»

عام على الأزمة الخليجية: كيف نجحت قطر في هزيمة الحصار؟

04 حزيران 2018
عام على الأزمة الخليجية: كيف نجحت قطر في هزيمة الحصار؟
عام على الأزمة الخليجية: كيف نجحت قطر في هزيمة الحصار؟

أصدر المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات دراسة تحت عنوان "عام على الأزمة الخليجية: كيف نجحت قطر في هزيمة الحصار؟ " إرتأى المركز نشرها للإطلاع عليها والإستفادة منها كما يلزم علماً أن المركز لا يتبنى وجهات النظر أو المصطلحات الموجودة داخل الدراسة

مقدمة

أعلنت كلٌ من السعودية والإمارات والبحرين ومصر، فجر الخامس من حزيران/ يونيو 2017، عن قطع العلاقات الدبلوماسية والقنصلية مع قطر، وإغلاق المنافذ البرية والبحرية والجوية معها، ومنع العبور في أراضيها وأجوائها ومياهها الإقليمية، ومنع مواطنيها من السفر إلى قطر، وإمهال المقيمين والزائرين من مواطنيها فترةً محددةً لمغادرتها، ومنع المواطنين القطريين من دخول أراضيها وإعطاء المقيمين والزائرين منهم مهلة أسبوعين للخروج.

يحاول هذا التقرير رصد أبرز جوانب الأزمة الخليجية، وإستراتيجيات قطر في التعامل معها على المستويين الداخلي والخارجي، عشية مرور عام على اندلاعها، ويبحث في استجابة الاقتصاد القطري للحصار، والتحرك الدبلوماسي القطري في مواجهة الأزمة، ودور الإعلام فيها، وتداعيات الحصار الإنسانية، وأخيرًا الموقف الأميركي وتأثيره في مسار الأزمة.

أولًا: جذور الأزمة

تميّزت السياسة الخارجية القطرية منذ عام 1995 بالدينامية والمرونة ومحاولة إيجاد علاقات متوازنة مع أكثر القوى الإقليمية والدولية. فبَنت قطر علاقاتٍ متينةً مع الولايات المتحدة الأميركية، واستضافت في "العُديد" إحدى أكبر القواعد العسكرية الأميركية في المنطقة، في الوقت الذي انفتحت فيه على القوى الإقليمية الأخرى، على الرغم من التناقضات الكبيرة بين هذه الدول. وأطلقت ثورةً إعلامية عبر إنشاء قناة "الجزيرة"، وشرّعت من خلالها الباب أمام مناقشة قضايا كانت تُعدّ "تابوهات" في الفضاء السياسي العربي المغلق. ومنذ منتصف التسعينيات من القرن العشرين، مثلت التوجهات القطرية، وبخاصة في السياستين الخارجية والإعلامية، مصدر إزعاج لبعض الحكومات، وكانت مادةً لعنوان تأزّم دوري في العلاقات بهذه الدول على امتداد العقدين الماضيين، وبصورة خاصة السعودية.

ومع انطلاق ثورات الربيع العربي، حاولت الدول العربية تحميل قطر المسؤولية عنها؛ بسبب موقفها منها وتغطية قناة الجزيرة لها. وقد ازدادت الضغوط على النُظم العربية مع نجاح الثورة في مصر في دفع الرئيس الأسبق حسني مبارك إلى التخلي عن السلطة. وفي حين كانت قطر وقناة الجزيرة تؤديان أكثر أدوارهما حيوية ومحورية في المنطقة العربية خلال هذه المرحلة، كانت النظم العربية تعيش مرحلة انكماش ودفاع عن النفس، محاولةً الانحناء للعاصفة ريثما تهدأ. لكنّ الأمور لم تلبث أن تغيّرت بسرعة.

مثّل عام 2013 نقطة مفصلية في سياسة قطر الخارجية؛ إذ بدأ المد الثوري بالانحسار نتيجة أخطاء قوى الثورة وإخفاقاتها، وعنف الأنظمة، ولا سيما النظام السوري وأخطاء الإسلاميين في الحكم في مصر وطموح العسكر إلى العودة إلى الحكم، وتعقيدات الوضعين السياسي والاجتماعي العربيين. وبدأت قوى النظام القديم والثورة المضادة تستجمع قواها استعدادًا لهجوم مضاد كبير، وحققت اختراقين مهمين: الأول في مصر حيث تمكّن الجيش، بدعمٍ فاعل من السعودية والإمارات، من الانقلاب على العملية الديمقراطية ووضع حد لإفرازات ثورة 25 يناير ونتائجها. والثاني في سورية، حيث تمكّن نظام الأسد بفضل الدعم الإيراني من الصمود في وجه المعارضة والانتقال إلى الهجوم العسكري المضاد. وقد عُرفت هذه المرحلة بمرحلة الثورات المضادة التي قادتها الإمارات والسعودية، والتي حمّلت قطر مسؤولية محاولة إفشال مساعيها في إعادة عقارب الساعة إلى الوراء وإلغاء كل ما ترتب على ثورات الربيع العربي. وبعد الانقلاب العسكري في مصر، تفجّر الخلاف علنًا بين السعودية والإمارات والبحرين من جهة، وقطر من جهة أخرى، وانتهى بسحب الدول الثلاث سفراءها من قطر في مطلع عام 2014، واستمرت الأزمة نحو تسعة أشهر، واشترطت دول الحصار لإعادتهم إعلان قطر دعمها الانقلاب العسكري.

توقفت الأزمة الخليجية في ذلك الوقت عند حدود سحب السفراء، ولم تتخذ أبعادًا أكبر نتيجة حالة القلق التي انتابت عواصم الدول الخليجية من سياسات إدارة أوباما الثانية؛ فبعد أن أيّد أوباما في ولايته الأولى ثورات الربيع العربي، حاول في ولايته الثانية التقرّب من إيران أملًا في إبرام اتفاقية لحل أزمة برنامجها النووي. وقد أدت سياساتُ أوباما الاسترضائية تجاه إيران، وشعورٌ خليجي بالتخلي الأميركي، إضافة إلى تنامي سياسات الهيمنة الإيرانية، إلى إحساس خليجي عام بالضعف؛ ما دفع السعودية والإمارات تحديدًا إلى تأجيل خلافاتهما مع قطر، وخاصة مع الحاجة إلى دعم قطري إعلامي ومالي وعسكري مع بدء الحملة على اليمن في مطلع عام 2015. وقد وضعت قطر ثقلها في دعم الحملة السعودية - الإماراتية في مواجهة الميليشيات الحوثية التي انقلبت على الشرعية وسيطرت على العاصمة صنعاء في أيلول/ سبتمبر 2014.

ومع انتخاب دونالد ترامب رئيسًا للولايات المتحدة، استعادت السعودية والإمارات الثقة بالنفس، وعادتا إلى سياستهما الهجومية، وبدأتا بالتعبئة ضد قطر في وسائل إعلام غربية وأميركية عديدة، وصولًا إلى قمة الرياض الأميركية – العربية - الإسلامية في 21 أيار/ مايو 2017، لينطلق بعدها هجوم إعلامي غير مسبوق على قطر، معلنًا بداية الأزمة الأشد في تاريخ مجلس التعاون لدول الخليج العربية، والتي بلغت ذروتها بعد أسبوعين بفرض حصار اقتصادي شامل على قطر.

ثانيًا: استجابة قطر للحصار الاقتصادي

استطاعت قطر مواجهة آثار الحصار المفروض عليها وانعكاساته السلبية على اقتصادها، خاصةً أن دول الحصار هدفت أساسًا إلى إحداث تغيرات في سلوك قطر الإقليمي وسياساتها الخارجية على قاعدة ضرب البنية الاقتصادية للدولة. إذ قيّم مسؤولو دول الحصار في مرحلة بداية الأزمة أن الاقتصاد القطري هش، وغير قادر على الاستمرارية أمام سلسلة الإجراءات التي اتخذوها على نحو مفاجئ على قاعدة الصدمة، خاصة أن اقتصاديات دول الخليج مرتبطة فيما بينها باتفاقيات تنظم عملها، من ناحية نقل البضائع والسلع والمواد الغذائية والمواد المرتبطة بالبنية التحتية. فقد اعتمدت قطر، قبل الأزمة الخليجية، على نقل البضائع والسلع بحرًا من دولة الإمارات، عن طريق شبكة الموانئ التجارية وأهمها ميناء جبل علي، وبرًا من السعودية وعلى وجه التحديد معبر سلوى.

كان الحصار مفاجئًا بالنسبة إلى صانع القرار القطري الذي اتبع سلسلة من الإجراءات الآنية المكلفة لتأمين الاحتياجات المعيشية للسكان، خاصة منها السلع الغذائية والاستهلاكية. وبعد مرور أقل من شهرين على بداية الأزمة، أصدرت مؤسسة "موديز" Moody’s تقريرًا تناولت فيه الآثار الاقتصادية للأزمة الخليجية، وأشار إلى أن تصاعد الأزمة يزيد من عدم اليقين بشأن التأثير الاقتصادي والمالي في دول مجلس التعاون. وتوقع التقرير أنه إذا لم يتم التغلب على الانقسامات في الخليج، فإن التوترات المستمرة، أو حتى التصاعدية، ستكون ذات آثار سلبية في اقتصاديات دول الخليج، وعلى وجه التحديد بالنسبة إلى كلّ من قطر والبحرين.

وأضاف التقرير أن قطر تواجه تكاليف اقتصادية ومالية ضخمة نابعة من القيود المفروضة عليها؛ إذ ضغطت دول الحصار في اتجاه خروج رؤوس الأموال والمستثمرين من السوق القطرية، ما أدى إلى تدفق رؤوس أموال كبيرة في حدود 30 مليار دولار خارج النظام المصرفي القطري في الشهرين الأولين للأزمة الخليجية. ولتفادي الأزمة، قام بنك قطر المركزي بدعم الاقتصاد القطري بمبلغ مقداره 38.5 مليار دولار (أي ما يعادل 23 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي)[1].

سعت قطر خلال العام الأول للحصار الاقتصادي للعمل على امتصاص الصدمة وتنويع الشراكات التجارية، ثم تعزيز النمو الاقتصادي، وصولًا إلى السعي لتعزيز الصناعة الداخلية وتنويع الاستثمار. ويشير تقرير التنافسية العالمي الصادر عن المعهد الدولي للتنمية الإدارية (IMD) عام 2018، بعد مرور عام على الحصار الاقتصادي، إلى أن الاقتصاد القطري تبوأ المركز الخامس عالميًا من بين 63 دولة معظمها من الدول المتقدمة، وذلك في محور الأداء الاقتصادي؛ ما يعكس الأداء القوي وقدرته على تجاوز الأزمة[2].

امتصت الدوحة الصدمة الأولى، وبدأت باتباع خطط اقتصادية مدروسة للحد من آثار الحصار، تلخصت في البحث عن أسواق تجارية جديدة، وبناء شراكات اقتصادية مع دول خليجية وإقليمية، لا سيما الكويت وعُمان. وتفيد التقارير بأن حجم الاستثمارات بين قطر وعُمان، شهد ارتفاعًا من ثلاثة مليارات ريال قطري عام 2016 ليصل إلى ما يزيد على 5.5 مليارات ريال قطري أواخر عام 2017، وقد كانت حصة الاستثمارات العمانية في قطر منها 427 مليون ريال قطري[3]، وشملت هذه الاستثمارات توريد المواد الغذائية ومواد البناء إلى الأسواق القطرية. في حين بلغ حجم التبادل التجاري مع الكويت نحو 2.5 مليار ريال قطري في نهاية عام 2017، مقارنةً بـ 2.3 مليار ريال في عام 2016[4]. كما سعت قطر لتعزيز شركاتها مع السودان؛ بتوقيع اتفاقية تجارية لتطوير ميناء سواكن على ساحل البحر الأحمر بقيمة 4 مليارات دولار أميركي، إضافةً إلى تعزيز الاستثمار الزراعي في 260 ألف فدان في ولاية نهر النيل، وبتطوير من شركة "حصاد" القطرية، فضلًا عن تنفيذ الشركة لمشروع كهرباء للمنطقة بتكلفة تقدر بأكثر من 200 مليون دولار أميركي[5]. وفتحت قطر أسواقًا للبضائع مع تركيا وإيران وباكستان ودول آسيوية أخرى.

مرفق PDF لقراءة الدراسة كاملة