»

الرواية التفصيلية لمقتل علي عبدالله صالح وتأثير غيابه على المشهد اليمني

19 كانون الاول 2017
الرواية التفصيلية لمقتل علي عبدالله صالح وتأثير غيابه على المشهد اليمني
الرواية التفصيلية لمقتل علي عبدالله صالح وتأثير غيابه على المشهد اليمني

المقدمة:

شكّل انقلاب رئيس المؤتمر الشعبي العام الرئيس السابق علي عبدالله صالح على حلفائه ومقتله؛ مدفوعًا من قوى التحالف الدولي مرحلة انتقالية في الحرب على اليمن مع ما يحمله ذلك من تداعيات سياسية واقتصادية وعسكرية داخلية وإقليمية.

ونظرًا لأهمية هذه القضية، قام مركز الاتحاد للأبحاث والتطوير U-Feed بدراسة القضية ومعطياتها وفيما يلي يصدر تقريره المعلوماتي:

أولًا: الرواية التفصيلية لمقتل علي عبدالله صالح:

قبل البدء بسرد التفاصيل، تجدر الإشارة  إلى أن الخطوات التي قام بها صالح ضد الثورة في اليمن كان مخططًا لها منذ عدة شهورعلى المستويات السياسية والدبلوماسية والأمنية والعسكرية والدولية.

سعى الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح للحصول على غطاء داخلي وخارجي لتنفيذ مخططه المرسوم بعناية، بالتفاهم بينه وبين السعودية عبر وساطة إماراتية، تحديدًا عبر محمد بن زايد ومحمد بن دحلان وعمار صالح ابن أخ علي عبدالله صالح الموجود في الإمارات.

لم يستطع رفض الخطة رغم علمه بالمشاعر غير الإيجابية من محمد بن سلمان تجاهه، فبدأ بتنفيذها من خلال حملة تشويه ممنهجة ضد أنصار الله بتوجيه اتهامات لهم بالسرقة والفساد بهدف تعبئة الشارع ضدهم مستفيدًا من منصات التواصل الإجتماعي وغيرها من الأدوات.

بعد ذلك بدأ صالح بالبحث عن الغطاء الدولي والإقليمي بوساطة إماراتية، التي بدأت العمل من خلال محاولات محمد بن زايد لإقناع محمد بن سلمان بالخطة حيث نجح في ذلك، وظهرت تباشير هذا الاقتناع من خلال كلام محمد بن سلمان في مقابلته على قناة الأم بي سي عندما قال "لو خرج علي عبدالله صالح لتغيَّر موقفي منه"، وأنه يريد من صالح أفعال لا أقوال.

بعد إقناع محمد بن سلمان تم إعطاء صالح إشارة الجهوزية للبدء بالتنفيذ، لكن لضمان نفسه طالب صالح بعدة أمور هي:

  1.  إزالة اسمه من قائمة العقوبات.
  2. ضمان المستقبل السياسي له ولابنه أحمد.
  3. مطالب مالية محددة.
  4. إقرار الإمارات والسعودية بعدم شرعية هادي.

 وافقت السعودية والإمارات على مطالب صالح، وطلبوا منه مباشرة التنفيذ، لكنه أجَّل محاولًا المراوغة بهدف الحصول على ضمانات دولية، فوقع الخيار على روسيا كجهة ضامنة.

 بناءً لذلك، أمَّنت السعودية الضمانة الروسية بعد زيارة الملك سلمان إلى روسيا، ونقلت الأخيرة رسالة الضمانة لصالح  مع الوفد الطبي الروسي الذي زار صالح لمعالجته من آثار التفجير الذي تعرض له عام 2011.

تشير المعطيات إلى أن صالح كان ينوي المباشرة بتنفيذ الخطة في مهرجان تأسيس حزب المؤتمر الشعبي العام في 24 أغسطس/ آب 2017، ولكنه لاحظ أن الأمور ليست في صالحه خصوصًا بعد ردة الفعل المتمثلة بإغلاق مداخل صنعاء والتحرك الإعلامي وكلمة السيد عبد الملك الحوثي مع وجهاء وحكماء اليمن.

والجدير بالذكر أن الخطة كلها كانت تدور من دون علم واطلاع القادة الأساسيين في المؤتمر الشعبي العام وكان الأمر محصورًا بين علي عبدالله صالح وطارق صالح وعمار صالح حيث كان الرابط مع الإمارتيين عمار والرابط مع السعوديين علي البخيتي.

بعد التأجيل، ضغطت السعودية والإمارات على صالح باتجاه البدء بالتحرك على خلفية  استهداف أنصار الله مطار عسكري في الرياض بصاروخ و تهديد السيد عبد الملك الحوثي المستمر بقصف أبو ظبي وأوعزوا إليه بالمباشرة بالخطة.

 كان أنصارالله على علم بتفاصيل الخطة، فأرسلوا إلى صالح رسائل يحذرونه فيها من الإنجرار إلى مخططات السعودية والإمارات وأنهم يكذبون عليه، وطالبوه بمزيد من الصبر حيث الصمود سيوصل جميع اليمنيين إلى الانتصار، وكشفوا له عن علمهم التفصيلي بما يقوم به وبالأشخاص الذين يرسلهم إلى الأردن والقاهرة والإمارات بالإضافة إلى الجماعات الذين يرسلهم إلى عدن ليتواصلو مع الإمارتيين في عدن مع الضباط الميدانيين، لكنه لم يقتنع وبدأت المشاكل والاضطرابات في صنعاء. 

عندها ألقى السيد عبدالملك الحوثي كلمته الشهيرة صباح 28 تشرين الثاني/نوفمبر 2017 وناشد فيها صالح الرجوع عن قراره لتجنب الفتنة في صنعاء وكان وقتذاك قد سقط من أنصار الله ثلاثة عشر شهيدًا وأربعين جريحًا، وكان قرار أنصار الله حينها مقتصرًا على الدفاع عن النفس في محاولة لتفويت الفتنة، بعدها خرج صالح بمقابلته الأخيرة (والتي يعتقد أنها كانت مسجلة) أعلن فيها ثلاثة أمور أساسية، هي:

  1.  التعهدات لقوى العدوان، (المشكلة لم تكن بالحوار مع العدوان بل بالتعهد لهم).
  2.  نسف شرعية الحكومة والمجلس السياسي، والحديث بأن السلطة الشرعية الوحيدة في اليمن هي لمجلس النواب.
  3.  الدعوة للانتفاضة (حيث تشير المعلومات إلى تجهيز وتدريب صالح لحوالي 7000 مقاتل لهذه المرحلة).

 بعد هذا الخطاب أخذ أنصار الله قرار الحسم ظهر ذلك من خلال  الخطبة الثانية للسيد الحوثي، وسيطر صالح على ثلاث محافظات هي المحويت وحجة وإب، وكاد أن يسيطر على محافظة ذمار، ودخلت صنعاء مرحلة التهديد من السادسة مساءً حتة التاسعة صباح اليوم التالي، ولكن أنصار الله استطاعوا استرجاع محافظة إب بوقت زمني قصير، وأعادوا بسط السيطرة على كل المناطق بما فيها صنعاء عند الحادية عشر صباحًا.

قام بعدها أنصار الله برصد مكان تواجد صالح وباشروا بتطويقه ومداهمته، حصلت حينها معارك قاسية، حيث قرر صالح ومن معه الخروج في العديد من السيارات والمدرعات سلك كل موكب منها اتجاهًا بهدف تشتيت المقاتلين في أنصار الله، وكانت المواكب مدعومة بغطاء جوي من طائرات التحالف، حيث كانت تقصف النقاط الأمنية والطرقات لفتحها أمام موكب صالح، وفي نفس الوقت كانت المواكب تطلق النار على النقاط الأمنية عند وصوله إليها.

كان أنصار الله ونتيجة افتراضهم لهذا النوع من السينريوهات قد نصبوا العديد من الكمائن على الطرقات، فاستهدفوا موكبًا من المواكب في نقطة "الجحشي" التي تبعد عن منزل صالح حوالي عشرين كلم، وعن العاصمة صنعاء حوالي ثمانية وعشري كلم، حيث كان الموكب في طريقه إلى الحدا ثم إلى مأرب، تبين لهم بعد الاستهداف أن صالح كان بالفعل داخل الموكب المستهدف ما أدى إلى مقتله.

 ثانيًا: تأثير غياب صالح على المشهد اليمني:

لا شك أن وجود علي عبدالله صالح في التركيبة السياسية في اليمن ليس كغيابه، حيث من المتوقع أن ينتج عن غيابه مجموعة من التأثيرات السلبية والإيجابية، نذكر منها:

1-  مواقف الأطراف الدولية:

  • الولايات المتحدة الأميركية: انقسم موقف أميركا إلى قسمين؛ القسم الأول عبارة عن ترامب وفريقه الحاكم الذي يسعى إلى استمرار الحرب على اليمن واستثمار ورقة صالح حتى بعد مقتله، أما القسم الثاني فهم وزير الخارجية والسفراء الذين يفضلون حل الأزمة اليمنية.
  • السعودية: خسرت السعودية ورقة كبيرة عند مقتل صالح ما أدى إلى إفشال مخططها بزعزة الاستقرار الداخلي اليمني، لذا من المتوقع أنها ستلجأ إلى المزيد من الضربات والقيام بالمجازر للتعويض عن خسارتها الميدانية.
  • الإمارات: تسعى الإمارات كحليفتها السعودية إلى استثمار ورقة صالح بعد مقتله في محاولة تجييش الشعب اليمني على حركة أنصار الله من خلال بث الأخبار المزيفة في محاولة منها لتشويه صورة أنصار الله.
  • روسيا: نظرًا للعلاقة المتينة والتاريخية بين روسيا وحزب المؤتمر الشعبي العام تنظر روسيا إلى غياب صالح على أنه خسارة في نفوذها في اليمن.

 2- الأوضاع الإقتصادية:

  • يسيطر التحالف الدولي على أبرز حقول النفط والغاز  الواقعة في محافظة شبوة وحضرموت ومأرب، بالإضافة إلى توقيف محطات نفطية أخرى عن العمل مما يؤثر سلبًا على الوضع الاقتصادي.
  • يفرض التحالف الدولي بقيادة السعودية حصارًا  بحريًا وبريًا وجويًا على اليمن مانعًا من المعونات الغذائية والطبية والوسائل الحياتية من الوصول إلى الشعب اليمني، بالإضافة إلى توقف التجارة نتيجة هذا الحصار ما يؤثر مباشرة على تدهور الوضع الإقتصادي.
  •  غياب رواتب موظفي قطاعات الدولة الذين يبلغ عددهم نحو مليون ومئتي ألف موظف مدني وعسكري بسبب قرار الرئيس المخلوع هادي بنقل البنك المركزي إلى عدن بالإضافة إلى خسارة إيرادات النفط والغاز التي كانت تمثل 70 بالمئة من ميزانية اليمن، بعد سيطرة قوى التحالف الدولي على معظم الآبار النفطية.

3- الأوضاع الإنسانية

  • زيادة الحصار المفروض على الشعب اليمني وتداعياته الخطيرة على الأوضاع الإنسانية حيث كشفت المنظمات الدولية عن طفل يموت جوعًا كل 10 دقائق بالإضافة إلى تشديد قوات التحالف الدولي بمنع إدخال لقاحات للأوبئة المنتشرة والتي تسبب في وفاة أعداد ضخمة من الأطفال والنساء والشيوخ.
  • انتشار الأوبئة كالكوليرا والديفتيريا بشكل خطير وعدم تمكن المنظمات الصحية من السيطرة عليه بسبب قلة الدواء وقد كشفت تقارير أجنبية أن وباء الكوليرا هو نتيجة للأسلحة البيولوجية التي يستخدمها التحالف الدولي بحق الشعب اليمني أما وباء الديفتيريا فهو نتيجة منع إدخال اللقاح الخاص فيه.
  • تزايد عدد المهجرين من بيوتهم جراء قصف التحالف الدولي المستمر وتدميره لمنازل بأكملها بالإضافة إلى تدمير مساجد ومستشفيات ومستوصفات صحية.