدامهم في أي عمل من شأنه إفساد أخلاقهم أو الإضرار بصحتهم أو تهديد حياتهم بالخطر أو إلحاق الأذى بنموهم"، ويفرض على الدول حدودًا دنيا لسنِّ العمل مدفوع الأجر(5). وإذا كانت الأزمات التنموية والاجتماعية من الأزمات الكلية والإطارية، فقد فصل العهد الدولي للحقوق في عدة أزمات نابعة منهما، نذكر أهمها:

  1.  أزمة البطالة: تنبع من عدم احترام تطبيق حق العمل مواد 6، 7، 8، وما يتفرع عنه من أزمات الحصول على الأجر العادل وتكوين التنظيمات النقابية والعمالية، وحق الإضراب وممارسته...إلخ(6).

  2. أزمة الضمان الاجتماعي: إذ يجب أن توفر الدولة لمواطنيها الحدود الدنيا للعيش الكريم التي تحفظ عليهم حياتهم. وتقر الدول الأطراف في المادة 9 بحق كل شخص في الضمان والتأمينات الاجتماعية(7).

  3. أزمات الغذاء، والسكن: وتتضمن "الحق في الحصول على الغذاء الكافي، والحصول على السكن المناسب والملائم"؛ حيث تنص المادة 11 من العهد على حق كل شخص في مستوى معيشي كاف له ولأسرته، يوفر ما يفي بحاجتهم من الغذاء والكساء والمأوى، وبما يضمن التحرر من الجوع وبحقه في تحسين متواصل لظروفه المعيشية، "كما تتعهد الدول بالتدابير المشتملة على برامج محددة ملموسة تقوم على تحسين طرق إنتاج وحفظ وتوزيع المواد الغذائية، عن طريق الاستفادة الكلية من المعارف التقنية والعلمية، ونشر المعرفة بمبادئ التغذية، وتأمين توزيع الموارد الغذائية العالمية توزيعًا عادلًا في ضوء الاحتياجات، يضع في اعتباره المشاكل التي تواجهها البلدان المستوردة للأغذية والمصدِّرة لها على السواء"(8).

  4. أزمات الصحة والعلاج: والمترتبة على غياب الحق في العلاج والتأمين الصحي؛ حيث تنص المادة 12 من العهد الدولي على "حق كل إنسان في التمتع بأعلى مستوى من الصحة الجسمية والعقلية "بداية من تأمين نمو الطفل نموًّا صحيًّا، وتحسين جميع جوانب الصحة البيئية والصناعية، والوقاية من الأمراض الوبائية والمتوطنة والمهنية والأمراض الأخرى وعلاجها ومكافحتها". وهناك العديد من الأزمات الأخرى المرتبطة والمكملة "وفقًا لمواد العهد الدولي 13-15" من: أزمات المياه (النابعة من عدم الالتزام بتنفيذ الحق في الحصول على المياه للشرب والزراعة والصرف الصحي)، وأزمات التعليم (الحق في الحصول على التعليم المناسب)، وأزمة المواصلات (الحق في التنقل الحر)(9). وبصدد مؤشرات قياس هذه الأزمات وتطورها وازدياد حدتها، تقدم تقارير التنمية ونوعية الحياة الصادرة عن الأمم المتحدة للباحثين عددًا من "المقاييس العلمية" تتضمن منظومة من المؤشرات الكمية والكيفية الصالحة لقياس وجود وتطور وتصاعد هذه الأزمات. وتدلنا مراجعة وتحليل هذه التقارير في السنوات السبعة الأخيرة، منذ بداية ثورات الربيع العربي وانقلابات الثورات المضادة 2001- 2018، على أن هذه الأزمات وصلت إلى درجات عالية من التدهور والخطورة في غالبية بلدان المنطقة العربية لا تتسع صفحات هذه الورقة لذكرها وتحتاج دراسة تفصيلية(10)؛ مما يدل على أن المنطقة قد تكون على أبواب موجة جديدة من التغيير، وهذا ما نُخضعه للتحليل والاستشراف المستقبلي.

2.تحليل أدوار الأزمات الاقتصادية والاجتماعية في تفسير حدوث موجة التغيير القادمة 

يشير تحليل أدوار الأزمات الاقتصادية والاجتماعية إلى ضرورتها لحدوث عملية التغيير، ولكنه يثير السؤال حول قدرتها التفسيرية، أي: إلى أي مدى هي كافية أو تصلح وحدها أو مع أزمات أخرى في تفسير حدوث التغيير المتوقع؟ وما المتغيرات الأخرى المعتبرة بهذا الصدد والوزن النسبي لها عمليًّا بمنطق مقارن؟

تعكس الإجابة على هذه التساؤلات وجود ثلاثة اتجاهات علمية؛ يركز الأول والثاني منها على الأبعاد والأزمات الداخلية، بينما يركز الثالث على الأبعاد والأزمات الإقليمية والدولية مع أخذه في الاعتبار الأزمات الداخلية كنقطة انطلاق تحليلي وتفسيري، وسنلخصها بإيجاز فيما بعد كونها تحتاج دراسات تفصيلية لا يتسع لها المقام.

الاتجاه الأول: الاقتصادي الاجتماعي: يعد اتجاهًا شائعًا يرى أن الأزمات الاقتصادية والاجتماعية داخل كل بلد وعلى مستوى المنطقة تعد ضرورية وكافية لحدوث حالة التفجر وبداية موجة التغيير، ويتحدث هذا الاتجاه عن المعادلة التي يمكن أن تقود عبرها هذه الأزمات إلى حدوث حالة "الانفجار الشعبي".

جوهر الرؤية والمعادلة أن الحرمان الاقتصادي والاجتماعي والذي يعبَّر عنه بمؤشر انخفاض مستوى المعيشة "مقيَّمًا بمستويات الدخول" من ناحية أولى، والظلم الاجتماعي الذي يعبَّر عنه بالتفاوت الشديد في توزيع هذه الدخول "غياب العدالة التوزيعية" معبَّرًا عنه بمؤشر تفاوت الدخول بين الحدين الأدنى والأعلى للدخل من ناحية ثانية، ثم من ناحية ثالثة وجود وعي فردي بالأمرين السابقين ينتقل هذا الوعي لكي يكون وعيًا وشعورًا جماعيًّا بالظلم والقهر عبر وسائط وأدوات انتقال هذا الوعي من أدوات الاتصال المختلفة من ناحية ثالثة، وفي إطار ظروف ولحظات ومسهلات معينة من ناحية رابعة يمكن أن يؤدي إلى حالة من حالات التفجر وعدم الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي يتمثل في صور وموجات من التغيير الثوري المتعددة.

وفقًا لهذه المعادلة فإن (الحرمان الاقتصادي + عدم العدالة التوزيعية + وسائط الاتصال = الوعي الجمعي --------عدم الاستقرار السياسي (التغيير الثوري). وبالطبع، فإن فيما ذُكر نوعًا من الاختصار نرجو ألا يكون مخلًّا للمقولات الأساسية لهذا الاتجاه والأمر لا يغني عن دراسة تفصيلية ليس هنا موضعها(11).

مرفق pdf لقراءة الدراسة كاملة