»

أيديولوجيا الإعلام الإسرائيلي في تغطية الشأن الفلسطيني

01 آذار 2018
أيديولوجيا الإعلام الإسرائيلي في تغطية الشأن الفلسطيني
أيديولوجيا الإعلام الإسرائيلي في تغطية الشأن الفلسطيني

اصدر مركز الجزيرة للدراسات دراسة حول "أيديولوجيا الإعلام الإسرائيلي في تغطية الشأن الفلسطيني" أرتأى المركز نشرها للإطلاع والإستفادة كما يلزم علماً أن المركز لا يتبنى بالضرورة وجهات النظر الواردة في الدراسة وكذلك المصطلحات المستخدمة فيها.

تبرز الدراسة مرتكزات الخطاب الإعلامي الإسرائيلي في تغطية الشأن الفلسطيني، والصورة التي يشكلها عن الذات الفلسطينية، ومدى تحكم العامل الأمني في مخرجاته، لاسيما خلال الحروب والأزمات السياسية؛ حيث تمارس المؤسسة العسكرية والأمنية سطوتها على ما يبثه الإعلام الإسرائيلي؛ مستلهما الأيديولوجية الصهيونية.

مقدمة 

يبدو صعبًا إدراك أبعاد العمل الإعلامي الإسرائيلي دون فهم الأهداف القومية الإسرائيلية العامة، وما يتفرع عنها من أهداف خاصة، والتلازم الكامل القائم بين العمل الإعلامي الإسرائيلي وتلك الأهداف. وهنا يمكن رصد ملاحظات عامة على الإعلام الإسرائيلي الذي يغطي الأحداث الفلسطينية، منها:

خضوعه مباشرة لأجهزة الأمن الإسرائيلية، فهو لا يزال إعلامًا ذا مدلولات أمنية، مرتبطًا وموجَّهًا، ويحتل العامل الأمني مركز الأهمية القصوى في تعامل الحكومة مع وسائله.
ترسيخ آراء مختلفة ومشوشة في نفوس الجمهور العربي الفلسطيني الذي ظل مكشوفًا، وإلى حدٍّ كبير، للإعلام الإسرائيلي، ولم تكن هناك وسائل أخرى قادرة على التصدي، ومقاومة هذا التأثير.
تبذل الحكومة الإسرائيلية بمختلف وزاراتها جهودًا حثيثة على المستوى الإعلامي تحقيقًا لأهدافها السياسية، عبر سلسلة من الإدارات المتخصصة، لاسيما وزارة الخارجية التي تعتبر بكاملها جهازًا إعلاميًّا متكامل النشاطات، بل تُعَدُّ ركيزة الإعلام الإسرائيلي الخارجي، الموجه لدول وشعوب العالم الخارجي، الساعية للحصول على تأييد دولي عالمي فيما يتعلق بالسياسة الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية.
تستقطب الدوائر الإعلامية الإسرائيلية كوادر إعلامية متنفذة من جميع بلدان العالم، خاصة أميركا وأوروبا، والتعاقد مع شركات كبرى تعمل في مجال الدعاية، والتأثير في الرأي العام.
تقوم الدوائر الرسمية الإسرائيلية بإرسال إعلاميين وصحفيين يهود للخارج، لتعميم تلك الثقافة المطلوبة، عبر مطويات ونشرات ووسائل دعائية تكلف الملايين، لنشرها وبثها عبر عواصم العالم.
تنظيم زيارات دورية لعدد من الصحفيين العرب، لمحاولة تغيير الصورة النمطية عن إسرائيل في الذهنية العربية، وكان آخرها في أوائل فبراير/شباط 2018. 

وقد نظر الإعلام الإسرائيلي للصراع مع الفلسطينيين والعرب منذ بداياته الأولى، من منظار الأمن، وكثيرًا ما يكتفي بما تمليه عليه الأجهزة الأمنية من معلومات، مستخدمة التضليل فيها؛ حيث انتهج الإعلام الإسرائيلي منذ بداية هذا الصراع، مبادئ أساسية في تغطيته لأحداثه، وهي:

اللمسة الإنسانية، من حيث ذكر أسماء الآباء والأطفال اليهود، مما يضفي الطابع الإنساني والشخصي على ما تسميه "الإرهاب" الفلسطيني الذي تواجهه إسرائيل كل يوم.
السؤال البلاغي، حتى المؤيدون للفلسطينيين يواجهون صعوبة في الإجابة عن الأسئلة الموجهة إليهم، حيث انتهج المتحدثون الإعلاميون الإسرائيليون طرح المزيد من الأسئلة البلاغية غير القابلة للإجابة كجزء من جهودهم الإعلامية.
الاعتراف بوجود فرق ثقافي بين الإسرائيليين والفلسطينيين لكي يجد الغربيون أنفسهم قريبين من الإسرائيليين، نظرًا لاشتراكهم في الثقافة نفسها، وكذلك التقاليد والقيم. 

ورأى المحرِّرون في وسائل الإعلام الإسرائيلية أن التعددية الفكرية والاختلافات الأيدلوجية بينهم، يجب ألا تشكِّل عائقًا أمام تجنيد وسائل الإعلام بشكل تام، لخدمة الهدف الاستراتيجي الأعلى، وهو تجسيد مشروع الوطن القومي اليهودي في فلسطين. ومن ثم فإن الملاحظة الاستكشافية لتغطية وسائل الإعلام الإسرائيلية للشأن الفلسطيني منذ نشأتها، تُبيِّن أن النظرة لطرف الصراع الآخر، وهو الشعب العربي الفلسطيني، لم تختلف بين التيارات الفكرية والعقائدية المتصارعة اختلافًا جديرًا بالانتباه والتسجيل(1). 

1- الإطار المنهجي للدراسة 
‌أ. مشكلة الدراسة 

تشير المراجعة النقدية لأداء الإعلام الإسرائيلي إلى أنه بات من الميادين المرتكزة على الترغيب والإثارة، وغسيل الدماغ، والتلاعب بالعواطف، ولم يعد مجرد أفكار أو مقولات، بل يقوم على مخطط دعائي يشمل الأهداف والأدوات والمراحل، والمنطق الفكري والأسانيد والحجج المتماسكة، بحيث يتوجه لأشخاص لتغيير استجاباتهم عبر الإقناع، ويقوم على فكرة اكتشاف الحادث الصغير، ثم تضخيمه، والتهويل من أمره، وخلق نوع من الجدل حوله. وتعتبر وسائل الإعلام الإسرائيلية حلقة مهمة في سلسلة حلقات ضبط العلاقة مع الفلسطينيين، ومهمتها إملاء المواقف المحددة في الموضوعات الأمنية. ورغم التطور الكبير الذي شهده الإعلام الإسرائيلي في النقاشات اليومية والشؤون السياسية، لاسيما تلك المرتبطة بالفلسطينيين، فلا يزال الجانب الأمني متحكمًا في انطلاقته، فارضًا نفسه بقوة عليه، بداعي المصلحة الأمنية، كما لا تزال بعض الموضوعات التي تهم الفلسطينيين تعتبر أسرارًا لا يمكن للصحافة الإسرائيلية التعاطي معها، حتى لو روجتها وسائل الإعلام الخارجية. 

وفي هذا السياق، تسعى الدراسة إلى تحديد أطر وأبعاد الصورة الذهنية التي يُشكِّلها الإعلام الإسرائيلي عن الذات الفلسطينية، وإبراز مدى تحكم العامل الأمني في تغطية الشأن الفلسطيني، لاسيما في أوقات الحروب والأزمات السياسية؛ حيث تمارس المؤسسة الأمنية الإسرائيلية صلاحياتها وسطوتها على ما تبثه وسائل الإعلام الإسرائيلية، وهو ما ستظهر آثاره في تحليل الخطاب الإعلامي الإسرائيلي. 

‌ب. تساؤلات الدراسة 

تطرح الدراسة جملة من التساؤلات عن أبعاد الصورة الذهنية التي يُشكِّلها الإعلام الإسرائيلي عن الإنسان الفلسطيني، والذات الفلسطينية، ووظائفها ودورها في سياق الصراع الرمزي (لغةً وخطابًا) والعسكري الذي تُسخِّر له إسرائيل جميع إمكاناتها ومواردها وعلاقاتها:

كيف استطاع الإعلام الإسرائيلي تكوين صورة نمطية عن الفلسطينيين في وسائله المختلفة المرئية والمسموعة والمكتوبة؟
ما مكونات الصورة التي يرسمها الإعلام الإسرائيلي للإنسان الفلسطيني وأبعادها المعرفية والنفسية والسلوكية؟
ما السرديات أو الأطروحات المؤسِّسة للخطاب الإعلامي الإسرائيلي بشأن الذات الفلسطينية؟
ما استراتيجيات القائم بالاتصال في بناء محتوى الرسالة الإعلامية وصوغ الصورة الذهنية/النمطية للفلسطينيين؟ وما دلالاتها؟
ما وظائف الخطاب الإعلامي الإسرائيلي في تشكيل تلك الصورة؟
كيف نشأت تلك العلاقة الجدلية بين وسائل الإعلام الإسرائيلية والمنظومتين السياسية والأمنية، بتعاطيها جميعًا مع الأحداث الفلسطينية، وكأنها جميعًا تنهل من معين واحد؟
من أين اكتسبت وسائل الإعلام الإسرائيلية تلك الأهمية التي تفوق بأضعاف نظيرتها الفلسطينية والعربية في تغطيتها للشأن الفلسطيني، وقدرتها على تكوين صورة سلبية عنهم، وترويجها لدى الأوساط السياسية الغربية والدولية؟ 

‌ج. أهداف الدراسة 

تهدف الدراسة من خلال تحليل خطاب وسائل الإعلام الإسرائيلية إلى الخروج بصورة أكثر تعبيرًا عن حقيقة الأداء الإعلامي الإسرائيلي، وفي علاقته بالتَّمثُّلات والمدركات التي يشكِّلها تجاه الذات الفلسطينية، وتقديم عرض جلي لأنواع الخطاب الإعلامي الإسرائيلي ومضامينه، وصولًا إلى فهم وإدراك طبيعته، واستكشاف آلية أداء الإعلام في زمن الحروب الإسرائيلية. 

‌د. مجتمع البحث وعيِّنته 

لن تقتصر الدراسة على وسائل إعلام إسرائيلية بعينها، بل ستلجأ لإجراء مسح شبه كامل لمختلف هذه الوسائل المرئية والمسموعة والمكتوبة، باعتبار كلِّ واحدة منها تحظى بأهمية خاصة عن سواها، وإن كانت الصحف المقروءة لها ميزة تفوق نظيراتها؛ لأنها في متناول جميع الإسرائيليين، ولديها القدرة على تكوين صورة نمطية عن الفلسطينيين، لكن الدراسة في الوقت ذاته لن تهمل باقي الوسائل، حسب ما تقتضيه الحاجة. 

ويشمل مجتمع الدراسة مختلف وسائل الإعلام الإسرائيلية، المكتوبة والمقروءة والمسموعة والإلكترونية، دون تحديد إطار زمني بعينه، وقد حرصت الدراسة خلال تحليل بعض المفردات على العودة إلى عينات منتقاة من الشواهد التي تؤيد ما ذهبت إليه الدراسة في بعض فقراتها. أما مفردات أو وحدات مجتمع الدراسة فتضم إذاعة الجيش الإسرائيلي، والقناة التليفزيونية "كان"، والقناة الثانية، والقناة العاشرة، والصحف اليومية: يديعوت أحرونوت، ومعاريف، وهآرتس، وإسرائيل اليوم، والمواقع الإخبارية على شبكة الإنترنت. وتسلِّط الدراسة الضوء على أداء الإعلام الإسرائيلي تجاه الفلسطينيين بين عامي 1987 و2017، وهي السنوات التي شهدت تطورات سياسية وأمنية كبيرة بين الجانبين، أهمها: انتفاضة الحجارة 1987، وانتفاضة الأقصى 2000، وانتفاضة القدس 2015، وبينها حروب غزة 2008، 2012، 2014، وصولًا إلى إضراب الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية في 2017. 

‌ه. منهجية الدراسة وأدواتها 

تعتمد الدراسة التحليل النقدي للخطاب الإعلامي مرجعيةً تحليلية لتفكيك الصورة الذهنية للذات الفلسطينية في الإعلام الإسرائيلي من خلال دراسة الطرق التي تستخدم بها الأشكال اللغوية في مختلف تعابير هذا الإعلام، والكشف عن المضمرات الأيديولوجية والثقافية في الخطاب. كما تستعين ببعض الأدوات الإجرائية الخاصة بتحليل الصورة الذهنية للذات الفلسطينية، سواء من خلال استحضار الشواهد المرفقة، أو استخدام أسلوب المقارنة في تغطية الإعلام الإسرائيلي للشأنين الفلسطيني والإسرائيلي في بعض المحطات، فضلًا عن استحضار الجوانب الشخصية لبعض الكُتَّاب والمراسلين وإظهار مدى ارتباطهم بالمؤسستين العسكرية والأمنية، واستخدام وسائلهم الإعلامية للتعبير عن الموقف الرسمي الإسرائيلي. ويمكن المباشرة في تحليل الأداء الإعلامي الإسرائيلي للشأن الفلسطيني من خلال استعراض أهم محاوره المشتركة، سواء ما تعلق منها بالتركيب المعجمي للخطاب الإعلامي الإسرائيلي، أو البناء الدلالي للذات الفلسطينية في الإعلام الإسرائيلي، وأبعاده الفكرية والعاطفية والسلوكية، وسواهما، حيث يتضح ذلك من خلال المحاور التالية. 

2- الخطاب الإعلامي الإسرائيلي وأطره السياسية والعقائدية 
أ‌. الحرب النفسية تجاه الفلسطينيين 

تعتبر الحرب النفسية إحدى مفردات الإعلام الإسرائيلي، الذي يشنُّ هجومًا مبرمجًا يستهدف التأثير على عقول الفلسطينيين ونفسياتهم، كي يصيبهم الوهن والإحباط والتفكك والاضطراب، ثم تحويل وجهتهم بصورة مخالفة لأهدافهم ومصالحهم، وهذه العملية تتميز بأنها مفاجئة سريعة هادئة تعتمد على الاستدراج البطيء والغفلة والسذاجة. ويمكن القول: إن الحرب النفسية التي يشنها الإعلام الإسرائيلي تجاه الفلسطينيين تساعد في تحليل صورة الفلسطيني في الخطاب الإعلامي الإسرائيلي من خلال انتهاجه لأساليب ووسائل تستخدمها أجهزة أمنية إسرائيلية كنشر الإشاعات، والتعتيم الإعلامي، وتكرار الحديث عن بعض الظواهر لأسباب أمنية في ثوب إعلامي. 

وتتخذ هذه الحرب الإعلامية الإسرائيلية طرقًا ووسائل عديدة في تحقيق الأهداف بصورة مرحلية، عبر إثارة الإشاعات والبلاغات الكاذبة والدعايات في صفوف الجماهير الفلسطينية، بهدف غرس الخوف والرعب والتمزق في نفوسهم من جهة، وهز ثقتهم بقياداتهم من جهة أخرى. وأوكلت إسرائيل إلى التليفزيون والإذاعة الناطقين باللغة العربية مهمة شن حرب نفسية لا هوادة فيها على الفلسطينيين والعرب، والتأثير بشكل واضح ومقصود على روحهم المعنوية وحالتهم النفسية، سواء في المناطق المحتلة أم داخل الخط الأخضر، أم خارجهما. ومن ثم هدف الإعلام الإسرائيلي منذ مرحلة مبكرة من تأسيسه إلى تشويش وتشويه المعلومات، وهز الثقة بالنفس لدى الجماهير العربية عامة والفلسطينية خاصة(2). 

ولا ننسى أن هذه الإذاعة كانت السبَّاقة إلى التأثير السلبي على نفسية الفلسطينيين، ومن ذلك:

رفع الأعلام البيضاء للمقاتلين العرب خلال حرب 1967.
بيانات قِفْ وفَكِّرْ، وترويج شائعات مقتل قيادات فلسطينية في حرب لبنان 1982.
الترويج لمقولة: الجيش الذي لا يقهر. 

وهناك ملاحظات عامة على الإعلام الإسرائيلي في تعامله تجاه الفلسطينيين، ومنها:

الخضوع بشكل مباشر وغير مباشر لأجهزة الأمن الإسرائيلية؛ حيث يُدار بعضها من داخل ديوان رئيس الوزراء، لاسيما الإذاعة الناطقة باللغة العربية، التي تحمل مدلولات أمنية، فهي مرتبطة وموجهة للمحيط الشعبي الفلسطيني الهائل، ويحتل العامل الأمني مركز الصدارة والأهمية القصوى في تعامل الحكومة الإسرائيلية معها.
تقوم برامج الإذاعة والتليفزيون في إسرائيل بترسيخ آراء مختلفة ومشوشة في نفوس الجمهور الفلسطيني الذي ظل مكشوفًا لها، ولم تكن هناك وسائل عربية وفلسطينية قادرة على التصدي لها، ومقاومة تأثيرها.
يحظى الإعلام الإسرائيلي باهتمام عدد لا يستهان به من المستمعين الفلسطينيين لأسباب عديدة لعل أهمها تلك الفجوة وعدم الثقة بين المستمع الفلسطيني والإذاعات المحلية.
استُخدمت الإذاعة الإسرائيلية الناطقة بالعربية على سبيل المثال، من قبل المخابرات الإسرائيلية كمصدر للمعلومات السياسية والأمنية، وذهبت هذه الأجهزة بعيدًا في توظيفها، لتكون أدوات طيعة في عملها في مجال إسقاط الفلسطينيين والعرب، ودفعهم للعمل لصالحها من خلال بعض البرامج الاجتماعية والفنية. 

ب‌. توصيف الانتفاضات 

انطلق الإعلام الإسرائيلي من مواصفات محددة لخدمة أهدافه، وإن اختلفت تبعًا لمتغيرات الواقع الزمانية والمكانية، وهذه المنطلقات:

الجماعات اليهودية في واقع الأمر أمة يهودية واحدة، لابد من جمع شمل أعضائها لتأسيس دولة يهودية في فلسطين.
تحطيم معنويات الفلسطينيين والعرب، وتحطيم الشخصية العربية.
التزام الصمت الكامل حيال الفلسطينيين لتغييبهم، ووصفهم بالصفات السلبية المطلقة.
إسرائيل ليست دولة معتدية بل تحاول الحفاظ على بقائها وأمنها، وتختلف طبيعة الدفاع عن البقاء من فترة لأخرى.
إبراز الحقوق التاريخية المطلقة للمستوطنين، والإغفال المتعمد لحقوق الفلسطينيين أصحاب الأرض.
التهديد المستمر الذي يتعرض له اليهود من الفلسطينيين يوجب عليهم البقاء مستعدين.
المستوطن اليهودي في إسرائيل قوي للغاية، وهو قادر على البقاء وسحق أعدائه وضربهم في عقر دارهم.
إسرائيل واحة للديمقراطية الغربية في وسط عالم عربي متقلِّب.
التذكير المستمر بالإبادة النازية لليهود لاستمرار ابتزاز العالم الغربي، وتبرير عملية اقتلاع الفلسطينيين من بلادهم(3). 

منذ أن اندلعت الانتفاضات الفلسطينية على اختلاف مراحلها التاريخية: انتفاضة الحجارة 1987، وانتفاضة الأقصى 2000، ثم انتفاضة القدس 2015، سعت إسرائيل لفرض تعتيم إعلامي عليها، والتقليل من أهمية المواجهات بين الفلسطينيين والجنود الإسرائيليين، ونشر أرقام مُضَلِّلة حول عدد الشهداء الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، أو في الأراضي المحتلة عام 1948. وحاول الإعلام الإسرائيلي إبعاد موضوع هذه الانتفاضات عن موقع الصدارة في الصفحات الأولى من صحافته، ونشراته الإخبارية، فتركزت الأخبار والعناوين الأولى في الغالب حول الخلافات الحزبية والانتخابات المبكرة لرئاسة الوزراء، والمفاوضات الفلسطينية-الإسرائيلية، والاهتمام ببعض الأخبار العالمية على حساب الأخبار والعناوين المتعلقة بهذه الانتفاضات الفلسطينية. 

وفي فترة لاحقة، تبدَّل المنهج الإعلامي الإسرائيلي وأسلوب التغطية باتجاه تصوير أحداث هذه الانتفاضات، وكأنها اشتباكات مسلحة بين مسلحين فلسطينيين والقوات الإسرائيلية، لتبرير القصف العشوائي الإسرائيلي العنيف ضد الأحياء السكنية الفلسطينية. وما لبثت أن أضحت هذه الانتفاضات مادة غنية للتشويه في الإعلام الإسرائيلي، فعمل على إعادة تشكيل الأحداث عبر طاقم صحفي إعلامي يدرك فن التلاعب بالعقول والمشاعر بهدف عزل الانتفاضات وحصرها في إطار أعمال عنف فلسطينية موجهة ضد الإسرائيليين(4). 

لقد تجاهلت وسائل الإعلام الإسرائيلية أن هذه الانتفاضات بمختلف أسمائها بدأت كردود فعل على الاستفزازات والإهانات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، مما كان يؤدي لانطلاق مظاهرات احتجاجية في أنحاء مختلفة من الضفة والقطاع، بل وداخل الخط الأخضر، فيما اكتفت وسائل الإعلام الإسرائيلية بتصويرها كأعمال شغب واضطرابات واعتداءات فلسطينية على الجنود الإسرائيليين. 

ويمكن إجمال المنطلقات التي انطلق منها الإعلام الإسرائيلي في توصيفه لأحداث هذه الانتفاضات على النحو الآتي:

الفلسطيني هو المعتدي، والإسرائيلي هو المعتدى عليه، وهذا نهج اتخذته وسائل الإعلام الإسرائيلية دون استثناء؛ فما يحدث في الأراضي الفلسطينية اعتداء من الشبان الفلسطينيين ضد جنود الجيش(5).
الفلسطينيون بدأوا الحرب، والإسرائيليون يدافعون عن أنفسهم، ومن ثم تقدم وسائل الإعلام الإسرائيلية جميع الأعمال والممارسات التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي باعتبارها "رد فعل على العنف الفلسطيني"، وهو إطار/وتأطير يجافي الحقيقة والموضوعية، فكلمة "رد فعل" توفر ضمنيًّا سببًا للقيام بالهجوم، وتفسر الأمر بنفسها، ووسائل الإعلام التي تتبع نهج الحكومة الإسرائيلية بولاء شديد، لم تتساءل مثلًا: لماذا قام الجيش بقصف مناطق مدنية وبيوتًا سكنية؟ بل يلقون بالمسؤولية على الطرف الآخر.
تبرئة ساحة الاحتلال وممارساته من اندلاع هذه الانتفاضات، فكثيرًا ما ادعى المراسلون الإسرائيليون أن خطبة الجمعة في المسجد الأقصى تضمنت عبارات تحريضية ساعدت على إلهاب مشاعر المصلين، وليس مشاهد الجنود المدججين بالأسلحة وهم يفتشون المصلين بصورة مذلة ومهينة.
العمل على إبراز السلبيات والأخطاء التي اعترت بعض أحداث الانتفاضات، وتسليط الأضواء عليها، وإلهام السامع والمشاهد والقارئ باحتلالها مساحة تفوق واقعها العملي، ومنها إطلاق النار من بين المنازل الفلسطينية باتجاه المستوطنات الإسرائيلية، وبث بعض الأكاذيب واختلاق أخبار غير حقيقية تهدف لاختراق وحدة الفلسطينيين.
اختيار قضية اجتماعية أو سياسية أو اقتصادية، واتخاذها محورًا للدعاية والإشاعات عبر التهويل تارة، أو اختلاق إشاعة تستند لتلك القضية بشكل ما تارة أخرى، كالتركيز على مقتل عدد من العملاء للمخابرات الإسرائيلية على يد رجال المقاومة، وتصوير أن الفلسطينيين يستغلون أحداث الانتفاضات لتصفية حسابات شخصية وثأرية.
التزام الإعلام الإسرائيلي أسلوب التكرار في نقل خبر فلسطيني معين، كأن يشار إلى أن ناطقًا أو جهة موثوقة أكدت النبأ بمناسبة ودون مناسبة حتى تغرس الفكرة في نفوس المتلقين لهذه الوسيلة الإعلامية، لاسيما الأخبار التي تأخذ طابع إثارة الفتن الداخلية.
اعتمدت وسائل الإعلام الإسرائيلية التركيز على المناوشات التي تحدث في بعض الأحيان بين عناصر الفصائل الفلسطينية، وتضخيمها قدر الإمكان، وحبك الروايات الخيالية التي توهم المشاهد وكأن الفلسطينيين على أبواب حرب أهلية. 

‌ج. الرقابة العسكرية 

تعتبر الرقابة العسكرية حلقة مهمة في سلسلة حلقات تعامل الإعلام الإسرائيلي تجاه الفلسطينيين، ومهمتها إملاء المواقف المحددة في الموضوعات الأمنية، ورغم التطور الكبير الذي شهدته وسائل الإعلام الإسرائيلية في مجال النقاشات اليومية والشؤون السياسية، إلا أن الجانب الأمني ما زال متحكمًا في انطلاقتها، فارضًا نفسه بقوة عليها، بداعي المصلحة الأمنية. وهناك بعض الموضوعات تعتبر أسرارًا لا يمكن للصحافة التعاطي معها، حتى لو روجتها وسائل الإعلام الخارجية، ومن هذه الأمثلة: العمليات الاستشهادية، وخطف الجنود ومقتلهم. وقد قرر الجيش الإسرائيلي تقليص التغطية الإعلامية لعملياته في المناطق الفلسطينية، بعد سماع انتقادات حكومية وجهتها إليها؛ لأن صور الجنود المحتلين ليست مرغوبة "لمن هم وراء البحار"، وبالتالي تم تغيير السياسة بحيث تتحول لتواجد مكثف للجنود مقابل تغطية إعلامية محدودة، والقول بأن الأمر يدور عن عملية محدودة، وليس احتلالًا واسعًا(6). 

ليس ذلك فحسب، بل إن وسائل الإعلام الإسرائيلية واجهت مطالبات عديدة بعدم بث بعض الأخبار والأحداث بحجة أنها مواد دعائية معادية، ومنها خطابات زعماء المنظمات الفلسطينية؛ لأن هدف هذه الخطابات بث الخوف واليأس وسط الجمهور الإسرائيلي. كما أن بث أشرطة الفيديو لمنفذي العمليات الفدائية في وسائل الإعلام الإسرائيلية لا يخدم الهدف الرسمي، بل يخدم التأويلات المقصودة لـ"العدو"، ومن ثم يجب على الإعلام الإسرائيلي ألا يتعاون معه في هذا المجال، ولم يعد الجمهور الإسرائيلي معنيًّا بأن يصل "الفلسطيني الانتحاري" في المساء إلى صالون بيته، بعد أن زاره ظهرًا في المجمع التجاري. وكانت حجة الحكومة الإسرائيلية في هذا المنع أن "تلك الزعامات الفلسطينية أعداء لنا"، ولا يمكن أن نقدم لهم منصة للخطابة. 

وكجزء أساسي في العملية الرقابية، استخدمت وسائل الإعلام الإسرائيلية عددًا من المصطلحات الانتقائية الدلالة والتعبير فيما يتعلق بالأحداث التي تخص علاقة إسرائيل مع الفلسطينيين؛ حيث لم يقتصر اختيارها على مصطلحات معينة لتستعمل مرة واحدة فقط، بل من الملاحظ أن كثرتها أصبحت ثابتة، وذات استعمالات متكررة في حالات مختلفة، وتجدر الإشارة إلى أن أسلوب الانتقائية في إيراد المصطلحات ليست قاعدته صحفية إعلامية فحسب، بل هي في عمقها سياسية وعقائدية(7). 

وتساوق الإعلام الإسرائيلي مع المؤسسة الأمنية التي أملت عليه عددًا من المصطلحات للتعامل مع الملف الفلسطيني، وأصبحت فيما بعد جزءًا من قاموس الإعلام الإسرائيلي اليومي، ويوضح الجدول الآتي رقم (1) التناقض الواضح في المصطلحات والمفاهيم بين الخطاب الإعلامي الإسرائيلي والفلسطيني، كاشفًا اختلاف المرجعيات والهويات.  

لقراءة الدراسة كاملاً من خلال ملف PDF المرفق