»

العراق وسوريا... مستقبل المناطق المحررة من داعش

13 آذار 2018
العراق وسوريا... مستقبل المناطق المحررة من داعش
العراق وسوريا... مستقبل المناطق المحررة من داعش

اصدر مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية دراسة تحت عنوان "العراق وسوريا... مستقبل المناطق المحررة من داعش" أرتأى المركز نشرها للإطلاع والإستفادة كما يلزم علماً أن المركز لا يتبنى بالضرورة وجهات النظر الواردة في الدراسة وكذلك المصطلحات المستخدمة فيها.

إعلان الانتصار على تنظيم الدولة في العراق وسوريا، وملاحقته منذ مطلع العام الجاري (2018) فيما تبقى له من جيوب في منطقة الحدود العراقية- السورية، قد يشير إلى انتهاء المرحلة الصعبة في مواجهة التنظيم؛ وهي مرحلة الحرب والمواجهة العسكرية، لكنه في الوقت ذاته يُفسح المجال مجددا أمام مرحلة جديدة تكاد تكون أكثر صعوبة من سابقتها على الدولتين، وعلى القوى الدولية والإقليمية المنخرطة في التحالف الدولي لمحاربة التنظيم. مكمن الصعوبة هنا يعود إلى ما نتج عن تلك الحرب من تداعيات على أمن وسيادة الدولة العراقية والسورية من ناحية، وعلى متطلبات مرحلة ما بعد القضاء على التنظيم التي تواجه الدولتين من ناحية ثانية، وعلى مستقبل الأمن والاستقرار في المناطق التي تم تحريرها؛ سواء في العراق (محافظات ديالي وصلاح الدين ونينوى، والموصل، والأنبار، وكركوك)، أو في سوريا (محافظات الرقة ودير الزور، وبعض مناطق الشمال الكردية)، وكيفية منع التنظيم وعناصره من العودة للاستقرار في تلك المناطق مجددا من ناحية ثالثة.

أولا: تحديات الاستقرار في المناطق المحررة

1- حالة العراق

عودة الأمن والاستقرار إلى المناطق العراقية المحررة من سيطرة تنظيم الدولة، ترتبط إلى حد كبير بجملة من التحديات، يمكن رصدها فيما يلي.

- الدمار الشامل الذي تعاني منه البيئة الحياتية في المناطق المحررة؛ لاسيما التدميرالذي لحق بالبنية التحتية، الأمر الذي يجعل من عودة الخدمات الصحية والسكانية والإدارية إلى تلك المناطق هدفا صعب التحقق في المدى المنظور. وهو ما يعني استمرار تراجع النشاط الاقتصادي لتلك المناطق بما ينال سلبا من قدرة الحكومة على تلبية الاحتياجات المعيشية لمن بقي من سكانها فيها، أو لمن سيعودون إليها من النازحين. هذا فضلا عن رفض العديد من السكان الرجوع إلى ديارهم تخوفا من وجود جيوب لتنظيم الدولة، بإمكانها العودة لمزاولة نشاطها من جديد في ظل عدم فرض الدولة لسطوتها الأمنية في معظم تلك المناطق حتى الآن.

- النزاعات متعددة الحلقات التي من المحتمل أن تبرز إلى سطح الأحداث في بعض المناطق المحررة بين سكانها وعشائرها؛ ففي بعض تلك المناطق نشأت صراعات مسلحة بين العشائر، أو ما سُمي بتشكيلات الحماية الشعبية، حول من يتولى مهمة الأمن والإدارة على الأرض إلى جانب القوات الحكومية. ويعود ذلك الخلاف إلى مشكلة أعمق تواجه الحكومة العراقية ومتمثلة في انتشار السلاح على نطاق واسع بين السكان خلال السنوات الماضية (انتشار التشكيلات الشعبية المسلحة)، كرد فعل على سيطرة داعش على عدد من المحافظات العراقية (الفترة من 2014- 2017)، وكرد فعل أيضا على حالة الانتقام الطائفي الذي مارسته الميليشيات الشيعية المختلفة، ضد السكان السنة في مناطق سيطرة داعش، ومنها الحشد الشعبي.

- ضبط مناطق الحدود بين العراق وسوريا، وهي المنطقة الأكثر أهمية من الناحية الاستراتيجية؛ حيث يتواجد بها نطاق صحراوي كبير (صحراء البادية السورية الممتدة من جنوب شرق سوريا وصولا إلى صحراء الأنبار غرب العراق). هذ النطاق الصحراوي يوفر بيئة ملائمة لهروب مقاتلي تنظيم الدولة، ويوفر كذلك فرص لإعادة تأهيل أدوار ما بقي من تشكيلاته المسلحة مرة أخرى. لذلك، فإن مهمة ضبط الحدود تُعد من أصعب مهام الحكومة العراقية خلال المرحلة القادمة. والتحدي نفسه في سوريا، لكن مع اختلاف واضح يتمثل في أن الحكومة السورية تفقد السيطرة على نطاق واسع من محافظات الشرق الحدودية مع العراق التي تخضع لعمل قوات النخبة الأمريكية. والتي لا ترغب في إفساح المجال أمام سيطرة النظام السوري على مجمل الحدود مع العراق؛ على اعتبار أن ذلك يوفر لإيران -الحليف الاستراتيجي للحكومتين السورية والعراقية- فرصة السيطرة على منطقة الحدود، وبالتالي تواصل المشروع الإقليمي لإيران عبر محطتيه العراقية والسورية.

- القضاء على تنظيم الدولة عسكريا لا يعني القضاء عليه فكريا؛ هذا التحدي يرتبط بممارسات الحكومات الشيعية المتتالية ضد مكونات الشعب العراقي، وتحديدا ضد السنة والأكراد، وما خلقته من احتقان طائفي نتيجة لسياسات التهميش والإقصاء التي مورست ضد تلك المكونات خلال السنوات الماضية. الأمر الذي خلق في أوساطها تيارات ذات فكر ديني متشدد ومتطرف يشعر بالمظلومية ويتحرك بفكر انتقامي غاية في الوحشية، ويغلب ثقافة العنف على لغة الحوار. وبالتالي، فإن الحكومة العراقية مطالبة بعدة إجراءات سياسية واجتماعية لمواجهة داعش فكريا. من ذلك، على سبيل المثال، معالجة حالة التهميش المقصودة والمتعمدة ضد المكون العربي السني بإتاحة المجال أمام مشاركة سياسية واسعة وفعالة لأحزاب وقوى هذا المكون خلال المرحلة القادمة. بالإضافة إلى تطبيق سياسات اجتماعية واقتصادية لا تستثني المحافظات ذات الغالبية السنية من عائداتها، فضلا عن اتباع سياسيات للقضاء على حالة الانقسام السني الشيعي المتحكمة في مسار الحياة السياسية والاجتماعية في العراق منذ الاجتياح الأمريكي له في عام 2003 ، وحتى الآن.

- النفوذ الإيراني في العراق، والذي يُعد أحد التحديات التي تواجه الحكومة العراقية وتعيق من عملية فرض الأمن والاستقرار في المناطق المحررة من داعش. ويرجع ذلك إلى سياسات إيران وميليشياتها في العراق التي شاركت في الحرب ضد تنظيم الدولة. فقد عملت تلك الميليشيات على تطبيق سياسات التغيير الديموغرافي في العديد من المحافظات السنية، والتي شهدت تمركزا لعناصر تنظيم الدولة بها. فضلا عن ضمان منفذ لها عبر الحدود العراقية- السورية، وتحديدا معبر الوليد المقابل لمعبر التنف السوري. أضف إلى ذلك ضمان تواجد ميليشيات تابعة لها في منطقة الحدود العراقية مع السعودية. هذا الإحكام الاستراتيجي الذي تحاول إيران فرضه في العراق - عبر السيطرة على قرارات الحكومة العراقية فيما يتعلق بمواجهة داعش والمرحلة التالية عليها - يخلق بمرور الوقت اتجاها مضادا من جانب التيارات العشائرية السنية، ويدفع العديد منها إلى التطرف، وتبني أفكار تنظيم الدولة صاحب التيار الديني السني كأحد وسائل مواجهة السيطرة الشيعية الإيرانية على العراق. مكمن التخوف هنا، وبعد إعلان الانتصار على داعش في تلك المحافظات، أن مشروع توظيف داعش كوسيلة لمواجهة السيطرة الشيعية في العراق على المدن السنية، لايزال يلقى قبولا شعبيا من أبناء وعشائر تلك المحافظات، ولو على المستوى النظري (فكريا). ويأتي التحدي هنا في حالة عدم قدرة الحكومة العراقية على استيعاب هذه المدن سياسا واجتماعيا؛ لأن ذلك قد يدفع عشائر تلك المدن إلى خيار تبني أفكار داعش من جديد. 

- تصاعد الأزمات السياسية في عدد من المناطق المحررة بصورة تهدد حالة "الأمن الهش" في هذه المناطق؛ بما قد يخلق مُسببات لعودة الجماعات المتطرفة للتمركز فيها، وهي أزمات يتطابق فيها البعد السياسي مع حالة الانقسامات التقليدية الموجودة في العراق كالصراعات الطائفية والعرقية التي عادت للظهور مجددا على الساحة. من ذلك، على سبيل المثال، الخلاف بين ممثلي محافظة نينوى وبين الأحزاب الشيعية المسيطرة على الحكومة العراقية، والتي وصلت في أغسطس من العام 2017 إلى حد المواجهة المسلحة بين عشائر المحافظة (مقاتلو حرس نينوى السنة) وعناصر ضمن الحشد الشعبي (الشيعة). ومع مطلع العام 2018 برز خلاف من نوع آخر في المحافظة تمثل في التنافس بين القوى السياسية السنية والشيعية على تمثيل المحافظة استعدادا للانتخابات المحلية والبرلمانية في مايو 2019. هذا فضلا عن الخلافات بين قوى المحافظة على حصة العشائر من عقود عملية إعادة الإعمار. يضاف إلى ذلك حدوث عدة تطورات في محافظات صلاح الدين والأنبار؛ حيث تم اعتقال محافظ الأولى على خلفية قضايا فساد، بينما تم إقالة محافظ الثانية بعد ضغوط مارسها أحد التحالفات السياسية داخل المحافظة على الحكومة. هذه التطورات لها أهميتها، خاصة أنها تستبق مرحلة الاستعداد للانتخابات، لاسيما الأهمية التي يعكسها الاستقرار من عدمه في محافظة الأنبار كونها واقعة في نطاق الحزام الجغرافي الذي يربط العراق بكل من سوريا والأردن. ومن ثم، فإن صراعات القوى بالمحافظات المستعادة تؤثر سلبا على حالة الاستقرار والأمن بها. وهي حالة تكاد تشبه الحالة التي كانت عليها تلك المدن قبيل مهاجمة تنظيم الدولة لها، باستثناء أن حكومة العبادي الحالية تحاول إبعاد أجهزة الأمن بتلك المحافظات عن الخلافات والصراعات الداخلية الموجودة بين القوى السياسية بالمحافظة.

- حالة الغموض التي تكتنف عملية إعادة إعمار المناطق المحررة، فضلا عن كونها عملية معقدة لاسيما في المناطق الأكثر دمارا كمدن الرمادي والفالوجة (محافظة الأنبار) والموصل (محافظة نينوى)، حيث إن الجهات المانحة للدعم المادي للمساهمة في جهود إعادة الإعمار لن تتخذ خطوات جادة في هذا الشأن، طالما لم يتضح المسار الحكومي بشأن فرض الأمن والاستقرار في المناطق المستعادة من داعش. ناهيك عن تحسبها لما ستنتجه الانتخابات البرلمانية القادمة، والقوى التي ستشكل الحكومة الجديدة. هذا بخلاف أن مشروعات إعادة تأهيل البنية التحتية التي يقوم بها كل من صندوق النقد الدولي والأمم المتحدة في محافظة الأنبار غير كافية لمعالجة حجم الدمار الشامل التي تعرضت له المدينة.

ملف PDF مرفق لقراءة الدراسة كاملة