»

النزاع على الغاز في شرق المتوسط ومخاطر الاشتباك

27 نيسان 2018
النزاع على الغاز في شرق المتوسط ومخاطر الاشتباك
النزاع على الغاز في شرق المتوسط ومخاطر الاشتباك

اصدر مركز الجزيرة للدراسات دراسة تحت عنوان "النزاع على الغاز في شرق المتوسط ومخاطر الاشتباك" إرتأى المركز نشرها للإطلاع والإستفادة كما يلزم علماً أن المركز لا يتبنى بالضرورة وجهات النظر الواردة في الدراسة وكذلك المصطلحات المستخدمة فيها.

مقدمة 

شهد الربع الأول من العام 2018 تصاعدًا كبيرًا في التوتر بين دول حوض شرق البحر الأبيض المتوسط، لاسيما بين تركيا وجمهورية قبرص اليونانية من جهة، ولبنان وإسرائيل من جهة أخرى، وذلك نتيجة للتنافس القائم بين هذه الدول على استغلال الموارد الطبيعية الموجودة في هذه المنطقة وعلى رأسها الغاز. 

ففي يناير/كانون الثاني 2018، علَّق وزير الدفاع الإسرائيلي على منح لبنان ثلاث شركات أجنبية رخصًا للتنقيب عن النفط والغاز في المنطقة الاقتصادية اللبنانية الخالصة بأنه تحدٍّ سافر وعمل استفزازي، وأن قبول الشركات الأجنبية بهذا الأمر هو بمنزلة خطأ فادح(1). وردَّت الحكومة اللبنانية على هذا التصريح بسلسلة من التصريحات التي تدافع فيها عن حقها، كما دخل حزب الله اللبناني على الخط مهددًا إسرائيل ليقدم نفسه حاميًا لهذه الحقوق(2). على الصعيد اليوناني-التركي للنزاع، كلَّفت جمهورية قبرص (اليونانية) شركة "إيني" الإيطالية بالتنقيب عن الغاز في إحدى المناطق المتنازع عليها مع تركيا، فقامت البحرية التركية باعتراض السفينة التابعة للشركة الإيطالية ومنعتها من العمل(3)، وبذلك استخدمت تركيا للمرة الأولى في تاريخها الحديث قوتها الصلبة لاعتراض سفينة أوروبية(4). أدى هذا الأمر إلى ردود أفعال من قبل قبرص اليونانية واليونان ومجلس الاتحاد الأوروبي، وردَّ المسؤولون الأتراك ومجلس الأمن القومي بالتعهد بالتعامل بحزم مع هذا الموضوع. 

في هذا السياق، تقدم الورقة صورة بانورامية عن الوضع القائم في شرق حوض البحر المتوسط، وتناقش التنافس الجاري بين دول المنطقة على استغلال الثروات الطبيعية المقابلة لحدودها البحرية، وحسابات القوى الإقليمية في هذا الملف، ومصالح القوى الكبرى واحتمالات تطور التوتر إلى صدام في شرق البحر المتوسط. 

أهمية غاز شرق حوض البحر الأبيض المتوسط 

قدَّرت هيئة المسح الجيولوجي الأميركية في العام 2010 احتمال وجود ما يقرب من 122 تريليون م3 من مصادر الغاز غير المكتشفة في حوض شرق المتوسط قبالة سواحل سوريا ولبنان وإسرائيل وغزة وقبرص، بالإضافة إلى ما يقارب 107 مليارات برميل من النفط القابل للاستخراج(5). وعلى الرغم من أن هذه الأرقام تبقى في إطار التقديرات ولا تشمل أيضًا الأرقام المتعلقة بحوض دلتا النيل، إلا أنها لم تأت من فراغ، فخلال العقد الماضي، جرى اكتشاف العديد من حقول الغاز في منطقة شرق البحر المتوسط. بدأت عمليات الاستكشاف بالازدياد بعد نجاح الكونسورتيوم الذي تقوده شركة "نوبل إنرجي" الأميركية في اكتشاف حقل تمار في العام 2009 قبالة ساحل إسرائيل، ومع توالي الاكتشافات (انظر الجدول رقم 1) أصبحت دول المنطقة أكثر اهتمامًا بتكليف الشركات الأجنبية بالقيام بأعمال الاستكشاف(6). 

ويحظى الغاز في شرق منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط بأهمية خاصة نظرًا لعدة عوامل:

  1. الأهمية الجيوبوليتيكية للمنطقة الأوسع التي يقع فيها وهي منطقة الشرق الأوسط التي تضم حوالي 47% من احتياطي النفط(7) و41% من احتياطي الغاز(8) في العالم. وزاد من أهميتها انفتاح البحر المتوسط على تقاطع آسيا وأوروبا وإفريقيا، واتصاله بطرق التجارة العالمية عبر مضائق السويس والبوسفور وجبل طارق.
  2. الآمال الجيو-سياسية والجيو-اقتصادية والجيو-أمنية التي يحملها الغاز في تلك المنطقة بالنسبة إلى دول الجوار والتي راهن البعض على أنها ستغير المعطيات السياسية والاقتصادية لدول المنطقة.
  3. الصراع على استغلال ثروات الهيدروكربون والتنافس على طرق تصديرها والتزاحم على حصص الأسواق الخارجية، بالإضافة إلى تحويل دول المنطقة إلى لاعب دولي صاعد في لعبة الغاز.
  4. المنافع السياسية والاقتصادية والأمنية التي افترض كثيرون أن الغاز سيأتي بها لدول المنطقة.