»

الإسلاميون المغاربة وفشل الانتقال لما بعد الحركة الإسلامية قراءة في مخرجات المؤتمر الثامن لحزب العدالة والتنمية

02 شباط 2018
الإسلاميون المغاربة وفشل الانتقال لما بعد الحركة الإسلامية قراءة في مخرجات المؤتمر الثامن لحزب العدالة والتنمية
الإسلاميون المغاربة وفشل الانتقال لما بعد الحركة الإسلامية قراءة في مخرجات المؤتمر الثامن لحزب العدالة والتنمية

اصدر مركز الجزيرة للدراسات دراسة حول "الإسلاميون المغاربة وفشل الانتقال لما بعد الحركة الإسلامية قراءة في مخرجات المؤتمر الثامن لحزب العدالة والتنمية" أرتأى المركز نشرها للإطلاع والإستفادة كما يلزم علماً أن المركز لا يتبنى بالضرورة وجهات النظر الواردة في الدراسة وكذلك المصطلحات المستخدمة فيها.

جاء المؤتمر الثامن لحزب العدالة والتنمية في ظرفية حساسة للحزب لم يعرف لها مثيلًا في تاريخه؛ حيث كان التصدع الداخلي يهدد بشق الحزب إلى نصفين، ما بين تيار "محافظ" يتفادي الصدام مع الدولة والمؤسسة المَلَكية وتيار "إصلاحي" يطالب باحترام الإرادة الشعبية والانحياز لاختياراتها مهما كلف الثمن.

مقدمة 

في بحث سابق حول الجذور الاجتماعية للحركة الإسلامية (1)، كنا قد بيَّنا أن ظاهرة الحركات الإسلامية هي ظاهرة حديثة متعلقة بإشكالات الدولة الحديثة في المنطقة العربية وعملية "التحديث القسري" التي عرفتها هذه المجتمعات بعد مجيء الاستعمار الأوروبي بداية القرن العشرين، وبالضبط كردَّة فعل تاريخية قامت بها البنيات الاجتماعية التقليدية المحطَّمة (المجتثُّون بتعبير بورديو) في هذه المجتمعات، نتيجة إخفاق عملية التحديث وتكريس مأزق الدولة الحديثة فيها، متبنية خطابًا ثقافيًّا هوياتيًّا (المرجعية الدينية الإسلامية) يبدو في السطح رافضًا للحداثة ومقاومًا لها، إلا أنه في عمقه تعبير عن رفض نتائج عملية التحديث القسري وهيمنة النخب الوريثة لمشروع الاستعمار على دولة ما بعد الاستقلال، وتبنيها للمشروع الاستعماري نفسه بقيمه ومصالحه وأدواته ذاتها وتهميش المجتمع وقواه التقليدية التي كانت تعرف تحولات عميقة نتيجة انتشار التمدين والتعليم والوظيفة العامة، ونشأة الطبقة الوسطى من رحم المجتمع التقليدي. 

وفي هذا السياق، اشتغلنا على نموذج حزب العدالة والتنمية المغربي بمقاربة إحصائية، لنبيِّن أن الأغلبية الساحقة من أعضائه ينحدرون من أصول اجتماعية تقليدية (90% منهم من أسر قادمة من الأرياف)، وُلِدوا في فترة ما بعد الاستقلال (حوالي 85% منهم)، ودرسوا في المدرسة الوطنية، والتحقوا بالوظيفة العامة (حوالي 83 % منهم في القطاع العام)، ويتمركزون في المدن الكبيرة والمناطق الحضرية (حوالي 92 % من مقاعد الحزب البرلمانية هي في المدن).

وانتقلنا إلى تحليل تحولات الخطاب في الحركة الإسلامية المغربية (وخاصة إسلاميي العدالة والتنمية)، محلِّلين هذا الخطاب ومعالمه الرئيسية وانعطافاته التاريخية، إلى حدود الربيع العربي سنة 2011.

وفي هذه الدراسة نحاول إكمال مقاربتنا لهذا المسار من خلال تحليل مرحلة ما بعد الربيع العربي، وتطور حزب العدالة والتنمية فيها، وصولًا إلى مؤتمره الثامن ونتائجه، ومحاولة استشراف مستقبله في الأفق المنظور.

التطور التاريخي لإسلاميي العدالة والتنمية بالمغرب

كانت البدايات الأولى لنشأة الحركة الإسلامية بالمغرب أواخر ستينات القرن العشرين، مع نشوء تنظيم "الشبيبة الإسلامية" سنة 1969، على يد عبد الكريم مطيع، وتمدده في الفترة ما بين 1972 و1975، لكنه سرعان ما استعجل الاصطدام بالدولة وفرَّ قادته إلى خارج البلاد، وهو ما أدى إلى انهيار التنظيم وتفككه في الفترة ما بين 1975 و1981.

كانت إحدى المجموعات التي أعلنت انفصالها عن الشبيبة الإسلامية، والمكونة أساسًا من الشباب، قد أنشأت سنة 1981 تنظيمًا جديدًا تحت اسم "الجماعة الإسلامية"، بقيادة عبد الإله بنكيران، وأعلنت في بيانها الأول تبرؤها من المرشد عبد الكريم مطيع ومن تصرفاته غير المسؤولة (2). وتبنت هذه الجماعة الجديدة مجموعة من المبادئ تقوم على نبذ السرية والعنف، والانفتاح على المجتمع، والتدرج في الخطاب والممارسة. بينما احتفظت هذه الجماعة بنفس الخطاب الدعوي الإسلامي القائم على الدعوة لتحكيم الشريعة الإسلامية ومحاربة الانحراف عن الدين في المجتمع، مستندة على نزعة هوياتية ترى أن سبب تخلف المجتمع راجع إلى عدم التزامه بالدين الصحيح، فمشكلة التعليم سببها ضعف المقررات الدينية، ومشكلة الاقتصاد هي الربا، ومشكلة الإدارة هي الترخيص للقمار والخمور...إلخ (3).

ترافقت مرحلة الثمانينات في المغرب مع موجة مراجعات عامة قام بها التيار الإسلامي في مجمل العالم العربي، بعد النتائج الكارثية لاستعجال الصدام مع الأنظمة الحاكمة، والهزائم المتتالية التي تعرض لها، والتي بلغت حدَّ المجازر الدموية، خاصة في الحالة السورية (مجزرة حماة في عام 1982). وفي هذا السياق، شارك عدد من رموز الحركات الإسلامية المغتربين في الخارج، في بلورة خطاب نقدي جديد يرفض العنف كأداة للتغيير ويرفض استعجال الاصطدام بالأنظمة القمعية ونتائجه الكارثية، ويدعو إلى تجديد الدين والنهضة الحضارية الشاملة...إلخ، مستفيدًا من تأصيلات مفكرين من قبيل مالك بن نبي وجودت السعيد، وأسهمت مجلة "الأمة" القطرية التي كانت تصدر في الدوحة في ترويج هذا الخطاب الجديد، والذي تُوِّج بتأسيس المعهد العالمي للفكر الإسلامي بفرجينيا في الولايات المتحدة الأميركية، ومحاولة توجيه الاهتمام إلى مجالات عمل جديدة تحت شعار "البدائل الإسلامية" (أسلمة المعرفة، الاقتصاد الإسلامي، الأدب الإسلامي، الفن الإسلامي...إلخ).

كانت فترة "الجماعة الإسلامية" في المغرب، مرحلة مراجعات فكرية وسياسية ومصالحة مع مكونات الدولة والمجتمع، ابتعدت فيها الجماعة عن جميع أشكال العمل السياسي المباشر لتخوض نقاشًا داخليًّا يمهد للمرحلة المقبلة، والتي تُوِّجت بتأسيس حركة "الإصلاح والتجديد" في عام 1992، والتي يحمل اسمها دلالات واضحة على معالم التحول الذي عرفته المرحلة الماضية، والانتقال من حركة هوياتية منعزلة إلى حركة وظيفية إصلاحية مندمجة في النسيج الاجتماعي.

بقي الهاجس السياسي مطروحًا منذ أواخر فترة الجماعة الإسلامية، حيث أصدرت الحركة وثيقة "المشاركة السياسية"، سنة 1988، والتي طُرح فيها لأول مرة فكرة تأسيس حزب سياسي. وفي عام 1992، وبموازاة تأسيس حركة الإصلاح والتجديد، قُدِّم طلب تأسيس حزب " التجديد الوطني"، لكن السلطات المغربية قابلته بالرفض، ليبدأ بعدها البحث عن بدائل أخرى تتيح تنفيذ فكرة المشاركة السياسية، وجرى التواصل أولًا مع حزب الاستقلال لكن دون نتائج تذكر، ليجري بعدها التفاوض مع عبد الكريم الخطيب على أساس إعادة تجديد هياكل حزبه "الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية" وصولًا إلى تحقيق هذا الهدف مع عقد مؤتمر استثنائي للحزب في عام 1996، لإدماج جزء من الإسلاميين المغاربة في اللعبة السياسية التي كانت تعرف تحولات كبيرة مع بروز تجربة التناوب التوافقي وتعديل الدستور سنة 1996.

كانت هذه السنة، 1996، أيضًا مفصلية مع تأسيس حركة جديدة تحت اسم "التوحيد والإصلاح" نتيجة اندماج حركة الإصلاح والتجديد مع "رابطة المستقبل الإسلامي" والتي كانت عبارة عن تجمع لعدة جمعيات بعضها من بقايا الأعضاء السابقين للشبيبة الإسلامية، في إطار واحد. هكذا عرفت سنة 1996 تتويجًا لمسارين اندماجيين منفصلين أولهما سياسي/حزبي والثاني دعوي/حركي، نتج عنه ازدواجية في المؤسسات ستطبع تجربة الإسلاميين المغاربة طوال الفترة المقبلة، مع بروز ثنائية "الدعوي والسياسي" وطبيعة العلاقة المفترضة بينهما.

شارك الحزب في أول انتخابات تشريعية سنة 1997، ليحصل على 9 مقاعد في البرلمان المغربي، ويغيِّر اسمه إلى حزب "العدالة والتنمية" بعد ذلك بسنة، ويختار مقاربة "المساندة النقدية" لحكومة التناوب الأولى بقيادة عبد الرحمن اليوسفي، قبل أن ينقلب عليها ويخرج إلى المعارضة خصوصًا بعد نزول أنصاره إلى الشارع سنة 2000 خلال المعركة المعروفة بخطة "إدماج المرأة في التنمية"، ضد مشروع الحكومة القاضي بمنح النساء حقوقًا اجتماعية أكبر. وهي المعركة التي أعادت الإسلاميين المغاربة إلى المشروع الهوياتي والنزوع الصدامي في قضايا الهوية مع المكونات الأخرى للمجتمع، وهو الطابع الذي سيطغى على خطاب حزب العدالة والتنمية طوال تلك الفترة، من خلال اعتراضه المستمر على عدد من المهرجانات الغنائية والأفلام السينمائية والقضايا الإعلامية المختلفة، وغيرها من موضوعات الهوية التي كانت ترضي رغبات شرائح اجتماعية محافظة من داخل الحزب ومن خارجه.

ملف PDF مرفق