»

مخاطر الأزمة المائية في العراق: الأسباب وسبل المعالجة

01 حزيران 2018
مخاطر الأزمة المائية في العراق: الأسباب وسبل المعالجة
مخاطر الأزمة المائية في العراق: الأسباب وسبل المعالجة

اصدر مركز الجزيرة للدراسات دراسة تحت عنوان "مخاطر الأزمة المائية في العراق: الأسباب وسبل المعالجة" إرتأى المركز نشرها للإطلاع والإستفادة كما يلزم علماً أن المركز لا يتبنى بالضرورة وجهات النظر الواردة في الدراسة وكذلك المصطلحات المستخدمة فيها.

مقدمة 

يعتبر الوطن العربي من المناطق الجافة وشبه الجافة حيث لا يزيد معدل هطول الأمطار السنوي عن 166 ملم(1)؛ ولهذا السبب فإن شُحَّ المياه في الشرق الأوسط له أهمية استراتيجية كبيرة لما لها من تأثير على الاقتصاد والتنمية(2). وتدل الدراسات على أن الوضع المائي سيزداد سوءًا في المستقبل حيث ستعاني المنطقة من نقص أكبر في الموارد المائية السطحية والجوفية(3).

وإذا نظرنا إلى حصة الفرد من الماء سنويًّا فإنها تبلغ 500 متر مكعب لكل فرد في 12 دولة عربية(4)، وهذه الكمية تعتبر قليلة جدًّا، وقد دفعت هذه المعطيات الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة، بطرس غالي، إلى القول: إن الحرب العالمية الثالثة ستكون بسبب شح المياه في الشرق الأوسط(5).

ولوجود نهري دجلة والفرات، كان العراق يعتبر من الدول الغنية بموارده المائية حتى السبعينات من القرن الماضي؛ ففي ذلك الوقت، بدأت سوريا وتركيا بناء السدود على نهري دجلة والفرات مما تسبب بنقصان كبير في تصاريف الأنهار الواردة إلى العراق(6)، وكذلك بدأت نوعية المياه بالتردي(7). وتسبب هذا الوضع باهتمام أكبر بالحصص المائية لكل دولة متشاطئة في حوضي نهري دجلة والفرات لما لها من تأثير كبير على الأمن الوطني واستراتيجيات التنمية لهذه الدول.

يقع العراق شرق الوطن العربي وتحده إيران من الشرق وتركيا من الشمال، وتبلغ مساحته 437.072 كيلومترًا مربعًا، ويبلغ عدد سكان العراق حاليًّا 39.33 مليون نسمة(8)، يسكن حوالي 25% منهم في المناطق الريفية، وتبلغ الكثافة السكانية 5 أشخاص لكل كيلومتر في أجزائه الغربية. وتزداد هذه النسبة إلى 170 شخصًا تقريبًا لكل كيلومتر مربع في الأجزاء الوسطى.

ينبع نهر دجلة من جنوب شرق تركيا ويبلغ طوله 1718 كيلومترًا، ويعتبر ثاني أطول نهر جنوب غرب آسيا، وتبلغ مساحة حوضه 472.606 كيلومترات مربعة يمر منه في تركيا (%17)، وفي سوريا (%2)، وإيران (%29) والعراق (%52)(9). أما نهر الفرات فينبع أيضًا من جنوب شرق تركيا ويبلغ طوله 2781 كيلومتر ومساحة حوضه تبلغ 444000 كيلومتر مربع يقع 28% منها في تركيا و17.1% في سوريا والمتبقي 39.9% في العراق.

1. تصاريف نهري دجلة والفرات 

الموارد المائية في العراق تعتمد بصورة رئيسية على نهري دجلة والفرات اللذين يجريان من تركيا شمالًا باتجاه الجنوب. ويلتقي النهران جنوب العراق في القرنة ليشكِّلا ما يُعرَف بشط العرب، ويأتي معظم مياه النهرين من تركيا بنسبة (71%)، وتليها إيران (%6.9)، ثم سوريا (%4)، والمتبقي من داخل العراق(10). وعند تحليل هذه النسب نجد أن 100% من مياه نهر الفرات و67% من مياه نهر دجلة تأتي من خارج العراق(11)، أما تصاريف نهري دجلة والفرات فتصل إلى معدل قدره 30 كيلومترًا مكعبًا سنويًّا إلا أن هذا الرقم يتذبذب بين 10 إلى 40 كيلومترًا مكعبًا اعتمادًا على الظروف المناخية. وفيما يتعلق ببقية مصادر المياه في العراق غير نهري دجلة والفرات، فهي تحديدًا المياه الجوفية، لكن كمياتها محدودة جدًّا، وقد أشار البنك الدولي إلى أن حجم هذه المياه يبلغ 1.2 بليون متر مكعب وتمثل فقط 2% من المياه المستهلكة في العراق.

1.1. نهر دجلة

كانت تصاريف نهر دجلة قبل عام 1973 تمثل التصاريف الطبيعية للنهر، أما بعد ذلك فإنها تأثرت ببناء السدود على النهر، وقد أجرت منظمة الإسكوا (ESCWA) تحليلًا لتصاريف نهر دجلة خلال الفترة من 1931 ولغاية 2011(12)، وظهر أن تصريف النهر حتى العام 1973 كان طبيعيًّا وهو بمعدل 21.3 بليون متر مكعب في محطة قياس الموصل، لكن هذه الكميات تناقصت بعد ذلك حتى وصلت إلى 19.5 بليون متر مكعب من العام 1974 وحتى العام 2005، أما إذا نظرنا إلى التصاريف جنوبًا في مدينة الكوت مثلًا فإن تصريف نهر دجلة يكون 32 بليون متر مكعب سنويًّا من العام 1931 وحتى العام 1973، ويقل إلى 16.7 بليون متر مكعب سنويًّا حتى العام 2005.

ويمكن ملاحظة ذلك بصورة دقيقة عند دراسة تصاريف النهر في مدينة بغداد حيث كان المعدل اليومي لتصريف النهر للفترة من العام 1931 وحتى العام 1960يقدر بـ1207 مترات مكعبة بالثانية ونتيجة بناء السدود بعد هذه الفترة على النهر وروافده أصبح التصريف 927 مترًا مكعبًا بالثانية حتى العام 2000 وبعد ذلك تناقص التصريف ليصل إلى 522 مترًا مكعبًا بالثانية بعد عام 2000. وسبب هذا التناقص هو بناء السدود على النهر وروافده أي إن التناقص في التصاريف بلغ 59.3%(13).

2.1. نهر الفرات 

مياه نهر الفرات يأتي معظمها من تركيا حيث يتزود النهر بما يعادل 89% من مياهه من الأراضي التركية وبقية المياه يتزود بها من الأراضي السورية(14)، وسجلات تصاريف النهر قبل فترة بناء السدود، أي قبل 1974، تعتبر طبيعية وبعدها أخذت بالانخفاض نتيجة بناء السدود في تركيا وسوريا. وقامت(15) الإسكوا بتحليل سجلات تصاريف نهر الفرات ووجدت أن التصريف في مدينة هيت للفترة من العام 1938 وحتى العام 1973 حوالي 30.6 بليون متر مكعب سنويًّا، وانخفض التصريف إلى 22.8 بليون متر مكعب سنويًّا من العام 1974 وحتى العام 1998، وحاليًّا أقل من 18 بليون متر مكعب سنويًّا، وكان التناقص بحدود 0.19X10 9 متر مكعب(16).

2. الأزمة المائية

يمر العراق حاليًّا بأزمة مائية حادة لم يسبق لها مثيل، وللتعرف على أسباب الأزمة لابد أن نطلع على تفاصيلها، كالآتي: